من الوسط إلى الغرب.. لهذا يسعى ناشطون لنقل احتجاجات العراق

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

رغم ما تعيشه محافظة الأنبار ذات الأغلبية السنية من هدوء نسبي وتوجه نحو تعمير ما دمرته الحرب وعودة للمهجرين، فإن هناك أياديا تريد أن تعيد حالة الاضطراب للمحافظة العراقية بدعوى الحراك الشعبي.

بشكل مفاجئ، دعا أحد قادة الحراك الشعبي في العراق، إلى تحويل بوصلة المظاهرات الشعبية من مدن وسط وجنوب البلاد إلى محافظة الأنبار غربي البلاد.

المحافظة لها رمزية ودلالة خاصة، إذ إنه جرى استعادتها من سيطرة "تنظيم الدولة" عام 2017، بعد ثلاث سنوات من اجتياح التنظيم، الذي تسبب بعمليات نزوح جماعي للسكان منها.

القوات الأمنية العراقية في الأنبار، رفضت في 13 أغسطس/ آب 2021، دخول المحتجين إلى المحافظة، للتظاهر للمطالبة بتوفير الخدمات وإسقاط الدعاوى الكيدية ضد الناشطين.

خاصة وأن المحافظة هي معقل رئيس البرلمان، وزعيم تحالف "تقدم" محمد الحلبوسي.

في المقابل، جدد الناشط ضرغام ماجد من محافظة بابل وسط العراق، دعوته للتظاهر  أغسطس/ آب 2021 بمحافظة الأنبار ذات الغالبية السنية.

الأمر الذي أثار شكوكا بشأن إصرار قادة الحراك على نقل المظاهرات إلى الأنبار التي تشهد استقرارا أمنيا وحركة إعمار غير مسبوقة للمدن المدمرة.

"إرهاب سياسي"

النائب البرلماني عن الأنبار، عبدالله الخربيط، وأحد شيوخ المحافظة البارزين، في تصريحات 14 أغسطس/ آب 2021، يقول: إن "هذه المظاهرة مدفوعة من جهات سياسية لأغراض تخصها ولا تخص أهالي الأنبار الذين يشغلهم الجو الانتخابي المحموم".

العراق على موعد مع انتخابات برلمانية مبكرة 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، كإحدى مطالب احتجاجات 2019، التي سقط خلالها نحو 800 قتيلا وأصيب نحو 28 ألفا، واستقالت معها حكومة عادل عبدالمهدي.

النائب الخربيط المنتمي إلى حزب "تقدم" الذي يقوده رئيس البرلمان محمد الحلبوسي لم يحدد الجهة التي تقف خلف محاولة نقل المظاهرات إلى الأنبار.

لكنه يؤكد أن "كل من يعتقد أنه قادر على تمثيل الأنبار وحده فهو مخطئ، على الرغم من أن حزب تقدم هو الغالب على ما عداه من قوى وأحزاب في المحافظة".

ويعتقد الخربيط، أن "ما يراد له أن يحصل في الأنبار ليس مظاهرة بقدر ما هو إرهاب سياسي".

في المقابل يرى الباحث في الشأن السياسي لطيف المهداوي أن "الدعوة للمظاهرات سبقتها زيارة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي إلى رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، والأخير على علاقة قوية مع قادة الحراك الشعبي".

ويربط الباحث بين محاولات تحويل المظاهرات إلى الأنبار بلقاء الكاظمي والحلبوسي، ويقول لـ"الاستقلال": "الكاظمي ليس من مصلحته إجراء الانتخابات في موعدها لأنه سيكون ضحيتها".

ويضيف: "بينما يحتاج إلى فعالية قوية في الأنبار تشبه فعالية زعيم تحالف عزم خميس الخنجر غريمه القوي في جرف الصخر".

ويوضح المهداوي أن "الحلبوسي خائف أيضا على مستقبله السياسي ولا يريد الانتخابات الآن".

ويشير إلى أن "نوعية الباصات التي نقلت المتظاهرين وكانت مكيفة في سابقة لم تحصل من قبل، والتنظيم الكبير واللوجستيات تدلل على أن جهة ما تقف خلف المظاهرات".

إثارة الفتنة

في السياق، يتساءل الكاتب العراقي سلام المهندس عبر مقال نشره موقع "كتابات" 16 أغسطس/ آب 2021، ويقول: "لا أعرف ولا يعرف الكثيرون ما هو هدف الناشط البابلي ضرغام ماجد، باستدراج الكثير من أهل الجنوب وإقامة المظاهرات في الأنبار".

ويشير إلى تعرض أهالي الأنبار نهاية 2013 إلى "عملية همجية من المليشيات والقوات الحكومية إبان حكومة المالكي السيئة، وإلى قمع وتهجير واعتقال وتعذيب وقتل ممنهج عندما تظاهروا للمطالبة بحقوقهم الدستورية".

ويضيف: رغم أن ذلك حقهم وفق الدستور وحقوق الإنسان لكن المليشيات والقوات الحكومية انتهكت الدستور وحق التعبير عن الرأي والتجمع السلمي ومارست القمع والاضطهاد ضد متظاهري الأنبار.

ويرى الكاتب أنه "ثمة نوايا مبيتة ضد أهل الأنبار المستقرة نوعا ما لإقامة مظاهرات داخلها وخاصة والعراق مقبل على انتخابات غير دستورية تحت إشراف وسلاح المليشيات".

وحسب المهندس، فإن "هدف الناشطين كان فتح طريق لتدخل المليشيات والقوات الحكومية لممارسة الاعتقال والترهيب والتهجير في حق أهل الأنبار".

وعلى نحو مماثل، وصف زعيم التيار الصدري العراقي مقتدى الصدر مروجي دعوات التظاهر في الأنبار بأنهم "جهال" معتقدا أن "الهدف من التظاهر إثارة الفتنة الطائفية".

وكتب الصدر عبر "تويتر" 13 أغسطس/ آب 2021، قال فيها: "محاولة التظاهر في محافظة الأنبار من قبل بعض الجهال، إنما هي محاولة لإثاره الفتنة الطائفية ليتغذى عليها بعض الساسة الفاسدين".

الصدر دعا الحكومة العراقية كي "تأخذ بزمام الأمور وتنهي الاستهتار الطفولي من بعض أتباع الأحزاب الذين يدعون للتظاهر ‏تحت مسمى تشرين (حراك أكتوبر/ تشرين الأول 2019) وهو منهم براء".

وأكد أن "الكل منهم براء، إلا بعض الفاسدين الذين يتغذون على أذى هذا الشعب والتبعية للخارج من هنا وهناك".

رفض عشائري

عشائر المحافظة رفضوا تلك المظاهرات، إذ أصدر "مجلس شيوخ عشائر الأنبار" بيانا 12 أغسطس/ آب 2021 اعتذر فيه عن استقبال المتظاهرين من باقي المحافظات العراقية.

المجلس خاطب من دعاهم بـ"الشباب الواعي"، مثمنا سعيهم "في ممارسة الحقوق التي كفلها الدستور العراقي ومنها حرية التعبير عن الرأي والتظاهر السلمي"، لكنه شدد على ضرورة ألا "يؤثر على المصالح العليا للبلاد وأمنها واستقرارها".

ولفت إلى معاناة الأنبار السابقة من حرب طاحنة شنتها عصابات مسلحة وقوى عالمية وإقليمية دمرت المحافظة وشردت أهلها، فيما رحب بمن يأتي لزيارة الأنبار لـ"الاطلاع على تجربة الإعمار والاستقرار".

بدورها، نأت غالبية الاتجاهات والشخصيات داخل حراك تشرين بنفسها من مظاهرات الأنبار ومنهم الناشط زياد العصاد خلال مقابلة تلفزيونية في 15 أغسطس/ آب 2021، إذ يرى أن تحرك ضرغام ماجد خطأ.

بعض الاتجاهات اتهمت الناشط ضرغام ماجد بالتورط في صراعات حزبية لأهداف انتخابية بين قوى السلطة، حتى وإن لم يدرك ذلك.

وثمة من رأى أنه "لا يمثل حراك تشرين، بالنظر لاتجاهه شديد التأثر بالممارسات الدينية والمذهبية، خلافا لمعظم توجهات تشرين المدنية"، وفق تقارير صحفية في 15 أغسطس/ آب 2021.

في خضم التعليقات والجدل، برزت وجهة نظر المنصات المرتبطة بالقوى والفصائل الموالية لإيران، إذ أيدت نقل المظاهرات إلى الأنبار رغم أنها كانت مناهضة لحراك "تشرين".

وبحسب تقارير صحفية فإن تلك القوى تسعى لإحراج الأحزاب والزعامات السنية التي لم تتأثر بموجة احتجاجات تشرين، مثل القوى والأحزاب والفصائل الشيعية التي أحرقت الكثير من مقارها بوسط وجنوب العراق.

وتعليقا على ذلك، يقول المحلل السياسي العراقي حسين السبعاوي في تصريحات صحفية 16 أغسطس/ آب 2021: من حق أهالي الأنبار عدم التظاهر، رغم دعمهم مطالب المتظاهرين، لأن المحافظة مستهدفة من بعض القوى.

ويشير إلى أن "البيت السني اليوم يشهد حالة من الاستقرار السياسي، أكثر من البيت الشيعي، عكس الأعوام السابقة، لأن الأخير بدأ يتلاشى وينقسم على بعضه منذ عام 2010".

السبعاوي، يضيف أن "مظاهرات أكتوبر/ تشرين الأول 2019، قصمت ظهر الدكاكين الطائفية ولم يبق لها جمهور".

ويطالب أهالي الأنبار إلى النأي عن هذا الصراع، والتعامل بحكمة ودبلوماسية، ويؤكد أن "هذه الاستفزازات لن تكون الأخيرة".