التصعيد الأمريكي الإيراني في مضيق هرمز واحتمالات المواجهة

رائد الحامد | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

قبل فرض العقوبات الدولية على إيران عام 2012 على خلفية برنامجها النووي، كانت طهران رابع أكبر منتج للنفط في العالم بعد السعودية وروسيا والولايات المتحدة، بنسبة تصل إلى 5 بالمائة من الإنتاج العالمي للنفط، كما تحتفظ بموقع ثالث أكبر احتياطي نفطي مثبت في العالم بعد فنزويلا والسعودية.

لذلك فمن مصلحة دول الاتحاد الأوربي والدول الاسيوية المستهلكة للنفط الإيراني استمرار تدفق النفط الإيراني للأسواق العالمية للحفاظ على استقرارها وعدم التعرض إلى هزات غير محسوبة العواقب.

وتشير تقارير، إلى أن حوالي 40% من إنتاج النفط العالمي يمر عبر مضيق هرمز، بينما تصدر إيران إنتاجها كاملا من خلاله، أما السعودية فيمر 88% من إنتاجها عبر هذا الممر المائي، والإمارات 99%، والعراق 98%، وقطر 100%.

وتصدّر إيران، ثالث أكبر منتج للنفط في منظمة أوبك، أكثر من 2.28 برميل من النفط الخام يوميا، حسب بيانات وزارة النفط الإيرانية لشهر يونيو/حزيران 2018.

واعتبارا من 2 مايو/ أيار المقبل، ستُلغى جميع الإعفاءات الأمريكية على صادرات النفط الإيرانية مع التشديد على إجراءات عقابية سوف تتخذها، ضد الدول التي لا تلتزم بالقرار الأمريكي الأخير المعلن يوم الاثنين 22 أبريل/ نيسان بعدم تمديد الإعفاءات التي منحتها في السابق لثماني دول، والتي تتيح لبعض مستوردي النفط الإيراني مواصلة الشراء دون مواجهة عقوبات أمريكية منذ بدء المرحلة السابقة من قرار منع التصدير في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2018.

وترفض تركيا "العقوبات الأحادية الجانب والاملاءات المتعلقة بطبيعة العلاقات التي تقيمها مع دول الجوار"، وفقا لتصريحات ادلى بها وزير خارجيتها تشاوش أوغلو.

 وردا على القرار الأمريكي الأخير، أعاد الحرس الثوري الإيراني تهديداته بإغلاق مضيق هرمز مرة أخرى، وحذر قائد القوات البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني علي رضا تنكسيري أن "إيران ستغلق مضيق هرمز إذا تم منع طهران من استخدامه".

في المقابل، يبدو أن الإدارة الامريكية السابقة برئاسة باراك أوباما، كانت تأخذ التهديدات الإيرانية على محمل الجد إلى حد ما عندما باشرت عبر بوابات خلفية بالتواصل مع المسؤولين الإيرانيين للتفاوض على الاتفاق النووي الذي جرى التوقيع عليه بين الدول الكبرى الخمس وألمانيا عام 2015، لرفع العقوبات الدولية تدريجيا.

لكن الإدارة الأمريكية الحالية تتبنى إستراتيجيات مغايرة تنطلق من اعتبار إيران خصما رئيسيا في المنطقة تسعى للتصدي له من خلال التنسيق مع الدول الحليفة، السعودية وإسرائيل، التي تلتقي مع الولايات المتحدة في النظرة إلى أهمية الخطر الإيراني وكيفية مواجهته.

سيلحق إغلاق مضيق هرمز الضرر بدول حليفة أو ترتبط مع إيران بعلاقات اقتصادية إستراتيجية، مثل الصين والهند وكوريا الجنوبية واليابان؛ ولا يمكن للدول الأربع السماح لأي قوة بإغلاق المضيق وتحمل تبعات ذلك على اقتصاداتها المحلية التي تعتمد على النفط المار عبر المضيق، الذي يقدر بأكثر من 30 بالمائة من الاستهلاك العالمي، بنسبة 85 بالمائة منها تتجه إلى الدول الآسيوية.

أدت التهديدات الإيرانية الأخيرة إلى زيادة في أسعار النفط الخام (مقياس خام برنت) بلغت 2.6 في المئة إلى 73.87 دولار للبرميل الواحد، وهو أعلى مستوياته منذ بدء مرحلة عقوبات نوفمبر/تشرين الثاني 2018.

ووفقا للبيت الأبيض فإنّ الولايات المتحدة اتفقت مع السعودية والإمارات على التحرك "في الوقت المناسب بما يكفل إتاحة إمدادات كافية للمستهلكين بينما تضمن عدم اختلال توازن سوق الخام العالمية مع حجب النفط الإيراني عن السوق بشكل كامل"، أي بلوغ التصدير الإيراني "صفر" برميل في اليوم.

عسكريا تمتلك إيران ما يكفي من القدرات لتهديد أمن ناقلات النفط والسفن التجارية المارة عبر مضيق هرمز.

من الناحية الفنية البعيدة عن الحسابات السياسية، يمكن لإيران إغلاق مضيق هرمز لفترة زمنية "محدودة" عبر شن هجمات على سفن عدة وإعطابها لتشكل مانعا لعرقلة مرور السفن الأخرى لضيق ممري الدخول والخروج نسبيا؛ إلا أن إيران لن تستطيع مواصلة غلق المضيق لمدة طويلة مع انتشار واسع للقوات البحرية الأمريكية في مياه الخليج العربي وعلى مقربة من مضيق هرمز مع تسهيلات عسكرية عمانية للقوات الأمريكية.

سبق للولايات المتحدة أن وقعت اتفاقية "الموانئ الاستراتيجية" مع سلطنة عُمان في 24 مارس/آذار الماضي، بين وزارتي دفاع البلدين، تمنح الجيش الأمريكي بموجبها "تسهيلات أكبر، كما تحد من الحاجة لإرسال السفن عبر مضيق هرمز قبالة السواحل الإيرانية، مع استفادة الولايات المتحدة من المنشآت والموانئ في الدقم وصلالة بما يعزز الأهداف الأمنية المشتركة".

ونقلت وكالة رويترز عن مسؤول أمريكي قوله إن "الاتفاقية بين بلاده وسلطنة عمان ستزيد من الخيارات العسكرية الأمريكية في المنطقة في مواجهة أي ازمة".

إن اندلاع حرب في المنطقة سيقطع الطريق أمام دول مثل سلطنة عمان تسعى للعب دور في إعادة صياغة الاتفاق النووي بالشكل الذي يخفف من العقوبات الامريكية مقابل تنازلات تقدمها طهران سواء في سياساتها الخارجية أو ملفها النووي أو برنامجها للصواريخ بعيدة المدى كأكثر القضايا الخلافية بين إيران والولايات المتحدة والدول الحليفة لها.

واستجابة لدعوة ضمنية صدرت عن الرئيس حسن روحاني، يدعم الحرس الثوري الإيراني بشكل صريح إغلاق مضيق هرمز إذا استجاب شركاء الولايات المتحدة لدعوتها بالتوقف الكلي عن شراء النفط الإيراني ابتداء من الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني 2018.

قد لا تبدو التهديدات الإيرانية واقعية وقابلة للتنفيذ لاعتبارات كثيرة؛ لكن في كل الأحوال ستؤثر بشكل ما على ثقة مستوردي النفط والغاز الطبيعي في الولايات المتحدة ودول العالم الأخرى التي تعتمد على تامين مرور الطاقة بشكل آمن ومستقر.

تعد مثل تلك التهديدات تصعيدا خطيرا لمصالح دول الإقليم وباقي دول العالم، ومنها الولايات المتحدة التي تهدد وتحذر بشكل واضح باتخاذ إجراءات رادعة عبر قواتها البحرية وقوات لدول حليفة لفرض تامين مرور الطاقة وحركة الملاحة الدولية عبر المضيق، أو الدخول في مواجهات عسكرية تدرك القيادة الإيرانية انها الطرف الخاسر فيها نظرا للخلل الفاضح في موازين القوى العسكرية بين الطرفين.

في كل الأحوال إيران لن تذهب أبعد من التهديدات في وسائل الاعلام والتصريحات السياسية على أعلى المستويات، مع احتمالات ضئيلة لتوظيف القوات الحليفة لها في اليمن أو في العراق لضرب واستهداف المصالح الأمريكية في المنطقة، ومصالح الدول الحليفة لها مثل السعودية.