تقاربات الظل.. ما طبيعة العلاقات بين أكبر أحزاب المعارضة التركية والأسد؟

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بينما كانت غابات تركيا تحترق، وسوريا قابعة في حربها الدامية التي تجاوزت عقدا من الزمن وخلفت مئات الآلاف من القتلى وملايين اللاجئين، أحيا حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض، حفلا بولاية هاتاي التركية، بحضور المطرب السوري المؤيد لنظام بشار الأسد "علي الديك".

ففي مدينة "السويدية" التابعة لأنطاكيا بولاية هاتاي، صدح الديك بالأنغام والأغاني في حضور نواب برلمانيين من حزب الشعب المعروف بـ "CHP"، وهو الحفل الذي وصفته الصحف التركية، وناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي بـ"وصمة العار". 

تثير تلك الواقعة تساؤلات عن طبيعة العلاقات بين أكبر أحزاب المعارضة التركية، ورئيس النظام السوري بشار الأسد، المتورط في مذابح غير مسبوقة بحق أبناء شعبه.

ولطالما طالب رئيس الحزب كمال كليتشدار أوغلو، رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان، بضرورة التطبيع مع الأسد، وإعادة العلاقات مع نظام دمشق الدموي. 

بالإضافة إلى الضغط الدائم من قبل المعارضة بملف اللاجئين السوريين في تركيا، والذين يصل تعدادهم إلى قرابة 4 ملايين مواطن، يتعرضون لحملات كراهية.

وصرح كليتشدار أوغلو نفسه، وعدد من رؤساء البلديات المنتمين إلى حزب الشعب، بضرورة إعادة السوريين إلى بلادهم وترحيلهم من تركيا. 

وهو ما يفتح التساؤل عن أسباب تلك الدعوات، وطبيعة علاقة حزب الشعب الجمهوري وزعيمه برئيس النظام السوري. 

حفل صاخب

شهد يوم 4 أغسطس/ آب 2021، إحياء الفنان السوري "علي الديك" الموالي لنظام بشار الأسد، حفلا في مدينة السويدية التابعة لأنطاكيا بولاية هاتاي.

ونشرت صحيفة "ترك" المحلية، أنه "وعلى الرغم من استمرار حرائق الغابات في العديد من مناطق تركيا، تم إحياء حفل (علي الديك) وسط حضور عدد كبير من أعضاء ومنتسبي حزب الشعب الجمهوري في المدينة".

وأضافت "تبين أن حفل الزفاف عائد لعائلتي (راي وكوجاك) في سامان داغ، وتحول الحفل، الذي حضره نائبا حزب الشعب الجمهوري عن هاتاي (محمد غوزال منصور)، و(عصمت توكدمير)، إلى عرض لمؤيدي نظام الأسد".

وبينت أنه "ظهر في شريط مصور علي الديك وهو يحيي صورة (بشار الأسد) التي تم رفعها خلال الحفل".

وتداول ناشطون على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، لقطات من الحفل تضمنت إلقاء هتافات مؤيدة لرأس النظام السوري.

 بالإضافة إلى الهتاف ل"معراج أورال"، مرتكب مجزرة بانياس، وهو ضابط تركي علوي منشق، يشغل حاليا قائد مليشيا "تحرير الإسكندرون"، المصنفة إرهابيا من قبل أنقرة.

وشخص آخر معروف باسم حركي، هو "علي كيالي"، وسبق أن ظهر في تسجيلات فيديو داعمة لمليشيات الإرهاب، وهو يقول متوعدا "نحن هنا، أين أردوغان؟".

وأكثر ما أثار التحفظ والتساؤل في الأخبار والتدوينات المعالجة للحدث، هو كيفية دخول المطرب "علي الديك" الذي أهان تركيا ورئيس جمهوريتها في عدة مواقف.

كما أن هذا الفنان معروف بموالاته لنظام الأسد إلى الأراضي التركية؟ وكيف قبل نواب يمثلون الشعب بالوجود في حضرته؟ وإحياء حفل على شرفه؟ 

دعاة تطبيع

يعبر عن طبيعة العلاقة بين نظام الأسد وحزب الشعب الجمهوري التركي، ما قاله رئيس الحزب في 16 يوليو/ تموز 2019، عندما شن هجوما لاذعا عن السياسة الخارجية للرئيس رجب طيب أردوغان، وطالبه بضرورة التطبيع مع بشار.

وقال كليتشدار أوغلو: "على تركيا أن تعقد محادثات على المستوى الرسمي مع سوريا بأسرع وقت ممكن".

وتساءل: "لماذا لا يوجد لدينا سفير في دمشق؟ ولماذا نعقد محادثات غير مباشرة عبر روسيا؟ فوحدة الأراضي السورية من مصلحة تركيا، والحل الوحيد للأزمة السورية يكمن في التفاوض مع نظام الأسد والجلوس معه إلى طاولة الحوار. الأسد ربح الحرب الداخلية في بلاده، والحديث معه سيحقق منافع كبيرة لبلدنا".

كلام كليتشدار أوغلو يأتي متعارضا تماما مع موقف الرئيس أردوغان الذي دأب على مهاجمة الأسد ووصفه بـ"الطاغية والإرهابي والجزار".

وقال أردوغان في وقت سابق: "لا يمكن أبدا مواصلة الطريق مع بشار الأسد في سوريا. لماذا؟ لأنه لا يمكن المضي مع شخص قتل قرابة مليون مواطن من شعبه".

ويمثل التصالح مع رئيس النظام السوري عقيدة راسخة في عقلية كليتشدار أوغلو، وحزبه، وبلغ الأمر في 6 مارس/ آذار 2020، أن وجه رئيس النظام بشار الأسد، دعوة خاصة لرئيس حزب الشعب الجمهوري لزيارة دمشق.

ووصف التلفزيون الرسمي السوري، آنذاك، كليتشدار أوغلو بأنه صديق وحليف مقرب من بشار الأسد، وذكر أن معظم أحزاب المعارضة التركية، وخاصة حزب الشعب الجمهوري، يميل إلى التطبيع مع دمشق. 

وهو ما دعا الكاتب الصحفي التركي "محمد أجات" إلى سرد مقالة خاصة عن ذلك الأمر، بتاريخ 28 يونيو/ حزيران 2021، على صحيفة "يني شفق" التركية، تحت عنوان "عشق الأسد".

قال أجات: "بينما كان ولا يزال الأسد يرتكب مجازره في سوريا، ألم يظهر كليتشدار أوغلو تضامنا من قلب تركيا مع هذا النظام باستمرار؟".

وأضاف: "في فبراير/ شباط 2020، قبل دقائق فقط من استشهاد 33 من جنودنا، قال رئيس حزب الشعب الجمهوري، في بث مباشر: (جنود الأسد يحمون الجنود الأتراك في إدلب في الوقت الحالي)".

وذكر: "في المقابل نجد أن رجال الأسد في سوريا عبروا عن رغبتهم في استضافة حليفنا زعيم حزب الشعب الجمهوري في دمشق! لدرجة أنهم قدموا له دعوة رسمية لذلك".

طائفة واحدة 

لا يمكن فصل الأبعاد الطائفية في تعاضد كمال كليتشدار أوغلو مع بشار الأسد، حيث ينتمي كلاهما إلى الطائفة العلوية.

ولد كليتشدار أوغلو في 17 ديسمبر/كانون الأول 1948 في بلدة ناظمية بولاية تونغلي (شرقي الأناضول) في تركيا، لعائلة من "الطائفة العلوية" تعود أصولها إلى خراسان في إيران، أما بشار الأسد فهو من عائلة علوية بامتياز، تنحدر من القرداحة باللاذقية. 

ويتزعم كليتشدار المعارضة التركية منذ عام 2010، باعتباره رئيس أكبر أحزابها، وهو معروف داخليا بمواقفه المناهضة بشدة لحزب العدالة والتنمية وحكوماته المتعاقبة.

كما يعارض بقوة سياسات الحزب الخارجية لا سيما في موضوع الانفتاح على الشرق الأوسط والعالم العربي.

وعلى المستوى الخارجي، يوصف بأنه صديق للنظام السوري، وهو ما يعيده مراقبون إلى خلفيته الطائفية العلوية الشيعية، كما تجمعه علاقة قوية بنظام الحكم في العراق وإيران.

وصرح حزب الشعب الجمهوري، الذي يتميز بتوجهه اليساري، بمعارضته للثورة السورية منذ اندلاعها عام 2011.

وأكد في بدايتها دعمه للنظام في سوريا، حيث انتشرت صور عدة لنواب من الحزب، زاروا في مهد الثورة رأس النظام بشار الأسد، والتقطوا صورا إلى جانبه، في إشارة منهم إلى وقوف الحزب معه.

وتعالت صيحات مسؤولي حزب الشعب الجمهوري بضرورة الحوار مع الأسد وفتح قنوات اتصال مباشر معه من أجل حل في سوريا.

وينتقد حزب الشعب سياسة تركيا وأردوغان في استقبال السوريين، وكذلك قرار تجنيسهم.

وسبق أن تعهد "كمال كليتشدار أوغلو" ومسؤولو حزبه مرارا بإعادة السوريين إلى بلادهم في حال فوز حزبهم في الانتخابات المقبلة.

وفي انتخابات الرئاسة التركية عام 2018، قال مرشح حزب الشعب الجمهوري "محرم إنجه" عن وجود السوريين في بلاده: "سنعيد السوريين إلى بلادهم بالطبل والزمر".

وهو الخطاب الثابت المنبثق من حزب الشعب الجمهوري وزعيمه، الذين يمثلون أكبر عقبة أمام السوريين اللاجئين إلى الجارة التركية، وهم السبب الرئيس في مخاوفهم، وإثارة النعرات ضدهم.