"الشريحة الأخطر".. لماذا يخشى السيسي الطلاب المصريين في الخارج؟

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في طريقه لإنشاء مصر الحديثة اعتمد محمد علي باشا على البعثات العلمية لتحقيق حلم النهضة؛ إلا أن النظام العسكري الحاكم في مصر الآن، آمن بأن الحفاظ على دولته لن يكون إلا بحبس واعتقال الباحثين والسيطرة على أفكار الدارسين في الخارج.

وبحسب الأرقام الرسمية الصادرة عن وزارة الهجرة وشؤون المصريين بالخارج في مارس/ آذار 2021، فإن عدد المصريين فى الخارج نحو 9.5 مليون.

هذا العدد المسجل فقط في التعبئة العامة والإحصاء، ولكنه لا يعكس حقيقة الأعداد التي تتجاوز هذا الرقم، كما أوردت بيانات لمؤسسات مصرية مختلفة. 

ومن بين قرابة 10 ملايين مصري في الخارج، اختصت وزيرة الهجرة نبيلة مكرم، شريحة الدارسين بالخارج، ووصفتهم بـ"الأخطر".

مكرم، طالبت بإعادة هيكلة أفكارهم وإخضاعهم لبرامج خاصة، تحميهم من الأفكار المناهضة للدولة المصرية على حد زعمها. 

ومنذ الانقلاب العسكري في 3 يوليو/ تموز 2013، تشكلت جبهات معارضة للنظام الجديد، وتصدر عدد من الباحثين والأكاديميين في الخارج مناهضة الحكم العسكري.

مصريون في الخارج أخذوا على عاتقهم كشف مساوئ نظام عبدالفتاح السيسي، وتبيان مخاطر سياساته.

النتيجة الطبيعية كانت اعتقال النظام بعض هؤلاء الأكاديميين أثناء عودتهم إلى أرض الوطن.

في إشارة إلى توجه تصعيدي من السلطات بتعقب وتقييد الدارسين بالخارج، ووضعهم في إطار لا يتعارض مع المنظومة الحاكمة. 

معسكرات خاصة

التصريحات الصادمة لوزيرة الهجرة، أدلت بها يوم 6 يوليو/ تموز 2021، ضد شريحة المصريين الدارسين بالخارج، أثارت الكثير من الجدل.

مكرم، التي تحظى بثقة السيسي، قالت: "الدارسين المصريين بالخارج، أخطر شريحة من المهاجرين، نتيجة الأفكار المغلوطة التي يتعرضون لها من أصحاب التوجهات المعادية لمصر". 

وأضافت: "الجيل الثاني والثالث من الشباب المصريين بالخارج بحاجة لمزيد من التعريف بالمجتمع المصري والأفكار السليمة بعيدا عما يسمعه في الخارج عن جيش مصر من مغالطات". 

الوزيرة المصرية قدمت شرحا مفصلا لتعامل النظام مع تلك الشريحة، عندما أوضحت: "نستقدم العديد من المهاجرين ونأخذهم إلى العديد من المناطق".

وأشارت لوضعهم في أماكن للتدريب منها "معهد ناصر العسكري"، ومناطق تدريب القوات المسلحة، للتعريف بما يفعله الجيش المصري.

ردود  فعل غاضبة إزاء تصريحات مكرم، عبر عن إحداها الصحفي المصري جمال سلطان، رئيس تحرير جريدة "المصريون".

سلطان، قال: "سيتم عمل معسكرات لهم (الدارسون بالخارج) في شرم الشيخ، للتعريف بدور الجيش.. حكومة النازيين الجدد تخون شعبها وتخافه وتحذر منه".

قطع الرقبة 

لم يكن هذا النوع من التصريحات المتطرفة بجديد على وزيرة الهجرة المصرية، بل إنها دأبت على ذلك التوجه منذ بداية ولايتها في 19 سبتمبر/ أيلول 2015.

مكرم، اتخذت إستراتيجية واضحة للتتبع والسيطرة على الدارسين والأكاديميين بالخارج، وتهديدهم إذا لزم الأمر. 

وهو ما حدث في 23 يوليو/ تموز 2019، أثناء احتفال الوزيرة مع الجالية المصرية بكندا، برفع علم مصر على برلمان "أونتاريو" الذي قرر حينها الاحتفاء بالحضارة المصرية. 

وظهرت الوزيرة في مقطع مصور تهدد المصريين بالخارج وتقول: "أي أحد بالخارج يقول كلمة على بلدنا، ماذا يحدث له؟ يتقطع"، مشيرة بقطع الرقبة أو علامة النحر (الذبح). 

ذلك المقطع أثار حينها ضجة واسعة، ودفع السياسي المعارض من الخارج أيمن نور، لانتقاد الوزيرة.

وقال: ".. لقلة خبرتها بالعمل العام وسطحية وتفاهة شخصيتها لم تدرك الفارق بين ما استمعت إليه من مؤامرات في الغرف المغلقة أثناء اجتماعات المجموعة المخابراتية، وبين ما يمكن أن تفصح عنه في الاجتماعات العامة.. فكشفت نوايا نظام السيسي المجرم". 

وفي 30 ديسمبر/ كانون الأول 2020، تحدثت نبيلة مكرم عن إمكانية استغلال شريحة المصريين الدارسين بالخارج، عن طريق تجنيدهم للتجسس على زملائهم.

إذ قالت: إن شباب الجامعات قوة ناعمة كبيرة جدا، وبإمكانه أن يقوم بتوصيل كل الأفكار التي تبث بطريقة سلبية بالجامعات من جماعات أخرى.

في إشارة إلى أن الطالب المصري الذي يدرس بالخارج "من الممكن جدا أن يتم استقطابه بأفكار مضادة لاتجاهات الدولة أو بأفكار تكفيرية".

أكاديميون معتقلون  

إستراتيجية وزيرة الهجرة المصرية نبيلة مكرم، لم تنفك عن هجوم الأجهزة الأمنية على الأكاديميين والباحثين الدارسين في الخارج.

إذ إنه بعد أيام من تصريحاتها، جرى اعتقال الباحثة المختصة بالتاريخ الشفاهي عالية مسلم، فور وصولها مطار القاهرة، قادمة من العاصمة الألمانية برلين.

اعتقال عالية يوم 11 يوليو/ تموز 2021، تزامن معه تصدر هاشتاغ "حرب مصر على الأكاديميين"، والذي غرد معه الدكتور خالد فهمي الأستاذ بجامعة كمبريدج البريطانية.

فهمي، قال: تواصل الحكومة المصرية هجومها على الحرية الأكاديمية.. الليلة الماضية، اعتقلت علياء مسلم لدى وصولها إلى مطار القاهرة واستجوبتها نيابة أمن الدولة.

وأوضح أنها "زميلة مصرية في مرحلة ما بعد الدكتوراه في مؤسسة ألكسندر فون همبولت في برلين. 

وفي عام 2015 اعتقلت أجهزة الأمن، الباحث والصحفي المصري إسماعيل الإسكندراني، فور عودته إلى القاهرة من العاصمة الألمانية برلين.

ومنذ ذلك الوقت يقبع الإسكندراني في السجون، بعد أن حكم عليه بالسجن 10 سنوات. 

وفي مايو/ أيار 2018، ألقي القبض على وليد سالم، طالب الدكتوراه في جامعة واشنطن الأميركية، عقب عودته إلى مصر للقيام بعمله الميداني.

وظل سالم، رهن الاحتجاز 7 أشهر، ورغم الإفراج عنه لكنه منع من السفر ومن استكمال دراسته بالخارج. 

وشهد فبراير/ شباط 2020، إلقاء القبض على باتريك جورج زكي، باحث في مجال النوع الاجتماعي لدى منظمة المبادرة المصرية للحقوق الشخصية.

وهو طالب الماجستير المصري في جامعة بولونيا بإيطاليا، الذي جرى توقيفه لدى وصوله إلى مصر. 

واحتجز باتريك بتهم تتعلق بالإرهاب، حتى أن رئيس البرلمان الأوروبي، طالب بالإفراج الفوري عنه، لكنه رهن الاحتجاز المستمر لدى أجهزة الأمن المصرية.

من جانبه يضغط نواب بالبرلمان الإيطالي لمنح جورج الجنسية الإيطالية حتى تنشط الدولة الإيطالية في الضغط على القاهرة لإطلاق سراحه. 

وفي 1 فبراير/ شباط 2021، استوقفت قوات الأمن الباحث أحمد سمير سنطاوي، طالب الماجستير في قسم الأنثروبولوجيا بجامعة أوروبا الوسطى في النمسا.

السلطات وجهت له تهما تتعلق بالإرهاب، كما أنه اعتقل تعسفيا ونكل به بسبب عمله الأكاديمي الذي يرتكز على حقوق المرأة، بما في ذلك تاريخ الحقوق الإنجابية في مصر.

سنطاوي، أعلن الإضراب الكامل عن الطعام بعد الحكم عليه بالسجن 4 سنوات وغرامة 500 جنيه من محكمة أمن الدولة طوارئ، في حكم واجب النفاذ لا يمكن الطعن عليه. 

عدو للديكتاتورية

باحث العلوم السياسية المصري إسلام مجدي، يقول: إنه "منذ اللحظات الأولى للانقلاب العسكري، شن رواده هجمة شرسة على الشرائح التي تمثل قمة الهرم التعليمي في مصر".

ويضيف طالب الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية في ماليزيا، لـ"الاستقلال": "الهجمة شملت طلاب الطب والهندسة، واتهموهم بالإرهاب والتطرف، وأذكر أن إحدى الصحف الرسمية وصفت كلية (الطب) بمفرخة لتفريخ الإرهابيين". 

ويتابع: "بعدما استطاعوا تحجيم النشاط السياسي والحركة الطلابية في مصر عبر الأجهزة الأمنية، وحملات الاعتقالات التعسفية، اتجهوا للمتعلمين في الخارج".

ويعتقد أنهم "يحاولون حصارهم والتضييق عليهم، بدعوى أنهم يتلقون أفكارا مغلوطة، ويجب أن يخضعوا لمعسكرات تثقيفية على غرار الأنظمة (الشيوعية) ودول الاتحاد السوفييتي قديما، في انتكاسة فكرية غير مسبوقة على بلادنا". 

ويؤكد: "لا شك أن العلم وشريحة المتعلمين يمثلون العدو الأول للديكتاتوريات والأنظمة المتسلطة، ولا يمكن إغفال أن الذين قاموا بثورة 25 يناير 2011، وتصدروها كانوا طلبة الجامعات والشباب وأبناء الطبقة الوسطى الذين حصلوا على قدر من التعليم".

ولفت إلى أن هؤلاء "أرادوا التغيير والوقوف في وجه سلطة مبارك، وبالفعل نجحوا في ذلك، وأطاحوا بحكمه الراسخ على مدار 30 سنة، وهو الدرس الذي استوعبه السيسي جيدا، فعمل على ضرب تلك الطبقة وتقييدها داخل البلاد وخارجها".