تبعات خطيرة.. لهذا ترفض فرنسا تسليم خرائط التفجيرات النووية للجزائر

وهران - الاستقلال | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

بعد لقاءات ديبلوماسية أملا في الوصول لـ"حل إنساني"، كشف وزير المجاهدين الجزائري، الطيب زيتوني، أن فرنسا رفضت تقديم الخرائط الطبوغرافية لكشف المواقع التي تحتوي على آثار التجارب النووية التي قامت بها في في الصحراء الكبرى بالجزائر، خلال الفترة ما بين 1960 و1966.

ودعا زيتوني في يوليو/تموز 2021، باريس إلى المزيد من التعاون لإعطاء العلاقات الثنائية "دفعا جديدا".

وظل ملف التفجيرات النووية الفرنسية موضع مطالب جزائرية رسمية وأخرى من منظمات أهلية، للكشف عن أماكن النفايات وتعويض الضحايا من قتلى وآخرين تعرضوا لعاهات مستدامة بسبب الإشعاعات.

وتقول السلطات الجزائرية، إن فترة الاستعمار الفرنسي شهدت قتلا بحق قرابة 5 ملايين شخص، إلى جانب حملات تهجير ونهب للثروات‎.

وعود كاذبة

وصف الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في تصريح لقناة جزائرية عام 2017 بالجزائر العاصمة، عندما كان مرشحا للانتخابات الرئاسية، الحقبة الاستعمارية الفرنسية بـ"الجريمة ضد الإنسانية". 

اعترف ماكرون أيضا -آنذاك- بمقتل مدرس الرياضيات في جامعة الجزائر العاصمة، موريس أودان، على يد الجيش الفرنسي خلال معركة الجزائر عام 1957، عكس الرواية الرسمية التي كانت تسوق بأن أودان انتحر.

وبعد توليه للرئاسة، سلّم ماكرون الجزائر 33 جمجمة لمقاتلين جزائريين قتلوا خلال الكفاح ضد المستعمر الفرنسي. 

وكلف المؤرخ الفرنسي من أصل جزائري بنجامان ستورا، بتدوين تقرير حول الاستعمار وحرب الجزائر (1954-1962) لإخراج العلاقة بين البلدين من الشلل الذي تسببه قضايا الذاكرة العالقة.

لكن فرنسا استبعدت تقديم "اعتذارات عن الحرب" وهي تفضل القيام بـ"خطوات رمزية" لمعالجة ملف تاريخي شائك بين البلدين.

وفي 8 أبريل/نيسان 2021، استقبل رئيس أركان الجيش الجزائري السعيد شنقريحة، نظيره الفرنسي، فرانسوا لوكوانتر، في إطار زيارته للبلاد.

وقال شنقريحة، في كلمة آنذاك: "أنتظر دعمكم خلال انعقاد الدورة 17 للفوج المختلط الجزائري ـ الفرنسي (حول ملف التفجيرات)، المزمع عقدها خلال مايو/أيار 2021". وليس معروفا إن كان الاجتماع عُقد فعلا أم تأجل.

واعتبر أن انعقاد الدورة 17 يهدف إلى "التكفل النهائي بعمليات إعادة تأهيل موقعي رڨان وإين أكر (جرت بهما تجارب)، وكذلك مساندتكم في هذا الإطار، بموافاتنا بالخرائط الطبوغرافية، لتمكيننا من تحديد مناطق دفن النفايات الملوثة، المشعة أو الكيماوية غير المكتشفة لحد اليوم".

لكن إضافة إلى عدم استجابتها لمطالب جزائرية رسمية وشعبية بشأن الاعتراف بجرائمها النووية وتعويض الضحايا، رفضت فرنسا تسليم الجزائر خرائط التفجيرات.

في 2 يوليو/تموز 2021، قال وزير المجاهدين، زيتوني: إن "فرنسا ترفض تسليم بلاده خرائط تفجيرات نووية أجرتها في صحرائها، خلال ستينيات القرن العشرين". واحتلت فرنسا الجزائر بين عامي 1830 و1962.

وأفاد زيتوني، في مقابلة مع وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، أن "الطرف الفرنسي يرفض تسليم الخرائط الطبوغرافية، التي قد تسمح بتحديد مناطق دفن النفايات الملوثة، المشعة أو الكيماوية غير المكتشفة لغاية اليوم".

وأضاف: "كما أن فرنسا لم تقم بأية مبادرة لتطهير المواقع الملوثة من الناحية التقنية أو بأدنى عمل إنساني لتعويض المتضررين".

وشدد زيتوني على أن "التفجيرات النووية الاستعمارية تعتبر من الأدلة الدامغة على الجرائم المقترفة التي لا تزال إشعاعاتها تؤثر على الإنسان والبيئة والمحيط".

ومطلع يونيو/حزيران 2021، قال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في مقابلة مع صحيفة "لوبوان" الفرنسية: "نطلب من باريس تنظيف مواقع التجارب النووية، ونأمل منها معالجة ملف ضحاياها".

أضرار ثقيلة

بين 1960و1966، أجرت السلطات الاستعمارية الفرنسية سلسلة تفجيرات نووية في الصحراء الجزائرية، 4 فوق الأرض و13 تحتها، وفق مؤرخين.

وأُجريت بعض التفجيرات بعد الاستقلال، في 1962، وغير معروف إن كان ذلك تم في إطار اتفاق أم أن فرنسا استغلت ضعف الدولة آنذاك.‎

بينما ذكرت مجلة "مصادر تاريخ الجزائر المعاصر" (حكومية)، في عدد 2019، أن "الصحراء الجزائرية استُعملت بين 13 فبراير/شباط 1960، و16 فبراير/شباط 1966، مسرحا لـ57 تفجيرا وتجربة واختبارا نوويا".

و"مصادر تاريخ الجزائر المعاصر" مجلة علمية محكّمة، يصدرها المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر/تشرين الثاني 1954، وهو تابع لوزارة المجاهدين (قدامى المحاربين).

وأوضحت المجلة أن "4 تجارب جوية بحمودية رقان (جنوبي البلاد)، كانت ملوثة للغاية و13 باطنية (تحت الأرض) في تاوريرت تان أفال، إين أكر، وكانت فاشلة".

وأخطر حادث نووي هو بمنطقة "بريل" في 1 مـايو/أيار 1962، إضافة إلى 35 اختبارا نوويا للسلامة على مستوى آبار بمنطقة حمودية و5 تجارب نووية في موقع تاوريرت تان أترام (محافظة تمنراست) في الهواء الطلق باستعمال مواد انشطارية كالبلوتونيوم"، بحسب المجلة.

بعد أن وقعت فرنسا على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، قال تقرير لمجلس الشيوخ الفرنسي عام 1998: "كانت الانفجارات الجوية الفرنسية موضع انتقادات متزايدة من الدول الإفريقية المحاذية للصحراء".

وأوضح التقرير "أنهم لا يفهمون لماذا سنواصل استخدام تقنية ملوثة بوضوح، رغم كل الاحتياطات المتخذة لتقليل الغبار النووي الناجم عنها"، بيد أن التقرير لم يحدد ما هي هذه الاحتياطات.

وبعد أربع تجارب أجريت فوق الأرض في منطقة رقان الصحراوية، قررت السلطات الفرنسية عام 1961، أن تجري تجارب تحت الأرض في منطقة عين إيكر الواقعة على بعد نحو 700 كيلومتر داخل جبال الهقار المعروفة بمناظرها الخلابة.

ولكن حتى هذه التجارب التي أجريت تحت الأرض تسببت بوقوع تلوث.

ويقدر باحثون محليون، وفق شبكة "بي بي سي" البريطانية، أن آلاف الجزائريين قد عانوا من آثار الإشعاعات النووية في عموم الصحراء الجزائرية، وما زال العديد من المواقع حتى الآن في عداد الأماكن التي ستجري إزالة التلوث منها.

واكتسبت القضية أهمية مضافة، عشية قرار البلدين بتشكيل لجنة تهدف إلى اقتراح إجراءات لتذليل العقبات التي تكتنف هذه العلاقات، والتي ما زالت مثقلة بإرث 123 عاما من الاستعمار.

تبعات الاعتراف

أستاذ العلاقات الدولية بالجزائر، البروفيسور عمر بغزوز، رأى أن "من شروط نجاح المفاوضات إمكانية التوصل لاتفاق من نوع رابح-رابح، لكن فرنسا أدركت أنها ستكون الخاسر الأكبر لو سلمت الجزائر خرائط التفجيرات النووية، رغم كون المفاوضات أخذت شهورا إلا أن باريس لم تكن تنوي أبدا حل الملف بسهولة وبدون مقابل يجعلها في منأى عن الإدانة الدولية". 

وقال لـ"الاستقلال": إن "امتناع فرنسا في آخر المفاوضات، قد يفسر أن القرار ليس بيد الرئيس ماكرون لوحده في سياق وجود لوبيات مضادة لتطبيع العلاقات بين الجزائر وفرنسا". 

وأضاف بغزوز: "يجب كذلك وضع هذا الملف في إطاره العام المتعلق بملف الذاكرة، حيث يعتقد الكثير من الفرنسيين أن ليس على بلادهم الاعتذار من الجزائر لدواع حضارية بكلمة واحدة، كما لا توجد إرادة سياسية حقيقية عند السلطات الفرنسية لتسليط كل الضوء على التفجيرات النووية في الجزائر". 

وقال: "بالتأكيد هذه الخرائط كانت ستكشف حجم الجرائم النووية التي ارتكبتها فرنسا في حق الجزائريين، والتي مازال إشعاعها يؤثر على السكان والبيئة إلى اليوم".

أفاد البروفيسور بغزوز أن "التجارب النووية في الصحراء الجزائرية أنجزت بحسب بعض التقديرات بقوة تساوي من 3 إلى 4 أضعاف قنبلة هيروشيما في اليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية.

وأضاف: "لذلك ففرنسا لا زالت تريد إحاطة ملف التجارب النووية في الجزائر بالسرية التامة، وأي تسليم للأرشيف تخشى أن تكون له تبعات خطيرة على الصورة التي تريد تسويقها في العالم كمهد للثورة الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات الأساسية".

ويرى بغزوز أن "الجزائر ستواصل الضغط على فرنسا لتسليم خرائط التفجيرات النووية لأنها ضرورية لتحديد مواقع النفايات التي مازالت آثارها السلبية قائمة على السكان والمحيط، فسياسة الهروب للأمام لا تجدي نفعا ومن مصلحة باريس التعاون ليس فقط في هذا الملف، وإنما في كل المسائل التاريخية العالقة كالأرشيف وجماجم الشهداء".

وتابع: "الكل يعلم بأن تطبيع العلاقات الثنائية يمر عبر حل مسألة الذاكرة بصفة نهائية، إذ أعلنت الجزائر في نهاية يناير/كانون الثاني 2021، عن إنشاء الوكالة الوطنية لإعادة تأهيل مواقع التجارب النووية والتفجيرات الفرنسية السابقة في جنوب الجزائر، وهذا يؤكد التزام الدولة الدائم بحظر الأسلحة النووية بصفتها (فاعل نشيط) على الساحة الدبلوماسية".

وختم بغزوز حديثه بالقول إن "الجزائر تعمل على مواصلة جهودها من أجل إقناع السلطات الفرنسية بضرورة تسليم الأرشيف، ليس لإدانتها دوليا كما يخشى البعض، وإنما لفتح صفحة جديدة في مصلحة الشعبين الجزائري والفرنسي".