مركز دراسات تركي: استقرار أفغانستان "مفتاح رئيس" لنجاح الصين في آسيا

قسم الترجمة | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

ظلت أفغانستان "مقبرة الإمبراطوريات" التي حاولت غزو تلك البلاد الجبلية في وسط آسيا على مدار التاريخ، لكن الهروب الروسي ومن بعده الأميركي من هناك بعد هزائم مدوية، دفع الصين جارة كابول الشرقية للحذر ومحاولة الدخول لهذا البلد عبر بوابة الاقتصاد، لا السلاح.

مركز "أنقرة لدراسة السياسات والأزمات" نشر مقالا للكاتب مصطفى جيم كويونجو، أشار إلى أن أفغانستان البلد المسلم كانت أحد المسارح التي شهدت الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي وأميركا بالقرن الـ20.

ولفت المركز التركي، إلى "تزايد الاشتباكات في المنطقة بعد أن سلحت أميركا المجاهدين الأفغان فيها عقب غزو الاتحاد السوفييتي لأفغانستان، في معارك استمرت 10 سنوات هزمت فيها موسكو هزيمة ساحقة".

الكاتب أوضح أنه "ومع انتهاء الحرب الباردة، تحول عداء أميركا من الشيوعية إلى الإرهاب العالمي، وبدأت واشنطن وهي في أوج قوتها، عمليات عسكرية ضد البلد الإسلامي بهدف منع ظهور قوى أخرى بديلة".

وتابع: "وتماشيا مع هذا الهدف، دخلت أميركا أفغانستان لمحاصرة الصين وروسيا جيوسياسيا والسيطرة على ممرات الطاقة، في خطوة أتبعتها بغزو العراق للسيطرة على إمدادات الطاقة للبلدان المستوردة من العراق والحفاظ على نظام البترودولار".

نزيف أميركي

ويرى كويونجو أن حرب أفغانستان، التي بدأتها أميركا عام 2001 بذريعة محاربة الإرهاب، دخلت مرحلة جديدة عام 2021، بعدما اكتسبت فكرة الانسحاب الأميركي التي طرحتها إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، بعدا ملموسا الآن.

الكاتب التركي توقع في مقاله أن تنتهي تلك الحرب في 11 سبتمبر/ أيلول 2021، بحسب "اتفاق الدوحة" الموقع بين أميركا و"حركة طالبان" الأفغانية في 29 فبراير/ شباط 2020 طبقا لجدول انسحاب أعلنته واشنطن.

آخر الأبحاث التي أجرتها "براون" إحدى أعرق الجامعات الأميركية أكدت أن واشنطن أنفقت نحو 2.261 تريليون دولار في أفغانستان بين عامي 2001 و2021.

البحث أوضح أن العدد الإجمالي لمن فقدوا أرواحهم في هذه الحرب تراوح ما بين 171 و174 ألفا.

"وبعبارة أخرى، لم يعد من الممكن استمرار أميركا في هذه الحرب" بحسب الكاتب التركي.

وأردف: "رغم رغبة أميركا محاصرة الصين وروسيا جيوسياسيا بدخولها أفغانستان، إلا أن هذا وعلى عكس المتوقع، مهد الطريق أمام بكين وموسكو لزيادة قوتيهما".

"كذلك لم تشهد هاتان القوتان عمليات مزعزعة للاستقرار على أراضيهما بسبب تركيز الجماعات المسلحة في المنطقة على مهاجمة القوات الأميركية بما أنها احتلالية"، وفق الكاتب.

وتكهن بأن "الاشتباكات ستزداد في المنطقة بعد الانسحاب الأميركي"، مؤكدا أنه "من الصعب التكهن بأهداف الجماعات المسلحة".

وقال: إن "الشيء الوحيد الواضح هنا هو أن الاشتباكات والهجمات الإرهابية التي ستشهدها المنطقة ستكون ذات تأثير صغير على أميركا، كبير على دول المنطقة". 

ويعتقد كاتب المقال التركي أن "الصين واحدة من أقرب المرشحين لملء فراغ القوة في المنطقة بعد انسحاب القوات الأميركية".

وجزم بأنها "أصبحت ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم في عام 2010 بعد الإصلاحات التي بدأتها في ثمانينيات القرن الـ20".

ولفت إلى أن "شي جين بينغ استخدم هذه القوة في الأنشطة السياسية والثقافية والتجارية بكل العالم، بعد أن أصبح رئيسا للصين عام 2012".

كويونجو، أشار إلى "مشروع (الحزام والطريق) الذي أعلن عنه جين بينغ عام 2013، لفت الأنظار باعتباره المثال الأكبر للتغيير الحاصل".

وبين أن "إستراتيجية إخفاء النية التي طبقتها بكين لسنوات حلت مكانها سياسة خارجية أكثر نشاطا".

ويعتقد كاتب المقال أنه "من هنا تكتسب الخطوات التي تتخذها الصين في حل المشكلات الإقليمية والعالمية أهميتها".

وتوقع ألا "تكتفي الصين بمشاهدة تطورات أفغانستان دون حراك، بينما تنشط في العديد من المناطق من القطب الشمالي إلى أميركا اللاتينية ومن الشرق الأوسط إلى أوروبا".

 "خاصة وأن أفغانستان تقع في منطقة جغرافية مهمة سواء من حيث الموقع أو من حيث الموارد الطبيعية"، وفق كويونجو. 

ووفقا لسجلات الحزب الشيوعي الصيني، قال المسؤول دينغ شيوبينغ في نوفمبر/ تشرين الثاني 1982: "إن المشاكل في أفغانستان ذات أهمية إستراتيجية عالمية".

وأضاف: "كما تملك الصين وأفغانستان حدودا مشتركة؛ لذلك، تشكل أفغانستان تهديدا يمكنه أن يحاصر الصين جغرافيا".

أهمية حيوية

وبحسب كويونجو، "تملك الصين حدودا مع أفغانستان هي الأقصر بين حدودها مع الدول الـ14 التي تحدها".

وتابع: "غير أن هذه الحدود التي يبلغ طولها 90 كيلومترا ربما تكون أول منطقة تنعكس فيها موجة محتملة من المواجهات المسلحة في أفغانستان".

وأكد أن "حركة طالبان، التي سيطرت على حوالي ثلاثة أرباع أفغانستان بعد انسحاب أميركا وصلت إلى الحدود الجبلية مع الصين بالسيطرة على مقاطعة بدخشان".

"بكين استفادت من البيئة الأمنية التي وفرتها أميركا لمنع صعود وانتشار الجماعات المسلحة التي ربما تنتشر إلى الصين برغم أن بكين تعتبر التدخل الأميركي في أفغانستان تعديا للحدود"، حسب قول الكاتب.

وقال: إنه "من غير الواضح ما إذا كانت هذه البيئة ستستمر بعد الانسحاب الأميركي".

وأضاف: "لذلك، تبحث الصين عن طرق لمنع انتشار الفوضى والتهديد إلى أراضيها عبر أفغانستان".

واستدرك: "لكن وكما هو معروف، فشلت جميع الجهات التي تدخلت عسكريا في أفغانستان عبر التاريخ؛ الأمر الذي عرفت من أجله بأنها (مقبرة الإمبراطوريات)".

ورغبة منها في تحسين الاقتصاد ورفع مستوى الرفاهية بالمنطقة بتطوير العلاقات التجارية مع أفغانستان وإطلاق مشاريع البنية التحتية، تحجم الصين عن الانخراط بأي تدخل عسكري في أفغانستان.

وذلك لأن بكين تريد إنشاء ممر اقتصادي بين الصين وأفغانستان مشابه لما أنشأته مع باكستان، لتؤمن مصالحها، وتزيد فرص العمل وتضمن أمن الركيزة الأفغانية للمبادرات والمشاريع عبر الشرق والغرب.

الكاتب التركي، يلفت هنا إلى أنه "لذلك يعتبر استقرار أفغانستان المفتاح الرئيس لنجاح مشاريع الصين في البنية التحتية والطاقة والمواصلات في المناطق الاقتصادية لجنوب ووسط آسيا".

المسؤولون الصينيون أدلوا بتصريحات مهمة تظهر استعدادهم لتوسيع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني إلى أفغانستان في نطاق مشروع "الحزام والطريق".

وتزامنا مع ذلك، صرح المتحدث باسم طالبان، سهيل شاهين أن طالبان ترحب باستثمارات الصين في أفغانستان.

وهنا أشار المقال إلى "احتمال حدوث تقارب كبير بين الصين وطالبان في هذه المنطقة، خاصة وأن بكين تخطط للاستثمار في أفغانستان في قطاعات عديدة، خاصة الموارد الجوفية والطاقة المائية".

أهداف أيديولوجية

وقال كويونجو: "من غير الواضح ما إذا كانت المشاريع والاستثمارات التي ستشرع فيها الصين ستكون هدفا للجماعات المسلحة".

وأضاف: "وبالنظر لما تقوم به القوى الأجنبية من تأسيس وتوجيه التنظيمات المسلحة وأنشطة الدعاية والتجسس بأفغانستان، يمكن القول بأن عدم الاستقرار الذي سينشأ، سيؤثر سلبا على جميع الفاعلين بالمنطقة". 

وأشار إلى جانب آخر وهو رغبة الصين في "تحقيق تفوق أيديولوجي في أفغانستان"، موضحا أن "هذا سيعني أن أيديولوجية بكين وسياساتها يمكن أن تحقق الاستقرار حتى في أصعب المناطق في العالم".

"وذلك عبر تطوير أفغانستان اقتصاديا وتحقيق الاستقرار، مقارنة بالدول الغربية وخاصة أميركا التي لم تنجح في أفغانستان لسنوات"، وفق قول الكاتب.

ويختم مقاله مشيرا إلى أن "منطقة المحيطين الهندي والهادئ ترسم خطا صاعدا في التوازنات الجيوسياسية الحالية في الوقت الذي ترسم فيه منطقة المحيط الأطلسي خطا هابطا".

وأضاف: "لذلك، تسعى الصين بصفتها قوة آسيوية إلى منع أميركا من أن يكون لها رأي وكلمة في المنطقة وإنشاء نظام تكون فيه الفاعل الرئيس". 

وأشار لتصريح جين بينغ عن إستراتيجيته هذه عام 2014، وقوله:"يجب أن يحل الآسيويون مشاكل آسيا ويضمنوا أمنها".

وقال الكاتب: "لا شك أن الصراع الأميركي الصيني سيأخذ بعدا مختلفا في حال استطاعت بكين تسويق النجاح الذي تسعى لتحقيقه في أفغانستان على أنه تفوق الشرق عامة وآسيا خاصة على الغرب".