غرب استغلالي.. ماذا سيدفع السودان مقابل إسقاط ديونه وحصوله على منح؟

طارق الشال | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يشهد الاقتصاد السوداني حالة من الانفراجة عقب إعلان عدد من الدائنين إعفاءه من بعض ديونه المقدرة بنحو 60 مليار دولار، والتي تقف كـ"حائل" بينه وبين المساعدات المالية الخارجية والمقرضين الدوليين.

وفي 16 يوليو/تموز 2021، قال رئيس "نادي باريس" إيمانويل مولان، إن نادي الدائنين الرسميين وافق على إلغاء 14 مليار دولار مستحقة على السودان، وإعادة هيكلة باقي المبلغ البالغ 23 مليار دولار المستحق للبلد الإفريقي.

وفي 29 يونيو/حزيران 2021، حصل السودان على موافقة لإعفاء 23.5 مليار دولار من ديونه، ليصبح الدولة رقم 38 في العالم التي تحصل على إعفاء الديون، في إطار مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون "هيبيك".

ومبادرة الهيبيك، هي عبارة عن اتفاق بين جهات الإقراض الدولية الرئيسة أطلق عام 1996، وينص على منح فرصة بداية جديدة للبلدان التي تكافح لتجد مخرجا، ومن خلاله تستطيع أن تخفض أعباء ديونها التي تثقل كاهلها.

وفي 17 مايو/أيار 2021، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن بلاده "تؤيد إلغاء ديون تقترب من 5 مليارات دولار"، كذلك أعلنت النرويج إلغاء ديونها الثنائية في بيان، في حين غرد وزير الخارجية الألماني هايكو ماس بأن برلين ستتنازل عن ديون 360 مليون يورو (440 مليون دولار).

ومع نهاية يونيو/حزيران 2021، أشار رئيس الوزراء السوداني، عبدالله حمدوك، إلى "أن ديون البلد المتوقع إعفاؤها خلال عام واحد من اليوم تعادل 40 بالمئة من جملة ديونه الخارجية".

خريطة الديون

وبحسب صندوق النقد الدولي فإن هناك نحو 5.6 مليارات دولار مستحقة لمنظمات متعددة الأطراف مثل صندوق النقد والبنك الدوليين والبنك الإفريقي للتنمية.

وهناك أيضا ما يقدر بنحو 19 مليار دولار مستحقة لدائني "نادي باريس"، أكبرها لفرنسا والنمسا والولايات المتحدة.

ومن بين الدائنين الآخرين للسودان، الكويت والصين، اللتان التزمتا بتقديم 6.2 مليارات دولار في شكل قروض للسودان منذ عام 2000، وفقا لمبادرة "أبحاث الصين وإفريقيا بجامعة جونز هوبكنز".

وفي 17 مايو/أيار2021، أفاد التلفزيون السوداني الرسمي أن السعودية "أكدت استعدادها" للإعفاء من ديونها البالغة 4.5 مليارات دولار، دون إعطاء مزيد من التفاصيل.

ووفق بعض المسؤولين السودانيين فإن حجم ديون المقرضين التجاريين يقدر بما لا يقل عن 6 مليارات دولار.

ونظرا لانعزال السودان عن النظام الدولي لعقود من الزمان، فإن حوالي 85 بالمئة من ديونه متأخرات - فوائد غير مدفوعة وغرامات -.

وبحسب الخبير الاقتصادي، محمد الناير، فإن أصل الدين يصل إلى حوالي ما بين 17 و18 مليار دولار، بينما يصل حجم الفوائد والجزاءات إلى 42 مليار دولار، مشيرا إلى أن "هذا ينم عن حجم الكارثة حيث إن حجم الفوائد يساوي ضعفي حجم الدين".

وأضاف الناير لـ"الاستقلال"، أن نادي باريس هو أبرز الدائنين بنحو أكثر من 30 بالمئة من إجمالي الدين المستحق، ونحو 30 بالمئة أيضا هي ديون ثنائية مع دول أخرى، و20 بالمئة للديون التجارية التي يصعب إعفاؤها كونها مؤسسات قطاع خاص.

من جهته، قال أستاذ الاقتصاد بجامعة "المشرق" السودانية، عصام الدين الزين الماحي، لـ"الاستقلال": إن نحو أكثر من 37 بالمئة من إجمالي الدين المستحق يعود لنادي باريس، و13 بالمئة للمقرضين التجاريين (القطاع الخاص)، و50 بالمئة للمؤسسات والمنظمات الدولية.

سداد الديون

وفي ظل الظروف التي يشهدها الاقتصاد السوداني و"يكتوي بنارها" المواطن من تضخم في الأسعار وصل إلى 378.79 بالمئة في مايو/أيار 2021، وتراجع سعر صرف العملة المحلية أمام الدولار بعد تعويم الجنيه السوداني إلى أكثر من 375 جنيها من 55 جنيها السعر الرسمي قبل التعويم، تقف تلك القروض حائلا أمام المساعدات والقروض الدولية.

ولكن عقب تنفيذ السودان مطلبين أساسيين لصندوق النقد الدولي وهما تعويم العملة، إضافة إلى رفع الدعم عن السلع، وافق الصندوق في 30 يونيو/حزيران 2021، على برنامج قروض للسودان بحوالي 2.47 مليار دولار، وشطب ديون بمقدار 1.4 مليار دولار.

ويواجه السودان أزمة شح نقد أجنبي؛ ما تسبب في تذبذب وفرة بعض السلع الرئيسة كالوقود والقمح، وتدهور في الأوضاع الاقتصادية.

ففي مطلع يونيو/حزيران 2021، قفزت أسعار المحروقات بنسبة تزيد عن 100 بالمئة، كما تراجع احتياطي النقد الأجنبي إلى 1.1 مليار دولار فقط، بما لا يغطي إلا شهرين من تكاليف الاستيراد، بالإضافة إلى وجود أزمة في توفير الخبز للمواطنين.

وطبقا لحسابات البنك الدولي اعتمادا على أحدث البيانات المتاحة من بحوث الدخل والإنفاق للأسرة، فإن معدل الفقر في السودان يتجاوز نسبة 40 بالمئة.

ولكن في ظل هذه المساهمات ما مدى قدرة الخرطوم على سداد ولو جزء من ديونه للتخلص من هذه الأعباء والبدء في تنشيط الاقتصاد المحلي، يأكد الخبير الاقتصادي الناير، على أن السودان "ليس لديه القدرة على سداد ديونه، بل يسعى للاستفادة من امتياز إعفاء الدين الخارجي".

إلا أنه مع اتفاق البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، بإعفاء 23 مليار من ديون السودان، على أن يستكمل بمبادرات أخرى ليصل لأكثر من 50 مليار دولار من حيث القيمة الحالية (يمثل ذلك أكثر من 90 بالمئة من إجمالي الدين الخارجي للسودان)، فيمكن اعتبار أن تعويل السودان على الخارج جاء في محله.

ويمهد هذا القرار، حصول السودان على منح وقروض جديدة من صندوق التنمية العالمي بمبلغ 4 مليارات دولار، يخصص نصفها للصرف على القطاعات الخدمية الكهرباء والمياه والتعليم والصحة.

وقالت وزارة الخزانة الأميركية في 29 يونيو/حزيران 2021، في بيان: إنها تعهدت بالمساهمة بما يصل إلى 120 مليون دولار في شكل منح لتمويل إعفاء صندوق النقد الدولي من ديون السودان في المرحلة الأولى بموجب المبادرة.

كذلك، قال وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير، في 17 مايو/أيار 2021: إن بلاده ستقرض السودان 1.5 مليار دولار، لمساعدته على سداد قروض مستحقة عليه منذ سنوات لصندوق النقد الدولي.

مصالح متبادلة

ولكن يأتي السؤال المهم، ما هو المقابل الذي تنتظره دول الخارج نظير تنازلهم عن مستحقاتهم المالية؟ فالعالم الغربي بشكل خاص لا يقدم تلك المساعدات دون مقابل، بل لابد أن هناك مصالح يتطلع لها مع السودان، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي.

فهذا البلد الإفريقي غني بالموارد الطبيعية التي تتنوع بين بترول وغاز طبيعي ومعادن وعلى رأسها الذهب، علاوة على امتلاك السودان أراضيا زراعية شاسعة وثروة حيوانية ضخمة، تنتظر الاستغلال.  

وعلى سبيل المثال، تسعى أميركا إلى إزالة الصين التي استفادت من تباعد نظام عمر البشير (1989- 2019) عن واشنطن وحلفائها الأوروبيين، منذ أن وضعت الإدارة الأميركية السودان في قائمة "الدول الراعية للإرهاب" قبل نحو 28 عاما، من خلال توطيد العلاقات مع السودان وإزالة اسمها من قائمة الدول الراعية للإرهاب في أكتوبر/تشرين الأول 2020.

ولطالما اعتبرت الخرطوم محطة إفريقية مهمة بالنسبة للصين، وقامت الأخيرة بتنفيذ مشاريع اقتصادية كبيرة في السودان، لا سيما في قطاع النفط والإنشاءات.

كما اتجه السودان إلى الصين لاستخراج النفط عقب الحصار الذي فرضته الولايات المتحدة منذ عام 1997، وساعدت الصين السودان في دخوله إلى قائمة الدول النفطية في 1999، وتقدر استثمارات الصين في السودان بنحو 15 مليار دولار، بحسب آخر إحصائيات حكومية.

كذلك تسعى فرنسا إلى تطبيع العلاقات مع السودان الجديد، وفق بعض التحليلات إلى دعم طموحاتها الجامحة نحو التمدد في القارة السمراء بطريقة أخرى، وترميم سمعتها التي تطعن فيها العديد من الدول، ويتهمونها بـ"استغلال الأفارقة بلا مقابل".

بدوره، أوضح الماحي، أن السودان "غني بالعديد من الموارد كالثروة الحيوانية والأراضي الزراعية والمياه والتعدد في المحاصيل مثل الذرة والقمح والقطن، والذهب والمعادن الأخرى".

وبالتالي، فكل هذه الدول -وفق الماحي- تعتبر أنه إذا كان هنالك نظام رأسمالي في السودان كنفس الأنظمة الغربية، فإنه سيكون بوابتهم لإفريقيا وملاذا آمنا لاستثمارتهم، مشيرا إلى أن السودان "أصبح سوقا بكرا للدول الأخرى".

تعافي السودان

ولكن يظل الأمر الأهم، ماذا بعد سداد الديون؟ وما الذي يحتاجه السودان لكي يتعافى من أزماته الاقتصادية وخاصة في سعر الصرف المتدهور والذي يمس المواطن بشكل مباشر؟

يرى الناير، أن السودان بحاجة إلى تحقيق استقرار في سعر الصرف في العملة الوطنية خلال المدى القصير عبر توفير نحو 5 مليارات دولار، بينما يحتاج على المدى الطويل ما لا يقل عن 10 مليارات دولار؛ لتحقيق استقرار مستدام عبر القطاعات الصناعية.

من جانبه، قال أستاذ الاقتصاد الماحي إنه لابد أن يعمل البنك المركزي السوداني على بناء احتياطيات من العملات الأجنبية تصل في حدها الأدنى إلى 10 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، مشيرا إلى أن الخرطوم بحاجة إلى مبالغ تصل إلى 9 أو 10 مليارات دولار فقط "حتى يتحسن أداء البنك المركزي".

وأكد على أهمية أن يعمل البنك المركزي بالتعاون مع القطاع المصرفي لتوفير ما يكفي من الاحتياطيات الأجنبية، بما يغطي نحو ثلاثة أشهر من تكاليف الاستيراد بنحو يصل إلى مليار دولار شهريا أي 3 مليارات دولار، "عندها سيستقر سعر الصرف وسيتراجع معدل التضخم".

وشدد الماحي على "ضرورة جذب الاستثمارات ورؤوس الأموال وبخاصة الأجنبية، كونها تساهم في توفير العملات الصعبة التي تحتاجها البلاد، من خلال دعم البنية التحتية وتثبيت سعر الصرف وخفض معدلات التضخم".