دعموه في 3 يوليو.. لماذا حذر مصريون أيدوا السيسي التوانسة من الانقلابات؟

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أصبحت منطقة الشرق الأوسط التي تعج بالانقلابات العسكرية لعقود مضرب الأمثال تستفيد الشعوب من تجاربها وتضعها نصب أعينها كي تتقي نتائجها المرة وتتخذ منها حذرا في المستقبل.

فعندما دوى هتاف الجماهير بشارع "الحبيب بورقيبة" بالعاصمة تونس منذرا بنهاية نظام حكم زين العابدين بن علي إلى الأبد، وقع صداه بقلب القاهرة واشتعلت ثورة أطاحت بحكم حسني مبارك بعد 30 عاما من الاستبداد.

كانت الثورة التونسية والمصرية شديدتا الارتباط ببعضهما منذ البداية، وكذلك الأحداث السياسية المفصلية، لم تكن تمر ببلد دون الأخرى إلا ويقع تأثير آني أو رد فعل مقابل. 

لذلك عندما أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد في 25 يوليو/ تموز 2021، إقالة رئيس الوزراء هشام المشيشي وتجميد عمل البرلمان، وتعليق حصانة النواب، كان للمصريين تذكرة بواقعة تؤلمهم.

كما أن قيام سعيد بتصعيد كبير للنزاع السياسي بالبلد الذي يشهد ديمقراطية صاعدة، وسط توصيف الحدث بالانقلاب الدستوري، مع إرهاصات انقلاب شامل، تذكر مصريون ما وقع في بلادهم في 3 يوليو/ تموز 2013.

وذلك عندما أطاح وزير الدفاع آنذاك (الرئيس الحالي) عبدالفتاح السيسي، بالعملية الديمقراطية برمتها، وأدخل البلاد في نفق مظلم، وأريقت كثير من الدماء في أعقاب الانقلاب العسكري. 

الذين أيدوا السيسي وانقلاب الجيش بالأمس في مصر، هم أنفسهم الذين يبعثون برسائل التحذير إلى تونس اليوم.

وذلك، بعدما رأوا بأم أعينهم العواقب الوخيمة للانقلابات العسكرية على البلاد والعباد، وأن استدعاء الانقلابات ضد الخصوم السياسيين، كمن يستجير من الرمضاء بالنار.

هذا الانقلاب في رؤية مؤيدي السيسي، يعيد للأذهان ما حدث في تركيا التي تعد من أكثر الجمهوريات التي شهدت تقلبات العسكر، إذ دعم حزب "الشعب الجمهوري" انقلاب 1960 ضد رئيس الوزراء عدنان مندريس الذي سرعان ما أُعدم على يد الحكام الجدد.

مر عقدان من الزمان فقط وعندها دفع "الشعب الجمهوري" الثمن في انقلاب 1980 إذ جرى حله وتقويضه، ولذلك كان ضمن الأحزاب التركية الرافضة لآخر الانقلابات عام 2016.

تجربة الحزب التركي جعلته باقيا مع الأصوات المدنية المناهضة للحكم العسكري، لأنه وعى الدرس جيدا وعلم أن الجميع يدفع الثمن لاحقا مع الانقلابات.

نداء المنكوبين

المرشح الرئاسي المصري السابق حمدين صباحي، والذي حل ثالثا في الانتخابات الرئاسية المصرية عام 2012، التي فاز بها الرئيس الراحل محمد مرسي، أبرز الذين بعثوا برسالة إلى تونس للمحافظة على ديمقراطيتها من الانقلابات. 

صباحي، قال بـ"فيسبوك": "قلبي مع تونس، الثورة الناجية من كل ثورات ربيع عربي اختطفته الثورة المضادة.. كان الانتقال الديمقراطي شائكا لكنه بكل عيوبه أهون وأضمن من انفراد أي طرف بالسلطة وإقصاء باقي الشركاء أو الفرقاء".

وختم تدوينته بالقول: "اللهم ألهم شعبنا في تونس الصواب ونجه من محنة الاقتتال".

انتقاد صباحي لعملية الانفراد بالسلطة في تونس، وإقصاء الشركاء منها، دفع ناشطين للتذكير بموقفه المؤيد لانقلاب السيسي في مصر على الرئيس المنتخب محمد مرسي.

ناشطون، ذكروا أن صباحي بمجرد تأييده انقلاب السيسي سرعان ما استبعد من العملية السياسية، وجرت إهانته في الانتخابات الصورية التي تمت عام 2014.

إذ فاز حينها السيسي، وخسر صباحي بعدما حصل على 3.9 بالمئة فقط من أصوات الناخبين، ليواجه بسخرية واسعة، واستهجان من القوى السياسية والأحزاب التي قاطعت الانتخابات.

حينها الجبهة المقاطعة للانتخبات تأكدت أن وزير الدفاع الذي انقلب على اول رئيس مدني منتخب، سيستأثر بالسلطة أكثر، ويحطم حقوق الإنسان تماما، وهو ما لم يفهمه صباحي حينها. 

لم يكن صباحي وحده الذي حذر التونسيين من السيناريو الكارثي للانقلابات والديكتاتورية التي تتبعها.

الفنان المصري عمرو واكد، كتب في "تويتر"، يوم 26 يوليو/ تموز 2021: "نصيحة الى الشعب التونسي: اعزلوا رئيسكم المنقلب وحاكموه وعاقبوه أشد عقاب".

تغريدة واكد، أثارت جدلا واسعا بمواقع التواصل الاجتماعي، وأيد الناشطون رؤيته، خاصة في ظل تقارب أحداث مصر عام 2013 وأحداث تونس الآن.

واكد أحد رموز ثورة يناير، كان من المؤيدين للانقلاب العسكري في مصر، وأيد الإطاحة بحكم الرئيس المنتخب ديمقراطيا محمد مرسي.

إلا أنه تراجع عن موقفه بعدما تأكد من مساوئ السيسي، ورأى النتائج الكارثية المترتبة على الحكم العسكري والانقلابات على الحكم المدني. 

وفي 25 مايو/ أيار 2021، غرد واكد عبر "تويتر" قائلا: "أعتذر وبشدة لكل ضحايا (رابعة) و(النهضة) الأبرياء عن كلامي".

وأضاف: "بعدما قرأت تقرير لجنة تقصي الحقائق بتاعهم (منظومة الانقلاب) الذي ورد فيه أن عدد السلاح المحرز كان حوالي 15 قطعة أرى أن قتلهم لقرابة الألف مواطن يجعل هذه أسوأ مذبحة للأبرياء في تاريخ مصر".

تلك الأمور دفعت عمرو واكد لتحذير الشعب التونسي، مخافة أن يسقط في نفس الفخ الذي نصب في مصر قبل سنوات. 

نفس الكتالوج 

الإعلامي المصري أسامة جاويش، كتب يوم 2 أغسطس/ آب 2021، بـ"فيسبوك": "عزيزي المواطن التونسي، جئت إليك من المستقبل لأخبرك بحقيقة واحدة".

وأضاف: "لا تصدق قيس سعيد، إنهم يسيرون على نفس الكتالوج بنفس الطريقة، وينتهجون نفس الأساليب والوسائل لتبييض صورة الرئيس ومن دعموه في القيام بهذا الانقلاب العسكري، والشواهد على ذلك كثيرة". 

جاويش تابع رسائله: "في محاضرته التي ألقاها الرئيس التونسي خلال اجتماعه الغريب مع صحفيي نيويورك تايمز، قال : لماذا أسعى أن أكون ديكتاتورا وأنا في سن 67؟".

ونقل جاويش باقي حديث الرئيس التونسي بأنه "لم يفعل ذلك إلا من أجل مصلحة الشعب التونسي، ولن يتخذ أي إجراءات تمس حرية التعبير أو الصحافة". 

وبطريقة ساخرة خاطب التونسيين: "جئتك من المستقبل لأخبرك بأن هذه كذبات لن يدوم مفعولها طويلا".

وأضاف الإعلامي المصري: "منذ سبع سنوات قال السيسي: ليس لنا طمع في أي شيء وأقسم على ذلك، أتعرف ماذا حدث؟".

وواصل: "نعم ترشح السيسي للرئاسة وأطاح بجميع منافسيه، عسكريين مثل الفريق سامي عنان والفريق أحمد شفيق، أو مدنيين مثل عبدالمنعم أبوالفتوح وهشام جنينة وآخرين". 

وأورد: "عزيزي التونسي، سيحاولون طمأنتك أن الميادين موجودة وأنك قادر على الثورة من جديد، وأن الشعب الذي أسقط ابن علي قادر على إسقاط قيس سعيد بمجرد التحرك صوب الميادين".

واستدرك: "لكن احذر فهذا ما فعلوه بنا في مصر أيضا، قالوا لأنفسهم اتركوا السيسي يقضي على جماعة الإخوان المسلمين ليخلوا لنا المجال، ثم نجبر الجيش وقائده على الرضوخ لمطالب الشعب. أوَتدري ماذا حدث؟". 

وأوضح أنه "حبسهم السيسي وقضى عليهم جنبا إلى جنب مع الإخوان، ثم أغلق الميادين في وجه الجميع، واعتقل كل من تجرأ على رفع صورة مكتوب عليها (إرحل يا سيسي)". 

الأكاديمي المصري، الدكتور سليمان صالح، كتب مقالة بتاريخ 27 يوليو/ تموز 2021، قال فيها: "كانت قوى الاستعمار والاستبداد تدير المشهد فتدفع العلمانيين لتدمير التجربة الديمقراطية في تونس كما حدث في مصر قبل انقلاب 3 يوليو/تموز 2013".

أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، أضاف :وربما تكون أهم النتائج الإيجابية التي حصلت عليها الأمة في سنواتها العجاف أن حقيقة العلمانيين أصبحت واضحة، فهم يرفعون شعارات الحرية والديمقراطية خداعا للشعوب".

وفي مقاله جزم بأنهم (العلمانيين): "لا يؤمنون بتداول السلطة، وحق الشعب في اختيار المشروع الذي يبني على أساسه مستقبله، وأنهم يقومون بتدمير التجربة الديمقراطية إذا اختارت الشعوب الاتجاه الإسلامي".

صالح أكد، أن "هذا يوضح عدم إخلاصهم لقضية الديمقراطية، كما أنهم يطبقون معايير مزدوجة تتنافى مع العدل وتشكل أساسا للظلم والاستبداد". 

التاريخ يتكرر

الباحث السياسي المصري، محمد ماهر، يقول إن "التاريخ يعيد نفسه بحذافيره، ولا عذر للتوانسة إن أخفقوا لأنهم رأوا ما وقع في مصر عيانا".

ويضيف لـ"الاستقلال": إنهم "شاهدوا مصارع الخلق في الميادين والطرقات في مذابح ومشاهد يندى لها الجبين، كانت ناجمة بالأساس عن حالة مشابهة لما يحدث في تونس". 

"في مصر كنا نحذر من سيناريو الثورات المضادة والانقلابات العسكرية، وكنا نضرب المثل بالثورة الرومانية المعروفة تاريخيا بـ(أضحوكة الثورات) عندما نجح الشعب عام 1989، في الإطاحة بالطاغية نيكولاي تشاوشيسكو"، يوضح ماهر.

ويتابع: "ثم عادت الدولة العميقة تطل برأسها في صورة من جاء بعده (إيون إيليسكو) الذي انقلب على الثورة، ودمر الديمقراطية، ورسخ للديكتاتورية من جديد، ومع ذلك وقع الجميع في الفخ". 

الباحث المصري يؤكد أن "الأصوات التي ساندت الانقلاب في مصر وعلى رأسهم حمدين صباحي، تبعث التحذيرات إلى تونس، لأنها دفعت الثمن أولا".

ويضيف: "وثانيا لأن النتائج الكارثية كانت أكبر من المتوقع، فالسيسي لم ينفرد بالسلطة فحسب، بل قام بإجراءات انتقامية بحق كل من شارك في ثورة يناير، وبحق كل معارض".

ويلفت إلى أن السيسي، "تخلص حتى ممن يظن أنه ربما يشكل تهديدا على حكمه ونظامه مستقبلا".

ماهر، يجزم بأن "هذه قاعدة مطلقة مطبقة على جميع الأنظمة المستبدة من أول الثورة (البلشفية) في روسيا وبداية حكم الشيوعيين".

ويتابع: "ومرورا بثورة 23 يوليو/ تموز 1952 في مصر، وبداية حكم العسكر، وصولا إلى عهود الانقلابات على الربيع العربي التي نعيشها حاليا".

"وكما كانت البداية في تونس، يبدو أن الثورات المضادة في أبو ظبي والقاهرة، تريد أن تكتب هناك السطر الأخير"، وفق ماهر.

ويختم حديثه بالقول: "وهو الأمر الذي يجب أن يعيه الشعب التونسي جيدا، قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه الندم".