منابر المستبدين.. لماذا توافق نظاما الأسد والسيسي على خطاب ديني موحد؟

مصعب المجبل | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يسعى النظام السوري لفك العزلة المفروضة عليه عربيا منذ سنوات بالتوجه نحو نظيره في مصر، ولكن هذه المرة عبر بوابة المؤسسة الدينية لنظام عبدالفتاح السيسي، التي تتبع في القاهرة نفس نهج مثيلتها في دمشق.

مؤسسة الأسد الدينية في سوريا، تعمل بلا شك بما يخدم السلطة، وتقود تبرير تصرفات الحاكم تجاه الشعب، وتعويم خطاب ديني ذي صبغة واحدة، لكونه يخرج من جهاز أمني واحد، وفق مراقبين.

اعتماد رئيس النظام السوري على وزارة الأوقاف ليس بجديد؛ بل إنه عهد ورثه من والده الذي سير الأوقاف لخدمته سياسيا، لتصبح في عهد الأسدين من الحقائب الوزارية في الحكومة التي يجري اختيار وزيرها بدقة وبمواصفات محددة، حسب التجارب السابقة.

زيارة "محمد عبدالستار السيد" وزير الأوقاف في نظام بشار الأسد، لمصر يوم 4 يوليو/تموز 2021، برفقة وفد ديني ضم مدير أوقاف ريف دمشق خضر شحرور، ومستشار "السيد" أحمد قباني؛ يؤكد على مدى دور الوزارة في تثبيت أركان نظام الأسد داخليا وتلميعه خارجيا.

وزير أوقاف الأسد، أجرى لقاءات عديدة بالقاهرة، أبرزها الاجتماع بمفتي مصر التابع لنظام السيسي شوقي علام، ورئيس لجنة الشؤون الدينية والأوقاف في البرلمان علي جمعة، في حضور سفير نظام الأسد في مصر بسام درويش.

اللافت أن حديث ومناقشات وزير أوقاف الأسد مع علام وجمعة، تمحورت حول "دور المؤسسات الدينية في سوريا ومصر في مواجهة التطرف وتكثيف الجهود لحماية الشباب من تأثير الأفكار المنحرفة".

ووفق ما نقلت صفحة وزارة أوقاف الأسد: "الارتقاء بالخطاب الديني المعاصر ليكون ملائما لمتطلبات الواقع وملامسا لمشكلات المجتمع وتنقيته من الشوائب الإخوانية والتكفيرية الهدامة".

لكن ما ألقاه "السيد"، من القاهرة 9 يوليو/ تموز 2021،  كشف إحدى أبعاد الزيارة؛ وخاصة حينما قال: إن "سوريا على مدار السنوات الـ10 الماضية قاتلت الإرهاب وواجهت التطرف وتصدت للحصار وانتصرت".

وأضاف أن "سوريا كانت أول من اكتشف حقيقة إجرام الإخوان وحاربتهم في ثمانينات القرن الـ20، وهي تواجههم اليوم وتواجه كافة المجموعات المتطرفة".

وأردف: "ومصر كذلك عانت منهم طويلا، واليوم الجيشان السوري والمصري يواجهان خطر هذا التنظيم وسينتصران عليه كما انتصرا سابقا في حرب تشرين التحريرية، أكتوبر/ تشرين الأول 1973". 

ترويج رواية الحاكم

وفي قراءة أولية لرسالة اجتماع مؤسسة الأسد والسيسي الدينيتين، بدا واضحا تركيز النقاش حول الجامع المشترك بين النظامين في الترويج الإعلامي الدائم لوسم المعارضين بأنهم "إرهابيون متطرفون".

ولا سيما أنه معروف في الأوساط السورية عن استخدام نظام الأسد لوزارة الأوقاف في الترويج للرواية الإعلامية والسياسية التي يتبناها في حربه ضد الشعب السوري.

لا، بل أكثر من ذلك؛ فإن وزير أوقاف الأسد ذاته الذي يشغل منصبه منذ عام 2007، دعا في يوليو/ تموز 2018، في تسجيل مصور، إلى تفسير القرآن الكريم تفسيرا معاصرا وفق ما وصفه بـ"المرتكزات الفكرية لبشار الأسد في الإصلاح الديني".

لاقى هذا الطرح سخرية كبيرة في الشارع السوري، الذي اعتبر أن نهج أوقاف الأسد يهدف لاستغلال الدين لصالح بقاء بشار في السلطة وحرفه لدرجة جعله أشبه بمنهج "التربية القومية".

مراقبون يرون أن مناداة المؤسسات الدينية التابعة للسيسي والأسد لتجديد الخطاب الديني؛ ما هو إلا لحصره في اتجاه خدمة بقاء تلك الأنظمة، ووصم أي جماعة حتى ولو كانت دينية تنتقد الحاكم وسياساته بأنها متطرفة وإرهابية.

إذ إنه منذ استيلاء السيسي على حكم مصر ركز على تغيير الخطاب الديني وتابعه شخصيا، رغم توكيل وزارة أوقافه بالمهمة والتي عقدت الندوات والملتقيات الكثيرة، حيث انبرى لها عرابو الانقلاب من رجال الدين كأمثال علي جمعة، وشوقي علام.

خطاب ديني موحد

الباحث السوري الحاصل على دكتوراه في الفقه الإسلامي ومدير "مركز مناصحة" محمد نور حمدان، يرى أن زيارة وزير أوقاف الأسد لمصر تأتي "ضمن سياق محاولة نظام الأسد كسب أي فرصة ومناسبة لكسر العزلة".

ويضيف لـ"الاستقلال": "خاصة أنها تأخذ الطابع الرسمي لفتح آفاق للتعاون مع نظام السيسي الذي يدعم الثورات المضادة للربيع العربي".

ويعتبر حمدان أن "الشخصيات التي التقى بها وزير أوقاف الأسد كان لها دور في دعم الانقلاب ضد الراحل محمد مرسي".

ويوضح أن "هؤلاء جميعهم يتفقون على حرمة الخروج على الحاكم سواء كان متغلبا أو عبر انقلاب عسكري وذلك لتبرير الظلم والاستبداد".

محددات تتشابه فيها المؤسسة الدينية لدى نظامي السيسي والأسد، يوضحها حمدان بالقول:"الأول: تقارب الأفكار بين المؤسسة الدينية المصرية المتمثلة بالإفتاء ونظيرتها في سوريا التابعة للأسد".

مستدركا بالقول: "وخاصة أن المصريين يشبهون علي جمعة بمفتي الأسد أحمد حسون وكيف حرف (جمعة) الكثير من النصوص الدينية لتأييد الانقلاب كما فعل حسون".

ويؤكد أنه "لذلك بات ينظر إلى هؤلاء اليوم على أنهم علماء السلطان وأنهم مسيسون".

أما المحددان الثاني والثالث "فهما أن ما يصدر من فتاوى وخطاب ديني في مصر لا يختلف عما هو عليه في سوريا اليوم"، وفق حمدان.

الذي يتابع: "وخاصة في تأييد القوة العسكرية بوجه الشعب وكذلك اتهام المعارضين بالإرهاب والعمل على شيطنة الإخوان المسلمين واعتبارهم بغاة".

ويضيف: "فضلا عن لي عنق النصوص من أجل السلطة العسكرية، لدرجة أن المؤسسة الدينية التابعة للأسد اتهمت المعارضين بأن جباههم لا تعرف السجود وأنهم عملاء ويقبضون أموالا من الخارج".

توظيف الشخصيات الدينية

وأمام هذه المعطيات الجديدة فإن المؤسسات الدينية في سوريا ومصر حاليا تسير في طريق واحد وترفع نفس الشعار، من ناحية استقطاب شخصيات دينية وتوظيف الخطب والفتاوى بما يتناسب مع فكر السلطة السياسي.

وهذا ما هو عليه الحال في سوريا منذ عهد الأسد الأب الذي اهتم بتطويع الخطاب الديني وجعل أجهزة المخابرات رقيبا عليه عبر تعليمات ترسل لوزارة الأوقاف.

الموقف المصري تجاه الثورة السورية انقلب رأسا على عقب مع وصول السيسي إلى الحكم في يونيو/ حزيران 2014، عقب الانقلاب على الرئيس الراحل محمد مرسي في 3 يوليو/ تموز 2013، أول رئيس مدني منتخب في مصر بعد ثورة يناير/​كانون الثاني 2011.

وذلك بعد أن أعلن مرسي صراحة مساندته ووقوفه مع الشعب السوري في ثورته ضد آل الأسد، وقطع علاقات بلاده رسميا مع النظام السوري.

ويذهب الكثيرون إلى أن نظام الأسد يدخل من ثغرات ضيقة؛ بهدف تحقيق أي اختراق جديد على مستوى عودة العلاقة مع محيطه العربي أو مساهمة بعضه في إعادة تعويمه.

ولذلك في الحالة المصرية لطالما لمح وزير خارجية نظام السيسي سامح شكري إلى أن مصر تتطلع إلى "عودة سوريا لمحيطها العربي"، ويقصد هنا نظام الأسد وأن "تعود مرة أخرى لتتبوأ مكانتها التي نعتز بها جميعا".

دعم أمني وعسكري

لكن المتتبع لسير العلاقة بين النظام السوري والسيسي على مدى السبع سنوات الماضية يرى أنها أخذت طابع الدعم المتدرج للأسد.

لا سيما أن بشار، لم يخف وجود تعاون أمني وعسكري مع نظام السيسي، وهو ما أكده في مقابلة مع قناة "المنار" التابعة لحزب الله اللبناني في أغسطس/ آب 2015.

وختم بقوله: إن "سوريا ومصر في خندق واحد لمحاربة الإرهابيين".

وتجلى ذلك بتلبية رئيس الأمن الوطني لنظام الأسد علي مملوك، لدعوة مدير إدارة جهاز المخابرات العامة السابق اللواء خالد فوزي لزيارة مصر، حيث جرى الاتفاق على "تنسيق المواقف السياسية بين سوريا ومصر وتعزيز التنسيق في مكافحة الإرهاب".

التعاون بينهما تصاعد بشكل لافت حينما دعا بشكل علني رئيس جهاز المخابرات العامة عباس كامل الذي عينه السيسي خلفا لفوزي، مملوك لزيارة مصر بتاريخ 22 من ديسمبر/كانون الأول 2018.

مملوك، يد بشار الأسد الاستخباراتية الأولى، ويمسك بالملف الأمني لسوريا، ويظهر دائما برفقته خلال اجتماعه مع المسؤولين الغربيين والروس.

عباس كامل، الرجل المقرب من السيسي ومدير مكتبه السابق وذراعه اليمنى لم يتأخر كثيرا عن لقاء المسؤولين بنظام الأسد، إذ زار دمشق في 2 مارس/ آذار 2020.

السيسي، وخلال مقابلة له مع تلفزيون برتغالي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، دعا لدعم "الجيوش الوطنية" في سوريا والعراق وليبيا، الأمر الذي دفع المحاور أن يسأل مؤكدا "هل تقصد بالجيش الوطني في سوريا، الجيش السوري؟"، فأجاب السيسي: "نعم".

واعتبر حديث السيسي وقتها حسما للموقف المصري "المعلن" من تأييد نظام بشار الأسد، ليتردد عقب ذلك معلومات عن إيفاد قوات عسكرية مصرية إلى سوريا للتنسيق مع قوات نظام الأسد في "محاربة الإرهاب".

صحيفة "الأخبار" اللبنانية، أكدت في 7 ديسمبر/ كانون الأول 2016، انتقال مجموعة من الضباط المصريين الأمنيين والعسكريين إلى سوريا منذ بداية نوفمبر/ تشرين الثاني 2016.

وبينت الصحيفة المقربة من مليشيا "حزب الله"، أن ذلك يأتي "في سياق برنامج تعاون عسكري أمني بين البلدين؛ هدفه مكافحة الإرهاب وتبادل الخبرات برعاية روسية مباشرة".

لماذا مصر؟

وتشير الأحداث الجارية لوجود عوامل تدفع باتجاه زيادة نظام الأسد نشاطاته حاليا نحو مصر تحديدا، والتي حددها مدير "مركز القارات الثلاث للدراسات"، الباحث السوري أحمد الحسن.

يقول الحسن لـ"الاستقلال": إن نظام الأسد يعمل حاليا على "مشاريع متعددة لاختراق العزلة الدولية وبناء تحالفات جديدة في مرحلة ما بعد العسكرة ومصر جزء رئيس من هذا المشروع مع دول الخليج".

وأرجع الباحث هدف النظام من ذلك لـ"القيام بعمليات إعادة إعمار جزئية في سوريا، وتحسين أوراق النظام السياسية، والحصول على دعم مصر لتفسيرات تتطابق مع توجهات النظام بخصوص القرارات الدولية وخاصة القرار 2254".

إضافة إلى أن "الأسد يعمل على إقناع مصر بدور عربي مواز للدور الإقليمي الذي تلعبه تركيا؛ لأن النظام يدرك مخاطر التحالف المنفرد مع إيران بدون تحالفات موازية في المحور العربي وخاصة مع وجود تنسيق عال قطري مصري لاستقطاب مصر والسعودية للمحور الإقليمي التركي بمواجهة إيران"، وفق الحسن.