تخلى عن السيسي.. لماذا انتصر ماكرون لإثيوبيا على مصر في سد النهضة؟

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

رغم الزيارات المتبادلة بين رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، بين القاهرة وباريس، ومع أن القاهرة تشتري من فرنسا أسلحة بمبالغ مليارية، فإن ماكرون خذل السيسي في أشد اللحظات صعوبة في ملف "مياه النيل" الذي يهدد حياة 100 مليون مصري.

كان آخر اتصال بين السيسي وماكرون، بشأن أزمة سد النهضة الإثيوبي، في مارس/ آذار 2021، حينها قالت الرئاسة المصرية إنها تولي "أقصى درجات الاهتمام لتطورات ملف السد، في إطار الدفاع عن حقوقها التاريخية في مياه النيل"، فيما أبدى ماكرون، حينها تفهمه لوجهة النظر المصرية.

الدبلوماسية المصرية التي اعتمدت على عدد من القوى الخارجية منها فرنسا، كانت تأمل في حل ناجع للإشكالية الصعبة التي وصلت مع الوقت إلى طرق مسدودة، في ظل تحفز أديس أبابا، وإصرارها على إتمام مشروعها القومي الذي تطلق عليه "حلم القرن".

أما باريس، فمع الوقت أظهرت تجاهلا لاستنجاد القاهرة بها، مع إعلان مندوبها في الأمم المتحدة عدم معرفته بكمية المياه التي يجب أن تحصل عليها كل دولة، وأنه يجب العودة لطاولة المفاوضات، غير عابىء بعامل الوقت وطبيعة الأزمة المهددة لحياة أكثر من 100 مليون مصري. 

لا سيما وأن الشركات الفرنسية ساهمت في تشييد السد، فيما ترتبط باريس، وأديس أبابا، بعلاقات إستراتيجية بالغة الأهمية، لا يمكن إغفالها ضمن ملف الوساطات والمحادثات الدولية التي عقدت في المرحلة الماضية. 

تصريحات صادمة 

المندوب الفرنسي لدى الأمم المتحدة نيكولاس دي ريفيير، أدلى بتصريحات صادمة للرأي العام المصري، 1 يوليو/ تموز 2021، عندما قال بشأن أزمة سد النهضة: "لا أعتقد أن المجلس لديه الخبرة لتحديد كمية المياه التي يجب حصول كل دولة عليها، هذا الأمر يخرج عن نطاق مجلس الأمن وقدرته".

وأضاف ريفيير: "أن سد النهضة قضية بين إثيوبيا والسودان ومصر، ويجب استئناف المحادثات بينهم، وما يمكننا القيام به هو دعوة البلدان الثلاثة للعودة إلى طاولة المفاوضات". 

الرد الصادم من المندوب الفرنسي، جاء بعد طلب مصر عقد جلسة طارئة لـ"مجلس الأمن الدولي" بشأن تداعيات سد النهضة، وحذرت من نتائج المراوغة والإجراءات الأحادية الإثيوبية، ووصفت الوضع بأنه يشكل تهديدا وشيكا للسلم والأمن الدوليين، ويتطلب أن ينظر فيه المجلس على الفور.

الخارجية الإثيوبية، من جانبها، أعلنت استعدادها للاحتمالات كافة، وقالت: إن "خروج الجيش الإثيوبي، من إقليم تيغراي، يأتي لحماية السد من التهديدات الخارجية"، في إشارة لإنهاء الحرب الدائرة قبل 8 أشهر في إقليم تيغراي، الذي يرغب في الانفصال عن الحكومة المركزية في أديس أبابا، لحماية السد. 

وبناء عليه انتقد الإعلامي المصري، المقرب من النظام، مصطفى بكري، حديث السفير الفرنسي، معربا في برنامجه "حقائق وأسرار" المذاع بفضائية "صدى البلد"، 2 يوليو/ تموز 2021، عن دهشته.

وتساءل بكري، إن كان مجلس الأمن "عاجزا" فلماذا نلجأ له؟، وأضاف: لماذا تحركت المنظمة الأممية ضد العراق وسوريا وليبيا، ولم تتحرك لحل مشكلة سد النهضة؟، في إشارة إلى حجم الإحباط العام من التصريحات الفرنسية. 

ولكن طبيعة المشكلة تتجاوز مجرد تصريحات، إلى أبعاد أخرى تتعلق بالشراكة الفرنسية الإثيوبية، التي أدارت ظهرها لمصر، وتركتها في مواجهة خطر السد. 

الشركات الفرنسية

التغاضي الفرنسي عن التعنت الإثيوبي بحق مصر في أزمة سد النهضة، يفسر ما نشره موقع "ميديابارت" الاستقصائي الفرنسي، في 23 يناير/ كانون الثاني 2021، عن طبيعة  العلاقات الباريسية بالدولة الإفريقية،.

وعلى لسان الباحث الفرنسي رينيه ليفورت، أشار الموقع إلى الصداقة القوية التي تجمع ماكرون، ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، ولكنه أكد أن ما يعني فرنسا أولا المصالح التجارية في بلد ينظر إليه على أنه واعد اقتصاديا وإستراتيجيا بالقارة الإفريقية.

وذكر أن "الفرنسيين، يتموضعون بوضوح في القطاع الاقتصادي بإثيوبيا"، مشددا على أن "المصالح الاقتصادية الفرنسية مهمة ومتنامية هناك، نظرا إلى ضخامة حجم السوق الإثيوبية، التي تحاول باريس غزوه على جميع الأصعدة". 

ومنذ زار ماكرون، إثيوبيا، في مارس/ آذار 2019، انطلقت الشركات الفرنسية بشكل أوسع نحو السوق هناك، إذ إن ماكرون اصطحب معه وزير خارجيته جان إيف لودريان، وسبعة رؤساء شركات فرنسية كبرى، لتوقيع عدد كبير من الاتفاقيات الاقتصادية لجذب المستثمر الفرنسي لأديس أبابا.

وفيما يخص المشاركة الفرنسية في بناء وتدعيم سد النهضة تحديدا، فإن الشركات الفرنسية متمثلة في مجموعة "ألستوم" الفرنسية ساهمت بتقوية شبكة الكهرباء الإثيوبية وفي صنع التوربينات الخاصة بسد النهضة. 

وهو ما أكده السفير الفرنسي في أديس أبابا ريمي مارشو، في أكتوبر/ تشرين الثاني 2021، عندما قال: "تضاعف عدد الشركات الفرنسية في إثيوبيا خلال خمس سنوات، ونحن على استعداد للعمل معا لمزيد من الاستثمارات الفرنسية".

 

دعم عسكري

عندما انطلقت مباحثات آبي أحمد، وماكرون، في باريس ديسمبر/ كانون الأول 2018، نص البيان المشترك بين الطرفين على "أهمية الاستقرار والمسائل الأمنية في إثيوبيا ومنطقة القرن الإفريقي". 

لذلك وقع الجانبان "اتفاقية عسكرية" تشمل مساعدة إثيوبيا في بناء سلاح البحرية الإثيوبي، الذي انتهى من المؤسسة العسكرية الإثيوبية منذ استقلال إريتريا عن إثيوبيا عام 1994، لتصبح الأخيرة دولة حبيسة في القرن الإفريقي.

وفي عام 2019 أصدر معهد "جيوبوليتيكا فيوتشرز" الأميركي المتخصص في خدمات التنبؤ الجيوسياسي، تقريره عن تطور إثيوبيا عسكريا، وقال: "إنها ترغب في بناء أسطول بحري قوي، وتسعى لاستعادة مجدها القديم وبناء البحرية الإمبراطورية، وذلك ضمن خطتها السياسية". 

ومع سعي أديس أبابا، لإعادة تشغيل جهازها العسكري البحري، لمواجهة أخطار محتملة أهمها التصعيد بينها وبين القاهرة، بسبب أزمة سد النهضة، لم تجد إلا باريس لتزويدها بقطعها العسكرية، والاستثمار في هذا المجال، لتسد الطريق أمام الخطر المحدق. 

فرنسا، من جانبها رأت في المعاهدة الدفاعية مع إثيوبيا، ما يعزز من قدرتها على التغلغل أكثر في القرن الإفريقي، وشدد ماكرون، حينها على أنه ليس لفرنسا "ماض استعماري هناك"، وبالتالي يمكن النظر إلي أديس أبابا على أنها "الشريك الأفضل في أفريقيا". 

الجهود (الإثيوبية - الفرنسية) تكللت في 4 مايو/أيار 2021 بالنجاح، وحدثت تطورات واقعية بإعلان القوات البحرية الإثيوبية، عن إعادة تشكيل قوتها البحرية، ورفعت شعارها الجديد والوسام والزي الرسمي، خلال حفل أقيم في كلية الدفاع الجوي بمدينة "بيشوفتو".

وبهذا تمضي أديس أبابا، قدما محققة وعد آبي أحمد، في يونيو/ حزيران 2018، بإعادة بناء القدرات البحرية للجيش.

واقع جديد

الباحث المصري، بـ"المركز العربي الإفريقي للدراسات والبحوث" في القاهرة، هاني ضياء الدين، يقول: "عند قراءة الواقع الجديد للقارة الإفريقية بالعقد الأخير، سنجد أن هناك قوى صعدت بسرعة بالغة على الساحة، وأصبحت أكثر شأنا من ذي قبل، على رأسها إثيوبيا".

ويضيف لـ"الاستقلال"، أن "إثيوبيا قدمت الكثير للمجتمع الدولي والقوى العالمية لترسيخ وضعها ورسم ملامح مستقبلها"، ويلفت لـ"موقع إثيوبيا وسط شرق القارة، وقربها من القرن الإفريقي، وتحكمها اقتصاديا وسياسيا في تلك المنطقة، وخاصة دول إريتريا، وجنوب السودان، والصومال، وأوغندا، وكينيا، الذين يعتبرون بمثابة مداخل أفريقيا".

ويعتبر أن في ذلك "دلالة على مدى أهميتها للقوى المهيمنة على إفريقيا والاستعمار القديم، مثل فرنسا وإيطاليا وإنجلترا، وكذلك المتطلعة إلى لعب دور أشمل مثل الصين وروسيا، وجميعهم متحدون على أهمية أديس أبابا". 

ويعتقد أن "سد النهضة منذ سنوات أصبح واقعا، ولعبة الوقت لم تكن في صالح مصر، وهو عامل لعبت عليه إثيوبيا بـ(خبث) وذكاء شديد، وماطلت حتى أصبح من الصعب التراجع عن المشروع أو تقليل آثاره حاليا".

ويجزم بأنه "لن تستطيع فرنسا ولا غيرها التدخل حاليا، بعدما عجزت أميركا تحت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عن حل المعضلة". 

ويرى أن "تصريحات سفير فرنسا لدى الأمم المتحدة، دبلوماسية (لا تسمن ولا تغني من جوع)، أشبه ما تكون بتصريحات المجتمع الدولي تجاه القضية الفلسطينية عندما تواجه اعتداءا إسرائيليا، وفي النهاية المصالح تتحكم والكلمة للأقوى". 

ويشدد الباحث المصري على أن "فرنسا التي هي من رموز الاستعمار والإمبريالية داخل القارة، والتي تمتلك مناطق نفوذ في الوسط والغرب، تفوق دول العالم مجتمعة".

ويلمح، إلى أن "هناك 14 دولة إفريقية عملتها الأساسية تسمى (فرنك) على اسم العملة الفرنسية القديمة، لا يمكن أن تغامر بمصالحها وعلاقتها بإثيوبيا إحدى المفاتيح الرئيسة للقارة، بالإضافة إلى استثمارات باريس المرصودة هناك، وتحديدا في سد النهضة". 

ويستطرد: "اعتماد الدبلوماسية المصرية على الفرنسيين أو غيرهم في حل الأزمة، كان خطأ رئيسا، وكان يجب أن تتحرك مصر بشكل مختلف عبر سياسة تصعيد قصوى، تحفظ لها حقوقها في أخطر قضايا أمنها القومي".