حوّل بعضها لإلكترونية.. هكذا يكتب السيسي نعي الصحف الورقية في مصر

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

ظلت القاهرة على مدار العقود الثلاثة الأخيرة مصدر القوة الناعمة المؤثرة في محيطها العربي والإفريقي والإسلامي عبر صحافتها وإعلامها وفنونها، إلا أنها مع قدوم النظام الحالي تخلت شيئا فشئيا عن إمكانياتها وفقدت بريقها بفعل القمع الذي طال جميع أركان قوتها الناعمة.

وشهد يوم 15 يوليو/ تموز 2021، أفول نجم أقدم ثلاث صحف ورقية مسائية حكومية مصرية منذ خمسينيات القرن الـ20، تنفيذا لقرار "الهيئة الوطنية للصحافة" بتحويل صحف "المساء" و"الأهرام المسائي" و"الأخبار المسائي"، من مطبوعات يومية إلى إصدارات إلكترونية فقط.

ظاهر القرار يأتي لمواجهة خسائر الصحف، عبر توفير تكاليف طباعتها وبيع بعض أصولها؛ إلا أن باطنه وفق مراقبين، جاء بسبب سلب حرية الصحافة، وتحول الصحف (حكومية وخاصة) إلى بوق للنظام وصوت له، تصدر جميعها مانشيتا واحدا، ما أدى إلى تراجع حاد في توزيعها.

أزمة خسائر الصحف الحكومية تفاقمت بشدة عقب ما مارسه النظام من قمع للحريات وسجن عشرات الصحفيين، وشراء أجهزة سيادية أغلب الصحف والمواقع، وكذلك الفضائيات ومحطات الإذاعة.

وتحويل جميع الصحف إلى بوق واحد يتحرك بتعليمات الجهات الأمنية، أو كما يتندر الناشطون: تعليمات "موبايل سامسونج"، في إشارة لضابط المخابرات الذي يوجهها بالهاتف.

 

أسباب التدهور

"لا يرجع توقف الصحف الورقية إلى الخسائر المالية فقط، وإنما للقمع الذي حولها إلى نشرات حكومية متشابهة"، كانت تلك خلاصة رؤية عضوين في مجلس نقابة الصحفيين و3 صحفيين مصريين خلال حديثهم لـ "الاستقلال".

الذين جزموا بأن "هناك تعليمات صدرت منذ 2017، للصحف الحكومية والخاصة التي اشترتها المخابرات بعدم تناول أي موضوعات تتعلق بفساد الأجهزة الحكومية بدعوى إبراز الإنجازات"، ما أدى لعزوف المصريين عن شرائها.

في 11 مارس/ آذار 2015، أوقفت وصادرت جهات أمنية عددا من جريدة "الوطن" الخاصة قبل طبعها، بسبب تحقيق صحفي نوهت فيه عن امتناع 13 وزارة وجهة سيادية منها الرئاسة والمخابرات عن دفع الضرائب المستحقة عليها.

زادت الأزمة مع بدء إصدار تعليمات من مسؤول المخابرات الحربية العقيد أحمد شعبان، لرؤساء تحرير الصحف بما يتم نشره، فأصبحت الصحف تظهر كأنها نشرات حكومية بلا فنون صحفية، بحسب هذه المصادر لـ "الاستقلال".

عضو مجلس نقابة الصحفيين محمد سعد عبد الحفيظ يقول: إن أزمة الصحافة المصرية هي "غياب الحرية"، بجانب "الحصار والرقابة السابقة واللاحقة المفروضة على المحتوى الصحفي".

ويضيف لـ"الاستقلال" أن "تحول معظم صحف مصر إلى نشرات دعائية تنقل وجهة النظر الحكومية في أخبار وتقارير ومقالات يتشابه متنها وعناوينها إلى حد التطابق في بعض الأحيان هو سبب تراجع الصحف".

ويؤكد أن "من أسباب أزمة الصحافة المطبوعة؛ غياب العمق والدقة والتحليل والتعليق، وكي تتحقق تلك العناصر التي تعيد للصحافة بريقها ومصداقيتها لا بد أن تكون قاعدة البناء هي الحرية، فبدون حرية لن يكون هناك ذلك".

وفي مقال نشره بموقع "مصر 360" 10 يوليو/ تموز 2021، يضيف عبدالحفيظ، أسبابا أخرى لخسائر وديون المؤسسات الصحفية الحكومية التي أدت لوقف طباعة المسائيات الثلاثة؛ منها: غياب العمق وعدم كشف الحقائق.

ويتساءل: "هل اشتبكت الصحافة مع هموم القارئ وقضاياه؟ أم أننا ندور جميعا في دوامة نقل البيانات والتصريحات المعلبة للدرجة التي تجعل الصحف المصرية تخرج بذات المانشيت؟".

ويؤكد أن "صالات التحرير تمر بأزمة حقيقية عند التعاطي مع أخبار مؤسسات الحكم وقضايا المواطن وأزماته، ما دفع المواطن لهجرها، والبحث عن بدائل أخرى تلبي رغباته في المعرفة وتشتبك مع همومه وقضاياه حتى لو كانت غير موثوقة".

قطب العربي الأمين العام المساعد للمجلس الأعلى للصحافة في عهد الرئيس محمد مرسي، يرى أن غلق صحف ورقية وتحويلها لنسخ إلكترونية لن يقتصر على الثلاثة صحف المسائية التي ودعت قراءها، بل سيتبعها صحف أخرى.

يرى أن "النظام أصبح يعتمد على منظومة إعلامية موحدة تنطق باسمه تضم صحفا وفضائيات وشركات تمتلكها وتديرها المخابرات؛ وبالتالي من الطبيعي أن يغلق صحفا لا تهمه لأن لديه بدلا منها العشرات، بحسب قوله لـ"الاستقلال".

الصوت الواحد

"نظام السيسي قائم على فكرة الصوت الإعلامي الواحد، لذا بدأ قمع الصحافة وتأميمها منذ 2013 وغلق صحف واعتقال الصحفيين لمنع أي معارضة له"، يضيف العربي.

تمتلك مصر 8 مؤسسات صحفية حكومية، تصدر 55 إصدارا ورقيا، أغلبها يعاني تراجع التوزيع، فيما يعمل بالإصدارات الورقية المسائية الثلاثة قرابة 653 صحفي، ينتقلون للعمل في الموقع الإلكتروني.

لكن محمود كامل عضو مجلس النقابة يقول لـ"الاستقلال": إن قرار تحويل هذه الصحف من ورقية إلى إلكترونية سيعرض الصحفيين لمشاكل؛ لأن نقابة الصحفيين لا تعترف سوى بالصحفي العامل بصحيفة ورقية.

ويتوقع الخبير الإعلامي ياسر عبد العزيز، أن يموت المزيد من الصحف الورقية في مصر بسبب التحول الكبير في التكنولوجيا وتوجه العالم للصحافة الإلكترونية.

لكنه يرجح أن تبقي السلطات المصرية على بعض الإصدارات الورقية من الصحف بشكل "رمزي ومحدود"، بحسب قوله لموقع "بي بي سي" 13 يوليو/ تموز 2021.

وحوش القمع

وفي ذات يوم صدور قرار وقف طباعة الصحف الثلاثة، 5 يوليو/ تموز 2021، أصدرت منظمة "مراسلون بلا حدود" قائمة عام 2021 لمن وصفتهم بـ"الوحوش السالبة لحرية الصحافة".

القائمة تضمنت 37 رئيس دولة وحكومة يمارسون قمعا خانقا للإعلام، كان بينهم بالطبع رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي باعتباره أحد هؤلاء "الوحوش" الذين انتهكوا حرية الصحافة وسجنوا وعذبوا الصحفيين.

وقالت المنظمة: إن الصحافة تحتضر تحت وطأة كورونا والاستبداد، وأوردت مصر في مرتبة متدنية بالمركز 166 من مجموع 180 دولة.

ولفتت إلى أن "القائمة السوداء" هذا العام، بها حكام يمسكون بزمام السلطة منذ ما يزيد عن عقدين من الزمن، و17 آخرون جدد انضموا للمرة الأولى، وبينهم سيدتان ورئيس أوروبي. 

وأشارت إلى أن 7 طغاة من أصل الـ 37 الحاليين (بينهم السيسي) مدرجين على قائمة "الوحوش السالبة لحرية الصحافة"، في النسخة التي نشرتها "مراسلون بلا حدود" عام 2020.

وصفت هؤلاء الـ 37 بأنهم "حكام يمارسون القمع الشامل بأشد أنواعه، إما من خلال إنشاء أجهزة رقابية جاثمة على الصدور، أو وضع الصحفيين قيد الاحتجاز التعسفي، أو التحريض على العنف ضدهم".

أشارت إلى أن "16 من هؤلاء الطغاة السالبين للحرية يتركزون في بلدان المنطقة السوداء على الخريطة العالمية لحرية الصحافة، مقابل 19 في بلدان المنطقة الحمراء"، مصنفة ذلك بأنه "وضع خطير جدا". 

 

 

تراجع التوزيع

بحسب معلومات حصلت عليها "الاستقلال" فإن تدهور توزيع الصحف المسائية الثلاثة قبل غلقها وتحويلها لصحف إلكترونية، لم يجر حتى بلغ توزيع آخر عدد من الأخبار المسائي 600 نسخة فقط، منها 2400 نسخة مرتجع.

كما أن خسائر الأخبار المسائي الصادرة من مؤسسة "أخبار اليوم" قدرت بـ 37 مليون جنيه نهاية عام 2020.

الصحف الحكومية البالغة نحو 55 إصدارا تقدر خسائرها بـ 25 مليار جنية، بحسب الهيئة الوطنية للصحافة (حكومية).

أحدث إحصاء للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء (رسمي) صدر 3 مايو/ أيار 2020، أظهر أن الصحف الصادرة عام 2018 وعددها 70 صحيفة (يومية وأسبوعية)، وزعت 547 ألف نسخة مجتمعة.

بينما بلغ توزيع نفس هذه الصحف عام ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، قرابة المليون نسخة (920 ألفا)، ثم تراجع عام 2012 إلى 646 ألفا، وكانت أقل نسبة توزيع عام 2017 وهي 510 ألف نسخة.

ومع تدهور وضع الحريات الصحفية وبدء الأجهزة السياسية في الاستحواذ على الصحف الخاصة منذ عام 2017 وحتى 2021، جرى عزوف واضح من المصريين عن كل الصحف، ما أدى لتدهور توزيعها أكثر.

"تراجعت نسب التوزيع للأسوأ في أعوام 2019 و2020 و2021" وصدرت أوامر بتقليل أعداد المطبوع يوميا وأسبوعيا، بحسب عاملين في مجال التوزيع لـ"الاستقلال".

وفي غياب إحصاءات رسمية جديدة، يؤكد سعد عبدالحفيظ، أن أرقام توزيع كل الصحف المطبوعة حاليا ما بين 70 صحيفة ومجلة لا يتجاوز 300 ألف نسخة، حسب مصادر مطلعة على أرقام التوزيع.

وقال في مقاله السابق الإشارة إليه بموقع "مصر 360": إن "هناك صحيفة أسبوعية لا توزع أكثر من 500 نسخة، وأخرى يعمل به مئات الصحفيين والموظفين لا يصل ما تطبعه إلى 1000 نسخة يوميا".

وفي أبريل/ نيسان 2017، نشرت صحيفة "المصري اليوم"، "أرقام التوزيع الحقيقية لأهم الصحف المصرية"، مؤكدة أن أعرق صحيفة مصرية "الأهرام" التي كانت توزع مليون نسخة يوميا وحدها، أصبح توزيعها 110 ألف (تراجعت أكثر الآن).

وبلغ توزيع "أخبار اليوم" 90 ألفا، و"الجمهورية" 35 ألفا، وتراجعت صحف خاصة مثل "الوطن" إلى 12 ألفا، و"الشروق" إلى 7.8 ألاف، وهي أرقام انخفضت لأكثر من النصف الآن، بحسب مصادر "الاستقلال".

عبدالمنعم سعيد رئيس مجلس الإدارة الحالي لصحيفة "المصري اليوم"، ورئيس مجلس إدارة "الأهرام" الأسبق، يؤكد أن توزيع الصحف المصرية جميعا تراجع من 3,5 مليون عام 2000 إلى 350 ألف نسخة عام 2017.

أوضح في مقال نشره بجريدة "الأهرام"، 28 يونيو/ حزيران 2017، أن هذا معناه أن الصحف في 2017 أصبحت توزع نحو 10 بالمئة من التوزيع السابق لها عام 2000.

وقبل استقالة وزير الدولة للإعلام، أسامة هيكل، من منصبه، 25 أبريل/ نيسان 2021، كشف عن انهيار توزيع الصحف عموما؛ لغيابها عن نبض الشارع، مقارنة بالإعلام المعارض في الخارج، ما أدخله في صراع مع رؤساء تحرير صحف السلطة.

قال حينها هيكل: إن "أرقام توزيع الصحف تعد مأساة"، دون ذكر رقم محدد، رغم إعلانه أن "أرقام التوزيع في درج مكتبي"، وحدد خسائر الصحف الحكومية وديونها بـ 25 مليار جنيه.