إرادة شعبية أم مطلب خارجي.. ماذا وراء دعوات تشكيل جيش سوداني موحد؟

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لا تنفك دعوات توحيد جيش السودان تحت راية واحدة عن الخفوت حتى تظهر من جديد، ولكن هذه المرة جاءت بدافع خارجي من واشنطن، إثر مطالبة مديرة الوكالة الأميركية للتنمية سامانثا باور، بضرورة توحيد سائر الحركات المسلحة المنفصلة، تحت راية جيش واحد.

وهو ما دفع بتساؤلات عن أسباب تلك الدعوات في الوقت الراهن، وعن مدى قدرة القوات المسلحة على تنفيذ هذه الآلية، في توقيت تشهد فيه البلاد وضعية انتقالية متعثرة، تشوبها كثير من الأزمات. 

لا سيما أن الجيش في السودان وجد قبل وجود الدولة نفسها بنظامها الجمهوري، حيث شهد العام 1925 إنشاء نواة جيش سوداني في صورة وحدة قتالية أسسها المحتل البريطاني لضبط المنطقة، وبالفعل شاركت هذه الوحدة في الحرب العالمية الثانية.

وفي عام 1955 تطورت هذه الوحدة، وخرج من رحمها جيش السودان الحديث، تحت مسمى قوة دفاع السودان، وكانت تحت إمرة الجيش البريطاني المحتل.

مع استقلال السودان عام 1956، جرى تكوين الجيش الوطني بكافة وحداته وفروعه، بداية من المشاة، حتى قوات المدرعات والبحرية والجوية، وهي التشكيلات التي بقيت حتى الوضع الراهن.

المتغير الأوحد الخاص بالقوات المسلحة السودانية لا يخص بنيتها القائمة، بل وجود تشكيلات عسكرية خارجية بالجملة في البلد الذي يشهد اضطرابات مستمرة.

أبرز تلك التشكيلات: الدعم السريع، وهي قوة تكافىء الجيش عددا وعدة، وإن كانت تحت لوائه ظاهريا، لكنها تتمتع باستقلالية في كل شيء ولها هرمها القيادي، وترتيباتها الخاصة.

إضافة إلى الحركات المسلحة المنتشرة في ربوع السودان ودارفور، سواء المنخرطة تحت ظلال عملية السلام في جوبا، أو المتمنعة عنها، جميعهم يمثلون شرائح من الجنود غير النظاميين، ويشكلون خطرا على البلاد بطريقة أو بأخرى.

دعوة سامانثا

جاءت زيارة مديرة الوكالة الأميركية للتنمية سامانثا باور للسودان،  حاملة كثيرا من الدلالات والمعطيات، خاصة وأنها من أرفع المسؤولين ضمن إدارة الرئيس جو بايدن.

دعت باور في كلمة لها أمام حشد إلى دمج المجموعات المسلحة السودانية داخل الجيش حتى يصير جيشا موحدا، بعد توتر شهدته البلاد على مدار الأسابيع الماضية.

وقالت في كلمة لها بجامعة الخرطوم 3 أغسطس/ آب 2021: "إن الولايات المتحدة تؤكد أن السودان يجب أن يكون لديه جيش واحد وتحت قيادة واحدة".

وأكدت المسؤولة "سندعم جهود المدنيين لإصلاح المنظومة الأمنية ودمج قوات الدعم السريع والمجموعات المسلحة للمعارضين السابقين".

وبعد يومين من كلمة سامانثا، وتحديدا في 5 أغسطس/ آب 2021، اجتمع مجلس الأمن والدفاع السوداني، وأعرب عن قلقه تجاه التفلتات الأمنية ذات الطبيعة العسكرية، وتنامي ظاهرة استخدام الزي العسكري، كما وجه الجهات المختصة بالإسراع في إجازة القوانين والتشريعات التي تمنع الفوضى والإخلال بالأمن العام. 

وفي يونيو/ حزيران 2021، أعلن قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي"، رفض انضمام قواته في صفوف الجيش، وأنه سيحافظ على وضعها القائم. 

وصل الأمر أن أعلن متوعدا أن "الحديث عن دمج قوات الدعم السريع في الجيش يمكن أن يفكك البلد"، مضيفا أن الأخير "مكون بقانون مجاز من برلمان منتخب، وهو ليس كتيبة أو سرية حتى يضموها للجيش، إنه قوة كبيرة". 

مصالح أميركية 

الناشط السياسي السوداني وائل نصر الدين، كتب عبر صفحته على موقع "فيسبوك" في 9 أغسطس/ آب 2021، معلقا على زيارة مديرة الوكالة الأميركية للتنمية إلى الخرطوم، "الآن يتغير دور السودان في الإستراتيجية الأميركية الكونية، بتعيين سفير أميركي ضابط مخابرات، ومسؤول التنسيق الدولي لمحاربة داعش (تنظيم الدولة) في الخرطوم".

وأضاف: "الأميركان لم يعودوا يرون في السودان ما يسمى بالتحول الديمقراطي، ولا تصدقوا سامانثا باور هذه الأفعى الكاذبة".

وتابع: "الأميركان يريدون من السودان لعب دور في احتواء النزاع الإثيوبي أو العمل على عدم انتشاره، وهذا الدور قد يتضمن أشياء مثل فتح ممرات إنسانية، أو التنسيق لعمل مناطق حظر طيران، أو أماكن آمنة لتجمع اللاجئين الهاربين من الحرب لو تفاقم النزاع".

وذكر: "كما أن الأميركان لن يقبلوا أن تتضرر مصالحهم في البحر الأحمر بهذا النزاع لو انتقلت الخلايا الإرهابية من الصومال إلى إقليم (أوغادين) الإثيوبي.. الأيام القادمة صعبة". 

ويواجه المجلس السيادي السوداني الذي يسعى إلى علاقات أفضل مع واشنطن والغرب، بعدما يقرب من 3 عقود من العزلة الدولية، تحديات أمنية واقتصادية هائلة، تهدد مسار الفترة الانتقالية، وتجر البلاد إلى الفوضى.

ومن أهم وأخطر التحديات القائمة هي طبيعة العلاقة بين مكونات الحكم، خاصة الجيش والدعم السريع، مع وقوع توترات فعلية، خاصة في الفترة الأخيرة.

وهو ما حدث في 5 أغسطس/ آب 2021، عندما أصدرت محكمة سودانية، حكما أوليا بإعدام 5 من قوات الدعم السريع، إثر إدانتهم بقتل متظاهرين سلميين في عام 2019.

هذا الأمر أحدث تململا كبيرا في أوساط تلك القوات، المتهمة بانتهاكات حقوق الإنسان، والتورط في مجازر مروعة بحق مدنيين في دارفور، أو في فض اعتصام القيادة العامة إبان الإطاحة بحكم الرئيس السابق عمر البشير.

والدعم السريع، قوة مقاتلة تشكلت عام 2013 لمحاربة المتمردين في دارفور (غرب)، ثم لحماية الحدود وحفظ النظام لاحقا.

وفي يناير/ كانون الثاني 2017، وافق البرلمان السوداني على قانون بشأن دمج قوات "الدعم السريع" في صفوف الجيش الوطني بالبلاد، على أن تتمتع باستقلاليتها وقيادتها الخاصة. 

ويصل عدد الدعم السريع إلى زهاء 40 ألف عسكري، وتمتلك جيشا كاملا مجهزا بأعلى مستويات التسليح، وتتمتع بمعدات ثقيلة ومدرعات، بالإضافة إلى أرتال من السيارات العسكرية.

قوات "حميدتي" مزودة أيضا بجهاز استخبارات شرس، وقوات انتشار قادرة على الانسياب في سائر أنحاء البلاد، خلال ساعات معدودة، مع العصبيات القبلية، والولاءات العشائرية.

وفي 11 يونيو/ حزيران 2019، نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية عن تلك القوات، قائلة: "الجنرال حميدتي يدير قوات الدعم السريع المسلحين جيدا كأنهم على أهبة الاستعداد لخوض حرب".

الجمهورية الثالثة 

الصحفي السوداني، محمد نصر يرى أنه "بعد سقوط نظام الرئيس عمر البشير، اختلفت طبيعة المعادلة بالنسبة للسودان في المنطقة".

إذ إن "الدور الذي يراد له أن يلعبه أعمق وأدق، لذلك استلزم أن توجد حكومة ومنظومة تابعة بشكل كامل للغرب، وأهم من كل ذلك يجب أن تتمتع بالقوة والنفوذ اللازم لإحكام السيطرة".

وأضاف لـ"الاستقلال": "على مر نصف قرن كامل كان السودان يعاني من حكومات مدنية هشة، لا تدوم طويلا، أو انقلابات عسكرية متتالية أضعفت الدولة، وفرضت الفرقة والغوغائية".

فلا هي استطاعت أن تحكم سيطرتها، ولا أمكن الاستغناء عنها للعواقب الوخيمة الناجمة عن تلك العملية، كما قال.

وشدد نصر: "مع انهيار نظام عمر البشير، كان السودان على موعد مع تأسيس الجمهورية الثالثة، على غرار معظم دول الشرق الأوسط، فالغرب يريد من الخرطوم أن يحكم من قبل جيش قوي موحد، لا وجود معه للحركات المسلحة، والقوات شبه النظامية، حتى يجد أولا من يحدثه".

وثانيا حتى يستطيع أن ينفذ الأوامر، ويحقق الخطط المرسومة لشرق إفريقيا، ومنطقة القرن الإفريقي، ووسط القارة.

وأردف: "لا شك أن السودان مفتاح كل هذا برمته، ومع الاضطرابات والحروب الأهلية والدعوات الانفصالية، لن يتحقق كل هذا، وسينتج مزيد من الفوضى تتجاوز السودان إلى جواره".