تعثر تشكيل الحكومة اللبنانية.. هذه السيناريوهات المحتملة بعد اعتذار الحريري

مصطفى العويك | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"قال لي فخامة الرئيس ميشال عون: يا دولة الرئيس (سعد الحريري) أنا وأنت لن نتمكن من التوافق، لذلك اعتذرت عن تشكيل الحكومة، والله يعين البلد".

بهذه الكلمات أنهى سعد الحريري المكلف سابقا بتشكيل الحكومة اللبنانية، رحلة 9 أشهر من محاولات التشكيل، عاجزا مع الآخرين عن التوصل إلى صيغة وزارية تشكل خلاصا لأزمات اللبنانيين.

الحريري، زار قصر "بعبدا" حيث مقر الرئاسة اللبنانية، 14 يوليو/ تموز 2021، بعد عودته من لقاء الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، بالقاهرة، وسلم عون تشكيلة وزارية معدلة طالبا منه الرد عليها خلال مهلة 24 ساعة.

تشكيلة الحريري رأى فيها رئيس الوزراء اللبناني السابق التزاما تاما بروح المبادرة الفرنسية، وكذلك مبادرة رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، الذي دخل مؤخرا على خط تقريب المسافات بين عون، والحريري.

لكن مصادر في "بعبدا"، رأت بالتشكيلة خروجا واضحا عن المبادرتين، خصوصا وأن الحريري أعاد توزيع الحقائب الوزارية بشكل مختلف عما اتفق عليه، واحتفظ لنفسه بحق تسمية الوزيرين المسيحيين اللذين كانا من أبرز نقاط الخلاف بينه، وبين عون.

وعند الرابعة من عصر 15 يوليو/ تموز 2021، وصل الحريري إلى "بعبدا" لمناقشة التشكيلة مع الرئيس عون، وسماع ملاحظاته عليها، مبديا مرونة في تغيير اسم أو اثنين أو حتى ثلاثة.

إلا أن بيانا رسميا صدر عن الدائرة الإعلامية في القصر الجمهوري، جاء فيه أن "الحريري ليس مستعدا للبحث في أي تعديل من أي نوع كان"، وهذا يدل على أنه "اتخذ قرارا مسبقا بالاعتذار ساعيا إلى إيجاد أسباب لتبرير خطوته".

وأعلن بيان الدائرة الإعلامية، أن رئيس الجمهورية سيحدد "موعد الاستشارات النيابية الملزمة بأسرع وقت ممكن"، بهدف تكليف رئيس جديد لتشكيل الحكومة.

يحدث ذلك كله، في ظل انهيار مالي واقتصادي لم يشهد له لبنان مثيلا، وتراجع كبير في القدرة الشرائية للمواطنين حيث بلغ الحد الأدنى للأجور 37 دولارا أميركيا، بجانب عدم توفر السلع الغذائية والأدوية والمشتقات النفطية في السوق.

فماذا ينتظر لبنان إزاء الأزمة السياسية والاقتصادية؟ وماذا عن موقف القوى الكبرى والإقليمية مما جرى؟

الموقف الغربي

بمجرد اعتذار الحريري، سارعت دول تولي لبنان اهتماما استثنائيا لاعتبارات كثيرة، للتعليق على الخبر، مطالبة بتشكيل حكومة على وجه السرعة لوقف الانهيار.

فاعتبرت واشنطن على لسان وزير خارجيتها أنتوني بلينكن، أن اعتذار الحريري "تطور آخر مخيب لآمال الشعب اللبناني".

وأضاف بلينكن في بيان أنه من المهم تشكيل حكومة ملتزمة وقادرة على تنفيذ الإصلاحات ذات الأولوية في الوقت الراهن.

وتابع: إذ يجب أن تبدأ الحكومة أيضا في التحضير للانتخابات البرلمانية لعام 2022، والتي يجب إجراؤها في موعدها بطريقة حرة ونزيهة.

وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، من جانبه رأى في اعتذار الحريري "فصلا مأساويا إضافيا في عجز المسؤولين اللبنانيين عن إيجاد حل للأزمة في ظل الواقع الاقتصادي والاجتماعي".

وقال لودريان، بحسب ما نقلت عنه "وكالة الصحافة الفرنسية"، إن "هذا التدمير الذاتي المستمر شهد للتو فصلا جديدا، ولكن لا يزال الوقت متاحا للنهوض مجددا".

وأضاف: هذا الأمر يضع المسؤولين السياسيين اللبنانيين أمام مسؤولياتهم"، مبديا أسفه "لاتخاذ الحريري قراره قبل أيام من الذكرى الأولى للانفجار المروع في مرفأ بيروت في 4 أغسطس/ آب 2020".

من جانبه أعرب الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل عن أسفه بشدة لاستمرار الجمود السياسي في لبنان، فضلا عن عدم إحراز تقدم في تنفيذ الإصلاحات العاجلة.

ودعا جميع القوى السياسية اللبنانية إلى دعم التشكيل العاجل للحكومة، لافتا إلى ضرورة بدء الاستشارات النيابية لهذا الغرض من دون تأخير. 

وقال: إن "لبنان بحاجة إلى حكومة قادرة على تنفيذ الإصلاحات الرئيسة الاقتصادية والخاصة بالحوكمة والتحضير لانتخابات عام 2022، والتي يجب إجراؤها في موعدها المحدد".

وجدد دعم الاتحاد الأوروبي القوي المستمر للبنان وشعبه، واستقراره وأمنه وسلامة أراضيه وسيادته واستقلاله السياسي، معتبرا أن استقرار لبنان وازدهاره أساسيان للمنطقة ككل وأوروبا.

من جهتها، أبدت الأمم المتحدة أسفها لاعتذار الحريري عن تشكيل الحكومة، وقالت متحدثة باسم المنظمة: "نأسف لعدم تمكن المسؤولين اللبنانيين من الاتفاق على تأليف حكومة جديدة".

عربيا، أعرب الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط، في تصريحات صحفية من نيويورك، عن "خيبة الأمل الكبيرة إزاء قرار الحريري، الاعتذار عن تشكيل الحكومة". 

وأشار، إلى "أنه يعتقد أن تبعات اعتذار الحريري قد تكون خطيرة على مستقبل الوضع في لبنان"، متعهدا بـ"مواصلة الجامعة العربية مد يد الدعم له في هذا الظرف الدقيق".

سيناريوهات قاتمة

هذه التبعات الخطيرة التي يحذر منها الغرب والعرب، تشكل هاجسا رئيسا لدى اللبنانيين  المتخوفين من المرحلة المقبلة ومن الفوضى، مع انسداد الأفق حول حلول يمكنها فتح نافذة ما في جدار الأزمة اللبنانية.

عون، الذي سيدعو إلى استشارات نيابية ملزمة، لا ينتظر منه التسهيل لأنه يفضل وفقا لنائب رئيس المجلس النيابي إيلي الفرزلي في تصريحات صحفية، "الإبقاء على حكومة تصريف الأعمال الحالية لحين إجراء الانتخابات 2022".

المحلل السياسي ومدير "مركز ريكود للدراسات" ربيع دندشلي، يرى أنه "الحل الأمثل للتيار الوطني الحر وحزب الله، ما لم يخرج أي دخان مغاير من محادثات فيينا".

لذا يضيف دندشلي، لـ"الاستقلال"، أن "المرحلة المقبلة ستشهد مزيدا من الفوضى الأمنية والسياسية، تحديدا في المناطق المهمشة التي تشهد مزيدا من الأحداث نتيجة واقعها المعيشي المتأزم وغياب الخطط الإنقاذية لها".

وبالإضافة إلى هذا الخيار يقول دندشلي: "هناك سيناريو آخر، أن نكون أمام حكومة لإدارة الانهيار وتنظيم الانتخابات البرلمانية وبدء التفاوض مع صندوق النقد الدولي". 

وهنا يطرح اسم نجيب ميقاتي أو مصطفى أديب بغطاء دولي وعربي، يؤسس لمرحلة ما بعد الانتخابات القادمة والتي يعول الجميع عليها، وفق المحلل السياسي.

لكن مصادر الرئيس نجيب ميقاتي، الموجود خارج البلاد، نفت لـ"الاستقلال" إمكانية قبول الأخير بتشكيل حكومة في ظل عهد عون، مؤكدة أن ميقاتي سقفه السياسي شروط الرئيس الحريري في التكليف.

وأكدت المصادر على أن، رأي ميقاتي مثل رأي رؤساء الحكومات السابقين: سعد الحريري، فؤاد السنيورة، وتمام سلام، الذين قال باسمهم الحريري في مقابلته ليلة الاعتذار على قناة الجديد اللبنانية، إنهم لن يسموا أحدا.

لذا فربما نكون أمام حكومة ذات طابع سياسي لفريق رئيس الجمهورية والقوى المتحالفة معه.

ويكشف دندشلي أن عون يسعى بالنائب فؤاد مخزومي أو فيصل كرامي، وذلك بهدف المماطلة حتى ظهور أفق لمفاوضات فيينا.

السيناريو الأخير، تحدث عنه الإعلامي سامي كليب، في تقرير له عبر "يوتيوب"، إذ يقول: "هناك 4 احتمالات، أولها: "تسمية رئيس حكومة جديد لا يحظى بغطاء سني فعلي"، (كالمخزومي وكرامي)، ما يعني تكرار تجربة حسان دياب.

وثانيها: العودة إلى اتفاق ضمني يستند إلى المبادرات العديدة وأبرزها الفرنسية لتسمية شخصية مقبولة تفتح باب التفاوض مع المجتمع الدولي للحصول على مساعدات وتهدئة التوتر.

لكن كليب يستبعد ذلك في ظل صراع المحاور القائم في لبنان، مشيرا إلى أن الخيار الثالث، هو ما ذهب إليه الفرزلي ودندشلي، أي الإبقاء على حكومة دياب لإجراء الانتخابات، لكن وفقا لكليب فإن ذلك غير مقبول دوليا وعربيا.

ويرجح كليب السيناريو الرابع: "حدوث تفجيرات أمنية تقلب الكثير من المعادلات، فينفجر الشارع على وقع انهيارات مالية واقتصادية واجتماعية هائلة ويتحرك الجيش في مشهد يشبه كثيرا ما حصل بعد اغتيال الحريري".

ويتابع: "حتى الآن احتمال التدهور هو المرجح، خاصة وأن تحقيقات انفجار المرفأ، ربما تكشف معلومات خطيرة يشعر معها محور حزب الله أنه مستهدف بعوامل دولية.

 وكل ما يمكن أن يفعله محبو لبنان تقديم المساعدات الغذائية للناس والجيش في زمن الفوضى.

أما إذا انفرجت في فيينا الأزمة بين طهران وواشنطن، وشهدت العلاقة بين الرياض وطهران تقدما ملحوظا، وكذلك بين الرياض ودمشق، فمن الممكن الذهاب إلى مؤتمر للحوار على شكل اتفاق الطائف أو الدوحة. 

لكن ذلك لن يحدث، يقول كليب، إلا بعد حصول الانفجار الكبير، لأننا في لبنان غالبا ما نجلس على الطاولة بعد دوي الانفجارات لا قبلها.