عدو عدوي صديقي.. أسباب تعاون النيجر والجزائر مع فرنسا بالساحل الإفريقي

وهران - الاستقلال | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في سياق إعادة تعريف نظام مكافحة التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل، التقى الرئيس النيجيري، محمد بازوم، نظيره الجزائري، عبد المجيد تبون. 

وبعد زيارته باريس وصل بازوم الجزائر العاصمة للحديث قبل كل شيء عن الأمن، وهو اللقاء الذي كان مقررا في 9 و10 مايو/أيار 2021، وجرى تأجيله لعدة أسابيع. 

كانت مسائل التعاون الأمني ​​في منطقة الساحل مطروحة بالفعل على جدول الأعمال، لكن تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشأن إعادة تعريف الإستراتيجية العسكرية الفرنسية في المنطقة غيرت الوضع.

الزعيم الجديد

حط محمد بازوم في مطار هواري بومدين، يوم 13 يوليو/تموز 2021، حيث كان في استقباله صالح قوجيل رئيس مجلس الأمة، ورمطان العمامرة الذي تولى مؤخرا مقاليد وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية.

إلى جانب الرئيس النيجيري، حل في العاصمة وفد قوي ضم وزراء الخارجية (حسومي مسعودو) والدفاع (الكاسوم إنداتو) والعمل الإنساني وإدارة الكوارث (لاوان ماغاغي) والنفط (ساني إيسوفو).

أعلنت باريس يوم 9 يوليو/تموز 2021، عن عزمها نقل القيادة العملياتية للقوات الفرنسية إلى نيامي، العاصمة النيجيرية التي أصبحت أيضا قاعدة لفريق العمل الأوروبي تاكوبا. 

وفق متابعين، أظهرت الخطوة أن فرنسا تخطط لإلباس بازوم زي "الزعيم الجديد لمنطقة الساحل"، والذي ارتداه طيلة سنوات الرئيس التشادي إدريس ديبي، الذي قتل في أوائل أبريل/نيسان 2021.

"هناك إرادة من جانب بازوم لبناء قيادة من حوله"، وفق مصدر مقرب من رئاسة النيجر لمجلة "جون أفريك" الفرنسية، "ولن يكون الأمر معقدا للغاية، حيث كان هناك فراغ في المنطقة منذ اختفاء إدريس ديبي إيتنو". 

وتابعت المجلة، وفق المصادر التي لم تكشف عنها، أنه "من الواضح أن عدم الاستقرار المزمن في مالي وبوركينا فاسو يمهد الطريق لصعود بازوم إلى زعامة المنطقة".

في الجزائر العاصمة، وجد الأخير رمطان لعمامرة في انتظاره، وقد بدت العلاقات بينهما ممتازة، والتي أقاموها عندما كان بازوم نفسه وزيرا للخارجية، وهو التقارب الذي سيسهل التعاون والمفاوضات بين البلدين.

يجسد رمطان العمامرة، الذي أصبح رئيسا للدبلوماسية الجزائرية مرة أخرى في 9 يوليو/تموز 2021، الدور الذي يريد الرئيس تبون أن يعطيه لسياسة بلاده الخارجية.

أفاد مصدر "جون أفريك"، بأن "العقيدة الجزائرية تطورت، ولم تعد بعض الموضوعات -من قبيل التعاون العسكري والمشاركة في عمليات السلام التابعة للأمم المتحدة على وجه الخصوص- من المحرمات". 

وبحسب خبر حصري كشفت عنه المجلة في وقت سابق ونفته الخارجية الجزائرية، فإن "رئيس أركان الجيش الجزائري سعيد شنقريحة، ذهب سرا إلى باريس منتصف يونيو/حزيران 2021، ليناقش مع فرنسا الدور الذي يمكن أن تلعبه الجزائر في حقبة ما بعد برخان".

المبعوث الفرنسي

كان من المقرر أن يثير المسؤولان خلال الزيارة العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيزها بما يخدم مصالح الشعبين الصديقين، لكن بازوم استغل هذه الزيارة الرسمية لبحث الوضع في مالي.

ولم يخف الرئيس النيجيري الجديد تحيزاته فيما يتعلق بالسلطات الجديدة في باماكو والعقيد أسيمي غويتا على وجه الخصوص.

وقال خلال مؤتمر صحفي مشترك مع إيمانويل ماكرون، في 9 يوليو/تموز 2021: "يجب أن لا نسمح للجيش بتولي السلطة؛ لأن لديهم انتكاسات على الجبهة حيث ينبغي أن يكونوا، وإن أصبح رجال الجيش وزراء ورؤساء دول. من سيشن حربا لهم؟".

لا شك في أن رئيس الدولة النيجيري يأمل اليوم في إقناع تبون بتقديم جزء من الإجابة على السؤال الذي طرحه في باريس.

بعد شهر من الإعلان عن "التحول العميق" للوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل، قدم إيمانويل ماكرون الخطوط العريضة للجهاز المستقبلي لنظرائه في غرب إفريقيا، حيث تحتل نيامي (العاصمة النيجيرية) مكانة مركزية هناك.

وجود بازوم الرئيس الوحيد لمجموعة دول الساحل الخمس في المؤتمر الذي أقيم بباريس، لا يدين بأي شيء للصدفة، لأن الجهاز المستقبلي يجعل نيامي الركيزة الأساسية لإستراتيجية الأمن الفرنسية في منطقة الساحل.

وعلق محمد بازوم بقوله: "لا يمكننا إلا أن نتفق مع ما تفعله فرنسا، ونحن نرى هذا الجناح يتقلص".

وأضاف الرئيس النيجيري أن "طبيعة عدونا تتطلب تعاونا آخر"، مشيرا إلى "ترشيد" الانخراط الفرنسي الذي تتفق معه دول مجموعة الساحل الخمس "تماما".

واعتبر الرئيس النيجيري أن "نيامي ستكون قوية جدا"، وأن القوات الفرنسية الموجودة في البلاد ستعزز القيادة الحالية لقوة تاكوبا.

وقال إيمانويل ماكرون، من جانبه: "سيتم دمج القوات المرتبطة في وحدات القوات الخاصة"، وأضاف "من المهم أن تكون لدينا معرفة ميدانية في جميع إجراءات التعاون والطمأنينة وأن تكون لدينا قوى تعرف كيفية العمل مع جيوش الساحل".

الدور الجزائري

قالت صحيفة "الخبر" الجزائرية، في 11 أبريل/نيسان 2021: إن فرنسا طلبت من الجزائر "المساعدة في الحرب على الإرهاب شمال مالي"، وهو ما رفضته الدولة المغاربية جملة وتفصيلا.

وسبق لوزارة الدفاع الجزائرية، أن كذبت في فبراير/ شباط 2021، أخبارا راجت على مواقع التواصل الاجتماعي تفيد بإرسال قوات عسكرية إلى منطقة الساحل للقتال إلى جانب قوات مجموعة دول الساحل الخمس ضد الجماعات الإرهابية، تحت مظلة قوات أجنبية (عملية برخان الفرنسية)، بحسب وكالة "الأناضول".

في 2 أبريل/نيسان 2021، أجرى الجيش الجزائري مناورة بالذخيرة الحية في منطقة "عين قزام" الحدودية مع النيجر، بإشراف رئيس الأركان سعيد شنقريحة.

 وقالت وزارة الدفاع، في بيان: إن المناورة جرت تحت شعار "تحدي تيريرين 2021"، بمشاركة القوات الجوية والبرية، وطائرات مقاتلة ومسيرة.

وخلال السنوات الماضية، حشدت الجزائر آلاف الجنود عبر الشريط الحدودي الجنوبي مع مالي والنيجر وليبيا، لصد ما تقول السلطات إنها محاولات تسلل لعناصر إرهابية وتهريب السلاح.

تنشط بمنطقة الساحل الإفريقي، خاصة في مالي والنيجر الحدوديتين مع الجزائر، جماعات إرهابية محسوبة على تنظيمي "القاعدة" و"الدولة"، وتعلن السلطات الجزائرية بين الفينة والأخرى، حجز أسلحة وتوقيف مسلحين حاولوا اختراق حدود البلاد.

وفي 21 أبريل/نيسان 2010، تشكلت لجنة العمليات المشتركة التي تضم الجزائر والنيجر ومالي وموريتانيا، بهدف محاربة الإرهاب ومواجهة الخطر المتزايد لتنظيم "القاعدة" في منطقة الساحل والصحراء الإفريقية.

لم ينف أستاذ العلاقات الدولية، مراد بن قيطة، أن الأزمات مع فرنسا محدد مهم جدا لردود الأفعال الجزائرية، خاصة تجاه إفريقيا.

 إذ تبقى العلاقات مع أميركا وأوروبا راسخة ومتفقا عليها من طرف مختلف النخب في الجزائر، في حين العلاقة مع البلدان الإفريقية وتحديدا دول الساحل، متعلقة بعدد من المتغيرات.

"تهديد لفرنسا"

ابن قطية قال في تصريح سابق لـ"الاستقلال": "هذه البلدان لها علاقات خاصة مع فرنسا، وتعمل الجزائر على عدم استثارة الحضور والنفوذ الفرنسي في تلك البلدان، خصوصا عندما يتعلق الأمر بتعارض القضايا والملفات، وتحديدا ما تعلق منها بالجوانب الأمنية والثقافية".

يرى الخبير في العلاقات الدولية، أنه من المؤكد أن التوجه الجزائري تجاه هذه البلدان هو خيار إستراتيجي أولا، ثم عامل مهم جدا للمناورة في العلاقة مع فرنسا.

شدد بن قيطة، أن أي توجه مستقل بعيدا عن دائرة الهيمنة الفرنسية على بلدان المنطقة المغاربية وتحديدا الجزائر، يشكل نقطة تحول في العلاقات الثنائية.

وبالتالي فأي توجه جزائري نحو تعميق العلاقة مع دول الساحل الإفريقي، يشكل تحديا وتهديدا للمصالح الفرنسية.

لفت الأستاذ الجامعي، إلى أن التقارب الجزائري مع منطقة الساحل يبقى مرهونا بعدد من المعطيات والمتغيرات، وأيضا بمدى تصلب الموقف الفرنسي من هذا التقارب.

أوضح ابن قيطة، أن فرنسا تعيش مرحلة صعبة في المنطقة على الصعيدين الأمني والسياسي، بالنظر إلى حالة الرفض الشعبي وحتى الرسمي الكبير جدا، الذي بات يعترض سياساتها.

وهذا الأمر هو سبب آخر سيؤدي إلى تأزيم العلاقة مع الجزائر أكثر، في ظل تقارب الأخيرة مع دول الساحل.

أستاذ العلاقات الدولية، أفاد بأن دول الساحل امتداد للأمن القومي الجزائري، لعمق العلاقات التاريخية التي تربطها بها، فكلتاهما فضاء إستراتيجي وحيوي للأخرى.