آخرهن الدودحي.. هذه قصص نساء سطرنّ ملاحم بطولية باليمن

آدم يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تعيش المرأة اليمنية في مجتمع محافظ، يقيدها ويحدّ من تحركاتها، وقد رسم ذلك نمط حياتها، وجعلها حبيسة بيئتها المنزلية؛ ولذلك فإن أي نشاط لها خارج ذلك النمط، يعد خارجا عن المألوف ومثيرا للالتفات والاستغراب، وهذا ما أظهرته الحرب الجارية في البلاد.

ففي الحرب التي شنها الحوثيون على المدن والقرى اليمنية، برزت نساء يمنيات خرجن عن المألوف المجتمعي، وقررن الدفاع بأنفسهن عن أرضهن وعرضهن، وأظهرن شجاعة نادرة، تجاه الممارسات التي تنتهجها جماعة الحوثي، فأصبحن بذلك رموزا وأيقونات وحديث الشارع اليمني، والعربي ربما.

آخر تلك القصص، ما قامت به الشابة أصيلة الدودحي، في أبريل/نيسان الجاري، أثناء قتالها وصدها للحوثيين بقرية ظفار التابعة لمديرية العود في محافظة الضالع وسط اليمن، وهي القصة التي انتشرت في كامل أرجاء اليمن.

وقال جبران الدودحي (عم الشابة أصيلة): كان "الحوثيون يهاجمون قريتنا في منطقة العود التابعة لمحافظة إب، فواجههم أخواي حسن ومحمد، قتل حسن وأصيب محمد، هبّت للتو البنت أصيلة البالغة من العمر 17 عاما، وأخذت بندقية عمها حسن، وتموضعت في إحدى المتارس، وقاتلت الحوثيين، فقتلت منهم أربعة ثم استشهدت في مكانها".

ألهبت هذه الحادثة مشاعر معظم أبناء اليمن، وألهمت كثيرا منهم، ولقيت تعاطفا كبيرا، ظهر ربما من خلال الجموع الغفيرة الرسمية والشعبية التي قامت بتشييع الشابة، وبيانات الإشادة بشجاعة الشابة، التي آثرت الدفاع عن أرضها وبيتها، وبذلت دمها للحيلولة دون محاولة الحوثيين إذلال أبناء القرية أو تشريدهم وتهجيرهم، بحسب تعبيرهم.

وفي حديث لـ"الاستقلال"، قال الكاتب أحمد مياس: إن "هذه الشابة قاتلت في وقت تخاذل فيه كثير من الرجال، وفي وقت باع الكثير أرضهم ووطنهم لمليشيا مسلحة قادمة من الكهوف"، متسائلا: "ألا ينبغي أن يشعر أولئك الذين هادنوا الحوثي وفتحوا له بوابات قراهم، بالتقزم والصغار أمام تلك الشجاعة الحرة؟".

أما علي العماري، من أبناء المنطقة، فقد أشاد في حديث لـ"الاستقلال" بما فعلته الشابة الدودحي ودعا إلى عدم نسيان بطولاتها، وعلق قائلا: "تذكروا هذا الاسم جيدا، تذكروا اسم أصيلة جيدا".

بلقيس والفأس 

كالعادة، يقتحم المشرفون الحوثيون البيوت، ويعتدون على المواطنين ويعتقلونهم، ثم إخفائهم قسريا وتعذيبهم وأحيانا قتلهم تحت التعذيب، في هذه المرة كان لقيادي حوثي نصيب أن يواجه سيدة يمنية تدعى بلقيس الرغيل، في حادثة شهيرة.

ودارت تفاصيل الحادثة، عندما حاصر منزلها القيادي الحوثي عبد الله المفلح، ثم اقتحامه في إحدى القرى التابعة لمنطقة "مسوَر" بمحافظة "عمران" شمال اليمن، وأطلق الرصاص الحي بشكل مباشر على أخيها وأبيها، ما تسبب بمقتل أخيها يوسف الرغيل، وإصابة والدها في يده.

وقالت بلقيس في مقابلها لها مع قناة "اليمن" الفضائية، إنها "التقطت فأسا كان لديها في المنزل، ووجهت ضربة قاتلة للقيادي الحوثي، وأردته قتيلا على الفور، ثم لاذت بالفرار".

قتلى بالجملة

في منطقة السود التابعة لمحافظة عمران، شمال العاصمة صنعاء، دافعت سيدة خمسينية عن نفسها، إثر محاولة عناصر من جماعة الحوثي اقتحام بيتها واختطاف بناتها، حيث تمترست في نافذة بيتها وفتحت النار عليهم، وقتلت سبعة منهم،  ليقوموا بقتلها في آخر المطاف. 

أما في منطقة السكيبات التابعة لمديرية قفلة بالمحافظة ذاتها، فقد قتلت سيدة يمنية خمسة من عناصر جماعة الحوثي، حاولوا اقتحام منزلها واختطاف زوجها في ساعة متأخرة من الليل، إذ تبادل الحوثيون  إطلاق النار مع زوجها، الذي أصيب أثناء الاشتباكات، لتقوم هي بدورها في التقاط البندقية وفتح النار عليهم، بعد اقترابهم من المنزل.  

رابطة مجتمعية

لم يقتصر نضال المرأة اليمنية في دفاعها عن نفسها وعن قضاياها، على حمل السلاح ضد جماعة الحوثي، فالنساء اليمنيات لهن دور أكثر وضوحا وسلمية، في سبيل نيل حقوقهن وحريات أهاليهن، فأسست مجموعة منهن، رابطة "أمهات المختطفين"، وهي منظمة مجتمعية إنسانية؛ تُعنى بالتخفيف من معاناة أمهات المختطفين والمخفيين قسرا وذويهم، والسعي للحفاظ على سلامتهم وإطلاق سراحهم.


وكانت رئيسة الرابطة أمة السلام الحاج، قد تحدثت في وقت سابق لـ"الاستقلال"، أنه تم تأسيس الرابطة في منتصف إبريل/نيسان 2016، إثر قيام الحوثيين بحملات اعتقال واسعة طالت أبناءهن وأزواجهن، بعد الانقلاب على الدولة واجتياحهم المدن اليمنية، في 21 سبتمبر/ أيلول 2014.

وذكرت: كان تأسيسها نتاجا لتعارف أمهات المختطفين على بوابات تلك السجون، وأن الرابطة لا تتلقى دعما بأي شكل من الأشكال، وليس لديها حافز سوى هاجس الحرية لأبنائهن، حتى أن الرابطة لا تمتلك موقعا رسميا، وكل ما تمتلكه هو صفحتان، في "فيسبوك" و"تويتر".

نضال ضد الإمارات

لا يقتصر نشاط الرابطة على مناطق سيطرة الحوثيين، بل لها فرع آخر في عدن، المدينة الخاضعة لسيطرة الحزام الأمني التابع للإمارات، بمعنى أن الرابطة توجد حيث توجد الانتهاكات، وحيث تمارس السلطات القمعية انتهاكاتها واعتداءاتها على المدنيين.

تتهم الرابطة، الحزام الأمني- وهو تشكيل مسلح أنشأته الإمارات- باختطاف أبنائهن وإخفائهم قسريا، وقد أقامت الرابطة عشرات الوقفات الاحتجاجية للمطالبة بالكشف عن مصير أبنائهن المختطفين في سجون سرية تديرها الإمارات.  

تقوم الرابطة بدور شجاع ونشط، فقد أقامت الأمهات مئات الوقفات الاحتجاجية أمام السجون والمعتقلات وأمام المسؤولين الأمنيين والحكوميين، وتعرضن لعشرات الاعتداءات الجسدية واللفظية والابتزاز المالي والنفسي أمام بوابات السجون والمعتقلات والهيئات الأممية والمنظمات الدولية.

وهن مع كل هذا مستمرات في القيام بواجبهن بكل شجاعة، رغم ضعف الإمكانات، وقلة الحيلة، ورغم ما يتعرضن له من اعتداءات، وخذلان من الحكومة الشرعية، وتجاهل  الأمم المتحدة، حيث تذكر رئيسة الرابطة: أن المبعوث الأممي لليمن مارتن غريفث رفض لقاء أمهات المختطفين ورد قائلا : "من أنتم؟".

"كتائب الزينبيات" 

في المقابل، استخدم الحوثيون  العنصر النسائي في أعمال منظمة خادمة لهم، حيث قامت الجماعة بتدريب نساء على القمع واستخدام السلاح والهراوات واقتحام البيوت وصالات العزاء والأفراح، كما تم تنظيم برامج ودورات تدريبية لهذه العناصر النسائية بهدف استقطاب وتجنيد نساء ضمن كتائب الزينبيات.

يطلق الحوثيون على العناصر النسائية المجندة "الزينبيات" نسبة إلى زينب بنت الحسين بن علي، على الأرجح،  وتم إطلاق هذه التسمية على العناصر النسائية في الحشد الشعبي العراقي، وهي ذات المهمة التي تقوم بها المجندات في قوات الباسيج الإيرانية، على نحو يوحي باستنساخ هذه الظاهرة بجميع تفاصيلها من إيران.

تلقت الزينبيات دورات مكثفة في قمع الاحتجاجات، واقتحام البيوت وصالات العزاء والأفراح، واستخدام الأسلحة والهراوات والصواعق الكهربائية، و كيفية التعامل مع المعتقلين، والنساء على وجه الخصوص.

وقد ذكرت وكالة "سبأ" اليمنية للأنباء، أن حافلات مليئة بما يسمى "الزينبيات" يحملن صواعق كهربائية، نفذت حملات اعتقال عدة، كان أحدها حملة في أكتوبر/تشرين الأول 2018، طالت طلابا وطالبات في كلية التجارة بجامعة صنعاء، وقمن بالاعتداء على طالب آخر قام بتصوير حادثة الاعتقال.

وفي 6 ديسمبر/كانون الأول 2017،  اعتدت كتائب من "الزينبيات" بالضرب بالهراوات على مسيرة نسائية من حزب "المؤتمر الشعبي العام"، طالبن فيه بتسليم جثة الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وقد أظهرت مقاطع فيديو المحتجات وهن يلاحقن من "كتائب" ويتعرضن للضرب والاعتقال. 

لم يتوقف دور الزينبيات على قمع الاحتجاجات واقتحام البيوت، بل تم العمل على تنمية غريزة العداء لديهن، عبر دورات شحن طائفية، تعزز مفهوم المظلومية لدى "الزينبيات"، وتبرر كل عنف يستخدم ضد من يعتبرونهم عملاء ومرتزقة من المواطنين اليمنيين، لهذا فقد عرف عن الزينبيات العنف في التعامل مع المعتقلين، خصوصا مع أمهات المختطفين خلال الوقفات التي نظمتها الرابطة أمام السجون والمعتقلات الحوثية.