"يجب إيقافها".. موقع أميركي يرصد مخاطر تحركات روسيا على مستقبل الملاحة

قسم الترجمة | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

حذر موقع "فورين أفيرز" الأميركي من أن تحركات روسيا وجهودها للسيطرة على البحر الأسود تهدد مستقبل الملاحة العالمية في هذه المنطقة الهامة من العالم، وأن استمرارها دون تدخل أميركي يشير إلى احتمالات قلب ميزان القوى.

في 25 يوليو/ تموز 2021، ألقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خطابا مثيرا في ميناء "سان بطرسبرج" على بحر البلطيق، بمناسبة الذكرى 325 لتأسيس البحرية الروسية.

وأمام تمثال لمؤسس الأسطول والقيصر المفضل لبوتين، بيتر الأكبر، قال الرئيس الروسي: "البحرية الروسية لديها كل ما تحتاجه لتأمين الدفاع عن وطننا ومصالحنا الوطنية".

بوتين، أضاف: "نحن قادرون على اكتشاف أي غواصة أو خصم على السطح أو في الجو وتوجيه ضربة قوية له إذا لزم الأمر".

خطاب بوتين، رافقه عرض مثير للمعدات البحرية كدليل على التحديث العسكري الروسي على مدى العقدين الماضيين.

"فورين أفيرز" الصادر عن مجلس العلاقات الخارجية، علق قائلا: "ظهور روسيا كقوة بحرية أدى إلى حدوث توترات في البحر الأسود، إذ سعت روسيا لصناعة نفوذ بحري جديد".

"تحركات موسكو هناك، وتحديث أسطولها بالبحر الأسود، والمطالبة بالمياه الإقليمية حول شبه جزيرة القرم، جميعها تهدد بقلب ميزان القوى بالبحر الأسود وشرق البحر المتوسط"، وفق قول الموقع.

وجزم بأن تلك التحركات ​"تعرض حرية الملاحة للخطر، ليس فقط في تلك المنطقة ولكن في المياه حول العالم".

توغل روسي

لعدة قرون، اعتبرت روسيا البحر الأسود مركزا لأمنها، ومع احتلال الإمبراطورة كاترين الثانية شبه جزيرة القرم من العثمانيين عام 1783، أنشأ الأمير غريغوري بوتيمكين، أسطول البحر الأسود في سيفاستوبول نفس العام.

في القرن الـ19، تنافست روسيا مع القوى الأوروبية الكبرى ومع الإمبراطورية العثمانية على النفوذ في البحر الأسود وحوله.

ولكن لم يصبح الاتحاد السوفييتي القوة المهيمنة في المنطقة حتى الحرب الباردة، كما استخدم السوفييت أيضا البحر الأسود لإبراز قوتهم في شرق البحر المتوسط، وفق رصد تاريخي للموقع الأميركي.

وأضاف: "بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، شهدت روسيا تراجعا مفاجئا لنفوذها في البحر الأسود، إذ استقلت جورجيا وأوكرانيا وسعت كلاهما للاندماج مع الغرب، وانضمت بلغاريا ورومانيا إلى حلف الأطلسي (الناتو) عام 2004".

"نتيجة لذلك، خسرت روسيا الوصول إلى أجزاء من ساحل البحر الأسود كانت تسيطر عليها سابقا بشكل مباشر أو غير مباشر، ووافقت روسيا وأوكرانيا على تقسيم أسطول البحر الأسود بينهما، والذي ظل مقره الرئيس في سيفاستوبول"، بحسب "فورين أفيرز". 

وأكد الموقع أنه "عام 2010، جددت العاصمة الأوكرانية كييف عقد إيجار موسكو للأسطول حتى عام 2042.

"لكن بعد فرار الرئيس الموالي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش من أوكرانيا فبراير/ شباط 2014 وتولي حكومة جديدة موالية للغرب مقاليد الأمور، عبر بوتين عن مخاوفه من تراجع  كييف عن الاتفاق".

"وهكذا بدأت عودة روسيا العدوانية إلى منطقة البحر الأسود"، وفق تعبير"فورين أفيرز".

الذي أكد أنه "في مارس/ آذار 2014، ضمت موسكو شبه جزيرة القرم واستولت على معظم سفن أوكرانيا في سيفاستوبول، ما أجبر البحرية الأوكرانية على نقل مقرها إلى أوديسا".

بوتين، برر هذه التحركات بالقول: إن "سفن الناتو كانت ستستولي على مدينة سيفاستوبول، لو لم تستول روسيا على شبه جزيرة القرم".

منذ ذلك الحين، ضاعفت روسيا ثلاث مرات من ساحلها الفعلي على البحر الأسود وعززت قواتها الصاروخية بالمنطقة، وعززت موقعها هناك عبر مزيج من التكتيكات العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية والمعلوماتية، وفق تقدير الموقع الأميركي.

وتابع: "أعادت روسيا تأكيد هيمنتها في البحر الأسود جزئيا عبر حشد بحري كبير، إذ عمل بوتين على إحياء القوة البحرية الروسية منذ دخوله الكرملين قبل عقدين من الزمن".

وأضاف: ذهبت روسيا إلى أبعد من ذلك، ونشرت منصات وقوات وأسلحة جديدة في البحر الأسود ساعدتها على زيادة نفوذها بشرق البحر المتوسط المسرح الحاسم لعمليات موسكو لدعم الرئيس السوري بشار الأسد، ضد ثورة شعبه.

"كما قامت روسيا بتحديث قاعدتها البحرية في طرطوس في سوريا، كجزء من محاولتها الأوسع للعودة إلى الشرق الأوسط"، بحسب "فورين أفيرز".

وأشار إلى أن "موسكو ادعت أن المياه الإقليمية حول شبه جزيرة القرم روسية وسعت للسيطرة عليها".

وفي 23 يونيو/ حزيران 2021، دخلت المدمرة البريطانية "HMS Defender" للمنطقة الإقليمية التي يبلغ طولها 12 ميلا حول شبه جزيرة القرم، كأمر مسموح به بموجب بند "الممر البريء" وفق اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار.

لندن، كانت خططت حينها لتنفيذ تمرين عسكري هناك، بصحبة صحفيين على متن السفينة،  بهدف الطعن في مطالبة روسيا بالمياه المحيطة بشبه جزيرة القرم، والتأكيد على حرية الملاحة بها. 

روسيا ردت بإطلاق أعيرة نارية تحذيرية على المدمرة البريطانية، ثم شجبت فيما بعد ما وصفه بوتين بـ"الاستفزاز البريطاني الأميركي".

"هذه الحادثة نوع من المواجهة البحرية المرجح أن تصبح أكثر شيوعا إذ تهدف روسيا إلى إجبار العالم على القبول بضمها شبه جزيرة القرم"، وفق تعبير الموقع.

قلق كبير

وقال: إن "سلوك موسكو الحازم أثار أعصاب الدول الأخرى المطلة على البحر الأسود، بما في ذلك جورجيا وأوكرانيا"، مشيرة إلى أن روسيا بالفعل غزت البلدين لمنعهما من الانضمام إلى "الناتو"، وتواصل احتلال أجزاء منهما.

"ونتيجة لذلك، فإن لتبليسي وكييف علاقات عدائية مع موسكو، ويعمل كلاهما مع الناتو لتعزيز دفاعاتهما البحرية".

"إصرار بوتين على أن الأوكرانيين والروس شعب واحد، وأن التعاون الأوكراني مع الناتو يمثل تهديدا لأمن روسيا القومي، أدى إلى تفاقم التوترات، ما زاد المخاوف من توغل روسي موسع في أوكرانيا".

كما أن رومانيا، "الحليف القوي للناتو، حذرة أيضا من القدرات العسكرية الروسية، وتشك في نوايا موسكو"، وفق تقدير "فورين أفيرز".

الذي ألمح إلى أن "بلغاريا العضو في الناتو أيضا تتمتع بعلاقات أوثق وأكثر تعقيدا مع موسكو، لكنها ظلت ملتزمة بالتكامل الغربي، إذ تفضل رومانيا وبلغاريا وجودا أكبر لأميركا وحلف الناتو في المنطقة".

واستدرك الموقع: "لكن الدولة المطلة على البحر الأسود التي سيؤثر موقفها تجاه روسيا بشكل أكبر على محاولة بوتين للهيمنة البحرية في المنطقة هي تركيا".

بين روسيا وتركيا تاريخ طويل من الصراع؛ لكن منذ محاولة الانقلاب الفاشلة ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عام 2016، تقارب البلدان.

وفي إشارة إلى العلاقات الجديدة، اشترت تركيا أنظمة دفاع جوي متطورة من طراز (S-400) من موسكو، مما أغضب الناتو ودفع واشنطن إلى إزالة أنقرة من برنامج الطائرات المقاتلة (F-35)، بحسب الموقع.

ويضيف: "مع ذلك، لم تكن علاقات تركيا وروسيا تعاونية بالكامل، ودعم الاثنان قوات عسكرية متنافسة في ليبيا وسوريا، وخلال الحرب الأخيرة في (ناغورنو كاراباخ)، دعمت تركيا أذربيجان بينما توسطت روسيا بين أرمينيا وأذربيجان".

وأوضح أنه "بعد وقف إطلاق النار في (ناغورنو كاراباخ)، كان على روسيا أن تقبل دورا تركيا في حفظ السلام بالمنطقة".

ولفت "تصاعدت التوترات بسبب دعم أردوغان القوي لأوكرانيا وموقفه العلني بأن القرم أوكرانية وليست روسية".

في يوليو/ تموز 2021، سلمت تركيا أول طائرة مسيرة مسلحة إلى البحرية الأوكرانية، في علامة على تعميق العلاقات العسكرية التركية الأوكرانية التي من المؤكد أنها ستثير غضب روسيا.

"تتمتع أنقرة بنفوذ كبير على موسكو، لأنها يمكن أن تمنح أو تمنع سفن الناتو من الوصول إلى البحر الأسود"، وفق تقدير الموقع.

وعلى مدار الـ85 عاما الماضية، نظمت تركيا حركة النقل البحري التجاري والعسكري من وإلى البحر وفقا لـ"اتفاقية مونترو" التي تضمن حرية المرور عبر المضائق التركية أوقات السلم، وكذلك تنظم مرور السفن الحربية.

يرى"فورين أفيرز" أن "أنقرة حافظت على سياسة ثابتة من الحياد في تنفيذ (اتفاقية مونترو)، ما يعني أنها منعت أحيانا الوصول إلى سفن الناتو".

وأكد أنه "في السنوات الأخيرة، دفعت أميركا تركيا لتبني تفسير أكثر ليبرالية للاتفاقية حتى يتمكن الناتو من توسيع وجوده في البحر الأسود".

رفضت تركيا حتى الآن هذه الطلبات، لكنها وفق تقدير الموقع الأميركي "ربما تكون على وشك تغيير الاتفاقية لأسبابها الخاصة".

وأشار إلى اقتراح أردوغان "مشروع قناة من شأنه تحويل حركة المرور البحري بعيدا عن مضيق البوسفور المزدحم إلى ممر مائي اصطناعي غربي إسطنبول".

وألمح إلى أن "القناة الجديدة لن تخضع لشروط مونترو، ما يعني أن السفن الحربية التابعة لحلف الناتو يمكنها نظريا المرور غير المقيد إلى البحر الأسود".

وقال: "ليس من المستغرب أن ينتقد بوتين هذا المشروع ويضغط على أردوغان للحفاظ على اتفاقية مونترو".

ضرورة المواجهة

الموقع الأميركي أكد أنه "يجب أن تقرر إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن كيفية الرد على الوجود العسكري المتزايد للكرملين في منطقة البحر الأسود ومحاولتها للسيطرة على المياه حول شبه جزيرة القرم".

ويعتقد أنه "ربما يكون لمصير المياه الإقليمية لشبه جزيرة القرم تأثير عميق في بحر الصين الجنوبي، إذ تدعي بكين السيادة على معظم مياهها الإقليمية".

وأضاف: "ولذلك فإن مواجهة محاولة روسيا للهيمنة البحرية في البحر الأسود تحتاج إلى إشراك تركيا، لأنها تتحكم في الوصول إلى البحر الأسود".

"وحتى الآن، تبنت إدارة بايدن نهجا حذرا تجاه أنقرة، مع إقامة علاقة عمل مع حكومة أردوغان بشأن عدد من القضايا ذات الأهمية لواشنطن، بما في ذلك الإرهاب"، وفق رصد "فورين أفيرز".

ولفت إلى أنه "ومع ذلك، فإن مأزق شراء تركيا منظومة (S-400) الروسية واستبعاد واشنطن لها من برنامج الطائرات المقاتلة (F-35) يظل دون حل".

ويزعم الموقع أن "أردوغان لا يرغب في تعريض علاقاته مع موسكو للخطر، مهما كانت معقدة، حتى في الوقت الذي يقدم فيه نفسه كشريك ضروري لواشنطن في التعامل مع روسيا".

وجزم بأنه "مع ذلك، يتعين على إدارة بايدن الضغط على تركيا للعمل مع الناتو بشكل أكثر نشاطا لمواجهة روسيا في البحر الأسود".

وأضاف: "على المدى القصير والمتوسط ​، يجب على أميركا والناتو الاستمرار في تقديم دعم سياسي وعسكري لبلغاريا وجورجيا ورومانيا وتركيا وأوكرانيا لمساعدتها على مواجهة القوة الروسية في البحر الأسود".

وتابع: "كما يجب أن يعملوا مع جورجيا وأوكرانيا لتحديث جيوشهم في إطار الناتو، وأيضا مواجهة المعلومات المضللة الروسية التي تهدف إلى تقويض دور أميركا والناتو في المنطقة".

وختم بالقول: "على المدى الطويل، يجب على واشنطن إقناع دول البحر الأسود بالامتثال للاتفاقيات الحالية التي تضمن حرية الملاحة وحق المرور البريء في المياه الإقليمية".

"ربما يمثل التخلي عن هذه الاتفاقيات في شبه جزيرة القرم تهديدا للأمن الإقليمي والتجارة العالمية والنظام العالمي الحالي"، وفق الموقع الأميركي.