روايات مروعة.. نساء يكشفن عن فظائع تعرضن لها في ليبيا أثناء الهجرة

قسم الترجمة | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

نقلت صحيفة "ذا نيو هيومانتيريان The new Humanitarian" المختصة في القضايا الإنسانية، روايات مروعة لما تعرضت له نساء جرى إنقاذهن في البحر، من اعتداءات فضيعة بمراكز الاعتقال في ليبيا.

الصحيفة تم تأسيسها من قبل الأمم المتحدة في عام 1995، لكن بعدما يقرب من 20 عاما، أصبحت منظمة إخبارية مستقلة غير ربحية ما سمح لها بإلقاء نظرة أكثر انتقادا على صناعة مساعدات الطوارئ التي تقدر بمليارات الدولارات، كما تقول عن نفسها.

وعن الانتهاكات بحق النساء في مراكز الاعتقال بليبيا، قالت الصحيفة: إنه جرى تغيير جميع أسماء النساء اللواتي تحدثن في التقرير حفاظا على سلامتهن وسلامة الأطفال الذين تم إنقاذهم.

"سجنوا طفلي"

إحدى هؤلاء كانت فطومة وهي طالبة لجوء تبلغ من العمر 17 عاما من ساحل العاج، بين ذراعيها ابنها البالغ من العمر 8 أشهر.

غادرت ليبيا في محاولة للوصول إلى أوروبا في 16 مايو/أيار 2021، وبعد بضع ساعات، بدأ القارب الخشبي الذي كانوا يستقلونه مع 90 شخصا آخر في الغرق.  

ورغم أن فطومة كانت تعلم قبل الانطلاق أن محاولتها العبور إلى أوروبا أمر خطير لكن لم يكن لديها خيار آخر.

وفي المنزل، كان الرجل الذي أجبرت على الزواج به عندما كانت في الثالثة عشرة من عمرها بضربها بشدة والاعتداء عليها جنسيا، بحسب الصحيفة. وهو ما جعل فطومة تخشى على حياتها، قبل أن تقرر الهرب لتصل في النهاية إلى ليبيا. 

بحلول ذلك الوقت، كانت حاملا، لكنها كافحت للحصول على الرعاية الطبية واحتجزتها السلطات الليبية بشكل تعسفي عدة مرات.

وحاولت فطومة مغادرة ليبيا مرتين بالقارب دون جدوى - مرة قبل الولادة وأخرى ​​بعد ذلك - ولكن في كل مرة اعترض خفر السواحل الليبي المدعوم من الاتحاد الأوروبي السفينة وأرسلت إلى مركز احتجاز. 

وقالت فطومة للصحيفة عن محاولتها الثالثة: "علمت أننا نواجه الموت.. لكن طفلي سجن في 3 سجون مختلفة حيث تعرض للتجويع وسوء المعاملة، كان يحتضر بين ذراعي".

وأضافت والدموع تنهمر على وجهها: "في ليبيا، رفض حراس السجن إعطاءه الطعام أو الحليب أو الماء. كان من الممكن أن يموت، وأردت أن أمنحه فرصة للعيش". 

وجرى إنقاذ فطومة والركاب الآخرين بعد حوالي 9 ساعات في البحر بواسطة Sea-Eye 4، وهي سفينة بحث وإنقاذ تديرها منظمة ألمانية غير حكومية. 

وخلال مهمة استمرت 3 أسابيع في مايو/أيار، أنقذت السفينة المذكورة 408 أشخاص من ستة قوارب، كان من بينهم 150 طفلا، 19 رضيعا - و36 امرأة، خمسة منهم على الأقل حوامل.

وأحصت المنظمات غير الحكومية العاملة في مجال البحث والإنقاذ في وسط البحر الأبيض المتوسط ​​آلاف النساء والأطفال من بين الأشخاص الذين أنقذتهم قبالة سواحل ليبيا في السنوات الأخيرة.

وكان هؤلاء يمثلون ما بين 25 و40 بالمئة من الإجمالي، وفقا لمتحدثين باسم العديد من المنظمات غير الحكومية. وقد مر جميعهم تقريبا بمراكز اعتقال ليبية رسمية وغير رسمية.

في سياق متصل، يشير التقرير إلى أن دورة الابتزاز والحرمان والعنف التي يواجهها طالبو اللجوء والمهاجرون، حتى في المنشآت التابعة للحكومة، موثقة جيدا.  

ولكن بسبب وصمة العار والصدمات النفسية، غالبا ما لا يتم الإبلاغ عن الانتهاكات ضد النساء والأطفال في مراكز الاحتجاز الليبية، بما في ذلك الاغتصاب والعنف الجنسي.

اتجاهات الهجرة

مع ارتفاع عدد عمليات اعتراض خفر السواحل الليبي في العام 2021، وصل بالفعل إلى ما يقرب من 18300، اعتبارا من 24 يوليو/تموز، مقارنة بحوالي 12 ألفا عام 2020 بأكمله.

وتوفي ما لا يقل عن 930 طالب لجوء ومهاجر أثناء محاولتهم عبور وسط البحر الأبيض المتوسط، ووصل حوالي 27 ألفا إلى أوروبا. 

في الآونة الأخيرة ، غرق ما لا يقل عن 57 شخصا - من بينهم ما لا يقل عن 20 امرأة وطفلين - في 26 يوليو/تموز. 

ومنذ عام 2017، قدم الاتحاد الأوروبي والعديد من الدول الأعضاء فيه، التدريب والتمويل والمعدات ودعم المراقبة الجوية بشكل متزايد لخفر السواحل الليبي، مما ساعد على تسهيل عمليات الاعتراض. 

وجرى إرسال طالبي اللجوء والمهاجرين الذين أعادهم خفر السواحل إلى ليبيا - بما في ذلك ما يقرب من 1200 امرأة وأكثر من 600 طفل حتى الآن هذا العام -  تلقائيا إلى مراكز الاحتجاز التابعة للحكومة.

وفي تصريحات لمجلس الأمن الدولي في 15 يوليو / تموز، قال رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا يان كوبيش "على الدول الأعضاء التي تدعم عمليات إعادة الأفراد إلى (طرابلس) إعادة النظر في سياساتها".

مع الأخذ في الاعتبار أن المهاجرين واللاجئين لا يزالون يواجهون خطرا حقيقيا للغاية بالتعرض للتعذيب والعنف الجنسي إذا أعيدوا إلى الشواطئ الليبية، وفق تصريحاته. 

وفي نفس اليوم الذي أدلى فيه كوبيش بتصريحاته، صوت البرلمان الإيطالي على تجديد تمويل خفر السواحل الليبي لسنة أخرى.

واعتبارا من 4 يوليو/تموز، جرى تسجيل 840 طفلا وأكثر من 700 امرأة محتجزين في 16 مركز احتجاز تابع للحكومة في ليبيا، من إجمالي عدد المحتجزين البالغ 6134، وفقا لمتحدث باسم وكالة الهجرة التابعة للأمم المتحدة.

وقال الباحث في منظمة العفو الدولية "ماتيو دي بيليس" لصحيفة ذا نيو هيومانتيريان: "هناك نقص في الشفافية حول وجود ووضع النساء والأطفال في مراكز الاحتجاز، لكننا نعلم أنهم محتجزون أيضا في ظروف مروعة".

ووجد تقرير حديث صادر عن العفو الدولية أن طالب اللجوء والمهاجرين تعرضوا - في الأشهر الستة الأولى فقط من عام 2021 - في مراكز الاحتجاز الليبية لعمليات القتل غير القانوني والتعذيب والابتزاز والاغتصاب والعنف الجنسي والعمل القسري من بين انتهاكات أخرى.

ويأتي هذا على الرغم من تعهد السلطات الليبية بتحسين ظروف الإيقاف. كما أكد التقرير أن النساء والأطفال معرضون للخطر بشكل خاص. 

ويصف التقرير نمطا من العنف الجنسي والتحرش بالنساء والفتيات في العديد من مراكز الاحتجاز الليبية، بما في ذلك مطالبة الحراس بالجنس مقابل السماح لهن باستخدام المرحاض أو الحصول على الطعام.

ولا يعد الأطفال أيضا بمنأى عن ذلك، فأثناء محاولة الهروب من مركز احتجاز في مايو/أيار، أطلق الحراس النار على صبي يبلغ من العمر 13 عاما في ساقه، وفقا للتقرير. 

تتماشى الانتهاكات التي سجلتها منظمة العفو الدولية مع الشهادات التي جرى جمعها مع ما وثقته الصحيفة من شهادات على متن سفينة Sea-Eye 4 خلال مهمتها في مايو/أيار.

وهي  شهادات ترسم صورة قاتمة لتجارب النساء والأطفال في مراكز الاحتجاز الليبية. 

لم ترد إدارة مكافحة الهجرة غير الشرعية الليبية، التي تشرف على مراكز الاحتجاز الرسمية في البلاد، على طلب الصحيفة للتعليق على مزاعم انتشار الاغتصاب والاعتداء الجنسي في المرافق الخاضعة لسلطتها.

"يجب علينا الفرار"

غريس وهي من غرب إفريقيا، رزقت على أرض مركز احتجاز في ليبيا بمولود جديد، وتروي عن معاناتها بعد أن أنقذتها Sea-Eye 4 - مع ابنتها، قائلة "في يوم ولادتي، اعتقلتني الشرطة وتركت الطفلة ملقاة على الأرض".

ويعد الدخول غير القانوني إلى ليبيا مجرما، لذا يواجه طالبو اللجوء والمهاجرون تهديدا دائما بالقبض عليهم من قبل السلطات واحتجازهم. 

وأضافت غريس: "لقد رأيت ليبيين يطلقون النار على الناس، وكنت مرعوبة. كنت أعلم أنه يتعين علينا الفرار". 

وبعد عملية الإنقاذ، وصف النساء على متن Sea-Eye 4 مستوى مذهلا من الاغتصاب والعنف الجنسي في مراكز الاحتجاز التابعة للحكومة الليبية. 

وقالت مريم، البالغة من العمر 24 عاما من مالي، والتي فرت من العنف المنزلي من زوجها: إنها تعرضت للاغتصاب والضرب يوميا خلال الأشهر الستة التي تم احتجازها فيها في منشأة في بلدة زوارة الساحلية.

وكانت طالبة اللجوء التي أنقذتها السفينة في الساعات الأولى من صباح 17 مايو/أيار تحمل طفلها، وجرى سحب الاثنين من قارب خشبي مزدحم. 

وكانت ابنة مريم البالغة من العمر خمس سنوات برفقتها وشاهدت والدتها تتعرض للإيذاء. 

وقالت مريم: "رأتني ابنتي في هذه الحالة وبكت كثيرا، عندما أرى شخصا في الشارع الآن، أشعر بالخوف وأنهم يتابعونني. رأيت الكثير من النساء والفتيات يتعرضن للاغتصاب أمامي".

وأغلق مركز الاحتجاز في مدينة زوارة منذ ذلك الحين - إلى جانب العديد من مراكز الاعتقال الأخرى سيئة السمعة - لكن الأوضاع في المراكز الجديدة التي افتتحتها إدارة مكافحة الهجرة غير الشرعية الليبية (DCIM) تبدو كئيبة بنفس القدر. 

واعتقلت السلطات الليبية جوليا البالغة من العمر 22 عاما من مالي، تعسفيا وأرسلت إلى أحد المرافق الجديدة المعروفة باسم شارع الزاوية  في طرابلس، والتي حددها جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية كمركز للفئات الضعيفة مثل النساء والأطفال، بحسب تقرير العفو الدولية.

وقالت جوليا: إن البالغين في شارع الزاوية لا يتلقون سوى وجبة واحدة في اليوم، ولم يتم تزويد الأطفال بالطعام على الإطلاق.

وأوضحت أنها شاهدت نساء حوامل يتعرضن للضرب من قبل الحراس بسبب طلب المزيد من الطعام. 

ولفتت إلى أن "الليبيين لا يحبون السود.. لم يكن لدينا مياه الشرب، واضطررنا لشرب الماء من المرحاض".

وبينت أنها تعرضت للاغتصاب بشكل متكرر أثناء وجودها في المنشأة وأصبحت حاملا، وكان من المستحيل عليها معرفة والد الطفل. 

وتابعت: "عندما يغتصبك الرجال في مراكز الاحتجاز، هناك دائما اثنان منهم على الأقل أحدهم يصوب مسدسه نحوك والآخر يغتصبك. في بعض الأحيان، هناك رجل ثالث يصور المشهد".

وفي يونيو/حزيران، أكدت 5 فتيات صوماليات تتراوح أعمارهن بين 15 و17 سنة محتجزات في شارع الزاوية لوكالة أسوشيتيد برس الأميركية أنهن تعرضن للاعتداء الجنسي من قبل الحراس في المنشأة. 

وحاولت فتاتان على الأقل الانتحار بسبب سوء المعاملة. 

وعلى متن سفينة Sea-Eye 4، قالت عائشة البالغة من العمر 23 عاما من غرب إفريقيا: إنها حملت أيضا بعد تعرضها للاغتصاب عدة مرات أثناء وجودها في منشأة تابعة لجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية. 

وقالت: "عندما بدأت أشعر بالمرض والقيء في مركز الاحتجاز، فهمت ما حدث، بكيت كل يوم حتى هربت وعبرت البحر الأبيض المتوسط". 

وعندما أنقذتها Sea-Eye 4 في 16 مايو/أيار، كانت في الأشهر الثلاثة الأخيرة من حملها، وكان جسدها مغطى بالكدمات والندوب من الضرب الذي تعرضت له مؤخرا.

شبح المعاناة 

ووفقا لمارلين فيسينغر وهي ممرضة على متن القارب، فإن العديد من الأطفال الذين أنقذتهم Sea-Eye تصرفوا بطرق غير طبيعية بالنسبة لأعمارهم. 

وقالت فيسينغر للصحيفة: "بعد الإنقاذ مباشرة، بدؤوا في معانقة أفراد الطاقم، وكان من الواضح أنهم حرموا من الاتصال الجسدي والعاطفة، لقد أرادوا أن نحملهم بين أيدينا ، وكانوا متعطشين لبيئة مسالمة ومحبة".

ويعاني معظم الأطفال من سوء التغذية والجفاف وأنواع مختلفة من العدوى.

ويرجع ذلك على الأرجح إلى الظروف التي عاشوها في مراكز الاحتجاز الليبية وعلى متن القوارب المزدحمة التي تم إنقاذهم منها، بحسب فيسينغر. 

ويمكن أن يكون للظروف في مراكز الاحتجاز آثارا طويلة الأمد على الأطفال، بحسب سيرينا كولاجراندي، مديرة المناصرة في منظمة أطباء بلا حدود - فرنسا، وهي واحدة من المنظمات غير الحكومية القليلة التي يمكنها الوصول إلى مراكز الاحتجاز الليبية.

وقالت كولاجراندي: "كل ذلك سيؤثر على الصحة الجسدية والعقلية للأطفال، ومعظمهم يعانون بالفعل من الضعف الشديد ونقص الوزن". 

وتؤكد المنظمة الدولية للهجرة ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن ليبيا ليست آمنة للاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين، وتحث الدول على الامتناع عن إعادة الأشخاص الذين يتم إنقاذهم في البحر إلى البلاد.

كما دعت الوكالتان إلى الإفراج عن المحتجزين في مراكز احتجاز المهاجرين الليبية.

وقال رئيس بعثة المفوضية في ليبيا جان بول كافالييري، لصحيفة ذا نيو هيومانتيريان: "ندعو إلى الإفراج الفوري عن الأشخاص الأكثر ضعفا بمن فيهم النساء والأطفال". 

ولم يرد متحدث باسم الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية بشكل مباشر عندما سألته الصحيفة ما إذا كان يتعين على المفوضية الأوروبية، الفرع التنفيذي للاتحاد الأوروبي، إعادة النظر في دعمها لخفر السواحل الليبي بسبب التوثيق الواسع للانتهاكات في مراكز الاحتجاز، بما في ذلك الاعتداء الجنسي.

 لكنه قال: إن التقارير المتعلقة بالعنف الجنسي والعنف القائم على النوع "يجب إدانتها بأقوى العبارات الممكنة"، لكن النقاد يقولون إن هذا ليس كافيا. 

وقالت جوديث سندرلاند ، المديرة المساعدة لقسم أوروبا وآسيا الوسطى في هيومن رايتس ووتش للصحيفة: "ليس هناك شك في أن دعم الاتحاد الأوروبي لعمليات الاعتراض الليبية يديم دورة الاعتقال التعسفي والانتهاكات في مراكز الاحتجاز الليبية".

وأضافت أن "دعم المساعدات الإنسانية لا يعفي الاتحاد الأوروبي من تواطئه".

وفي غضون ذلك، تكافح المنظمات غير الحكومية للبحث والإنقاذ، مثل Sea-Eye، للحفاظ على وجودها في وسط البحر الأبيض المتوسط ​​بسبب مجموعة من السياسات التي نفذتها الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والتي جعلت من الصعب عليها العمل. 

وبعد أن جرى إنزال الأشخاص الذين تم إنقاذهم خلال مهمتها في مايو/أيار بإيطاليا، احتجزت السلطات الإيطالية Sea-Eye 4، مشيرة إلى "مخالفات مختلفة ذات طبيعة فنية"، ولم يتم الإفراج عن السفينة بعد.

ومنذ عام 2019، احتجزت السلطات الإيطالية سفن البحث والإنقاذ التابعة للمنظمات غير الحكومية على أسس مماثلة 13 مرة على الأقل.

وفتحت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي 58 دعوى قضائية منذ عام 2016 ضد قوارب البحث والإنقاذ العاملة في جميع أنحاء البحر الأبيض المتوسط. 

وقالت صوفي ويدنهيلر المتحدثة باسم Sea-Eye، لصحيفة ذا نيو هيومانتيريان، في إشارة إلى حالة آلان كردي الشهيرة: "في عام 2015 ، عندما جرفت الأمواج  جسد طفل صغير على الشاطئ التركي، غضبت أوروبا".

 وبعد ست سنوات، ازداد الوضع سوءا، ولم تعد جثث الأطفال التي تصل الشواطئ تستحق حتى عناوين الأخبار، بحسب تعبيرها.