صحيفة إسبانية: ولع السيسي ببناء السجون دليل على قمعه الواسع للمصريين

قسم الترجمة | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بدلا من توفير السلطات المصرية الأمن لمواطنيها والغذاء للفقراء والصحة للمرضى والتعليم للطلاب وحل أزماتها الخارجية؛ أصبح حتما عليها بناء أكبر عدد من السجون لاستيعاب حمى الاعتقالات السياسية التي تطال معارضي النظام الحاكم.

تقرير لصحيفة إسبانية سلط الضوء على التوسع الكبير في بناء السجون المصرية خلال السنوات الـ10 الماضية، وخاصة خلال حكم رئيس النظام الحالي عبدالفتاح السيسي، لافتة إلى أن هذا يثير قلق منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية. 

ويقبع في السجون المصرية منذ الانقلاب العسكري في مصر منتصف العام 2013، أكثر من 60 ألف معتقل سياسي معظمهم من أبناء أو أنصار جماعة الإخوان المسلمين ومعارضي السيسي، وفق منظمات حقوقية.

وتفرض سلطات أمن السجون سياسات قمعية مشددة بحق المعتقلين، وتحرمهم من كثير من حقوقهم القانونية بينها الزيارة وتلقي العلاج، ما تسبب في وفاة المئات بفعل تمكن الأمراض المزمنة منهم وبتأثير انتشار جائحة "كورونا".

حمى بناء السجون

الكاتب الإسباني "مارك إسبانيول، كتب في صحيفة "الباييس"، عن الملف المثير للجدل لافتا إلى أن وزير الداخلية المصري، محمود توفيق، قرر إنشاء 8 سجون مركزية جديدة في البلاد.

وعبر 4 قرارات نشرت 30 تموز/ يونيو 2021، في الجريدة الرسمية، أعلن بناء سجنين مركزيين جديدين، لاستيعاب الزيادة المطردة في أعداد المسجونين السياسيين بالبلاد؛ إذ إنه وقبل 20 يوما فقط، وقع توفيق، مرسوما مماثلا.

ومنذ كانون الثاني/ يناير 2021، أصدر وزير الداخلية المصري أمرا ببناء 6 سجون مركزية أخرى.

الصحيفة، قالت: إن مستقبل هذه السجون لا يزال غير مؤكد، إلا أن حمى بناء سجون جديدة والاندفاع نحو إصدار قرارات بنائها يوضح التوسع الذي شهده نظام السجون المصرية باهظ الثمن، خلال العقد الأول من القرن الـ21. 

دراسة نشرت خلال أبريل/ نيسان 2021، أجرتها الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، رصدت تضاعف عدد السجون الرئيسة المصرية من 43 إلى 78 سجنا، وهي إحصائية لا تشمل السجون التي أعلن عن بنائها أخيرا.

"الزيادة الحادة في عدد السجون الكبيرة أثارت قلق منظمات حقوق الإنسان"، إذ ترى الصحيفة الإسبانية في ذلك انعكاسا للزيادة المقلقة في عدد المعتقلين والسجناء.

في هذا المعنى، يقول "المدير التنفيذي للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان"، جمال عيد: "إن عدد السجون التي جرى بناؤها، بـ10 سنوات، هائل بالنسبة لأي دولة".
ونوهت الصحيفة بأن معرفة عدد السجون الموجودة في مصر بشكل دقيق أمر غير ممكن، بسبب السرية التي يتعامل بها نظام السيسي مع كل ما يتعلق بنظام السجون.

اكتشاف وجود بعض السجون، خلال السنوات الـ10 الماضية، جرى بعد انتشار أخبار الاحتجاجات داخلها، ومن خلال التجربة الخاصة للسجناء الذين مروا عبر هذه السجون. 

ونقلت الصحيفة عن الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، تقديرها لعدد سجون مصر قبل ثورة 2011، بـ43 سجنا رئيسا بكل البلاد.

ومنذ ذلك الحين، قررت السلطات المصرية إنشاء 35 سجنا، ليرتفع العدد الإجمالي إلى 78، سجنا، لكن النظام أدرج 44 سجنا فقط على موقع وزارة الداخلية، تتوافق معطياتها بشكل أساسي مع السجون التي كانت قائمة ما قبل عام 2011.

معدل الاعتقالات

مدير المفوضية المصرية للحقوق والحريات، محمد لطفي، قال لـ"الباييس"، إن هذا "الاتجاه يكشف أن معدل الاعتقالات، السياسية والجنائية على حد سواء، أعلى مما كان عليه قبل بضع سنوات".

"ويعكس ذلك أن هناك فائضا في عدد المحتجزين في أقسام الشرطة، والتي بلغت طاقة استيعابها أقصاها"، وفق لطفي.

ويضيف: "لذلك، وفقا للمعايير الرسمية، بدلا من تقليص عدد الاعتقالات، أصبح من الضروري بناء سجون جديدة". 

مبرر رسمي

وذكرت الصحيفة أن التوسع في نظام السجون له ما يبرره، رسميا، ومن هنا تبرز حجة  الحاجة إلى تحسين حالة السجون والزيادة السكانية القوية في مصر.
وعلى حد تعبير عضو المجلس الوطني لحقوق الإنسان، (حكومي) ياسر عبد  "مصر بلد يزيد عدد سكانها عن 100 مليون نسمة لذلك، من المتوقع أن يكون هناك ضغط لاستيعاب عدد السجناء".

 ويواصل: "إن مصلحة السجون تبذل جهودا كبيرة في هذا الصدد، ونحن نراقب السجون ونزورها بشكل دوري".

ويضيف أن "إنشاء سجون جديدة يمثل خطوة إيجابية لتفعيل إرادة الدولة لتحسين أوضاع السجون". 

وكشفت الصحيفة أن التفاصيل في هذا السياق تحيل إلى حقيقة أكثر تعقيدا، بصرف النظر عن انعدام الشفافية، فإن التلاعب بالأرقام يعود أيضا إلى أنواع السجون الموجودة في مصر. 

قانون السجون المصري يشمل  4 فئات هي: السجون العامة والإصلاحيات التي تخضع لإدارة السجون التابعة لوزارة الداخلية؛ والخاصة التي تنشأ بموجب مرسوم جمهوري؛ والمراكز التابعة لمديريات أمن الوزارة.

وهناك أماكن أخرى لاحتجاز المدنيين، يجري عدها بشكل منفصل، مثل السجون العسكرية أو مراكز الشرطة أو أقسام الشرطة ومعسكرات قوات الأمن.

لماذا السجون المركزية؟

وأوضحت الصحيفة أن من بين جميع السجون التي أمر بإنشائها منذ عام 2011، وفقا للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، فإن الغالبية العظمى منها هي سجون مركزية، وهي تلك التي شهدت التغيير الأكبر. 

يشير عيد، إلى أنه قبل الثورة، كان هناك عدد قليل جدا من السجون المركزية التي يمكن أن تستوعب مئات الأشخاص، نظرا لأنها مصممة من الناحية القانونية لأولئك الذين يقضون أحكاما مخففة، وللأشخاص في فترة الإيقاف التحفظي. 

لكن في الوقت الراهن، بدأ إنشاء سجون مركزية كبيرة، بعضها يتسع لآلاف الأشخاص، ويصعب الإشراف عليها لأنها لا تعتمد في العادة على إدارة السجون.

وعموما، فإن هذه السجون المركزية الكبيرة هي من بين السجون 78 التي أحصتها الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان.

محامي حقوق الإنسان يعتبر أن الرهان على السجون المركزية يفسر بأن هذا النوع من المؤسسات أقل تكلفة وأسرع في الإنشاء وأماكن احتجاز أكثر أمانا مقارنة بمراكز الشرطة، التي تعرضت في عام 2011 للهجوم بأعداد هائلة. 

ويرجح أيضا أن هذا الاتجاه يعود إلى حقيقة أن هذه السجون يمكنها إيواء المحتجزين من مختلف أقسام الشرطة، مما يسمح بنقل النزلاء وتوزيعهم في جميع أنحاء البلاد، فضلا عن الاستخدام واسع النطاق للإيقاف التحفظي.

وفي ظل نظام هذا النوع من السجون، يقدر اليوم أن الآلاف من المسجونين والمعتقلين لا يزالون حتى اليوم قيد الإيقاف التحفظي. 

ونقلت الصحيفة عن عيد، أن "الحبس الاحتياطي يفترض أن يكون بسيطا، ولكن بما أنه لم يعد كذلك، والعدد في ازدياد، بدأ التوسع في السجون". 

معاناة رغم التوسع

وأوضحت الصحيفة أن توسع شبكة السجون المصرية لم يترجم إلى ظروف أفضل للسجناء، خاصة السياسيين منهم، بحسب جماعات حقوق الإنسان.

وتشير منظمات مثل الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان إلى أنه في الواقع، لا يوجد في مصر عدد كبير من الأشخاص المسجونين لأسباب غير سياسية.

ويقول عيد، إن "عدد السجناء ليس هائلا، على عكس عدد السجناء السياسيين، الذي يعتبر ضخما، كما يفوق عددهم عدد المجرمين". 

ونقلت الصحيفة عن الخبيرة القانونية في معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط، ومقره واشنطن، ياسمين عمر، قولها: إن "الزيادة في عدد السكان تتطلب أيضا بناء المزيد من المستشفيات والمدارس".

وتواصل: "لكننا نرى أن أولوية الحكومة تتمثل في بناء السجون، وهذا دليل على مستوى القمع في مصر".