مناورة دبلوماسية.. هل الصين جادة في إطلاق مشاريع اقتصادية بسوريا؟

مصعب المجبل | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

لا تزال الوقائع تؤكد أن الحكومة والشركات الصينية تنظر إلى سوريا بوصفها مكانا جيدا للاستثمار، وغرضا إستراتيجيا يلبي مصالح بكين في الشرق الأوسط، وذلك ضمن سباق التنافس مع الولايات المتحدة.

وهذا ما ترجمه لقاء وزير الخارجية الصيني وانغ يي بالعاصمة دمشق مع رأس النظام بشار الأسد في 17 يوليو/تموز 2021، وذلك في أول زيارة لمسؤول صيني كبير إلى سوريا منذ عام 2011 حينما دعمت بكين الأسد في قمع الثورة السورية.

وكرر "وانغ" موقف الصين من معارضة "أي محاولة للسعي لتغيير النظام في سوريا"، مؤكدا أن بلاده "ستعزز التعاون متبادل المنفعة مع سوريا وستدعم تسريع عملية إعادة إعمار البلاد".

ووفقا لوكالة "سانا" التابعة للنظام السوري فإنه جرى خلال اللقاء التوافق على الانطلاق نحو مرحلة جديدة في تعزيز هذه العلاقات، وبحث مشاركة سوريا في مبادرة "الحزام والطريق"، مشيرة إلى أن الوزير الصيني أكد "اهتمام بلاده بمشاركة سوريا في هذه المبادرة".

تضخيم العلاقة

ومنذ بداية الثورة السورية في مارس/آذار 2011، تبنت الصين رواية أن نظام الأسد يقود معركة ضد ما يسمى "الإرهاب"، وأن الهجمات التي تنفذها المقاتلات الروسية "مشروعة وضد أهداف إرهابية".

وأعطت تهنئة الرئيس الصيني شي جين بينغ للأسد بعد إعلان فوزه بانتخابات رئاسية غير شرعية جرت أواخر مايو/أيار 2021 لمدة سبع سنوات قادمة، إشارة إلى مرحلة قادمة من الدعم للأسد.

خاصة أن الرئيس الصيني قال: إن بلاده "تدعم سوريا بقوة وستقدم كل مساعدة ممكنة لتنشيط اقتصاد البلاد"، وأكد على أن "التعاون الصيني- السوري يتطلع إلى مستوى جديد"، بحسب ما نقلت وكالة "تاس" الروسية مطلع يونيو/حزيران 2021.

وتدرك الصين مدى حاجة النظام السوري لها في هذه المرحلة التي يبحث فيها الأسد عن "شريك متين" يساهم في تدوير عجلة الاقتصاد المحلي المثقل بالعقبات.

لكن تغلغل الصين في دول العالم عبر قوتها الاقتصادية المتنامية، يؤشر على أن بكين ومن ضمن منظور جيوسياسي مستقبلي ماضية في طريق جعل سوريا بيئة مناسبة لعمل الشركات الصينية.

ولذلك تنظر الصين إلى سوريا كجزء رئيس من مبادرة "الحزام والطريق"، والتي تعرف أيضا بـ"طريق الحرير" للقرن الحادي والعشرين، وتهدف إلى ضخ استثمارات ضخمة لتطوير البنى التحتية للممرات الاقتصادية العالمية لربط أكثر من 70 بلدا.

ويطمح المشروع العملاق لربط قارة آسيا مع قارتي إفريقيا وأوروبا عبر شبكات برية وبحرية، وذلك في سبيل تعزيز التبادل التجاري والنمو الاقتصادي.

والمبادرة أطلقها الرئيس الصيني عام 2013 وهي عبارة عن مشروع يهدف إلى إنشاء حزام بري من سكك الحديد والطرق عبر آسيا الوسطى وروسيا، وطريق بحري يسمح للصين بالوصول إلى إفريقيا وأوروبا عبر بحر الصين والمحيط الهندي، بكلفة إجمالية تبلغ تريليون دولار.

وهذا ما لفتت إليه المجلة الدولية "THE DIPLOMAT" عبر تقرير لها في 3 يونيو/حزيران2021، من أن الأسد يرحب بالتأييد الصيني لتوليه فترة رئاسية جديدة؛ كونه يتطلع إلى الاستفادة منه بشكل أكثر واقعية، خاصة أن الوصول إلى رأس المال الخارجي يعد "أمرا حيويا" لإعادة إعمار سوريا.

ونوهت المجلة إلى أن الأسد "قام بالسابق بتضخيم العلاقة مع الصين كطريقة لإثبات أنه ليس معزولا دبلوماسيا وأن لديه عددا من الشركاء المحتملين لدعم جهود إعادة الإعمار".

ووفقا لتقديرات البنك الدولي فإن الاقتصاد السوري تقلص بمقدار 226 مليار دولار من عام 2011 حتى 2016 - أي ضعف إجمالي الناتج المحلي للبلاد، ليرتفع هذا التقدير مرة أخرى عام 2017 إلى ما بين 350-400 مليار دولار.

وحتى لو ركز المستثمرون والشركات الصينية أكثر على سوريا، إلا أن الاصطدام مع المصالح الروسية والإيرانية أمر وارد بقوة؛ نتيجة استحواذ هاتين البلدين على مشاريع وعقود ضخمة منحها لهما النظام على مدار عقد كامل، مما قد يضطر الشركات الصينية للدخول في لعبة التوازن مع أذرع موسكو وطهران الاقتصادية في سوريا.

مغازلة ورسالة

ورغم محاولة النظام السوري إعادة فتح الأسواق والأراضي السورية للمشاريع الصينية واستمالتها والتي ليست بجديدة خلال العقد الأخير، إلا أنه كما يرى رئيس "مجموعة عمل اقتصاد سوريا"، أسامة القاضي، فإن الصين "دائما ما تصطدم بمسألة قانون قيصر الأميركي".

وقال قاضي لـ"الاستقلال": إن "حضور الصين اليوم عبارة عن رسالة سياسية أكثر من كونها اقتصادية، خاصة أن من ذهب هو وزير الخارجية وليس وزير الاقتصاد".

وأشار إلى أن الصين "أرادت توجيه رسالة للولايات المتحدة الأميركية مفادها أن بكين يمكنها أن تفكر في الاستثمار في هذه المنطقة"، مردفا: "وهي أيضا مغازلة لروسيا فلربما تريد الصين الدخول ببعض المشاريع".

وألمح قاضي إلى أن "سوريا تعود لتشكل ورقة تفاوض على مسائل خارج الجغرافية السورية، وبالتالي المقصود هو تخفيف الضغط على الصين وروسيا من قبل واشنطن والغرب".

والصين ضمن تحالف قوي مساند للأسد، وأبرز صوره يتجلى داخل أروقة مجلس الأمن، واستخدام حق النقض "الفيتو" ضد مشاريع قرارات تتقدم بها مجموعة دول حول سوريا وتتعارض مع مصالح نظام الأسد بشكل أساسي.

واستخدمت الصين وروسيا منذ عام 2011 حق الفيتو 16 مرة، لإجهاض تبني قرارات بمجلس الأمن تدين النظام السوري وممارساته القمعية ضد الشعب، وأخرى تتعلق بدخول المساعدات الإنسانية لمناطق خارج نفوذ الأسد.

وأكثرها علامة فارقة في المشهد السوري، هو استخدام روسيا والصين في فبراير/شباط 2012 حق النقض ضد مشروع قرار عربي غربي لمجلس الأمن يدعم دعوة الجامعة العربية رأس النظام الأسد؛ للتنحي بعد استخدامه آلة القتل بشراسة لقمع الثورة.

إستراتيجية صينية

ووفقا لمراقبين، فإن الصين دأبت على اتباع أسلوب "الاتفاقيات السرية" مع الدول التي تخضع لعقوبات دولية في تنفيذ مشاريع متعددة بالبنى التحتية والتجارة والنقل والطاقة والصناعة والخدمات وصناعة النفط والغاز.

وتوصف هذه الدول بأنها تشترك معها الصين في إيجاد سبل لدعم بعضها البعض والالتفاف على العقوبات الأميركية، التي تعتبرها تلك الدول أسلوب واشنطن المتبع في فرض سياستها الخارجية في العالم.

وأكبر مثال على ذلك، عقد الصين وإيران شراكة اقتصادية غير معلنة كشفت مجلة "بتروليوم إيكونيميست" في سبتمر/أيلول 2019 بعض بنودها.

وتشمل استثمار الصين 280 مليار دولار في صناعة النفط والغاز الإيراني و120 مليار دولار في قطاع النقل، على أن تحظى الشركات الصينية بالأولوية في تنفيذ المشاريع في ذلك البلد المحاصر اقتصاديا.

ويقول محللون: إن اندلاع الثورة ضد حكم الأسد ولد قناعة صينية بأن سوريا تعد "الخيار الأمثل" لممارسة الصين "دورا جوهريا" في الشرق الأوسط يتوافق مع مكانتها الدولية، وهذا ما دفعها لتوسيع برنامج تدريب قوات الأسد ودعمهم طبيا خلال السنوات العشر الأخيرة.

وتسهم الشركات الصينية في مجالات الطاقة والكهرباء ومواد البناء والأجهزة الطبية في سوريا، وتقدم عروضا في معارض يقيمها النظام في معرض دمشق الدولي، كما جرى عام 2018 الحديث عن البدء بخطوط إنتاج سيارات صينية في سوريا.

ووفق لجنة العلاقات السورية الصينية فإن حجم التبادل التجاري وصل عام 2010 ما يقارب 2.48 مليار دولار إضافة لعقود هندسية بقيمة 1.82 مليار دولار، فيما زادت عن مليار دولار منذ عام 2011.

رغبة إيرانية

وانطلاقا من كون الدعم الصيني للأسد أخذ منذ البداية طابعا مختلفا عن روسيا وإيران، فقد تكون ربما زيارة وزير الخارجية الصيني "بداية تحول" في العلاقة بين الصين والنظام السوري برغبة إيرانية.

وهذا ما ذهب إليه الباحث في مركز "عمران للدراسات الإستراتيجية"، محمد العبد الله، والذي أرجع في حديث لـ"الاستقلال" أسباب السلوك الصيني النشيط نحو سوريا لتداخل ثلاثة جوانب أساسية.

أولها، "يتعلق بالشراكة الإستراتيجية التي تربط بكين بطهران، ووجود رغبة إيرانية واضحة لتوسيع نفوذ بكين والرمي بثقلها الاقتصادي من خلال لعب دور أكبر في سوريا بما يدعم ويساند الوجود الإيراني ويثبت مكاسبها السياسية والاقتصادية بالاستفادة من ثقل النفوذ الصيني".

وثاني هذه الجوانب، وفق العبد الله، يرتبط "بوجود رغبة لدى الصين أن يكون لها موطئ قدم في عملية إعادة الإعمار في سوريا وضمان فرصتها في عقود الإعمار حال التوافق الدولي على ذلك مستقبلا، نظرا لما تتمتع به الشركات الصينية من تمويل وقدرة فنية في مشاريع البنية التحتية والتي تؤهلها للدخول بشكل كبير في هذه العملية".

واستدرك قائلا: "غير أن الخطوات الصينية في هذا الصدد لا تزال حذرة، سواء بوجودها الفعلي من خلال توقيع العقود أو عقد شراكات مع أطراف محلية حكومية وخاصة؛ ومرد ذلك لأسباب ترتبط بالاستقرار الأمني والعقوبات الدولية على النظام".

أما الجانب الثالث، بحسب العبد الله، يعود للعامل "المرتبط بجيوسياسية موقع سوريا الإستراتيجي والتي ترى فيه الصين نقطة انطلاق مستقبلية لمبادرة (حزام واحد – طريق واحد) والذي تعول عليه الصين مستقبلا للتوسع والسيطرة على أسواق جديدة لمنتجاتها".

إضافة إلى "محاولة تحدي الهيمنة الأميركية رمزيا في هذه المنطقة بالتحالفات مع كل من روسيا وإيران الفاعلين الرئيسيين على الأرض السورية".

الأسد يروج

وأمام تلك المعطيات، فإن المناورة الدبلوماسية الجديدة للصين في سوريا سبقها قيام الأسد بجولة ضمن فترة زمنية متقاربة لأشهر مدينتين صناعيتين في سوريا، وهما عدرا بريف دمشق وحسياء بحمص.

ويمكن الربط بين الحضور الصيني الجديد وترويج الأسد الشخصي للمشاريع على مدى شهرين (مايو/أيار – يونيو/حزيران 2021) والتي تزامنت مع سن قوانين استثمارية جديدة؛ لجذب رؤوس الأموال المحلية أو الأجنبية بما يعطي بعدا تشجيعيا لهؤلاء.

إذ يعول النظام السوري على إعادة الزخم الاقتصادي لعدرا الصناعية لما يحظى به موقعها من فلسفة إستراتيجية مميزة، بحيث تتوسط الدول المجاورة (الأردن - العراق - لبنان).

وترتبط كذلك المدينة مباشرة بشبكة الطرق الإقليمية المحلية والخطوط الدولية وشبكة السكك الحديدية، فضلا عن مسافة 40 كم تفصلها عن العاصمة دمشق مما يسهل حركة تسويق المنتجات. 

ولكون عدرا التي تأسست عام 2004 توصف بأنها التطور الأهم على صعيد العلاقات الاقتصادية بين سوريا والصين، وهي عبارة عن مجمع استثماري كان يضم نحو 600 معمل ومصنع لنحو مئتي شركة صينية على شكل مدينة لإنتاج العديد من السلع الصناعية وتوزيعها انطلاقا من سوريا إلى 17 دولة.

وشكلت عدرا التي تبلغ مساحتها 500 ألف متر مربع فرصة كبيرة لتصريف الصين منتجاتها ودعم صناعاتها مع وجود مخازن ضخمة لسلعها المرغوبة في الأسواق الأوروبية، والتي كانت سابقا تلبي الطلبات العاجلة، خاصة أن البضائع يمكن توصيلها بمدة لا تزيد عن 10 أيام في حين يتطلب وصولها من الصين نحو 40 يوما.

وفي يونيو/حزيران 2021 أكدت وزارة الصناعة التابعة لنظام الأسد أن نحو نصف المنشآت العامة المملوكة للدولة وأكثر من ثلث المنشآت الخاصة متوقفة عن العمل.

وسبق أن قدرت الوزارة نفسها في مارس/آذار 2021 حجم الخسائر التي طالت القطاع الصناعي العام والخاص منذ عام 2011 بأكثر من 600 تريليون ليرة سورية.

ولذلك تساهم عوامل عدة في تشجيع الصين على إعادة بناء الأجزاء المدمرة من المدن الصناعية السورية بما يضمن في المستقبل المنظور تحقيق بكين عوائد مالية كبيرة من سوق التصريف المحلي في مرحلة إعادة الإعمار المرتقبة.

وأشار الخبير الاقتصادي السوري، الأستاذ الجامعي، فراس شعبو إلى أن "الصين لديها إستراتيجيات في سوريا ومعروفة أنها تدخل على الدول وتغرقها بالديون وتسيطر على اقتصادها عبر ذلك الإغراق ولا سيما أن الاقتصاد السوري منهك بالأساس".

وأوضح لـ"الاستقلال" أن "الصين تحاول أن تستغل حاجة النظام للأموال وعدم كفاية الدعم الروسي والإيراني لإنعاشه اقتصاديا، وبالتالي هو يعاني الأمرين لذلك لجأ إلى الصين".

كما يتفق شعبو مع وجهة النظر التي تقول: إن "ما أعطى الصين دفعة للأمام لإعادة تفعيل دورها في الاقتصاد السوري هو استغلالها لتبدل الإدارة الأميركية واعتماد الرئيس جو بايدن على أسلوب مغاير لسلفه دونالد ترامب في الهجوم".