رغم علاقتها بالسيسي.. لماذا تدفع إسرائيل "جوبا" لحصار مصر مائيا؟

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تحت اسم "الحلم"، أعلنت دولة جنوب السودان، يوم 25 يونيو/ حزيران 2021، على لسان نائب وزير خارجيتها دينق داو دينق، أنها "تخطط منذ عقد من الزمن لبناء سد كبير على نهر النيل، لتوفير الكهرباء ومنع الفيضانات المدمرة".

رغم أن الدبلوماسية المصرية أعلنت دعمها حكومة "جوبا" في مخطط إنشاء السد، فإن ذلك لم يمنع تخوفات وتساؤلات عدة، في ظل غياب المعلومات وانعدام الشفافية.

فالموقف مشابه لما جرى منذ سنوات، فيما يتعلق بسد النهضة، الذي جرت رياحه على عكس المعلن عنه، واصطدمت القاهرة بتعنت وخطر يهدد أمنها المائي المتمثل في نهر النيل، الذي هو بمثابة شريان حياة أكثر من مئة مليون مصري.

تعضيد المخاوف لا يتعلق بمسألة سد جنوب السودان بشكل مجرد، بل يتعداه إلى العلاقة المتقدمة بين جوبا وإسرائيل، التي تعود إلى سنوات بعيدة.

كما يتعدى الأمر إلى إستراتيجية قديمة ومستمرة لدولة الاحتلال، ترمي إلى إحداث قلاقل في المنطقة، ومحاصرة مصر والضغط عليها في مسألة المياه، عبر دفع مزيد من دول منابع النيل للتمرد، وإنشاء مزيد من السدود على مسار النهر.

سد "واو"

يقع المشروع الجديد للسد على نهر سيوي، أحد فروع نهر الجور الرئيس بحوض بحر الغزال، وهي منطقة مستنقعات شمال هضبة البحيرات الاستوائية، على مسافة 9 كيلومترات جنوب مدينة "واو" في دولة جنوب السودان.

وتتمثل أهمية تلك البقعة في كونها تضم نهر الجور باتجاه الشرق، ثم دخوله إلى منطقة السدود في المستنقعات، ونظرا لطبيعة الأراضي الرطبة، يندمج في تلك المستنقعات وصولا إلى بحر العرب.

وذلك الالتقاء يمثل بداية بحر الغزال، الذي يغذي النيل الأبيض بقوة تمهيدا للالتقاء بالنيل الأزرق في الخرطوم، لتبدأ مسيرة نهل النيل إلى دولة المصب مصر.

وتتسم طبوغرافية (علم التضاريس) أراضي جنوب السودان، بسهولها المنبسطة المغطاة بغابات استوائية في أقصى الجنوب عند دخول النيل الأبيض إلى قرب بلدة نمولي على حدودها مع أوغندا.

وهناك يجري النيل منتظما حتى يتجاوز مدينة جوبا عاصمة جنوب السودان، وفي شمالها يدخل إلى المنطقة المعروفة بالسدود، حيث تعترض المجرى نباتات تتسبب في انتشار مياهه في فضاء شاسع.

وهو ما يفقد جنوب السودان 22 مليار متر مكعب سنويا من إيرادات النيل الأبيض الفرع الآخر لنهر النيل. 

وبحسب البيانات الرسمية لحكومة جوبا يهدف السد لتوليد (10.40) ميجاوات من الكهرباء المستدامة، بالإضافة إلى توفير مياه الشرب لنحو 500 ألف نسمة، والاستفادة من المياه في الري التكميلي لنحو (30 - 40) ألف فدان.

وعن مسألة تمويل سد "واو" الجديد تحدث نائب وزير خارجية جنوب السودان دينق داو دينق، بأن الصين أكبر مستثمر في صناعة النفط بالدولة، وسنتعاون معها مما يمهد الطريق أمام جوبا للحصول على قروض جديدة لتمويل المشروع تحت الشروط الصينية.

ويذكر أن الصين أيضا من الممولين الرئيسيين لمشروع سد النهضة الإثيوبي، وهي التي أشرفت على جزء كبير من تنفيذه وإطلاقه. 

يد إسرائيلية

وتعد مسألة وجود سد في جنوب السودان مبحثا قديما، وتمثل تهديدا لأمن مصر القومي من عدة جهات، أبرزها العلاقات الحميمة بين جوبا وتل أبيب، وهي علاقات إستراتيجية لها ما وراءها. 

فعندما انفصل جنوب السودان عن شمالها في 9 يوليو/ تموز 2011، كانت إسرائيل من أوائل الداعمين والمعترفين بالدولة الوليدة، ولكن الحقيقة التاريخية تؤكد أن دور تل أبيب كان أعمق من ذلك بكثير.

ونشر موقع "ميدا" العبري في أكتوبر/ تشرين الأول 2015، كتابا تحت عنوان "مهمة الموساد في جنوب السودان"، ذكر خلاله أن تل أبيب ساهمت مساهمة فعالة في شق السودان.

ويؤكد الكتاب أن "حركة (إنيانيا) الانفصالية تأسست خلال الحرب الأهلية السودانية الأولى (1955-1972)، وتحولت لاحقا إلى جيش قوي بفضل ضباط الموساد". 

كان الهدف الرئيس لإسرائيل من تأسيس هذه الدولة واضحا وجليا، وذكرته العديد من الدراسات قبل سنوات طويلة، مثل دراسة المركز العربي الأوروبي بتاريخ 10 نوفمبر/ تشرين الثاني 2010، أي قبل تأسيس دولة الجنوب.

وقالت: "إن الوجود الإسرائيلي في منطقة حوض النيل وجنوب السودان ليس مجرد صدفة، فمن جهة يوفر لهم أداة قوية لرصد كل المعلومات والأحداث التي تدور في المنطقة، ومن جهة أخرى يضع أيديهم على منطقة مهمة في مسار مياه نهر النيل".

كما أورد التقرير أن "مخططات إسرائيل في جنوب السودان خطيرة على الأمن العربي، وأمن مصر على وجه الخصوص، إذ تبحث إقامة مشاريع مشتركة عند منابع نهر النيل لحجز المياه".

كما تبحث توليد الكهرباء، وضبط حركة المياه باتجاه السودان ومصر، وفق التقرير. 

وأضاف: "كل ذلك بهدف إشغال مصر في قضية تمس أمنها القومي وهي قضية المياه". 

وأطلق المركز العربي الأوروبي تحذيرا حينها من أن "إسرائيل ستجعل من الجنوب قاعدة جديدة للاعتداء على الإسلام والمسلمين في إفريقيا، وأن انفصال الجنوب سيجعلها (تل أبيب) قريبة جدا من أكثر من بلد عربي، وستكون لها القدرة على التحكم في مياه النيل، والضغط من خلالها لتحقيق مصالحها".

إستراتيجية إسرائيلية 

الباحثة العراقية في العلاقات الدولية والسياسات الخارجية، حسناء رياض عباس، قالت في ورقة بحثية للمركز الديمقراطي العربي، إن "التغلغل الإسرائيلي في السودان بشكل خاص، له تداعياته الإستراتيجية  الخطيرة على الأمن القومي العربي، وفي القلب منه الأمن القومي المصري".

وتابعت في الورقة المنشورة بتاريخ 8 يونيو/ حزيران 2020 أن "التحرك الإسرائيلي في الدول المحيطة بمصر يتم عبر ما يعرف بإستراتيجية شد الأطراف التي تهدف بالأساس إلى زعزعة  منظومة الأمن القومي المصري في دائرته النيلية وحرمانها من أي نفوذ داخل القارة الإفريقية".

وأضافت: "إسرائيل تحاول دائما استغلال وتعميق الخلافات العربية مع بعض الدول الإفريقية وتهديد أمن مياه مصر المعتمدة على نهر النيل، بمحاولة زيادة نفوذها في الدول المتحكمة في المنابع، مع التركيز على إقامة  مشاريع زراعية  تعتمد على سحب المياه من بحيرة فكتوريا".

وذكرت أن: "التوجه الإسرائيلي نحو جنوب السودان، لا يخلو من العديد من المطامع، من أجل تطويق الأمن القومي المصري في كل اتجاهاته المختلفة، ولكن تبقى قضية المياه هي رأس الحربة التي تنطلق منها إسرائيل في تلك المنطقة".

إذ لا يخفى على أحد أن لتل أبيب أحلاما قديمة في الحصول على حصة من مياه نهر النيل، حيث لا تعد المياه بالنسبة لإسرائيل قضية اقتصادية فقط، وإنما سياسية وعسكرية وديموغرافية.

فقد شكلت نظرة إسرائيل تجاه مياه النيل جزءا من النهج الإسرائيلي تجاه المياه المشتركة بينها وبين الدول العربية. 

وقالت: "تكتسب دولة جنوب السودان أهمية كبيرة في الإستراتيجية الإسرائيلية، لوقوعها على أعالي منابع النيل، ولكونها تمثل أداة الوصول الإسرائيلي إلى المنابع بما يمكنهم من استخدام هذه القضية كورقة ضغط ضد مصر والسودان".

وأوضحت: "لذلك تمثل العلاقات الوثيقة بين إسرائيل ودولة جنوب السودان خطرا جسيما يتمثل بمحاصرة الأمن القومي العربي, ولاسيما في امتداده (المصري/السوداني)، وفق إستراتيجية (حلف حزام المحيط).

وهذه الإستراتيجية تعني "إقامة تحالفات مع الدول والجماعات الإثنية والدينية المعادية للعرب من ناحية، ومن ثم الاستفادة من وجودها في المنطقة للتلويح بورقة المياه في مواجهة السياسة المصرية".