إلباييس: الاحتجاجات ضد السلطة الفلسطينية دليل عودة الاستبداد الخفي

قسم الترجمة | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة إسبانية الضوء على موجة الاحتجاجات غير المعتادة في فلسطين، بعد مقتل معارض كان قيد الاحتجاز، وتفاقم فقدان الدعم الشعبي للرئيس محمود عباس بعد تعليق الانتخابات وأعمال الشغب في مدينة القدس المحتلة. 

وقالت "إلباييس" إن "عباس، أصبح وحيدا بشكل متزايد في سن 85 عاما. وحتى للقصر الرئاسي في رام الله، الذي بالكاد غادره خلال الوباء (فيروس كورونا)، وصل صدى الاحتجاجات التي اندلعت بسبب مقتل المعارض السياسي نزار بنات بعد اعتقاله في 24 يونيو/حزيران 2021".

وتعد هذه الاحتجاجات الموجة الأخيرة التي عبرت عن حالة السخط الشعبي التي لم تتوقف عن الارتفاع منذ شهرين، عندما علق الرئيس، الذي روج لاتفاقات أوسلو مع إسرائيل عام 1993، الانتخابات الأولى منذ ثلاثة عقود.

زعيم مستبد

ونقلت الصحيفة عن ساري نسيبة، رئيس جامعة القدس السابق وأحد قادة الانتفاضة الأولى (1987-1991)، أن "عباس أصبح زعيما مستبدا، وأوتوقراطي (نظام حكم غير ديمقراطي تكون فيه السلطة بيد شخص واحد غير منتخب) غير مرئي".

وتجدر الإشارة إلى أنه في شوارع رام الله أو الخليل أو بيت لحم، تسمع صيحات تتردد منذ أسبوع على غرار "ارحل!" أو "يسقط النظام!"؛ التي كانت بالأساس الشعارات التي رفعت في وجه الديكتاتور التونسي زين العابدين بن علي، في بداية الربيع العربي قبل 10 سنوات. 

ويواصل أستاذ الفلسفة، نسيبة، البالغ من العمر 72 عاما، في مؤتمر عبر الهاتف مع صحفيين أجانب: "ليس من المتوقع حدوث تغيير جذري وفوري في السلطة الفلسطينية، في الواقع، ما زالت (حركة التحرير الوطني الفلسطينية) فتح، حزب عباس، ذات نفوذ قوي، كما تقف الأجهزة الأمنية إلى جانبها". 

وأوردت الصحيفة أن استطلاعا للرأي، نشر خلال منتصف يونيو/حزيران 2021 عن المركز الفلسطيني للبحوث السياسية واستطلاعات الرأي، أظهر أن 85 بالمئة من المواطنين يعتقدون أن السلطة الفلسطينية "قد نشأت في مناخ من الفساد".

ويؤيد 14 بالمئة فقط من الذين تمت استشارتهم حكومة فتح التي تسيطر جزئيا على الضفة الغربية، بينما يؤيد 56 بالمئة حماس، التي تحكم غزة بحكم الأمر الواقع منذ 2007. ويتفق نسيبة مع المركز الفلسطيني أنه "لو أجريت الانتخابات اليوم، ستفوز حماس أيضا في الضفة الغربية". 

وبينت الصحيفة أن حماس اكتسبت زخما شعبيا في أعقاب التصعيد الذي استمر 11 يوما بين غزة وإسرائيل؛ الذي كان أحد حلقات الحرب الدورية التي يقيس فيها الطرفان قوتهما.

لكن مع إطلاق الصواريخ على القدس الذي أشعل فتيل المواجهة، أصبح قادة حماس مدافعين رمزيين عن المدينة المقدسة، وفي حقيقة الأمر، تعتبر ساحة الأقصى وقبة الصخرة أيقونات هوية وطنية في المخيلة الجماعية الفلسطينية.

نريد تغييره

ونوهت الصحيفة بأن الفلسطينيين لاحظوا أن عباس والحرس القديم، الذي يحاول الحفاظ على إرث أوسلو، التزموا الصمت بينما حاول آلاف الشباب - الذين لم يولدوا عند قيام السلطة الفلسطينية والذين لم يتمكنوا بعد من التصويت - إحداث التغيير.

وفي الواقع، انضمت هذه الفئة إلى الحشد مرة أخرى، ونجحت في إيصال رسالتها إلى بقية العالم برواية جديدة للقمع الاستعماري والعرقي الممارس ضد الفلسطينيين على يد إسرائيل، وفق "الباييس".

وطوال شهر رمضان، هزت احتجاجاتهم أماكن رمزية في القدس: بوابة دمشق للمدينة القديمة، وحي الشيخ جراح، حيث تعرضت عشرات العائلات للتهديد بالطرد، أو حتى المسجد في الأقصى، ثالث مكان مقدس في الإسلام.

وأفادت الصحيفة بأن المدير التنفيذي لمعهد فلسطين للدبلوماسية العامة، سالم براهمة، أطلق من رام الله مبادرة لتوجيه الحضور السياسي للشباب.

وفي تقديمه لمبادرة "جيل التجديد الديمقراطي"، أشار براهمة إلى أن "أكثر من نصف السكان الفلسطينيين تقل أعمارهم عن 30 عاما، لكن النظام يقصيهم من الحكم"، وواصل قائلا: "نريد تغييره". 

وأضاف أنه "اكتشف في موجة الاحتجاجات خلال الأشهر الأخيرة وفي النجاح العالمي لحملاته على مواقع التواصل الاجتماعي أفضل أرض خصبة لتعبئة الشباب الذي لا يرى أن الفصائل الفلسطينية التقليدية تمثله". 

وأوردت الصحيفة أن قائد المبادرة، الذي سينفذ خلال يوليو/تموز 2021، حملة انتخابية افتراضية لجذب المؤيدين لمشروع تجديد الأجيال، وشرح قائلا: "نحن متحدون ضد الاستعمار والفصل العنصري الذي يفرضه الاحتلال، ولكن أيضا ضد انعدام الحريات والحقوق، وهو وضع تضطهدنا من خلاله سلطاتنا".

وأوضحت أن محاولة براهمة في خوض الانتخابات التشريعية الأخيرة، التي ألغاها عباس أخيرا، قد أحبطت بالتشريع الانتخابي الذي حدد سن 28 عاما كحد أدنى للترشح، ووضع كفالات عالية لتقديم القوائم.

سلطة غير شرعية

وذكرت الصحيفة أن المفكر والناشط المخضرم نسيبة يتفق مع المزاعم التي تسمع في الشارع الفلسطيني، والتي تفيد بأن "وجود عباس في السلطة غير شرعي، ويجب عليه المغادرة". 

لكن يحذر الأستاذ من خطورة إقالة الرئيس دون أن يكون هناك بديل، معللا رأيه بأنه "يمكن أن يؤدي إلى فوضى في فلسطين".

وذكرت الصحيفة أنه منذ فوز حماس في الانتخابات التشريعية عام 2006، تلقى عباس دعما غربيا قويا للبقاء في المقاطعة، رغم عدم الذهاب إلى صناديق الاقتراع منذ ذلك الحين، لكن من ناحية أخرى، بدأ الدعم السياسي المستمر والتمويل غير المشروط الذي تلقاه حتى الآن "موضع تساؤل". 

ويضاف إلى ذلك، تحذيرات الأميركيين والأوروبيين للسلطة الفلسطينية بالتحقيق الكامل في وفاة المعارض نزار بنات، بعد اعتقاله في مدينة الخليل. كما أفسح هذا الحادث المجال أمام واشنطن والأمم المتحدة للتنديد بقمع المظاهرات الشعبية. 

في هذا السياق، قالت وزارة الخارجية الأميركية "إنه أمر مزعج ونحن قلقون للغاية من تقييد الحق في حرية التعبير ومضايقة منظمات المجتمع المدني".

من جهته، اعتبر متحدث باسم المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان الهجمات "غير مقبولة على الإطلاق" ضد المتظاهرين من قبل فرق عنيفة.

من ناحية أخرى، ترك حزب الشعب الحكومة الفلسطينية باستقالة الوزير نصري أبو جيش، وهو الانتقاد الداخلي الوحيد المعروف. لكن، لم يصدر الاتحاد الأوروبي، الذي يمول ويشرف على تدريب الشرطة الفلسطينية، أي بيان بشأن القمع الوحشي لاحتجاجات المواطنين.

وأبرزت الصحيفة أن استياء الفلسطينيين تنامى بالتوازي مع فقدان شرعية قادتهم.

في ظل هذا الوضع، لم يعد المتظاهرون يطالبون بالإصلاحات، بل بإزاحة عباس من السلطة.

وختمت الصحيفة مقالها قائلة: "يظهر موت المعارض أثناء اعتقاله تحلل قيادة توصف بأنها فاسدة وغير فعالة، ومن هنا، كانت جثة بنات، بالنسبة للكثيرين، القشة التي قسمت ظهر الإبل وقطرة الماء التي أفاضت كأس الإحباط".