تسقطها الجاذبية أم إنها خرافة؟.. هذه أسباب منع الطيران فوق مكة المكرمة

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

كل عام ومع اقتراب موسم الحج إلى بيت الله الحرام، يعاود ناشطون نشر معلومات عن سبب منع الطيران فوق مكة المكرمة، ويتحدثون عن وجود جاذبية مغناطيسية فوق الكعبة المشرفة، ويقولون إن "أم القرى مركز العالم جغرافيا".

بعض الناشطين يطرح عبر مواقع التواصل الاجتماعي سيناريوهات خيالية، تشير لاحتمال سقوط الطائرات لو حلقت فوق الكعبة بفعل جاذبية شديدة أو شعاع يصدر من الكعبة.

البعض الآخر، يعرض القضية من زاوية علمية مشيرا لدراسات لأساتذة في الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، مع الاستدلال بآيات من القرآن الكريم تعضد رؤيته القائلة بأن الكعبة مركز الأرض جغرافيا.

إلا أن آخرين عرضوا دراسات علمية وتقارير صحفية تنفي ذلك الرأي وتقلل من أهمية الدراسات سالفة الذكر، لكنها مع ذلك تؤكد أن موقع مكة والكعبة معجزة حقيقية.

وبين الفريقين أكدت السلطات السعودية وخبراء طيران سعوديون أنه ولأسباب تتعلق بقدسية المكان، وعدم الرغبة في إزعاج الحجاج والمعتمرين والمصلين، ولطبيعة مكة التي تحيطها الجبال؛ يجري منع مرور الطائرات فوقها. 

وكالة الأنباء الفرنسية، استغلت هذا الجدل في تقرير نشرته في 6 يوليو/ تموز 2021، إذ قالت خدمة "تقصي الحقائق" بالوكالة، إن الترويج بأن مكة مركز الأرض والجاذبية الأرضية، ليست حقيقة علمية.

وأضافت أن ما يثار بأن الكعبة مركز للأرض، وأنها تقع في بقعة تخلو من أي ميل أو انحراف، وأنها مركز الجاذبية الأرضية، ويستحيل التحليق فوقها كونها مركز جذب مغناطيسي، جميعها معلومات "غير صحيحة".

لكن تقرير الفرنسية، تجاهل الحديث عن وجود إعجاز علمي في القرآن الكريم، ولم يتطرق إلى الدراسات التي تؤكد أن موقع مكة والكعبة معجزة علمية، وأن علماء المسلمين أنفسهم قالوا إن قضية مركزية الكعبة للعالم يقصد بها "وسطية نسبية"، وموقعها معجزة فعلية.

وأشارت الوكالة إلى ما نشرته "هيئة مكافحة الإشاعات" السعودية، عبر مقطع مصور يكشف فيه طيار ومسؤول ملاحي سعودي أن سبب حظر الطيران فوق مكة هو احترام الأماكن المقدسة والرغبة في عدم إزعاج الحجاج والمعتمرين.

المقطع الذي أنهى بعضا من الجدل، أكد أن هذا الحظر فيه بعض الاستثناء للطائرات المروحية التي تحلق أحيانا في سماء المدينة.

ولفت إلى طواف مروحيات الإنقاذ، عام 2006، بعد انهيار مبنى يقطنه حجاج أسفر عن مقتل 76 شخصا وإصابة نحو 60 آخرين.

مركز جاذبية 

أجابت مؤتمرات دينية وعلمية عقدت على مدار السنوات الماضية على سؤال: "هل مكة مركز العالم فعلا؟، ونفت ما يثار عن جاذبية مغناطيسية تسقط الطائرات لو حلقت فوق الكعبة.

ورصدت ما جاء في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة عن حقيقة الإعجاز العلمي، وفرقت بينها وبين شائعات الناشطين التي تستغلها كتابات غربية.

بعض تلك الدراسات والأبحاث أثبتت أن موقع مكة معجزة بالفعل، فيما ركزت أخرى على إثبات أنها المدينة الأصلح لأن تكون مركزا للتوقيت العالمي وليس مدينة غرينيتش البريطانية، لتوسطها العالم.

العالم الفلكي الطبوغرافي المصري، أستاذ المساحة بجامعة القاهرة، الدكتور حسين كمال الدين، كان أول من نشر بحثا عام 1975، أشار فيه لتوسط مكة لليابسة.

قال: إن مكة المكرمة ينطبق فيها خط الشمال المغناطيسي مع خط الشمال الحقيقي (الجغرافي) ولا يتوفر ذلك في مكان آخر غير مكة المكرمة.

دراسات أخرى أحالت هذه المعلومة حول مركزية مكة للعالم إلى الدكتور روبرت كولمان، من جامعة ستانفورد في أميركا عام 2011.

أوضحت أن كولمان درس مركز جذب الأرض والتقاء الإشعاعات الكونية للجاذبية على سطح الأرض فوجدها تلتقي في نقطة على سطح الأرض تمثل مركز جذب الأرض.

وعندما أراد معرفة الموقع الجغرافي لهذه المنطقة وجد أنها مكة المكرمة، لذا اعتبر أم القرى مركز القارات السبع اليابسة، ونقطة التقاء وتجمع الأشعة التجاذبية المغناطيسية. 

مركزية مكة

لكن دراسة نشرها الباحث العلمي بـ"مركز الفلك العالمي"، "عز الدين كزابر" أوضحت حقيقة ما قاله بحث الدكتور حسين كمال حول مركزية مكة لليابسة.

وأكد أن بحث كمال، كان بشأن إعداد خريطة تساعد على تعيين اتجاه القبلة من أي مكان بالعالم. 

وأوضح أن الدكتور كمال، رسم دائرة مركزها مكة المكرمة تحيط بقارات العالم، ليؤكد أنها مركز اليابسة، ولم يجر قياسا لنصف قطر الدائرة التي رسمها، ولم يثبت أنها تمر بحواف القارات ما يعني أن مكة ليست مركز العالم حرفيا بالجغرافيا، لكن موقعها وسطي معجزة بين العالم.

أشار إلى أن الدكتور كمال، كان يسعى لتحقيق دقة الاتجاهات ناحية موقع بعينه هو مكة المكرمة، وأنه اختار نوع الإسقاط الذي يحقق ذلك، لذا جاءت خريطته صحيحة لغرضها بتعيين اتجاه مكة لأي مكان في العالم يمكن تعيينه على الخريطة الورقية.

ويرى أنه من هنا أخذ البعض حديث كمال، وزاد فيه وتحدث عن معلومة ليست صحيحة.

وذكر الدكتور حسين كمال الدين في دراسته "إسقاط الكرة الأرضية بالنسبة لمكة المكرمة وتعيين اتجاه القبلة"، أنه "لاحظ" تمركز مكة المكرمة في قلب دائرة تمر بأطراف جميع القارات.

أي أن اليابسة على سطح الكرة الأرضية موزعة حول مكة المكرمة توزيعا منتظما‏، وأن هذه المدينة المقدسة تعتبر بالتالي مركزا لليابسة‏.

وحرص في بحثه على القول إنه "لاحظ أن المدينة المقدسة تعتبر مركزا لليابسة"، ولم يقل إنه أثبت أو استنتج.

كما لجأ إلى الدقة في مقدمة بحثه بقوله: "لاحظنا عندما رسمنا دائرة مركزها مدينة مكة المكرمة، وحدودها خارج القارات الأرضية السبع، أن محيط هذه الدائرة يكاد يدور مع حدود القارات الخارجية".

وتحدث عن أن مكة المكرمة مركز لدائرة تمر بأطراف "حدودها خارج القارات، وأن محيط الدائرة يكاد يدور مع حدود القارات"، وهناك فرق كبير بين وقوع الدائرة على حواف القارات ووقوعها خارج القارات.

معنى هذا: أن بحث الدكتور حسين كمال تحدث عن "مركزية" لمكة تتعلق باقتراب أبعد نقطة في اليابسة عنها، لكن ليس بالمسطرة.

تشير المسافات الحقيقية باستخدام برنامج "جوجل إيرث" Google Earth بين مكة المكرمة وبين أبعد نقاط على اليابسة في القارات المختلفة لأن المسافة من أقصى شرق سيبيريا إلى مكة المكرمة تساوي 10,070 كم.

ومن ساحل أستراليا الشرقي إلى مكة المكرمة تعادل 13,360 كم، ومن الساحل الشرقي لنورث أيلاند (نيوزيلاندا) إلى مكة المكرمة قرابة 15,660 كم.

أما من أقصى غرب ألاسكا في أميركا الشمالية إلى مكة المكرمة فتساوي 11,260 كم، ومن ساحل المكسيك الغربي وراء خليج كاليفورنيا إلى مكة المكرمة تعادل 14,100 كم.

وأخيرا المسافة من أقصى جنوب غرب أميركا الجنوبية إلى مكة المكرمة تقدر بـ 13,600 كم، ومن أبعد حواف قارة أنتاركتيكا إلى مكة المكرمة قرابة 14,130 كم.

أي أن المسافات الحقيقية بين المركز (مكة) والأطراف ليست متساوية، لكن يسمى الإسقاط الذي أجراه الدكتور حسين كمال الدين، وفق المتخصصين في علم الخرائط، بـ "الإسقاط السمتي متساوي المسافات".

في هذا الإسقاط تكون كل المسافات والاتجاهات صحيحة تماما إذا قيست من مركز الإسقاط إلى أي موضع آخر في خطوط مستقيمة، أما المسافات المقاسة خلاف ذلك فهي غير صحيحة.

هذه النتيجة معناها وسطية مكة للعالم نسبيا، وعدم ترجيح أخذ مركزية مكة المكرمة "مركزية حرفية" كمركز دائرة ما إلى محيطها الدائري، وإنما "مركزية متوسطية".

موقعها معجزة

ويعني هذا علميا: أن الكعبة لا تقع في مركز سطح الكرة الأرضية أو في موقع متوسط لليابسة، لكن موقعها مع ذلك معجزة؛ لتوافقه مع ما يطلق عليه "النسبة الذهبية".

وهي رقم خاص نحصل عليه عبر تقسيم خط إلى قسمين، بحيث يكون ناتج قسمة طول الجزء الكبير على الجزء الصغير مساويا لناتج قسمة طول الخط كله على طول الجزء الكبير. 

وسبق أن أجرى موقع سكاي نيوز عربية 17 فبراير/ شباط 2017، تجربة باستخدام تطبيق جوجل إيرث أظهر قياس المسافة بين الكعبة والقطب الجنوبي، وتبلغ 12361.17 كيلومترا.

ثم قيست المسافة بين الكعبة والقطب الشمالي، لتبلغ 7639.50 كيلومترا، وعند تقسيم الرقم الأول على الثاني تكون النتيجة 1.618 وهي تماما النسبة الذهبية.

أما المركز الجغرافي الحقيقي للأرض، أو ما يسمى بالمركز الهندسي لكل اليابسة على سطح الأرض فوفقا للقياسات الجغرافية العلمية، فهو مدينة "تشوروم" التركية الواقعة في منتصف هضبة الأناضول، وفقا لدراسات علمية وخرائط جوجل.

سبب منع الطائرات

التفسير يتلخص في أن الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، تتخذ عددا من الاحتياطات لحماية الكعبة وعدم إزعاج مرتاديها من المسلمين.

لذلك منعت تحليق الطائرات فوق الكعبة تقديسا واحتراما لها، ولذا لا توجد أي خطوط للمجال الجوي فوق الكعبة، ولا يوجد مطار داخل مكة المكرمة من الأساس.

الطيار السعودي حسن الغامدي، يشرح ذلك في فيديو توضيحي، مؤكدا أن مكة "منطقة جبلية"، وتحليق الطائرات فوقها يسبب إزعاجا وتشويشا لمن يؤدون مناسك العمرة أو الحج.

أحد الأسباب الأخرى لمنع مرور الطائرات هو أن الحرم المكي مخصص فقط للمسلمين، والطائرات التي تدخل المجال الجوي من الممكن أن تحمل أشخاصا لهم ديانات أخرى.

وفند "الغامدي" الأسباب التي تقول إن هناك مجالا مغناطيسا فوق مكة المكرمة يمنع تحليق الطائرات من التحليق، أو وجود فجوات هوائية تشكل خللا في طبقات الجو تمنع مرور الطائرات.