خبير فرنسي يفك شفرة عودة ظهور أبو بكر البغدادي

12

طباعة

مشاركة

أثارت عودة زعيم تنظيم الدولة أبو بكر البغدادي للظهور إلى العلن مرة أخرى، العديد من التساؤلات، عقب خمس سنوات من الاختفاء وشائعات وفاته، وبعد نحو شهر من انتهاء "الخلافة التي أعلنها عام 2014".

وظهر زعيم تنظيم الدولة، الاثنين الماضي، في فيديو يحمل عنوان "في ضيافة أمير المؤمنين" منسوب إليه، ويعتبر هذا الظهور هو الأول له منذ يوليو/تموز 2014، حيث تطرق البغدادي في الفيديو إلى الهجمات التي استهدفت سريلانكا في عيد الفصح وتبناها التنظيم، مؤكدا أنها جاءت "ثأرا" لمعركة الباغوز في سوريا.

التقت مجلة "لوبوان" الفرنسية، الباحث المتخصص في القضايا الإسلامية، رومان كاييه الذي سلط الضوء على ظهور زعيم تنظيم الدولة من جديد، محاولا فك شفرة "عودة خليفة الإرهاب".

من تحت الرماد

وقالت المجلة في تقريرها، إن الكثيرين اعتقدوا أنه مات، ولكن بعد شهر من سقوط باغوز، آخر مدينة كانت تحت سيطرة تنظيم الدولة، والتي مثلت النهاية الرسمية "للخلافة" التي أعلنتها الجماعة، خرج زعيمها أبو بكر البغدادي من تحت الرماد.

وأضافت: "ظهر البغدادي جالسا في خيمة، بلحية رمادية مصبوغة نهاياتها بالحناء، بجانب كلاشينكوف، مشيدا بالهجمات، التي تبناها تنظيم الدولة، في سريلانكا يوم 21 أبريل/نيسان الماضي".

وأوضحت المجلة، أنه بعد خمس سنوات من ظهوره لأول مرة، في يونيو/حزيران 2014 ، على منبر مسجد الموصل حيث أعلن عن إقامة "الخلافة" ودعا المسلمين في جميع أنحاء العالم للانضمام إليه، أكد أبو بكر البغدادي في هذا الفيديو، الذي تبثه وكالة أعماق التابعة للتنظيم، أن "معركة باغوز قد انتهت الآن". لكن "الخليفة" حذر بالفعل من أن "منظمته" ستثأر لأعضائها الذين قتلوا، وأن الكفاح ضد الغرب هو "معركة طويلة".

وعندما سُئل الخبير الفرنسي كاييه: هل تفاجأت من عودة البغدادي؟، أجاب الباحث قد يكون هذا مفاجئا، لأن هذه هي المرة الأولى التي نراه فيها منذ عام 2014. لكن في الواقع ظهوره ليس مفاجأة على الإطلاق. كان باستطاعته البقاء على قيد الحياة منذ اللحظة التي لم ينشط فيها على الخط الأمامي ويعيش في مخبأ، الأمر الذي يتطلب خدمات لوجستية جيدة وخدمات فعالة لمكافحة التجسس.

وتابع: "قبل وفاته، نشر زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن العديد من مقاطع الفيديو من منزله في باكستان. والشيء نفسه ينطبق على أيمن الظواهري، القائد الحالي للقاعدة، والذي يعتقد أنه في باكستان أيضا".

خليفة الصحراء

وحول وجوده في سوريا، حيث ظهر أبو بكر البغدادي في خيمة، قال رومان كاييه: "وفقا للباحث هشام الهاشمي، المقرب من أجهزة المخابرات العراقية، يقال إن أبو بكر البغدادي موجود في سوريا، في صحراء البادية، بين مدينة تدمر والحدود العراقية. ولهذا السبب يطلق على البغدادي الآن اسم "خليفة الصحراء".

وأوضح، أن الدليل الذي ساقه الهاشمي على صحة حديثه هو أن أحد أبنائه توفي هناك منذ حوالي ستة أشهر، وهي حاليا المنطقة التي ينشط فيها تنظيم الدولة ويقوم مقاتليه بعمليات ضد الجيش السوري، ومع ذلك، فإن هذا الاحتمال في رأيي ممكن جدا.

وعن عدم عثور التحالف على البغدادي أثناء شن هجوم على باغوز، آخر بلدة كانت تحت سيطرة تنظيم الدولة، أكد الباحث الفرنسي، أنه لم يحدث اعتقال قائد أو ديكتاتور جماعة إرهابية بعد سقوط ملجأه الأخير، داعيا إلى إعادة النظر في مثل هذه الحالات خلال التاريخ الحديث.

وأردف: "في كل مرة، تمكنوا من الفرار بفضل الشبكات التي استفادوا منها. هذا ما حدث لأسامة بن لادن، الذي تمكن من مغادرة كهوف تورا بورا الأفغانية إلى باكستان، كما سبق لمعمر القذافي الذي تمكن من مغادرة معقله في سرت".

وعندما وجهت إليه المجلة سؤالا مفاده: بعد سقوط "الخلافة" المعلنة، هل يعيد تنظيم الدولة تأسيس نفسه في جنوب شرق آسيا، كما رأينا من خلال هجمات سريلانكا؟، أجاب رومان كاييه بـ "لا"، لافتا إلى أنه عندما تشكل التنظيم في العراق، قبل الحرب في سوريا بفترة طويلة، كان تنظيم الدولة منظمة محليا للغاية، على عكس القاعدة، التي كانت منظمة عالمية، وبعد إعلان الخلافة بين سوريا والعراق، أخذ تنظيم الدولة المنظم جيدا مكان القاعدة.

وتابع: إذا كان تنظيم الدولة تبنى الهجوم الذي وقع الأسبوع الماضي في سريلانكا، فقد يهاجم غدا في أفريقيا بفضل إضعاف القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي أو اليمن (مسرح حرب دموية لمدة أربع سنوات )،  وكل هذا جزء من أجندة التنظيم.

زعيم روحي

وبشأن هل فقد تنظيم الدولة الكثير من أتباعه في العالم بعد سقوط الخلافة، رأى الباحث في الحركات الإسلامية، أن نهاية الخلافة ثبطت الناس الذين أرادوا العيش جسديا في تنظيم الدولة، ولكن ليس أولئك الذين يلتزمون بمفهوم الخلافة، أي توحيد المسلمين حول زعيم روحي.

وبين أنه في شريط الفيديو الخاص به، لا يزال أبو بكر البغدادي يعتبر نفسه قائدا للمؤمنين، وهو يدعو المسلمين في جميع أنحاء العالم، وبالتالي المسلحين، إلى الولاء له، في الإسلام، يشمل مفهوم الخلافة قوة زمنية، ولكن روحية أيضا.

وتابع الباحث: "على سبيل المثال، عندما سقطت الخلافة العباسية في عام 1258، فر الناجون منها إلى مصر، حيث استقبلهم سلاطين المماليك، إذا فقد الخليفة قوته الزمنية، احتفظ بقوته الروحية. اليوم، معظم المسلحين الشباب موالون لتنظيم الدولة، ولم يعدوا ينتمون إلى تنظيم القاعدة، لأنها هي الجماعة التي خطابها الأكثر تطرفا، وعنفا وعولمة، بعيدا عن أي براجماتية".

وحول عودة ظهور التنظيم في سوريا والعراق، أكد الباحث أنه يعتقد أن تنظيم الدولة سيبقى في العراق، حيث وُلد، وحيث تنتمي المنظمة إلى المشهد القبلي. لكن العديد من أنصاره استقروا في معسكرات، أو رفضهم السكان، وعودته ممكنة لأن الدولة العراقية عادت لكنها ليست في منطق المفاوضات مع القبائل.

وأضاف: "مع ذلك من المفارقات مع القبائل السورية، في محافظة دير الزور، أن تنظيم الدولة دمج بشكل أفضل، أخبرتني إحدى جهات الاتصال المحلية الخاصة بي أن المسلحين راسخون، لأن هذه القبائل ثقافتها قريبة جدا من ثقافة التنظيم. كما في العراق، سارع تنظيم الدولة إلى رعاية الأطفال السوريين لتجنيدهم، علاوة على ذلك، بعد ثماني سنوات من الحرب الأهلية في سوريا، يظل المجتمع طائفيا".

ولفت الباحث إلى أن تنظيم الدولة يلعب في سوريا على فكرة الانتقام للسنة، وبالتالي، في المناطق العربية السنية التي استعادتها القوات الكردية، ليس لديهم خيار آخر، للحفاظ على السيطرة، من خلال التفاوض مع زعماء القبائل، فإذا لم يعد الاستقرار إلى المنطقة، سيبقى تنظيم الدولة في المشهد الطبيعي.

يستفيد من الفوضى

وعن دعوة البغدادي إلى هجمات جديدة في الغرب، وخاصة في فرنسا، ومدى استمرار هذا الخطر حتى بعد انتهاء "الخلافة"، قال: في رأيي ستمر عدة سنوات على تنظيم الدولة، حيث لن يكون بإمكانه شن هجمات واسعة النطاق في الغرب. لكن لا يزال خطر الهجمات التي يدعو إليها كبيرا، خاصة وأنه يدعو للانتقام لخسارة الباغوز والرد على ضربات التحالف ضد أراضيه.

وفيما يخص ذكر أبو بكر البغدادي في الفيديو الانتفاضات الشعبية التي تهز الجزائر والسودان، وإمكانية استفادة التنظيم منها؟ رأى الباحث الفرنسي أن تنظيم الدولة يمكن أن يستفيد أينما تسود الفوضى. إنهم موجودون بالفعل في الجزائر، البلد الذي له بنية جهادية منذ سنوات عدة، ويمكنه الاستفادة منها عندما يحين الوقت. كما يمكنه الاستفادة من الاحتجاجات في السودان.

وخلص  رومان كاييه إلى أنه "بشكل عام، اختفاء أو إضعاف الدولة يمنح الجهاديين مساحة أكبر، ويكفي أن نرى كيف بوكو حرام (التابعة لتنظيم الدولة) وطدت نفسها في نيجيريا".