وسط مطالبات رحيل رئيس السلطة الفلسطينية.. لماذا زار سلام فياض غزة؟

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مخاوف إسرائيلية وأميركية ومن بعض الدول الخليجية، من إمكانية خلو منصب الرئيس الفلسطيني محمود عباس الطاعن في السن، لا سيما مع ارتفاع أسهم حركة المقاومة الإسلامية "حماس" إثر عملية "سيف القدس"، تدفع تل أبيب وواشنطن، للبحث عن بديل يضمن لهما تقزيم المقاومة.

وبالتزامن مع رفع المتظاهرين الفلسطينيين في رام الله لافتات "ارحل يا عباس"، خلال ثورة الغضب على قتل أمن السلطة الناشط نزار بنات، زار رئيس الوزراء الفلسطيني السابق سلام فياض، قطاع غزة.

مصادر فلسطينية وإسرائيلية، قالت إن "فياض زار غزة لجس النبض، ليحل محل الرئيس محمود عباس، الذي يلفظ حكمه أنفاسه الأخيرة لعدة أسباب؛ بينها كبر سنه، (85 عاما)، وثورة الشعب عليه، وتخوف أميركا وإسرائيل من استفادة حركة (المقاومة الإسلامية) حماس من ذلك".

وكالة "غزة الآن" نقلت عن مصادر لم تسمها، أن "فياض زار غزة بقرار من الإدارتين الأميركية والإسرائيلية لجس نبض الفصائل الفلسطينية، بأن يكون الرئيس القادم بدلا من عباس.

المصادر، كشفت يوم 4 يوليو/ تموز 2021، أن زعيم حماس في غزة يحيي السنوار، رفض لقاء فياض، بسبب مشاركته في حصار غزة خلال رئاسته الحكومة الفلسطينية سابقا.

فياض، (70 عاما)، عينه عباس، رئيسا للوزراء في حكومة الطوارئ التي تم تشكيلها يونيو/ حزيران 2007، عقب سيطرة حماس على قطاع غزة، وظل في منصبه  6سنوات، حتى يونيو/ حزيران 2013.

لماذا زار غزة؟

هناك ثلاث روايات تفسر الزيارة، الأولى: تبنتها مصادر من حماس، تؤكد أنه حضر لجس النبض بشأن احتمالات حلوله كثالث رئيس للسلطة الفلسطينية بعد الراحل ياسر عرفات، وعباس.

الرواية الثانية تبنتها مصادر إسرائيلية، تزعم أنه ذهب ليدرس أوضاع غزة، ويلتقي قيادات المقاومة تمهيدا للعب دور في إعمار غزة، كرئيس وزراء جديد.

وتدلل تلك الرواية على صدق حديثه بأنه وقبل توجهه إلى غزة التقى الرئيس عباس، لكن لم يعلن عن عرض أبومازن، عليه منصب رئيس الوزراء.

المصادر الإسرائيلية، قالت: هناك توجه لتشكيل حكومة فلسطينية جديدة يكون من مهامها إعادة إعمار غزة، والتهيئة للانتخابات المجمدة، وفياض ذهب لهذا الغرض، لكن لم يعلن أي شيء رسمي عن ذلك.

الرواية الثالثة، تبنتها مصادر موالية للسلطة الفلسطينية، زاعمة أن فياض، زار غزة للقاء أنصاره ومؤيديه من قائمة "معا قادرون" الانتخابية.

مسؤول فلسطيني، زعم لـ "جيروزاليم بوست" العبرية، 4 يوليو/ تموز 2021 أن فياض، "توجه إلى القطاع للقاء أعضاء من قائمته الانتخابية"، معتبرا أنه "أمر غريب، إذ كيف يذهب لغزة للتنسيق لانتخابات ألغاها عباس؟".

وأضاف أن زيارة فياض، "ليست مرتبطة بأية خطط لتشكيل حكومة جديدة"،متسائلا: "هل ذهب لجس نبض توليه الرئاسة بدلا من أبومازن؟".

فياض، انحاز للشارع الفلسطيني الغاضب من قتل أمن سلطة عباس، الناشط نزار بنات، وكتب عبر "فيسبوك"، منتقدا منع الفلسطينيين من "حق إبداء رأيهم"، وداعيا إلى "تغيير النهج"، ربما ليزيد أسهمه في الشارع، وفق مراقبين.

رجل أميركا ودايتون

هذا التوجه دفع مصادر فلسطينية، لتأكيد أنه يسعى لمنصب رئيس السلطة الفلسطينية، بدعم أميركي وإسرائيلي، وباعتباره "رجل أميركا"، كما يسميه بعض النشطاء الفلسطينيين.

تلك المصادر التي فضلت عدم ذكر اسمها، قالت لـ"الاستقلال": إنه ليس هناك هدف للزيارة سوى "التمهيد للعب دور ما، وغالبا رئاسة السلطة الفلسطينية".

وأكدت احتمال أن يبدأ فياض، بتولي رئاسة الحكومة الفلسطينية، بطلب أميركي، ثم القفز على رئاسة السلطة.


أحد تلك المصادر مسؤول بالمكتب السياسي لإحدى الحركات الفلسطينية بغزة، قال لـ "الاستقلال": إن فياض "حضر ليعرض نفسه ويسوقها كرئيس للحكومة"، وأن هذا قد يكون مدخله لرئاسة السلطة لاحقا.

وأوضح أن فياض حمل معه لغزة مبادرة سياسية بتشكيل حكومة كفاءات تتولى مسؤولية إعادة إعمار القطاع، وإنهاء حالة الانقسام، لكن الفصائل تتفهم أنها مبادرة أميركية إسرائيلية.

ونبه إلى أن "فياض" هو رجل أميركا، والرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش، من ضغط لتعيينه رئيسا للوزراء عام 2007.

أوضح أن فياض لعب دورا حيويا في هندسة "التعاون الأمني" بين السلطة والاحتلال الذي يشكو منه الفلسطينيون الآن.

وتابع: في عهده وبدعمه تولي الجنرال الأميركي كيث دايتون، تدريب أجهزة أمن السلطة في الضفة الغربية على التنسيق والتعاون الأمني مع إسرائيل.

وألمح إلى أنه لدى السلطة الفلسطينية سبع كتائب عسكرية في الضفة الغربية باسم "كتائب دايتون".

إفلاس السلطة

حين كان "نفتالي بينت"، رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي، وزيرا للتعليم في حكومة بنيامين نتنياهو، عام 2018، قال: إن حكم رئيس السلطة الفلسطينية عباس، يلفظ أنفاسه الأخيرة، وإسرائيل تفكر في عهد ما بعد أبو مازن.

صحة الرئيس الحالي، ليست على ما يرام، ودخل المستشفى عدة مرات آخرها في يناير/ كانون الثاني 2020، وجاءت انتفاضة الشعب الأخيرة ضده ومطالبته بالرحيل إثر قتل الناشط نزار بنات، لتزيد من الضغط لرحيل "عباس".

اتهامات الفلسطينيين له بـ"العمالة للاحتلال"، وخروج ما يشبه "الربيع الفلسطيني" ضده هذه المرة بسبب يعتبره البعض "دعم الاحتلال" في قتل الفلسطينيين، وما يصفونه بـ"تواطؤ شرطته" مع الاحتلال، وهو ما يقلق أميركا وإسرائيل بشدة، وفق مراقبين.

ورغم مطالبة المستويات العسكرية والسياسية في دولة الاحتلال بالسعي لرفع أسهم عباس، وإعادته للحياة، ودعمه في الضفة الغربية، عقب حرب غزة الأخيرة خشية سيطرة حماس على الضفة، إلا أنهم يعترفون بضعفه، ويسعون لبديل قوي يدعمهم.

ما يزيد قلقهم هو إستراتيجية حماس الجديدة، بـ"تثوير" الضفة الغربية، ونقل الحرب ضد الاحتلال هناك، وانتخاب صالح العاروري 4 يوليو/ تموز 2021، رئيسا لحماس، هناك لتأجيج الثورة ضد عباس والسلطة الأمنية مع الاحتلال، حسب الرؤية الإسرائيلية.

اغتيال "بنات" لم يكن سوي المفجر، أو قمة جبل الثلج، لاحتقان وغضب متزايد في الضفة، ضد ما اعبره فلسطينيون "تواطؤ السلطة" مع الاحتلال أثناء حرب غزة، وصفقة لقاحات كورونا المنتهية الصلاحية.

كما أن صمت السلطة على الاقتحامات الإسرائيلية للقدس المحتلة ومقدساتها، وإذلال المرابطين المدافعين عنها، وإلغاء الانتخابات بعدما أظهرت الاستطلاعات سقوط عباس وحركة "فتح"، اعتبره فلسطينيون كذلك "دورا" للسلطة الفلسطينية كـ"مندوب" عن الاحتلال.

العرب وأمن إسرائيل

"لهذا تحركت أميركا وإسرائيل والسلطة الفلسطينية وعواصم خليجية للبحث عن بديل لعباس ووضع خطط من الآن لغيابه في ظل سعي حماس للسيطرة على الضفة"، حسب قول أستاذ علوم سياسية مصري.

الخبير المصري المتخصص في الشؤون الفلسطينية، والذي فضل عدم ذكر اسمه، قال لـ "الاستقلال": إن القلق على " أمن إسرائيل" بات للأسف يهم عواصم خليجية طبعت علاقتها مع الاحتلال لمكاسب اقتصادية.

وأضاف: "هذه العواصم يهمها الهدوء في الضفة لتقنع شعوبها أن تطبيعها جاء بالسلام لفلسطين"، موضحا: لهذا تدفع باتجاه إصلاحات شكلية في السلطة الفلسطينية وتضغط عليها أيضا.

صحيفة "هآرتس" العبرية، نوهت يوم 5 يوليو/ تموز 2021، إلى أن "إحدى إشارات هذا التغيير، عودة رئيس الحكومة الأسبق سلام فياض للساحة ولقائه برئيس السلطة محمود عباس، ورئيس المخابرات الفلسطينية.

وركزت الصحيفة، على سعي أميركا وإسرائيل والسلطة الفلسطينية لتبريد غضب الشارع الفلسطيني بأي تغييرات وإصلاحات، وربما التفكير في إجراء الانتخابات المجمدة.

وحذرت من "عدم الاستقرار وتدهور الأوضاع" في الضفة بما سينعكس على أمن إسرائيل، ويقوي سعي حماس، لتثبيت وجودها هناك.

وذكرت أن زيارة فياض، لغزة ما كانت تتم إلا بالتنسيق مع السلطة وإسرائيل، للقاء ممثلي الفصائل هناك ضمن خطط تشكيل حكومة موسعة تحصل على موافقة فتح وحماس لإعمار القطاع.

ماذا بعد عباس؟

حين اندلعت حرب غزة الأخيرة، نقلت وكالة الأنباء "الفرنسية" عن صحف عبرية يوم 14 مايو/ أيار 2021، أن "عباس هو الخاسر الأكبر في التصعيد بين إسرائيل وغزة".

وأن السبب يتلخص في أن حماس ظهرت كمدافع عن الشعب الفلسطيني في غزة والضفة والقدس، وجمعت الصوت الفلسطيني بجميع الأراضي المحتلة منذ عام 1948.

ونقلت الوكالة الفرنسية تحذير الجميع من سعي حماس لسحب البساط من تحت أقدام السلطة ورئيسها الذي يحتضر، والاستعداد لسيناريوهات بديلة لمواجهة ذلك.

قبل هذا كتب الجنرال الإسرائيلي، موشيه إلعاد، في "إسرائيل هيوم"، العبرية، 2 أغسطس/آب 2017 ، أن "سيناريوهات اليوم التالي لعباس هي الفوضى وعدم الهدوء".

وقال: "السيناريوهات في هذه الحالة أخطر؛ لأن أبومازن، آخر القادة الذين سيطروا بفضل الشخصية، الكاريزما، مثل عرفات باعتباره من القادة القدامى لفتح".

وأكد أن "الزعيم الفلسطيني القادم سيضطر إلى تبني الطرق الديمقراطية العربية الأخرى، وأن يحيط نفسه بجيش من الحراس والأجهزة الأمنية والاستخبارات في كل زاوية وكل شارع".

وقال: إنه لهذا السبب لا ينوي الإسرائيليون إطلاق سراح مروان البرغوثي، رغم أنه فقد مؤخرا الكثير من قوته، ويرون فرص محمد دحلان، قليلة لأن لديه الكثير من الأعداء، لذا يسعون لبديل قوي موال لأميركا وإسرائيل.

وأوضح أن مفتاح السيطرة على السلطة هو رئيس المخابرات الفلسطينية ماجد فرج، الذي يتمتع بعلاقة ممتازة مع الجهات الأمنية الإسرائيلية، ومحاربته حماس، تمنحه علامة مرتفعة، وقد يسأل نفسه لماذا لا أكون أنا (الرئيس)؟".

وينص النظام الأساسي للسلطة الفلسطينية على تولي رئيس المجلس التشريعي الرئاسة، في حال شغور منصب الرئيس لأي سبب كان، مدة شهرين، تجرى خلالها انتخابات رئاسية.

وطبق الفلسطينيون بنجاح هذه الآلية بعد وفاة الرئيس ياسر عرفات، لكنها لم تعد متاحة بعد حل المجلس التشريعي الذي كان آخر رئيس له قبل حله، عبد العزيز الدويك من قادة حركة حماس.