"ميلييت": لماذا يشكّل السودان أهمية كبيرة بالنسبة لتركيا؟

12

طباعة

مشاركة

نشرت صحيفة "ميلييت" التركية، مقالا للكاتب سامي كوهان، سلط فيه الضوء على ما يشكله السودان من أهمية لدول العالم، ولأنقرة بشكل خاص، طارحا تساؤلات حول مصير الاتفاقيات التي أبرمتها الخرطوم مع دول عدة ومن أبرزها تركيا بعد عزل الرئيس السابق عمر البشير.

وقال الكاتب في مقاله، إن السودان بلد مهم لدول المنطقة كافة وحتى للدول الإقليمية والغربية، ويأتي عزل البشير في الوقت الراهن، ليثير الكثير من التساؤلات حول مصير الاتفاقيات التي وقعها السودان مع مختلف دول المنطقة ومنها تركيا.

كما تأتي هذه الأحداث، وفق الكاتب، حيث سياسة المحاور التي تعصف بالمنطقة، ففي حين أن أمريكا معها عدد من الدول بمقابل روسيا من جهة والصين من جهة أخرى، وكل هذه القوى العملاقة عينها على السودان وفي انتظار ما ستؤول إليه الأمور.

لماذا السودان مهم؟

وفي مقالة بعنوان "لماذا السودان مهم؟" تساءل الكاتب سامي كوهان حول أهمية السودان، حيث تتابع الدنيا برمتها ما دار ويدور حاليا في الخرطوم، بما في ذلك أنقرة. وأضاف: السبب في هذا الاهتمام الخاص هو أن الناس في هذا البلد الأفريقي، الذي هو أيضا جزء من المنطقة العربية، قد تمردوا على "النظام الاستبدادي" لعمر البشير وأطاحوا به في نهاية المطاف بحركات وتظاهرات الشوارع واسعة النطاق.

ولفت الكاتب إلى أن هذا التطور أي عزل البشير، قد أوجد الأمل في أن السودان يمكنه الآن الانتقال من نظام ديكتاتوري أو فاسد إلى نظام مدني وديمقراطي. إلا أنه من غير الواضح ما إذا كانت المؤسسات العسكرية ومؤسسات الدولة التي ما زالت نشطة في هذه المرحلة ستسمح بذلك، في وقت يصمم المتظاهرون على مواصلة مقاومتهم حتى يتم تغيير النظام الراديكالي وإلغاء الإدارة القديمة بالكامل.

لذلك، يوضح الكاتب، أن المرحلة الأولى من عملية إزالة الأصنام في السودان قد حدثت، وليس من الواضح إلى أي مدى ستتم الجولة الثانية، من عملية الحضارة وإرساء الديمقراطية، وسواء كانت الجهات الفاعلة الإقليمية والعالمية تراقب عن كثب الأحداث في السودان، فإن فضولا يحركها حول ما إذا كانت تجربة "الربيع العربي" الجديدة ستنجح وسيكون لها بعض التأثير.

وكان قد أعرب اليوم نائب رئيس المجلس العسكري السوداني محمد حمدان دقلو (حميدتي) عن عدم قبول أي فوضى في السودان‎، متهما  قوى "إعلان الحرية والتغيير" بتأليب الشعب، في الوقت الذي يؤكد فيه سودانيون أن بقايا النظام يحاولون فض الاعتصامات، وفقا للكاتب.

وذكر أن المجلس العسكري الذي تسلم السلطة في السودان عقب عزل الرئيس عمر البشير، قد كشّر عن أنيابه، ووصفه البعض بأنه "النسخة الجديدة للنظام البائد"، في ظل مطالبات للمتظاهرين بتسليم مقاليد الحكم إلى سلطة مدنية انتقالية.

واتهم "حميدتي"، في مؤتمر صحفي للمجلس العسكري الانتقالي السوداني، اليوم الثلاثاء "قوى إعلان الحرية والتغيير" بتأليب المتظاهرين ضد المجلس، وبين أن "هناك حالات من التفلتات الأمنية وكلها يقوم بها مواطنون".

ولكن بصراحة، وبحسب الكاتب، فإن السبب وراء هذا الاهتمام الخاص هو حقيقة أن العالم الخارجي مغرم بمصالحه الخاصة أكثر من شغفه بنغمة القيم الديمقراطية.

من حيث المبدأ، من المأمول أن ينتقل السودان إلى نظام مدني وديمقراطي يتماشى مع الإرادة الشعبية، لكن ما تريده القوى الخارجية أو البعيدة عن الخرطوم جغرافيا، هو أن يكون الواقع الحقيقي وأن تغدو الظروف السياسية الجديدة في هذا البلد متناسبة مع مصالحها الخاصة أي هذه القوى الخارجية، يوضح الكاتب.

من الواضح، إذا قال الغربيون "ديمقراطية"، فإن هدفهم هو إبقاء السودان في دائرة نفوذهم، موضحا أنه لا يوجد لدى الدول العربية المحيطة بالسودان مثل السعودية والإمارات ومصر نظام ديمقراطي الأمر المنعكس أيضا على السودان.

ولفت كوهان في الوقت نفسه إلى أن روسيا والصين لا يهمهم ما يدور بقدر ما يهمهم تطوير العلاقات الثنائية مع السودان، لكن ماهية النظام في الخرطوم لا يهمهم ولا يعنيهم الشكل النهائي الذي سيرسو عليه.

وبالتالي، يتابع الكاتب: ليس من الواضح كيف ستكون فترة ما بعد البشير في السودان، ولكن من المحتمل جدا أن تصبح البلاد منطقة منافسة للجهات الفاعلة الخارجية.

ما دور تركيا؟

وينتقل الكاتب هنا إلى دور تركيا في القضية السودانية؛ موضحا أن تركيا هي من بين البلدان التي لها مصلحة خاصة في السودان عبر مسيرة استثمرتها منذ 10 سنوات والسبب الرئيسي لهذا الاهتمام، وفق الكاتب، هو الأهداف الإستراتيجية التي تحددها أنقرة.

وأضاف الكاتب، أنه من الواضح أنه وبناء على الأهداف التي حددتها أنقرة، لم تُعتبر شخصية وسلوك عمر البشير عقبة أمام نيل الثقة ومد جسور التعاون بين البلدين، حيث تمت دعوة البشير، الذي اعتبر مجرم حرب بسبب مذابح دارفور وكان مدرجا في قائمة الإنتربول المطلوبة، إلى أنقرة العام الماضي. كما وقع الرئيس أردوغان خلال زيارته للسودان في عام 2017، على عشر اتفاقيات تعاون مع البشير.

كما تم التوقيع على صيانة جزيرة سودانية، لكن التقارير تشير إلى أن ذلك في حقيقة الأمر كان اتفاقا لإنشاء قاعدة عسكرية في جزيرة إستراتيجية ومهمة على البحر الأحمر.

يذكر أنه في ديسمبر من عام ٢٠١٧، زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان السودان على رأس وفد رفيع ضمّ حوالي ٢٠٠ رجل أعمال، ووصفت الزيارة بالتاريخية، وشهدت توقيع ١٢ اتفاقية في مجالات سياسية واقتصادية وعسكرية، على رأسها بروتوكول إنشاء المجلس الأعلى الإستراتيجي بين البلدين.

ووفقا لبعض المصادر، فقدّ اتفق الجانبان على زيادة التعاون في الصناعة والنقل والتكنولوجيا وتنمية البنية التحتية بشكل خاص، بالإضافة الى العمل على زيادة حجم التبادل التجاري والاستثمارات المشتركة، وذلك انطلاقا مما تمتلكه تركيا من إمكانيات في هذا المجال.

وخلال تلك الزيارة، عرض الجانب التركي إعادة اعمار وتطوير جزيرة "سواكن" التاريخية التي تقع على الساحل الغربي للبحر الأحمر والتي تبلغ مساحتها حوالي ٢٠ كيلومترا مربعا، ولعبت تلك الجزيرة في العهد العثماني دورا محوريا في الإستراتيجية البحرية للدولة العليّة، حيث كانت مقرّاً لحاكم "مديرية الحبشة العثمانية" في عهد السلطان سليم الأول، ثم للحاكم العثماني لمنطقة جنوب البحر الأحمر بين عامي ١٨٢١ – ١٨٨٥، وتاليا مقرّا للبحرية العثمانية.

وبسبب رمزيتها التاريخية، أثارت الخطوة التركية حساسية بعض القوى الإقليمية كمصر والسعودية، لاسيما مع الحديث المتزايد عن إمكانية إعادة إحياء ميناء الجزيرة ليصبح قاعدة عسكرية بحرية تسمح لتركيا بالتواجد على ممر مائي حيوي في البحر الأحمر.

وذكر الكاتب، أن الاهتمام التركي بالسودان ليس فقط من الجهات الرسمية، بل أيضا من الجهات الخاصة، كما ثمة تعاون مع الحقول العسكرية والأمنية السودانية، لافتًا إلى أن استثمارات المؤسسات العامة والخاصة التركية تبلغ 600 مليون دولار.

واختتم كوهان مقاله بالقول: في الواقع تولي أنقرة أهمية كبيرة للسودان في هذا الصدد وتهدف إلى أن يكون لها دور إستراتيجي في المنطقة الواسعة بوجودها العسكري في قطر والصومال، متسائلا: هل سيؤثر إسقاط إدارة البشير على التعاون مع السودان؟ ومجيبا في الوقت نفسه: كل شيء يعتمد على نوع الأعمال الإدارية التي ستحدث في السودان.


المصادر