حل أزمات لبنان الداخلية.. هكذا يساهم في توسع نفوذ إيران

قسم الترجمة | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أكدت وكالة "يونايتد برس إنترناشيونال" الأميركية أن اللبنانيين يخشون من أن يزيد أي حل للأزمة السياسية في لبنان من نفوذ وسيطرة إيران على البلاد.

ولا تحتاج إيران إلى وجود جنود على الأرض في لبنان لإظهار مدى تأثيرها. فقد اكتسب وكيلها، حزب الله المدجج بالسلاح قوة عسكرية وسياسية كافية على مر السنين ليبرز كلاعب رئيس.

وبينما يشاهد اللبنانيون بلادهم تتجه نحو الانهيار، فإنهم منقسمون حول هيمنة حزب الله وطموحات إيران.  

ويخشى الكثيرون منهم أن تسوية محتملة للأزمة اللبنانية لن تفيد إلا طهران وتكرس نفوذها، وفق الوكالة الأميركية.

ولن تكون هذه هي المرة الأولى التي يترك فيها لبنان في أيدي قوة خارجية لإصلاح مشاكله وإدارة وضعه السياسي المعقد. 

وقد عهد إلى سوريا بفعل ذلك لسنوات طويلة بعد أن عززت وجودها العسكري وفرضت نفسها على أنها أقوى لاعب، وهو الدور الذي انتهى بعد شهرين من اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري في تفجير استهدف موكبه في 14 فبراير/شباط 2005. 

وسرعان ما ملأ حزب الله، الأقوى في البلاد، الفراغ الذي خلفته مغادرة سوريا، بدعم من  إيران. 

وقال أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية ببيروت هلال خشان:  "حزب الله لاعب رئيس في لبنان. بالطبع، هناك لاعبون آخرون، لكنهم صغار".

وأكد أن الفاعل السياسي الحاسم في لبنان هو حزب الله. 

اتفاقية الدوحة

وأوضح خشان أن الحرب التي استمرت 34 يوما بين إسرائيل وحزب الله في عام 2006 مكنت الأخيرة في نهاية المطاف من السيطرة الكاملة على لبنان. 

وأضاف أن "اتفاق الدوحة" الذي توسطت فيه قطر عام 2008، والذي أنهى 18 شهرا من الجمود السياسي وتجنب الحرب الأهلية، جعل حزب الله أقوى، وحول السلطة لصالحه، بما في ذلك القدرة على نقض قرارات مجلس الوزراء.

وقال خشان: "اتفاق الدوحة أعطى حزب الله سيطرة كاملة على السياسة اللبنانية. لم يكن ذلك صعبا عليهم بسبب الطبيعة المتشرذمة للمشهد السياسي". 

وتابع: "لا شيء يمكن أن يحدث في لبنان ما لم يمنح حزب الله موافقته حرفيا".

وعندما يتعلق الأمر بصنع القرار، فإن حزب الله يسيطر على لبنان، وإيران من خلال الحزب تسيطر على لبنان، وفق قوله. 

وحقق حزب الله نصرا كبيرا عندما فرض انتخاب حليفه المسيحي القوي، قائد الجيش السابق العماد ميشال عون، رئيسا في أكتوبر/تشرين الأول 2016 بعد أن ظل المنصب شاغرا لمدة 29 شهرا.

وفي ورقة بحثية حديثة بعنوان "كيف يسيطر حزب الله على الدولة اللبنانية؟"، أوضحت لينا الخطيب، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مركز تشاتام هاوس، كيف ارتقى الحزب ليصبح المنظمة السياسية الأكثر نفوذا في لبنان.

وبينت أن ذلك حدث من خلال توسيع نفوذ الحزب في الدولة اللبنانية، من الرئاسة إلى المؤسسات السياسية التمثيلية والخدمة المدنية، وكذلك المؤسسات العسكرية والأمنية.

وأشارت الخطيب إلى أن حزب الله "يتمتع بالشرعية داخل الدولة اللبنانية، لكنه قادر على العمل دون مساءلة مطلوبة من مؤسسة الدولة ودون مسؤولية كاملة تجاه الشعب اللبناني". 

وأرجعت تنامي نفوذ حزب الله إلى عدة عوامل من بينها استفادته من "راع خارجي موثوق، وهو إيران" واستغلال نقاط الضعف في الدولة اللبنانية.

وفي هذا السياق قال المحلل السياسي المقرب من حزب الله، توفيق شومان: إن الجماعة المسلحة التي تشكلت في أوائل الثمانينيات لمحاربة الاحتلال الإسرائيلي للبنان، لم تكن تعتمد فقط على قوتها العسكرية. 

وأضاف شومان: "إنها تتمتع بتأييد شعبي واسع وممثلة في البرلمان ومجلس الوزراء، وبالتالي، لديها القدرة على التأثير في صنع القرار السياسي في لبنان. مثل هذا التمثيل الشعبي يعكس بلا شك النفوذ الإيراني في البلاد".

لكنه يرى أنه بقدر ما ينطبق ذلك على إيران "فإن هذا ينطبق على قوى إقليمية ودولية أخرى لها نفوذ في لبنان". 

نشر اللوم

وعلى الرغم من شعبيته بين الطائفة الشيعية بشكل أساسي فإن حزب الله لم يفلت من غضب المتظاهرين الذين خرجوا إلى الشوارع في أكتوبر/تشرين الأول 2019 للتنديد بالنخبة الحاكمة. 

وألقي اللوم على الجماعة ورئيسها حسن نصرالله لأول مرة علنا، بالفساد وسوء الإدارة مثل جميع الفاعلين السياسيين الآخرين. 

كما اتهم الكثيرون حزب الله وحليفته حركة أمل بإحباط الانتفاضة الشعبية، من خلال إرسال مؤيدين على دراجات نارية يهتفون "شيعة، شيعة" لترهيب المتظاهرين المناهضين للحكومة، وضربهم وتحطيم معسكراتهم الاحتجاجية.

لكن ما يلام نصر الله عليه في الغالب هو أنه لم يستخدم نفوذه لدفع الإصلاحات والمساعدة في تشكيل حكومة جديدة لوقف تدهور البلاد. 

واتهمه منتقدوه بالاستفادة من الأزمة لترسيخ موقف إيران في محادثات فيينا النووية. 

ونفى زعيم حزب الله هذه المزاعم بحجة أنه لا يستطيع فرض إرادته على القوى الأخرى في البلاد، واتهم بدلا من ذلك الولايات المتحدة بالوقوف وراء الأزمة ومحاصرة اللبنانيين وحرمانهم من المساعدة الدولية.

وقال خشان: "ليس هناك شك فيما إذا كان حزب الله يريد تشكيل حكومة، سيكون لدينا حكومة غدا"، في إشارة إلى الجمود الذي أدى إلى انهيار المفاوضات حولها. 

وفي 15 يوليو/تموز 2021، أعلن رئيس الوزراء اللبناني المكلف سعد الحريري، في مؤتمر صحفي عقب لقائه رئيس الجمهورية ميشال عون اعتذاره عن عدم تشكيل الحكومة. 

وقال: إن "موقف الرئيس عون لم يتغير والتعديلات التي طلبها جوهرية وتطال تسمية الوزراء المسيحيين".

وأضاف: "قال لي الرئيس عون: إن من الصعب أن نصل إلى توافق، فاعتذرت عن (عدم) تشكيل الحكومة، والله يعين البلد".

ولم يتمكن الحريري من تشكيل حكومة جديدة ، وألقى باللوم على استمرار عرقلة عون وصهره جبران باسيل، الذي يرأس التيار الوطني الحر. وكلاهما حليف مقرب من حزب الله.

ومع ذلك، أكد خشان أن جميع الفصائل السياسية غير مهتمة حقا بتشكيل حكومة من شأنها تنفيذ إصلاحات اقتصادية ومالية هادفة، وبالتالي "فضح مدى فساد النخبة الحاكمة اللبنانية التي ستتم محاسبتها". 

وفي حين أن حزب الله لم يخلق الأزمة الاقتصادية والمالية الحالية، فإن تورطه في الحرب السورية والتهريب عبر الحدود، والتحالفات مع النخبة السياسية الفاسدة في البلاد وعدائها لدول الخليج، ضاعف محنة البلاد ودفع أصدقاء لبنان الخليجيين والغربيين إلى عزله.

المليشيات العميلة

وبينما يكافح لبنان من أجل البقاء، يتركز الاهتمام على محادثات إيران النووية في فيينا وسط مخاوف متزايدة من نتائجها على البلد المريض، يقول الموقع. 

ولا يعتقد شومان أن لبنان سيُمنح جائزة لإيران، مضيفا: "الأمر أكثر تعقيدا من ذلك، فهناك قوى أخرى لها نفوذ أيضا ولا يمكن القضاء عليها". 

وأضاف: "في أي تسوية مقبلة سيكون لإيران وجود قوي، لكنه متوازن مع القوى الإقليمية الأخرى وخاصة السعودية من خلال توافق دولي".

وبين خشان أن أكبر عقبة في محادثات فيينا ليس البرنامج النووي الإيراني ولكن نفوذ إيران الإقليمي والمليشيات التي تعمل بالوكالة. 

وأضاف: "إيران لا تواجه أعداءها. إنها تستخدم المليشيات للقتال نيابة عنها، من الأميركيين في العراق، إلى السعودية في اليمن عبر الحوثيين، كما تعتمد على حزب الله في لبنان".

وبما أن الأزمة بين إيران والولايات المتحدة لم تحل، فسيتعين على لبنان الانتظار حتى انتهاء محادثات فيينا. 

وقال خشان: "لا أعرف ماذا تريد الولايات المتحدة أن تفعل بلبنان، لكنني أعلم أن البلد بحاجة إلى الهدوء".

وتابع: "كل هذا يتوقف على تدخل روسيا، وعما إذا كان الأميركيون يريدون أن يتحرك الروس من أجل تقليص نفوذ إيران في بيروت".

وقالت منى فياض، الناشطة السياسية المناهضة لحزب الله وأستاذة علم النفس في الجامعة اللبنانية: إنه إذا توصلت الولايات المتحدة وإيران إلى اتفاق، فلن يؤدي ذلك بالضرورة إلى تسليم لبنان إلى طهران. 

وأوضحت فياض، وهي شيعية أيضا "إذا لم يوافقوا، فستكون هناك معارضة قوية وعنف، ولن يقبل حزب الله ولا إيران بسهولة التخلي عن لبنان".

وتابعت: "بعد كل شيء، بالنسبة لمعظم اللبنانيين، إيران ليست نموذجا جذابا، حتى أنصارها من الشيعة يعرفون مدى سوء الوضع".