عقاب يحيى.. سياسي سوري عاش في منفى حافظ ومات مطاردا من بشار

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد مسيرة طويلة في العمل السياسي استمرت لأكثر من نصف قرن، غيب الموت نائب رئيس "الائتلاف الوطني السوري" المعارض عقاب يحيى، في مدينة إسطنبول التركية، عن عمر ناهز 75 عاما، بعد صراع طويل مع مرض السرطان.

يحيى، أحد مؤسسي "الكتلة الديمقراطية السورية" أواخر العام 2011، وترأسها لسنوات عدة، إذ نشط في صفوف المعارضة بعد انطلاق "الثورة السورية" الشعبية ضد نظام بشار الأسد، وشارك في تأسيس "المجلس الوطني السوري" و"الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة".

مناضل كبير

لم يكن يحيى، كغيره من المعارضين، فهو صاحب تاريخ طويل من المعارضة السياسية يمتد إلى سبعينيات القرن الـ20، عندما وصلت عائلة الأسد إلى الحكم، إذ وصفه "الائتلاف" المعارض بأنه "مناضل كبير" تثمينا لدوره وتقديرا لمكانته بين صفوف المعارضة السورية.

بيان "الائتلاف" في 5 يوليو/ تموز 2021، قال إن "الراحل "شغل منصب نائب رئيس الائتلاف الوطني حتى ساعة وفاته، لكن حضوره على ساحة العمل والنشاط السياسي في سوريا يعود إلى أوائل السبعينيات".

ولفت إلى أن يحيى، عمل على إنشاء "التجمع الوطني الديمقراطي" بالعام 1976، لتفعيل العمل المعارض ضد نظام الأسد، كما تعرض للملاحقة لمدة طويلة من قبل مخابرات النظام، لينتقل إلى الجزائر أواخر ثمانينيات القرن الـ20، متابعا نشاطه عبر الكتابة السياسية والروائية، فيما دعم الثورة السورية منذ انطلاقتها على مختلف المستويات.

البيان أكد أن رحيل عقاب يحيى، "يترك فراغا كبيرا في قلوب كل من عرفه والتقى به؛ فشخصيته الهادئة وحكمته وقدرته على الإنصات ومن ثم جذب انتباه السامعين، ستظل نموذجا ومثالا جديرا بالتقدير والاحتذاء"، مشيرا إلى أن "يحيى رحل مخلفا آلاف المقالات والدراسات والكتب والقصص والروايات، منها ما نشر ومنها ما ينتظر النشر".

عام 2016، كتب عقاب يحيى، مقالا سياسيا بعنوان "هل ستبقى سوريا موحدة"، قال فيه: إنه "علينا الاعتراف بأن المسألة السورية التي دولت، ودخلت على خطها مجموعة أطراف متنازعة بمشاريعها، مع قابلية للتفاهم والمساومة، تتجاوز اليوم قصة الثورة ومصيرها".

واعتبر حينها أن الحلول السياسية بشتى ألوانها، تعمل على تحويل الثورة إلى مسألة نزاعات بين أطراف كبيرة، ودول عظمى مثل روسيا وأميركا، وتوزع النفوذ بين دول إقليمية وخارجية، بواقع غياب دور السوريين، معارضة ونظاما، في التأثير، والقرار، والمصير.

ويرى أنه، وعلى الرغم من عوامل الضعف والسلب، والتشتت وعدم وحدة الفصائل المسلحة المنتسبة إلى "الجيش الحر"، وعدم الوحدة بين السياسي والعسكري، فإن لدى الثورة السورية إمكانات كثيرة يمكن تنظيمها وتوظيفها في معركة الوجود، خاصة حين تعود إلى حواضنها الطبيعية.

واعتبر يحيى أن الشعب الذي يقدم أغلى التضحيات، مستعد للذهاب في المقاومة والصمود والتحمل حتى تحقيق الأهداف التي ثار لأجلها، مضيفا أن وحدة فصائل "الجيش الحر" اليوم مهمة ملحة، يجب إنجازها، كما أن تناغم السياسي والعسكري، وفق برنامج عمل موحد، أساس لمواجهة التحديات، والإسهام باعتباره شريكا فاعلا في الحل السياسي، أو سواه.

منفي مطارد

يحيى المولود في مدينة "السلمية" بريف محافظة حماة (وسط) عام 1946، حاصل على إجازة في الحقوق، وعرف عنه معارضته لنظام الأسد منذ تأسيسه عام 1970، على يد حافظ الأسد والد رئيس النظام الحالي بشار.

وكان يحيى مسؤولا عن تنظيم سري معارض لنظام الأسد، أسس تحت اسم "البعث الديمقراطي الاشتراكي العربي" عام 1971، وشارك في إنشاء "التجمع الوطني الديمقراطي" عام 1976.

المناضل السوري الراحل كان من المحسوبين على جناح، صلاح جديد، في حزب "البعث السوري" عند تشكيله بعد انتهاء الوحدة بين سوريا ومصر، التي خلفت وصول عائلة الأسد إلى الحكم لاحقا.

صلاح جديد، قائد عسكري سوري وأحد قياديي حزب "البعث العربي الاشتراكي" في سورية، كان الرئيس الفعلي لسورية خلال أعوام 1966 و1970، قبل أن تطيح به الحركة الانقلابية التي قادها، حافظ الأسد.

ومع تنفيذ الأسد الأب، انقلابه المعروف باسم "الحركة التصحيحية" واعتقاله صلاح جديد، أصبح عقاب يحيى، من معارضي حافظ الأسد، وشكل، عام 1976، تنظيما سريا معارضا أسماه "التجمع الوطني الديمقراطي".

إنشاء يحيى لتنظيم سري يناهض الانقلاب، دفع نظام حافظ الأسد إلى ملاحقته لقرابة خمس سنوات، ودفعه في النهاية للإقامة في الجزائر، حيث استقر منذ ثمانينيات القرن الـ20، حتى اندلاع الثورة السورية، ليصبح مقيما بعدها بين إسطنبول والجزائر.

ومن منفاه الاضطراري في الجزائر، استمر يحيى في نشاطه المعارض لنظام الأسد عبر الكتابة الأدبية والسياسية، إذ صدر له العديد من الكتب والدراسات والروايات الأدبية من قبيل: سرحان ومضارب الجذور، وميض أحلام حالمة، ورسائل حكايات متناثرة.

وفي أبريل/نيسان 2021، ظهر يحيى في سلسلة حلقات مع "تلفزيون سوريا" المعارض في برنامج "الذاكرة السورية" سجل من خلالها شهادته على عدة أحداث جرت في زمن حافظ الأسد.

وتحدث عن الطريقة التي استولى حافظ الأسد، فيها على السلطة وعن خشية الأسد من صلاح جديد، وعن الفرق بين شخصية حافظ الأسد وصلاح جديد، وتغير وجه "حزب البعث" في سوريا.

نقد الذات

تميز يحيى، بحسب ما جاء في نعي الائتلاف، بـ"شخصيته الهادئة وحكمته وقدرته على الإنصات ومن ثم جذب انتباه السامعين". وليكون "نموذجا ومثالا جديرا بالتقدير والاحتذاء".

لكن الراحل عرف أيضا بمواقفه الناقدة للائتلاف الوطني وأعضاء المعارضة السياسية، ولأداء مهامهم الوظيفية والترهلات التي تصيب مؤسسات المعارضة، فرغم كونه عضوا في تلك المؤسسات، فقد كان ذلك يدفعه إلى العمل على إصلاح هذه الترهلات والمشاكل، بحسب شهادات أصدقاء له ومقربين منه، وإن لم يوفق في ذلك على ما يبدو.

ففي تسجيل صوتي مسرب من داخل إحدى جلسات "الائتلاف" غير معروفة التاريخ، قال يحيى: "هل هناك ائتلاف فعلا؟ هل نحن هيئة تتحمل مسؤولية الكلمات الكبيرة الواردة في ميثاق الائتلاف، في موضوع أننا نمثل الشعب السوري والثورة السورية؟ أنا أشك في ذلك، ويجب أن نكون صريحين جدا".

وأضاف: "تعبنا جدا ونحن نتحدث عن المؤسسة والتفعيل". متسائلا: "ما الذي حدث منذ تاريخ (تأسيس) الائتلاف وحتى الآن؟". وختم: "كأننا فقط نأتي للتسلية في الفنادق، نسلم على بعضنا، نتحاور، البعض يشكك ثم يذهب كل منا إلى بيته أو فندقه. أنا عضو في الائتلاف ليس لدي أية مهمة. هذا الائتلاف إن بقي بهذه الترتيبة، فنحن ذاهبون إلى الهاوية، فلا نكذب على بعضنا البعض".

وفي مقابلة أخرى في نوفمبر/تشرين الثاني 2014، اعتبر يحيى أن "من أهم الأخطاء أو الفجوات، ضعف المعارضة البنيوي وتشتتها، واختلاف منظورها وموقفها من النظام والثورة، وفقدان القيادة الموحدة".

وخلال مقابلة صحيفة في 5 مارس/آذار 2020، قال يحيى: "لاشك أن المعارضة تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية منذ بداية الثورة، وأشرفت  على  ورشة عمل في 2016 لتقييم سنوات الثورة الخمس".

وتابع: "وضعنا بعض النقاط على حروف أزمتنا الداخلية، يعني طبيعة المعارضة ودورها، الحراك الثوري ودوره، الفصائلية ودورها، الإسلاماوية ومافعلت، مجموعة من الإشكالات التي حصلت مهمة وأصدرنا كتابا بهذا الشأن، لاشك أنها تتحمل مسؤولية".

يحيى، أضاف: "الثورة إحدى معضلاتها كانت في البداية ليس لها قيادة ولم تنتج قيادة من صلبها، هذا النظام كان خبيثا وذكيا لأنه قام منذ البداية بتصفية الناشطين من الصف الأول، وسمح  لقسم منهم بالهروب والهجرة".

وأردف: "والبعض كنت أسمع لهم قصصا ويعتبر نفسه شاطرا أنه خرج من سورية، النظام سهل للكثير خروجهم كي يفرغ البلاد من هؤلاء، ويأتي أناس من الصفوف الثالثة والرابعة والخامسة وهذا ما حصل".

المعارض الراحل، لفت إلى أن "المعارضة في سورية كانت سورية مغلقة، كان النظام حقق السيطرة كاملة على الوضع السياسي، فخلق مايعرف بالتصحر السياسي، وقوى المعارضة كانت ضعيفة وغير قادرة على التأثير الكبير".

وأكد أنه "وفي الوقت نفسه كان عليها أن تساهم في الثورة، فحدث نوع من الخلط بين المعارضة التقليدية والجديدة، هذه تحمل تعقيدات الثورة السورية وسنوات التعقيد، التي حملت الكثير من الأخطاء والقصور ".

وجزم السياسي الراحل، بأن "فجوة كبيرة أصبحت بين المعارضة وبين الشارع، وزاد الطين بلة أنه عندما انتشرت الفصائلية بتلك الطريقة العجائبية حاولت أن تقزم وتسخر من السياسي لأنها هي صاحبة الرأي والقرار فتهمش أيضا دور المؤسسات السياسية".

وبين أن "الأمر احتاج سنوات حتى يحدث نوع من التوازن، للأسف هذا التوازن حصل بعد تراجع دور وقوة هذه الفصائل واقتناع عديدها في أن تشارك المؤسسات السياسية فيما هو حاصل في الائتلاف".