حليف قديم.. ما موقف "الخليج" من العودة المحتملة لطالبان إلى حكم أفغانستان؟

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في ظل تسارع الأحداث التي تشهدها أفغانستان، وإعلان حركة طالبان سيطرتها على أكثر من 85 بالمئة من أراضي البلاد، تدور تساؤلات عديدة عن موقف دول الخليج العربي من هذه التطورات.

وتنبئ الأحداث المتسارعة بعودة محتملة لحركة طالبان إلى إدارة البلاد بعد 20 عاما من الإطاحة بحكمها في أفغانستان.

التقدم السريع للحركة على الأرض يأتي بموازاة الانسحاب العسكري الأميركي من أفغانستان، الذي من المقرر أن ينتهي في 31 أغسطس/آب 2021، حسبما أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن خلال كلمة ألقاها من العاصمة واشنطن 7 يوليو/ تموز 2021.

تخوف خليجي

كاتب سعودي عبر خلال مقال نشرته صحيفة "المدينة" السعودية في 6 يوليو/ تموز 2021 عن مخاوف دول الخليج من الخطوة الأميركية في الانسحاب من أفغانستان، داعيا دول منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما منطقة الخليج إلى فهم الحركة الأميركية هذه.

وقال الكاتب، عدنان كامل صلاح، في مقاله: إن "العالم بالنسبة للدول الكبرى، بما فيها أميركا، ليس سوى رقعة شطرنج ضخمة، يفوز في لعبتها هذه من ينجح في تحريك قطعها بشكل يؤدي إلى تفوقه على الآخر".

وأضاف أن "اللاعب الجيد هو من يفكر في عدة خطوات على رقعة الشطرنج قبل تحريكه أي قطعة ويتوقع بشكل صحيح الخطوات التي سيقدم عليها خصمه حتى يتمكن من استباق خطواته والتفوق عليه. وتشكل الأمم أو الدول قطع لعبة الشطرنج هذه".

وأشار صلاح إلى أن "هناك دولا أصغر تلعب لعبتها على مستوى إقليمي وتبني تحركاتها على ما تعتقد أنه حركات اللاعبين الكبار بحيث لا تتعارض حركاتها مع حركاتهم. ومن هنا على دول المنطقة (الشرق الأوسط) السعي لفهم أسباب حركة أميركا الأخيرة بالإعلان عن انسحابها من أفغانستان وتأثير ذلك عليها، خاصة دول الخليج".

ورأى الكاتب السعودي أن "الحديث عن الرغبة في الانتقال الى آسيا ليس دقيقا، لأن أفغانستان في آسيا، إلى جانب أنها تحاذي الصين، التي يقول الأميركيون أنهم يعدون العدة لمواجهتها".

 إلى جانب الصين فإن الدول المشاركة للحدود مع أفغانستان هي باكستان وإيران ودول آسيا الوسطى (قريبة سياسيا من روسيا) وفق الكاتب.

وخلص صلاح إلى أنه "من مصلحة دول الخليج استباق إمكانية تكرار انجذاب المراهقين إلى شعارات إسلامية مضللة تنطلق من أفغانستان ويجندون لها".

ويوضح أن "المخربين والإرهابيين ما زالوا خطرا قائما، وقد يكون السعي لإحداث استقرار داخل أفغانستان هو أفضل السبل لما يمكن أن يقوم به الخليجيون ضمن سياسة موحدة يتفقون عليها وينفذونها مجتمعين لا مفرقين".

ويرى مراقبون أن دول مجلس التعاون الخليجي قد تحسن علاقتها مع حركة طالبان في حال مالت الكفة لها مستقبلا واستعادت السلطة، وذلك ربما يكون محاولة منها لصد التمدد الإيراني، وإشغال طهران بجبهة جديدة تخشى إيران أن تلهب حدودها الغربية.

وحول هذه النقطة، يرى الإعلامي والكاتب أحمد موفق زيدان في مقال نشره موقع "الجزيرة نت" 24 يونيو/حزيران 2021 أن "السقوط المتسارع للمديريات الأفغانية بأيدي مقاتلي حركة طالبان الأفغانية شكل هاجسا وكابوسا حقيقيا لإيران والقوى الأفغانية الحكومية المتحالفة معها".

وأضاف الكاتب زيدان أنه "يبدو من الواضح أن إيران ستكون منشغلة كل الانشغال بأفغانستان عن المنطقة العربية، نتيجة الحدود المشتركة المباشرة معها، ومن ثم فوصول قوى مناوئة لها للعظم في كابل سيلقي بتداعيات جيوسياسية".

تأثيرات الانسحاب

وبخصوص تأثير الانسحاب على دول الخليج، يرى السفير الأميركي السابق باتريك ثيروس في مقال نشره "منتدى الخليج الدولي" 24 يونيو/ حزيران 2021، أنه رغم خشية دول الخليج من أي انسحاب أميركي من المنطقة، إلا أن مغادرة أفغانستان لم تثر قلق الخليج مثل الانسحاب من العراق.

وأشار الدبلوماسي الأميركي السابق إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي تنظر إلى أفغانستان ومشاكلها على أنها بعيدة عنها، فيما يشير التاريخ إلى أنه لا ينبغي أن تشعر دول الخليج بهذه الراحة.

وتوقع ثيروس أن يشتد القتال في أفغانستان، "وسيعتمد ذلك على مدى استمرار التدريب والدعم الاستخباراتي للجيش الأفغاني وقوات الأمن. وفي المقابل، سوف تستمر باكستان في دعم طالبان، وربما بشكل أكثر صراحة بعد رحيل الأميركيين".

ولفت إلى أن طالبان ستفقد الكثير من جاذبيتها كـ "مقاتل من أجل الحرية" ضد محتل أجنبي، ما يؤدي إلى ضعف داخلي بمرور الزمن.

وإذا نجحت القوات الأفغانية في الصمود أمام طالبان، فمن المتوقع أن يلجأ الطرفان إلى تسوية تفاوضية نهائية.

ولكن إذا انهارت هذه القوات فستعود أفغانستان إلى نفس حالة الفوضى التي سادت عندما قامت باكستان بدعم طالبان في الحرب الأهلية في عام 1994، وفق تقديره.

وتابع ثيروس: "ستتدهور الأوضاع في أفغانستان وتنزلق إلى حرب أهلية طائفية وعرقية بين البشتون وطالبان وفصائل مختلفة من الطاجيك والأوزبك والهزارة. وستسعى كل من هذه الجماعات العرقية لتحصيل الدعم من امتداداتها العرقية والدينية عبر الحدود في طاجيكستان وأوزبكستان وإيران".

ولفت إلى أن المقاتلين وأموال التبرعات ستتدفق من الخليج لمساعدة طالبان، ما يعني إعادة إنشاء البنية التحتية التي جلبت أحداث 11 سبتمبر/أيلول. وسوف تسلط وسائل الإعلام العالمية الضوء مرة أخرى على حقيقة وجود مقاتلين يتلقون معظم أموالهم من متبرعين خليجيين.

ورأى ثيروس أن على دول الخليج وإيران أن تدرك ضرورة الحفاظ على الحكومة في أفغانستان، والضغط على الولايات المتحدة وبقية أعضاء "الناتو" لمواصلة دعم الحكومة.

وأشار إلى أنه "لا يمكن لدول الخليج أن تتهرب من دورها ومسؤوليتها عما يحدث في أفغانستان. ولا يمكنها أن تفترض أنها تستطيع عزل نفسها عن عواقب الانهيار الثاني هناك".

ومن ناحية أخرى، زعم الدبلوماسي الأميركي أنه يمكن أن يستفيد بعض قادة الخليج من الانسحاب الأميركي.

فهناك قادة مثل (ولي العهد السعودي) محمد بن سلمان و(ولي عهد أبو ظبي) محمد بن زايد في مأزق مع الرئيس الأميركي جو بايدن، كما أوضح.

وبرأيه، فإنه من خلال مساعدة الحكومة الأفغانية على الحفاظ على استقرارها، يمكنهم تقديم أوراق اعتمادهم لدى إدارة بايدن.

علاقات متباينة

وفي استعراض تاريخي لعلاقة دول خليجية مع حركة طالبان، قال "معهد دول الخليج في واشنطن" خلال تقرير نشره في 10 يوليو/ تموز 2021: إن تدخل الإمارات في أفغانستان اتخذ منعطفا مهما بعد مقتل السفير الإماراتي، جمعة محمد عبدالله الكعبي، مع 5 دبلوماسيين إماراتيين بتفجير في قندهار.

على إثر تلك الحادثة التي وقعت في 11 يناير/ كانون الثاني 2017، عززت الإمارات العلاقات مع حكومة الرئيس الأفغاني "أشرف غني" وزادت عدد القوات الإماراتية التي تدرب قوات النخبة الأفغانية لمواجهة "طالبان"، بحسب التقرير.

وفي مؤشر على التقارب السياسي بين كابل وأبوظبي، وجه السفير الأفغاني لدى الإمارات انتقادات لقطر، الدولة المضيفة للمحادثات بين طالبان والحكومة الأفغانية، لعدم الضغط على الحركة بما يكفي للحد من العنف واقترح أماكن مختلفة للمفاوضات.

لكن في 19 ديسمبر/كانون الأول 2017، استضافت الإمارات بمبادرة رعتها باكستان، مفاوضات بين "طالبان" وممثلي الولايات المتحدة.

غير أن ممثلي طالبان اشتكوا من ضغوط من أبوظبي والرياض لإشراك الحكومة الأفغانية في المفاوضات وطلبوا إعادة المحادثات إلى قطر.

وأوضح موقف طالبان هذا أنه كان هناك قدر كبير من الثقة بين الدوحة والحركة.

أما عن علاقة الحركة بالسعودية، يشير التقرير إلى أن الأخيرة كانت لاعبا رئيسا في الساحة السياسية الأفغانية منذ الاحتلال السوفييتي، حيث دعمت في البداية قادة الجهاد الأفغاني ثم "طالبان".

ومع ذلك، تغيرت المشاركة السعودية في أفغانستان أيضا بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول.

وفي محاولة لتعزيز أهميتها في قضية أفغانستان، سهلت الحكومة السعودية عام 2008 محادثات السلام بين مسؤولي الحكومة الأفغانية و"طالبان".

لكن في عام 2009، فقدت السعودية نفوذها على طالبان عندما طردت الرياض المبعوث السياسي للحركة من المملكة.

كان هذا إلى حد كبير بسبب رفض طالبان الشروط السعودية المسبقة للوساطة مع الولايات المتحدة والحكومة الأفغانية، بما في ذلك مطلب إدانة تنظيم "القاعدة" علانية قبل المحادثات، بحسب التقرير.

وقد اتخذ السعوديون هذا الموقف على عكس نصيحة شركائهم الباكستانيين الذين رأوا أن مثل هذه القطيعة ستفتح الطريق أمام علاقات أكبر بين طالبان وإيران، وهو ما حدث لاحقا.

ومنذ عام 2009، تمكنت السعودية فقط من الحفاظ على اتصالاتها مع الحكومة الأفغانية في كابل، وفقا للتقرير.

وبخصوص الدور القطري، أوضح التقرير أن قطر كانت لاعبا نشطا آخر في المجال السياسي الأفغاني.

واستضافت قطر، المعروفة بخبرتها في مجال الوساطة، مكتب "طالبان" منذ عام 2013 بموافقة ضمنية من الولايات المتحدة.

وكانت الدوحة أيضا مكانا لمحادثات السلام بين "طالبان" والولايات المتحدة ثم مع الحكومة الأفغانية.

ومع ذلك، يرى التقرير أنه من الصعب تخيل كيف ستحافظ قطر على علاقاتها الدافئة مع "طالبان" إذا تغيرت الظروف وسمحت بأي عمل عسكري للقيادة المركزية ضد الحركة انطلاقا من أراضيها.

وعلى المدى القصير، اتصل حلف شمال الأطلسي (الناتو) بقطر لتأمين قاعدة لتدريب القوات الأفغانية الخاصة.

وإذا قبلت قطر، فإنها ستصبح قناة سياسية وإستراتيجية رئيسة بين دول الناتو وأفغانستان. ومع ذلك، قد يؤدي ذلك إلى الإضرار بعلاقاتها مع طالبان، والتي من المحتمل أن تعتبر ذلك محاولة لتعزيز الحكومة الأفغانية وقواتها الأمنية.

وأشار التقرير إلى أنه "إذا ظلت المشاركة السياسية لدولة الإمارات والسعودية مقصورة إلى حد كبير على الكيانات الحكومية الأفغانية، فقد لا يكون لهما نفس رأس المال في هذا السوق السياسي".

وتابع: مع دخول الصراع في أفغانستان مرحلة جديدة وقيام أمراء الحرب المحليين بإعداد مليشيات خاصة لمحاربة طالبان، يلوح في الأفق شبح حرب أهلية.

ولتجنب مثل هذا السيناريو، يجب على القوى الخليجية تعزيز انخراطها الدبلوماسي مع جيران أفغانستان واستخدام قوتها المالية والدينية الناعمة للتعامل مع أصحاب المصلحة المحليين.

وبهذه الطريقة فقط يمكن لدول الخليج أن تساعد في تحقيق الاستقرار في أفغانستان ورسم مسار نحو السلام والمصالحة، وفق تقدير التقرير.