بمصادرة الكتب وقهر المثقفين.. هكذا يخنق السيسي مستقبل مصر

محمد ثابت | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"فضائح السيسي بيه"، اسم كتاب ساخر ليوسف عوف الذي مات قبل نحو 20 عاما، ورغم أن الكتاب لم يكن يقصد رئيس النظام المصري الحالي عبد الفتاح السيسي، بل كان يتناول بطرافة فساد شخصية خيالية ترأس مؤسسة للقطاع العام، إلا أن عمال مؤسسة روزاليوسف التابعة للدولة، عند اكتشافهم منذ أسابيع وجود نسخ قديمة متبقية من الكتاب الذي طُبعَ قبل نحو 25 عاما تقريبا، صدرت الأوامر لهم من قيادة المؤسسة بإعدامها.

صدور أحكام الإعدام وتنفيذها في عهد السيسي لم يقتصر فقط على معارضيه من السياسيين والناشطين على الساحة، بل تعداه إلى إعدام الكتب ومنعها ومصادرتها، ففي أبريل/نيسان 2017 أعلنت روايات دار الهلال المصرية الحكومية طبعها رواية "السادة الرئيس القرد" لكاتب سوداني اسمه عبد الحميد البرنس ضمن العدد الخاص بشهر مايو/آذار، وبالطبع لم يصدر العدد من هذه السلسلة نهائيا خلال شهر مايو دون إبداء أسباب.

ما سبق هو نموذج من النماذج الدالة على سياسة المنع والقهر في مصر حاليا، والتي تأخذ منحى متطور ليطال كل ما هو معرفي أو ثقافي، فتقرير جريدة نيويورك تايمز المنشور مطلع أبريل/نيسان 2019 يكشف عن تعليمات سيادية صدرت للمسلسلات التي تخص شهر رمضان المقبل، بأن تحسن هذه المسلسلات من صورة الشرطة والجيش، وإلا سيتم منعها.  

معرض الكتاب

دورة معرض القاهرة للكتاب الماضية من 23 من يناير/كانون الثاني حتى 4 من فبراير/شباط الماضي، شهدت المزيد من التضييق والمنع على الكتب الخاصة بجماعة الإخوان المسلمين، حتى من أولئك الذين كانت تطبع لهم مطابع خاصة مقربة من النظام مثل "دار الشروق"، التي منعت طباعة كتب الراحل سيد قطب، وكتب الدكتور يوسف القرضاوي، والراحل محمد علي قطب وغيرهم.

ورغم عدم وجود إحصائيات رسمية حكومية يسمح بها النظام المصري الحالي بعدد الكتب المطبوعة في دورة المعرض الخمسين الأخيرة في 2019، والسابقة لها في عام 2018، ليتبين لنا عدد الكتب الممنوعة لجماعة الإخوان لزعم النظام الانقلابي أنها تحرض على التطرف، إلا أن شريف بكر عضو اللجنة العليا المنظمة للمعرض الأخير، وهو أيضا عضو بلجنة حرية التعبير بالاتحاد الدولي للناشرين قال لوكالة أجنبية: "من واقع صدور أرقام الإيداع بدار الكتب يمكن القول أن عدد العناوين الصادرة في العام المنصرم 2018 حوالي 25 ألف كتاب، وهو يمثل ثبات أو انخفاض لمعدل النشر".

الأرقام الأخيرة رغم كونها ظنية تكشف عن تراجع مهول في عدد الكتب المصرية المطبوعة، ولا تعود بحسب قائلها إلى ارتفاع تكلفة الطباعة والأسعار فحسب، بل إلى افتقاد مناخ الحرية المتلاشي تقريبا اليوم في مصر، فطبقا لإحصائيات اتحاد الناشرين العرب ورئيسه محمد رشاد، فإن إسبانيا وحدها تنتج 45 ألف كتاب سنويا، أي قريبا من ضعف ما يطبع في مصر، فيما مصر الدولة الرائدة تنتج قرابة ربع ما تنتجه المنطقة العربية، وأغلبها كتب حكومية مصرية ترضى الدولة عنها، وتروجها بسعر زهيد، ورغم ذلك لا تجد من يشتريها.

ولأن الوضع في مصر صار الأسوأ منذ عرفت مصر الطباعة فقد كشف رئيس الهيئة العامة للكتاب هيثم الحاج علي قبل الدورة الأخيرة من المعرض بأن عددا كبيرا من الكتب سيتم منعها، مضيفا: "هيئة الرقابة ستصادر أي كتب تعبّر عن فكر جماعة الإخوان المسلمين بإعتبارها جماعة إرهابية بحكم القضاء المصري، وأنّ كافة الكتب التي تعبّر عن الجماعات الإرهابية غير مسموح بوجودها في المعرض"، حسب قوله.

لكن ماذا عن الكتب الموجودة في الجناح المسمى بسور الأزبكية، رغم إقامة باعة السور معرضا خاصا بهم هذا العام؟ حتى هذه لم يغفل النظام عنها، فقال الحاج: "الهيئة وفرت مكانا للرقابة بما تعنيه من شرطة وخلافه داخل السور نفسه".

كل هذا يتم رغم اعتراف وزير الثقافة الأسبق شاكر عبد الحميد بأن مسألة المنع والمصادرة لم تعد مؤثرة بشكل كبير خاصةً في ظل وجودها على الإنترنت وسهولة تحميلها والاطلاع عليها.

الفرار من مصر

ناشر فضل الفرار من مصر، مع الطباعة من خارجها، والمشاركة بكتبه في معرض القاهرة للكتاب وغيره من المعارض، عبر توزيع دور نشر أخرى قال لـ "الاستقلال" دون ذكر اسمه: "معرض الكتاب الأخير شهد تشديدا أكثر على كتب الشخصيات المناوئة للنظام المصري بخاصة من الإخوان، ممن لم تكن كتبهم ممنوعة من قبل، ولأننا كناشرين صرنا نعرف التكيف مع أجواء المنع والكبت الشديدين، فقد صرتُ أحذر المؤلف المعروف بمعاداته للنظام من الإعلان عن كتبه، وصرتُ أنصح موزعي كتبي بالاتفاق مع القارئ الذي يريد كتابا منعه النظام لانتماء صاحبه للإخوان بأن يأتيه بعد انتهاء المعرض".

ويرجع الناشر سبب قوة المنع في معرض الكتاب الأخير "لوجود دوريات ثابتة من الشرطة في المعرض، مع الجهات الرقابية، ولكن رغم ذلك فإن كتب الدكتور أحمد الريسوني، رئيس الاتحاد الدولي لعلماء المسلمين لم تكن ممنوعة، وهي قرابة 30 كتابا، فالمنع كان يشمل الرموز فحسب، وبالتالي فكتب المعارض السوري الدكتور عدنان زرزور كانت موجودة أيضا".

الأكاديمي والناقد مصطفى محمد قال: "لم تعش مصر يومًا، منذ اخترعت المطبعة مرحلة من الحرية المُرضِية في الإعلامُ أو النشر أو الطباعة إلا في أوقات ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 تقريبًا، وبعد 30 من يونيو/حزيران 2013 قضي على ما كان متبقيا من هامشِ حرية".

وأضاف الأكاديمي المصري لـ"الاستقلال": "سيطر الآن في الإعلام المصري وفي سائر المطبوعات لون واحد ووحيد هو المتفِق مع سياسة الإقصاء والإبعاد والانتقاء الواصل إلى حد الانتقام من كل مخالف. وتشتد ضراوة الإقصاء مع كل من يهدد لونَ السلطة.

متابعا: "لقد عادت سيرة النشر الآن إلى ما كانت عليه أيام الحقبة الناصرية برقيبها ومقصِها.. بل وجوَّدت في أشكال إحكام السيطرة وتوظيف أنصاف الموهوبين وتصديرهم للمشهد الثقافي العام.. وما مجلس الإعلام الوطني المستحدَث إلا صورة فجة من صور إحكام السيطرة على كل المطبوع".

مصطفى يوضح: "الآن لا يمكنك أن تقرأ في دورية، أو رواية أو ديوان ما يسخط عنه النظامُ .. حتى يُنشر إبداعك وينتشر .. ودور النشر الخاصة هي الأخرى ليست بعافية، فهي تسعى للتربح وممالأة السلطة والمؤسسة الرسمية المسؤولة عن النشر والطبع. هي تضخ ما يؤمن استمرارها من روايات أو تفاهات أو كتابات علمية بحتة تبتعد كثيرا عن تشكيل وعي الجماهير، لقد صار التجرؤ على ثوابت الأمة الإسلامية خاصة هو المجال الوحيد الذي يمكن لصاحبه أن يتمتع بكامل الحرية في ممارسته والمكافأة عليه ونشره".

الدفع مقابل النشر

الشاعر والمترجم محمد عيد إبراهيم يقول: "أوضاع النشر في الدور العربية، وبالأخص المصرية تثير الأسى، بل اليأس غالبا، فلم تعد دور النشر الحكومية تنشر إلا للمرضي عنهم، كذلك دور النشر الخاصة صارت تستغل المبدعين إلى آخر المدى، فالمبدع عليه أن يدفع مقابل النشر، وكأن الإبداع سُبة أو مسبة عليه أن يكفر عنها، أما المترجم فيعطونه القليل أو يسوفون فيه حتى يمل وينقطع عن الطلب".

عيد أضاف لـ"الاستقلال": "معارض الكتب لها مقاييس أخرى عموما، فهناك جمهور متنوع يشتري من كل شيء: هناك فئة من الشباب يقبلون على روايات الرعب بدرجة مهولة، مؤلفة ومترجمة، وهناك دور نشر كثيرة تتخصص في هذا المجال، ويقف عليها الشباب للشراء بالطوابير وبعضها في أكثر من طبعة، حتى مع أسماء مجهولة".

وعن نوعية الكتب التي تلاقي إقبالا في المعرض يقول المترجم المصري: "هناك الكتب العلمية ومعظمها مطبوع قرصنة لكنها تفيد الدارسين في الطب والهندسة إلخ، وهذا حقهم وأنا أؤيده. وهناك طائفة أخرى من صغار المبدعين، الذين يجربون في الأدب.. وهناك طبعاً كتب للمبدعين الحقيقيين، ومع أن جمهورها صار أقل، إلا أن بعض دور النشر لا تزال تغامر معهم".

أما عن الكتب الممنوعة في المعرض فيقول عيد: "لا أعتقد أن هناك منعاً للكتب في المعارض، إلا لبعض الأسماء التي لا ترضى عنهم السلطة في هذه المرحلة، ومن يُضبط ببيع هذه الكتب يتم غلق داره فوراً وأحياناً يُعتقل أو يُسجن كما يعرف الجميع. عموماً صار المنع في أضيق الحدود، لأن الحياة صارت في عنق التكنولوجيا إلى حد كبير، فلو تم منع كتاب نراه يظهر في نسخة إلكترونية بعد ساعات في وسائل التواصل الاجتماعي، ويتم تحميله بالآلاف، ومن يعارض التقدم الحالي يدفن رأسه في الرمال".