صحيفتان فرنسيتان: هل تجهض السعودية والإمارات ثورتي الجزائر والسودان؟

12

طباعة

مشاركة

تناولت وسائل إعلام ناطقة باللغة الفرنسية، الأحداث في الجزائر والسودان في ظل استمرار الحراك الشعبي الذي أطاح بزعيمي البلدين، في أبريل/نيسان الجاري، متوقعة سيناريوهات عدة قد ترسمها الاحتجاجات الحالية التي أطلق عليها الفصل الثاني من "الربيع العربي".

بينما تشير الأحداث في الجزائر والسودان إلى أن تطلعات التغيير لا تزال قوية للغاية في منطقة الشرق الأوسط يرى الباحث الفرنسي في العلوم السياسية والمختص في المنطقة سيبستيان بوسوا أنه من غير المرجح أن يتم إضفاء الطابع الديمقراطي قريبا على منطقة فريسة للتدخل الخارجي.

طريق طويل

ونشرت صحيفة "لوموند أراب" مقالا للباحث الفرنسي في العلوم السياسية والمختص في المنطقة سيبستيان بوسوا، قال فيه إن "التدقيق فيما يجري منذ عدة أسابيع، في العالم الإسلامي بالشرق الأوسط، من مصر إلى الجزائر عبورا بالسودان، يخالف توقعات من يمكنه التنبؤ حول فرص تحقيق الديمقراطية في هذه المنطقة التي تواجه صعوبات كبيرة".

وأضاف: أنه في بداية ما أطلق عليه، بشكل خاطئ، "الربيع العربي"، في 2011، تنبأت رياح الأمل والحرية التي اجتاحت تونس والمغرب وليبيا وسوريا واليمن مصر، على وجه الخصوص، بحدوث الأفضل.

وأشار بورسوا إلى أنه خلال هذه الفترة تأكدنا أن المسار الثوري سيكون طويلا ومرصوفا بالنوايا السيئة، رغم أن تونس هذا المختبر المحلي والبلد الذي بدأ انتقاله الديمقراطي في ذلك الوقت، كان يُعتقد أنه سينشر إلهامه وشجاعته في المنطقة.

وتابع: "اليوم، بعد ثماني سنوات، أصبح من الواضح أنه حتى في تونس، وهي تقترب من انتخاباتها الرئاسية، لا زال الطريق أمامها طويل"، مبينا "بالتأكيد، ظهر دستور جديد بفضل قوة وفعالية المجتمع المدني، لكن الأزمة الاقتصادية التي أشعلت الثورة أصبحت أكثر ترسخا من أي وقت مضى. يبقى الحزب الأول في البلاد هو حزب النهضة الإسلامي المرتبط بالإخوان المسلمين".

وتساءل بوسوا: ماذا عن الدول الأخرى؟، مجيبا "بدأ البعض افتتاحا خجولا، على غرار المغرب في عام 2011. فيما غرقت بلدان أخرى في الحرب والدمار، مثل ليبيا وسوريا أو اليمن، بينما رأى آخرون أن آمالهم الديمقراطية قد تلاشت كالبحرين ومصر.

وأكد أنه نظرا لما سبق، فإن الفصل الثاني من "الربيع العربي"، في الجزائر والسودان ومصر، ممكن أن تترك التائه في أحلامه والمبتدئ في الجغرافيا السياسية مليء بالتفاؤل. لكن ولسوء الحظ، من غير المرجح أن يتم إضفاء الطابع الديمقراطي على منطقة، في قبضة التأثيرات الخارجية والتدخل، في أي وقت قريب، خاصة إذا كان الناس لا تتفاعل في الوقت المناسب وهو ما يحاول الجزائريون فعله.

الهدف الظلامي

في السودان، استبدل الرئيس عمر البشير برئيس الأركان، في مصر، تنحى نظيره حسني مبارك، منذ فترة طويلة، ولكنه أفسح المجال إلى العسكري عبد الفتاح السيسي الذي ينتهك الدستور بشكل مسيء. أما في الجزائر، لم يمر وقت طويل حتى استولى رئيس الأركان، أحمد قايد صالح، على السلطة، بعد استقالة عبد العزيز بوتفليقة، فيما أصبح رئيس مجلس الأمة الجزائري، عبد القادر بن صالح رئيسا مؤقتا.

وبيّن الباحث الفرنسي، أن كل هذه القوى القوية مدعومة من السعودية والإمارات، حيث يحاول هذان البلدان هزيمة "أعدائها التاريخيين" والمتمثل في جماعة الإخوان المسلمون، لذلك هم على استعداد لفعل أي شيء لتجنب الاقتراع المحفوف بالمخاطر، والذي قد يشهد عودة الإسلاميين إلى السلطة في هذه البلدان.

ورأى أنه في الوقت الحاضر، يمكن للمرء أن يستمر في الإيمان بـ "ربيع الشعوب" ومبدأ تقرير المصير في العالم العربي والإسلامي. ويمكن للمرء أيضا أن يشجب بعنف ما يسعى بعض قادة المنطقة إلى القيام به على الرغم من الإرادة الشعبية.

وأوضح الباحث الفرنسي، أن مشروع السعوديين والإماراتيين ليس أكثر من تثبيت قائد عسكري جديد في المنطقة، لقد توصلوا إلى مصر، وما زالوا يأملون في حدوث نفس الأمر باليمن، دعمهم للجيوش المحلية وقادتها هو أكبر عقبة أمام إنشاء أنظمة انتقالية ديمقراطية بهذه البلدان.

وخلص بوسوا إلى أن الرؤية المتجذرة للاستقرار الإقليمي من خلال القوة المسلحة ليست جديدة على هذه الأنظمة. الجزائر تقف في الوقت الحالي تقاوم بشكل جيد قايد صالح، متسائلا لكن إلى متى؟ ما هو الثقل الموازن أو القوة المضادة، إن لم تكن قوة الشعب، التي ستقوض نهائيا خطة الرياض وأبو ظبي الظلامية للمغرب العربي والشرق الأوسط؟

كما أنه، بحسب الباحث الفرنسي، فإنه من 2019 وحتى 2021، ستجرى انتخابات حاسمة للمنطقة، في الجزائر وتونس والمغرب، وغيرها، ماذا عن الدول التي ليس لديها حتى انتخابات تلوح في الأفق؟

الربيع لم يمت

من جهتها رأت، صحيفة "لوريون لو جور" اللبنانية الناطقة بالفرنسية، أن "الربيع العربي" لم يمت، لكنه دفن من قِبل جميع الذين لا يريدون التغيير، وأن الأحداث الأخيرة في الجزائر والسودان، حيث تغلبت الاحتجاجات الجماهيرية الضخمة والسلمية على الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ونظيره السوداني عمر البشير، وأثبتت أن الثورة ما زالت مستمرة في العالم العربي.

وقال محمد محمود ولد محمدو، أستاذ التاريخ الدولي في معهد الدراسات العليا في جنيف، إن "الثورتان السودانية والجزائرية في مأزق سياسي بهذه البلدان، وأيضا لوقت طويل ضمن قضية التحول الديمقراطي بالعالم العربي".

وأكدت الصحيفة أنه مع ذلك، فإن الثورة المضادة لم تُستبعد، إذ يعد التعديل الدستوري الذي سمح بتمديد رئاسة عبد الفتاح السيسي في مصر، علامة أخرى على تصميمهم على التمسك بالسلطة لأطول فترة ممكنة، متجاهلين وبالتالي تماما التطلعات الشعبية التي تحدت النظام القائم في السنوات الأخيرة.

ولفتت إلى أنه "سرعان ما شوهت صورة الربيع العربي وكان ينظر إليه سلبيا من 2012 إلى 2013، وارتبط بزعزعة الاستقرار والحرب، ووصول الإسلاميين إلى السلطة وصعود المسلحين، فكل الشرور التي مر بها العالم العربي مؤخرا نسبت إليه، وتم بسرعة تناسي تركة عقود الاستبداد".

ورغم ذلك يرى يحلل محمد محمود ولد محمدو، أن الضغط الاستبدادي الجديد لن يؤدي إلا إلى تأجيل هذا اللقاء الذي لا مفر منه لمسألة دولة عربية نموذجية.

ورأى أن "إعادة بناء معادلة الدولة - المجتمع هي عملية شاقة بدأت في الثمانينيات وتحدث بالفعل على مدى جيلين، وعودة نظام السيسي بعد نظام مبارك في مصر لن يمنع إمكانية الفصل الثاني من مظاهرات التحرير، تماما كما يجب أن لا يعمينا طغيان محمد بن سلمان عن طاقة المشهد الاجتماعي- السياسي في السعودية".

وأشارت الصحيفة إلى مقابلة أجرتها مع الكاتب المصري علاء الأسواني، الذي تم حظر كتبه في مصر، صرح فيها، أن "الثوار يملكون وسيلتين فقط تحت تصرفهم: الأحلام والشجاعة، في حين أن النظام القديم معه كل شيء، الجيش، الشرطة، الإعلام، ورجال الأعمال وسوف يفوز في البداية".

وأضاف الأسواني: "لكن في مرحلة ما من المستحيل أن تستمر الثورة المضادة، لسبب بسيط للغاية، وهو أن عُمْر الثوريين، الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و 30 عاما، وعُمْر معسكر المعارضة الذي يقترب من 60-70 سنة، وفي غضون عشرة أو خمسة عشر عاما سيختفون".