الكل يحتج في المملكة.. هل يستأنف المغاربة حراك 2011؟

الرباط ــ الاستقلال | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

خرج آلاف المغاربة إلى الشارع تعبيرا عن تضامنهم مع معتقلي "حراك الريف"، بعدما أيّدت محكمة الاستئناف بالدار البيضاء (أكبر مدن المغرب) الأحكام الابتدائية على المعتقلين، التي وصلت إلى 20 سنة بحق قائد الحراك، ناصر الزفزافي. وجاءت المسيرة الاحتجاجية بدعوة من أحزاب يسارية ومنظمات حقوقية وجماعة "العدل والإحسان" المعارضة.

مسيرة معتقلي الريف ليست الوحيدة التي يشهدها المغرب في الفترة الحالية، إذ تشهد المملكة احتجاجات للأساتذة المتعاقدين، الذين يطالبون بإلغاء نظام العقود والتوظيف المباشر. وهم يخرجون إلى الشارع منذ أشهر دون الاستجابة إلى مطالبهم، في حين أنهت الشرطة إحدى مسيراتهم باستخدام العنف.  كما يخرج عدد من المحتجين من قطاعات مختلفة -التعليم، الصحة- أسبوعيا للتعبير عن سخطهم.

في 2011، تجاوب الشارع المغربي مع موجة ثورات الربيع العربي، وخرجوا للمرة الأولى في 20 فبراير/ شباط. طالبوا بملكية برلمانية، ووضع دستور جديد يتنسد على أسس ديمقراطية، وحلّ البرلمان، وإقالة الحكومة، فما الذي تحقق من هذه المطالب؟ وهل يخرج المغاربة مرة أخرى تجاوبا مع ما يحدث في الجوار؟

وقالت الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد، نبيلة منيب، خلال مسيرة الأحد، إن "المغرب على نار"، لافتة في تصريح للصحافة، إلى أن المنطقة جميعها تنتفض لتحقيق حلم الشعوب بالانعتاق والدولة الديمقراطية.

في حين تغمض الدولة عينيها وتغلق أذنيها عن الاحتجاجات التي يعيشها المغرب، وتدفن رأسها في الرمال لتختفي عن الحقيقة الساطعة، بحسب القيادي في جماعة "العدل والإحسان" المعارضة، الذي أوضح أن الاحتجاج لم يبقى حبيس مدن دون أخرى كما لم يبقى مقتصرا على فئات محدودة، إنما أصبح حالة وظاهرة اجتماعية تعم المغرب جغرافيا وأيضا فئويا.

وزاد موضحا في حديث لـ"الاستقلال"، الأساتذة بكل فئاتهم يحتجون الطلبة كذلك، الطلبة الأطباء في مقاطعة للدراسة منذ أكثر شهرين والسنة الدراسية توشك على الانتهاء، احتجاجات حول السكن، المهندسون يحتجون، الكل يحتج في المغرب.

كيف تتجاوب الدولة؟

"الدولة لها جواب واحد وهو القمع"، بحسب رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، خديجة الرياضي، التي اعتبرت في حديث لـ"الاستقلال" أن "الدولة هي من أوصلت الاقتصاد إلى الإفلاس بسبب سياساتها التي تخدم فئة قليلة من المتسلطين على ثروات الشعب، الذين يستحوذون على كل شيء. مما يصعب الاستجابة للمطالب الأساسية للمواطنين، التي لا تتجاوز في الغالب الحد الأدنى من الحياة الكريمة".

من جهته، أوضح أستاذ التاريخ والحقوقي المغربي، المعطي منجب، في حديث مع "الاستقلال" أن أغلب الاحتجاجات في المغرب بسبب مطالب اجتماعية اقتصادية وأحيانا تكون لديها عمق سياسي كحراك الريف والأساتذة المتعاقدين، فهي بالأساس مطالبة بالحرية.

وأشار منجب إلى اختيار الأساتذة المتعاقدين في احتجاجاتهم بالعاصمة الرباط يومي 20 فبراير/ شباط إشارة إلى تاريخ الحراك في 2011 ويوم 23 مارس/ آذار، في ذكرى انتفاضة الطلبة والتلاميذ بالدار البيضاء ضد النظام سنة 1965.

وعاد المؤرخ ليقول: "هذه حركات اجتماعية لها عمق سياسي وهي ربيع مغربي جديد والنظام لحد الآن يريد الاستجابة -اقتصاديا على الأقل- لكن يصعب عليه ذلك فالصناديق شبه فارغة والبلاد ليست غنية وليس لديها بترول لتفعل كما فعلت الجزائر في 2011 عندما اشترت صمت الشعب".

"النظام لا يستطيع لا التصريف السياسي للأزمة بفتح المجال أمام الحريات وتنظيم انتخابات مبكرة وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين ولا أن يستجيب ماليا لأن الميزانية في وضع صعب جدا. المغرب لا يريد أن يجيب سياسيا ولا يستطيع أن يستجيب للمطالب الاقتصادية الاجتماعية"، بحسب المصدر ذاته.

وذهبت الرياضي إلى حد اعتبار أن وجود حكومة تريد تحسين أوضاع المواطنين، لن يكون حلا، "بسبب الطبقة المتسلطة  التي تستحوذ على كل شيء"، على حد تعبيرها. وأضافت، "لتستمر هذه الطبقة في وضعها تطلق العنان للناهبين والفاسدين، لأن تفشي الفساد واقتصاد الريع هو الوسيلة التي تحكم تتحكم بها في كل شيء".

ورأت رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أنه في ظل الاحتجاجات لا يشغل بال الدولة إلا همّ الحفاظ على هذه الامتيازات لأصحابها وقتل كل مبادرة قد تؤدي إلى تغيير الوضع. وأشارت إلى أن الوسيلة التي تستعملها وتظن أنها تصل بها إلى مبتغاها هي القمع والحصار والاعتقالات والمحاكمات الظالمة.

وزادت قائلة: "هي تريد أن تقول للجميع إنه لا جدوى من الاحتجاج ولا نتيجة للنضال إلا اعتقالكم فابتعدوا عنه لتنجوا. لهذا حتى وإن كانت المطالب بسيطة لا تستجيب لها الدولة حتى لا يتشجع الناس على النضال ويقتنعوا أنه طريقة لتحسين الأوضاع".

القمع لحل الأزمة!

اختيار الذكرى الثامنة لحراك المغرب التي تزامنت مع 20 فبراير/شباط الماضي للتظاهر، جعل الشرطة تتفاعل بعنف مع الأساتذة المتعاقدين، الذين طالبوا بإنهاء التعاقد السنوي وإدماجهم في الوظيفة العمومية. عنف السلطة أظهر خوفا من تكرار سيناريو 2011، إذ ستخدم رجال الأمن العصي وخراطيم الماء لتفريق المتظاهرين، خصوصا الذين وصلوا إلى مدخل ساحة القصر الملكي، وسُجلت حالات إغماءات بين المتظاهرين.

وقال القيادي في "العدل والإحسان"، حسن بناجح، إن "الدولة تواجه هذا فقط بالمقاربة الأمنية القمعية والاعتقالات والمحاكمات وإصدار الأحكام الثقيلة، وإنها بهذا الاختيار لا تزيد الوضع إلا احتقانا". 

ورأى أستاذ التاريخ، أن المغرب وصل منذ سنة 2016 إلى وضع أسوأ من قبل 2011، مشددا على أنه منذ 1991 لم يكن وضع الحريات السياسية وحرية الإعلام أسوأ من اليوم. وأردف قائلا: "الـ26 سنة الأخيرة هي أسوأ مرحلة يعيشها المغرب".

وفي تقريرها السنوي في 2019، أشارت منظمة "هيومن رايتس ووتش" إلى أن "السلطات المغربية أظهرت عدم التسامح مع المعارضة العلنية من خلال ردها في مارس/ آذار 2018 على احتجاجات مدينة جرادة المنجمية بأسابيع من القمع".

واعتبر التقرير، أن السلطات المغربية "استخدمت القوة المفرطة ضد المتظاهرين واعتقلت قادة الاحتجاج، الذين حُكم عليهم فيما بعد بأشهر في السجن"، مشيرا إلى أنه في يونيو/ حزيران 2018، حكمت محكمة في الدار البيضاء على قادة "حراك الريف"، بأحكام تصل إلى السجن 20 سنة بعد محاكمات وصفتها بـ "الجائرة".

حراك الجوار

انخرط المغاربة في 2011 مع نداءات الشارع العربي بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، فأتت ثورة تونس ثم مصر فتلاها حراك مغربي دعا إليه مجموعة من الشباب والحقوقيين، أطلقوا على أنفسهم حركة "20 فبراير" نسبة لليوم الذي قرروا النزول فيه أول مرة إلى الشارع. فهل يتفاعل الشارع مجددا مع حراك الجارة الجزائر والسودان؟

حسن بناجح، اعتبر أن الدولة "تغمض عينيها عن الواقع المغربي كما أنها تتجاهل ما يجري في المحيط، لا تتعض لا بالتاريخ ولا بالواقع الحالي". وأوضح في حديثه لـ"الاستقلال" أن هذه الاحتجاجات عندما تتكاثف وتتعاظم وتتطور، يرتفع سقفها بشكل طبيعي وتنتهي بما نراه في دول الجوار. وأضاف، "الدولة لا ترى كل هذا وتصر على المنطق الأمني الذي لا يزيد الوضع إلا تأزما".  

وجزم المتحدث، أن المغاربة سيتفاعلون مع ما يحدث في الجوار، قائلا: "بدون شك سيخرجوا كما في 2011، فهذا هو الأفق إن لم تبادر الدولة إلى معالجة الأسباب التي تدفع إلى الاحتجاج، يمكن للمواطنين أن يسكتوا اليوم، ويمكن الالتفاف على مطالبهم بشكل جزئي. لكن في غياب حلول جذرية لا يمكن أن يجعل المغرب استثناء عن ما يجري في المحيط".

وأوضح، أن الشارع المغربي كان من الشوارع السباقة للاحتجاج في 2011، والآن الاحتجاجات لم تبق حبيسة شوارع الرباط، إذن فنفس الأسباب تؤدي إلى نفس النتائج.

الاحتجاجات المستمرة في الشارع المغربي، ليست كافية بحسب منجب للتنبؤ بالمستقبل ولو كان قريبا. لكنه لم ينفي في حديثه لـ"الاستقلال"، أن هناك توتر سياسي ناتج عن القمع والمس بالحريات والأحكام القاسية جدا في حق المعارضين السياسيين سواء في الحركات الاجتماعية أو في الصحافة. وتابع: كذلك غضب اجتماعي نتيجة لتدهور الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وتراجع القدرة الشرائية للطبقات المتوسطة والدنيا.

ماذا حقق حراك 2011؟

بالنسبة لأستاذ التاريخ والحقوقي، المعطي منجب، رأى أن "حراك 2011 حقق نسبيا ولفترة قصيرة بعض المطالب منها إطلاق الحريات النسبي واحترام الاختيار الانتخابي بعدم التزوير في نتائج الانتخابات وكذلك تعيين حكومة يقودها الحزب الذي حصل على الرتبة الأولى في الانتخابات وإطلاق حرية الصحافة". 

وربط منجب بين الثورات المضادة في العالم العربي وبين ما حصل في المغرب، عندما استطرد قائلا، "إلا أنه بعد مرور سنتين، أي في صيف 2013، والغريب في نفس الوقت الذي وقع فيه الانقلاب العسكري في مصر وحصل تراجع في تونس ودخول سوريا واليمن في حرب حقيقية، تم التراجع شيئا فشيئا عن كل المكتسبات التي حققتها حركة 20 فبراير".

"هذا الرعب الذي يسكن الحاكمين يعمي بصيرتهم ولا يرون أن سياستهم ستأتي بعكس ما يهدفون إليه، لأن الظلم لا يمكن له أن يتعمق ويتزايد إلى ما لا نهاية، لا بد أن ينتفض الناس يوما خاصة أن في محيطنا أوضاع شبيهة شيئا  بحالة 2011 وما عرفته من انتفاضات"، بحسب خديجة الرياضي. 

ورأت الحقوقية، أن "هذا يشكل عنصرا آخر يجعل وضعنا قابل للانفجار في أي وقت والدولة تتجاهل هذا لأنها عاجزة عن تقديم حلول". معتبرة أن المغاربة اليوم في حراكات متواصلة، في كل مكان حراك، وأن كان طبعا لا يصل إلى مستوى حراك الريف.

"لكن بالنظر إلى ما يعكسه النقاش السائد في مواقع التواصل الاجتماعي من تصريحات جريئة، وما يجري في مدرجات كرة القدم من تعبيرات قوية عن السخط وما تعرفه شوارع العاصمة من احتجاجات نقابية ضخمة وغير مسبوقة"، على حد تعبير الرياضي، مضيفة أن "كل هذا رغم ضعف القوى السياسية المعارضة ورغم تراجع ثقة الناس في التنظيمات النقابية والسياسية هناك وضع قابل للانفجار في أي وقت، لأن الإحساس بالظلم والجور والغبن وصل مستويات غير مسبوقة".

ووصف بناجح تجاوب الدولة مع حراك 2011 بـ"المراوغة والمناورة عن المطالب الحقيقية"، مضيفا، أنها تعاملت بشكل صوري وشكلي مع المطالب، في حين كان السقف السياسي واضحا؛ إذ كان الشارع يطالب بإنهاء الاستبداد بمعنى أنه كان يرغب في أن يرى مغربا ديمقراطيا، تحكمه المؤسسات ويكون فيه للانتخابات معنى، وأن تفرز مؤسسات تحكم حقيقة ويتم فيه فصل بين السلط، ويتم فيه ضمان استقلال القضاء، كل هذا لم يحدث بحسب القيادي في الجماعة.

رغم التعديلات الدستورية التي صوت عليها المغاربة في 2011، إلا أن المصرحين أجمعوا أنها كانت مجرد مناورات من الدولة لإسكات الشارع، الذي سرعان ما عاد للاحتجاج، فهل يشهد المغرب حراكا جديدا في المستقبل القريب؟