بعد مؤتمره الاستثنائي.. هل اتحاد الشغل التونسي أقوى من الدولة؟

آمنة سالمي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في وقت تعيش فيه تونس على وقع كارثة وبائية بسبب انتشار فيروس كورونا وفرض حجر صحي شامل، ورغم الرفض الشعبي والقضائي والنقابي الواسع، أصرت قيادة "الاتحاد العام التونسي للشغل" (أعرق منظمة نقابية) على تنظيم مؤتمرها الاستثنائي يومي 8 و9 يوليو/تموز 2021، بمشاركة حوالي ألف شخص، في محافظة سوسة (شرق).

سوسة، تشهد حجرا صحيا شاملا وارتفاعا غير مسبوق للإصابات بالفيروس، ومنعت على إثره الحكومة العديد من القطاعات في المحافظة من ممارسة نشاطها وأجبرتها على الإغلاق.

لكن عقد مؤتمر الاتحاد وانتهى بتعديل قانونه الأساسي وإقرار التمديد للقيادة الحالية بفترة ثانية، إلا أن الجدل حوله مازال مستمرا، فقطاع واسع من النقابيين والسياسيين رافضون لهذه التعديلات ووصفوها بـ"الانقلابية" داخل أكبر منظمة شغيلة في تونس.

كما أن انعقاد المؤتمر لاقى سخطا شعبيا كبيرا على قيادة الاتحاد الحالية، وأيضا انتقادات للمنظمة بأنها باتت "أعلى من القانون ومن الدولة"، بل وإنها تكرس لـ"دكتاتورية نقابية".

تجاوز القانون

عقد مؤتمر الاتحاد بعد حصوله على إذن ثان من وزارة الصحة والحكومة، وذلك عقب إقرار النيابة العامة بمحكمة سوسة في 7 يوليو/تموز 2021، إلغاء أعمال المؤتمر كـ"تدبير احترازي" لمواجهة انتشار جائحة كورونا، بعد أن ثبت لديها إصابة 6 أشخاص على الأقل بالفيروس من ضمن عينة بـ 100 مشارك في المؤتمر. 

وكانت محافظة سوسة قد أعلنت منذ 4 يوليو/تموز 2021، حجرا صحيا شاملا بها لمدة أسبوع كامل، إثر تسجيل مؤشرات عالية لتفشي الوباء.

كما أن المدير العام للصحة بسوسة، وبعد معاينة ميدانية للمبنى الذي تم فيه إيواء المشاركين في مؤتمر الاتحاد، أفاد في مراسلة توجه بها إلى ولاية المحافظة، أن اللجنة المشتركة بين الصحة والأمن السياحي والحماية المدنية عاينت تسجيل 6 إصابات بكورونا، وهو ما يشكل "بداية لبؤرة تفشي الفيروس".

كما أن النائب المستقل بالبرلمان عن حركة "أمل وعمل" ياسين العياري خسر قضية رفعها من أجل إيقاف أشغال المؤتمر.

وكتب النائب العياري، عبر صفحته على موقع "فيسبوك"، أن "القضاة اختاروا الاتحاد والسياسة على الصحة العامة والقانون، خسرنا للتو قضيتنا الاستعجالية لإيقاف المؤتمر، 700 حالة إصابة في سوسة يوميا وحجر صحي كامل، والمحكمة رأت أنه يمكن تنظيم مؤتمر فيه 1000 شخص في المدينة".

وأضاف في مقطع فيديو "عزيزي المواطن، القانون يطبق فقط عليك أنت، أما الاتحاد، فالمحكمة وضعت على رأسه ريشة".

وأردف العياري قائلا "سنحول الأمر إذن إلى القضاء الجزائي، ضد الأمين العام للاتحاد، ووزير الصحة، ووزير الداخلية بالنيابة، ووالية سوسة". 

ولفت إلى أن "حركة (أمل وعمل) ستراسل كل المنظمات العربية والإفريقية والدولية النقابية والعمالية التي تعتبر الاتحاد العام التونسي للشغل عضوا فيها، لتعلمهم بجريمة المؤتمر وفي أي ظروف وملابسات تم".

وأضاف "كما ستراسل المنظمة العالمية للصحة وكل المنظمات الإقليمية والدولية ذات الاختصاص، وكل الهيئات الدولية التي تعنى بحقوق الإنسان، لترفع لها مسألة استهتار (رئيس الحكومة هشام) المشيشي و(وزير الصحة) فوزي المهدي بصحة التوانسة". 

من جانبه، علق الإعلامي التونسي سمير الوافي على مؤتمر الاتحاد، عبر صفحته على "فيسبوك"، قائلا: "رغم قرار النيابة العمومية بمنعه ثم إلغاء القرار والتراجع عنه.. فقد أثبت الاتحاد أنه أقوى قوة في البلاد ولو كانت قوة القانون... ونرجو السلامة للمؤتمرين وللجميع... ولأهالي سوسة وغيرهم...!!!".

ثقافة البيعة 

الأكاديمي والباحث التونسي في الحضارة سامي براهم أكد أن "اتحاد الشغل هذه المنظمة الوطنية غالبت قواعدها وتحدت الوضع الوبائي لعقد مؤتمر عاجل من أجل فرض التمديد الآلي لمكتبه التنفيذي بإسقاط البند الذي ينص على التداول من خلال تحديد دورات الترشح في تكريس قبيح للأمر الواقع، على حساب الديمقراطية في منظمة هي سليلة النضال الوطني ومقارعة الاستعمار".

وقال براهم، لـ"الاستقلال": إن "ثقافة التمديد والتوريث، هي امتداد لثقافة البيعة، في أسوأ مظاهرها السلطانية القديمة التي عرفتها السياسة الشرعية في العصر الوسيط والتي يبدو أن العقول التي تدير الشّأن العام لم تتخلص منها رغم كل مظاهر الثقافة السياسية المدنية والمسار الديمقراطي الذي أفضت إليه ثورة الشعب (ثورة يناير/كانون الثاني 2011)".

وشدد على أن "تواصل تحكم هذه الثقافة في الفعل السياسي والجمعياتي هو من بقايا الزمن السياسي القديم زمن الاستبداد الشرقي الذي يفترض أن تكون ثورة الحرية والكرامة إعلانا عن نهايته وبداية عصر جديد عنوانه السياسة المدنية". 

وتابع براهم: "رغم كل المسوح المدني والقشور الحداثوية، لا تزال ثقافة البيعة والاحتكار والحكم الشمولي والتوريث تقود العقل السياسي والجمعياتي في بلد الثورة والدستور التحرري". 

شق الصفوف

قطاع واسع من النقابات المنضوية تحت راية اتحاد الشغل عبروا عن سخطهم من القيادة، فبمجرد إعلان تثبيت موعد هذا المؤتمر، اندلعت الخلافات والصراعات بين المركزية النقابية وبعض الهياكل النقابية القاعدية، أبرزها الجامعة (النقابة) العامة للتعليم الثانوي التي تصدت لمساعي تعديل قانون المنظمة.

وأعلنت "الجامعة العامة" عن مقاطعتها مع جميع نقاباتها الأساسية، أشغال المؤتمر، معتبرة إياه "غير قانوني وغير شرعي" وهو "سابقة خطيرة" لم تحدث في تاريخ المنظمة.

وصعدت النقابة العامة للتعليم الثانوي مع القيادة، على خلفية استبعادها من اجتماع الهيئة الإدارية للاتحاد الذي انعقد في 2 يوليو/تموز 2021؛ تحضيرا للمؤتمر المذكور. 

وقالت النقابة، في بيان: إن “انعقاد الهيئة الإدارية للاتحاد اقترنت بسابقة خطيرة تمثلت في عدم إبلاغ النقابة لحضور أشغال ومداولات الاجتماع"، 

واعتبرت أن ذلك "إقصاء متعمد لأكبر نقابات الاتحاد دون أي سبب قانوني أو إجرائي يبرر هذه الخطوة التي تنتهك حقها الشرعي في تداول شأن المنظمة وإبداء رأيها حول أهم القضايا الوطنية ومواقفها منها في هذه الظرفية التاريخية والاستثنائية التي تشهدها تونس على مختلف الأصعدة".

كما اعتبرت النقابة أن "هذا الإقصاء يعتبر ردة فعل انفعالية تأتي على خلفية مواقف القطاع المبدئية المعلنة والرافضة للمساس بقوانين المنظمة وتشريعاتها وعلى رأسها الفصل (البند) 20 من قانونها الأساسي وقرار هياكله النقابية المتمسكة بمقاطعة المؤتمر غير الانتخابي للاتحاد". 

وفي تصريحات إعلامية، قال الكاتب العام للجامعة العامة للتعليم الثانوي، لسعد اليعقوبي: "كان على القيادات النقابية تأجيل المؤتمر ومراجعة حساباتها والمحافظة على أرواح الناس، عوض التمسك بتغيير قوانين ستحافظ على مواقع الأشخاص ولن تحافظ على مكانة الاتحاد في وجدان التونسيين".

ورأى اليعقوبي أن "إنجاز المؤتمر الاستثنائي غير الانتخابي في هذا الظرف الصعب وضع أبناء المنظمة وكأنهم فوق القانون... هذا مسيء لسمعة ودور الاتحاد". 

وفي 5 يوليو/تموز 2021، رفضت المحكمة الإدارية بتونس دعوى قضائية رفعها ثلاثة نقابيين؛ للمطالبة بإيقاف أشغال المؤتمر الاستثنائي للاتحاد،  وعللت المحكمة رفضها بـ"عدم جدية المطلب".

التمديد للقيادة 

الجدير بالذكر أن "البند 20" المثير للجدل من القانون الأساسي للاتحاد كان ينص قبل تعديله على أن "أعضاء المكتب التنفيذي لاتحاد الشغل يتم انتخابهم لمدة 5 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة كما حدد نفس البند في نقطته الأولى تركيبة المكتب التنفيذي الوطني بـ15 عضوا وأن لا يتجاوز عدد المتقاعدين فيهم أربعة أعضاء".

أما بعد تعديله خلال المؤتمر، أصبح "البند 20" ينص على أن "يتم انتخاب أعضاء المكتب التنفيذي من قبل نواب المؤتمر العام بالاقتراع السري لمدة 5 سنوات، ويجدد وجوبا على الأقل ثلث أعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد من بين الأعضاء الذين استكملوا مدتين نيابيتين متتاليتين حسب الصيغ والتراتيب التي يضبطها النظام الداخلي، ولا يجوز تحمل مسؤولية الأمانة العامة لأكثر من دورتين متتاليتين". 

ويفتح هذا التعديل الباب أمام عضوية المكتب التنفيذي والأمانة العامة الحالية للاتحاد لأكثر من فترتين.

وبحسب النقابات المقاطعة للمؤتمر، تم هذا التعديل، لتمكين الأمين العام الحالي نور الدين الطبوبي من الترشح لقيادة المنظمة لفترة إضافية.

وتؤكد النقابات المقاطعة وعلى رأسها نقابة التعليم الثانوي أن تعديل القانون الأساسي في مؤتمر استثنائي غير قانوني ومخالف لمقتضيات البند 121 من نفس القانون الذي يؤكد أن تنقيح (تعديل) فصول القانون لا يتم إلا في مؤتمر انتخابي.

في المقابل، يبرر الداعمون والمشاركون في المؤتمر، هذه التعديلات بأن مغادرة العدد الكبير من القيادات التاريخية للمنظمة دفعة واحدة "سيؤثر على أدائها ويدخل الاضطراب على صفوفها"، خصوصا وهي مقبلة على مفاوضات اجتماعية صعبة مع الحكومة في المرحلة المقبلة، وأن الحاجة إلى استمرارية عمل القيادات الحالية تفرض تعديلا للقانون الداخلي.

ويعتبر اتحاد الشغل، أكبر منظمة نقابية مستقلة عن كل التنظيمات السياسية في تونس، تأسست في 20 يناير/كانون الثاني 1946، ويستمد الاتحاد شرعيته وقوته من القواعد العمالية. 

ويعتبر الكثيرون أن الاتحاد قوة نقابية لا يمكن تحييدها عن المشهد السياسي، إذ يضم نحو 500 ألف عضو في معظم القطاعات الاقتصادية والفئات الاجتماعية،  وللاتحاد تاريخ من الصدام مع جميع الأنظمة التي تعاقبت على حكم البلاد.

والاتحاد هو أحد مكونات رباعي الحوار الوطني الذي حصل على جائزة نوبل للسلام عام 2015؛ لنجاحه في الخروج بتونس من أزمتها السياسية عبر الحوار الوطني والتوصل للمصادقة على دستور 2014، وتنظيم الانتخابات التشريعية والرئاسية.

ويرى متابعون للشأن السياسي والاجتماعي بتونس أن أطرافا سياسية محسوبة على اليسار متحكمة في النقابات وقراراتها، فعادة ما يستغل الغطاء الاجتماعي للاتحاد لتبرير الموقف السياسي، وغالبا ما ترفع خلال الاحتجاجات التي يتبناها الاتحاد شعارات لمطالب اجتماعية "هي في الواقع مغلفة بمطالب سياسية".