صورة العرب لدى إسرائيل ونظرية نتنياهو

د. عبدالله الأشعل | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

عندما استقر اليهود في فلسطين لم يلتفت الفلسطينيون إلى خطورة المشروع الصهيوني، وإنما اعتقدوا أن هؤلاء لاجؤون ويجب إكرامهم فلما اتسع الاستيطان وتوسعت الوكالة اليهودية في شراء الأراضي، بدأت المقاومة كما بدأ العنف والتحدي من جانب القرى اليهودية تحت حماية بريطانيا، ثم ظهرت الميليشيات الإجرامية التي صار قادتها زعماء سياسيين في هذه الدولة العصابة، وسموا أنفسهم حركات التحرر الوطني، وكأن فلسطين ملكهم والإنجليز والفلسطينيين هم الذين احتلوها.

ولذلك لم تكن الدول العربية المجاورة جادة في إدراك أبعاد هذا المشروع فاستقر في قلوب العرب صورة إسرائيل ككيان مزروع غريب ومفروض وتخريبي، ليحل محل الفلسطينيين ويقضي على هوية المنطقة العربية والإسلامية بمساعدة الغرب بما فيه واشنطن.

وأضافت إسرائيل صورة القوي الذي لا يقهر استنادا إلى أن الجيوش العربية ضعيفة وأن الحكام العرب يحرصون على عروشهم وليس أوطانهم ولا يمانعون فى مقايضة بقائهم بأي شيء، وهذه المعادلة هي التي حكمت الصور المتقابلة بين العرب وإسرائيل.

نركز فى هذا المقال على صورة العرب لدى إسرائيل، التى استقيناها من الأدبيات الصهيونية المباشرة والتصريحات الواضحة من زعماء إسرائيل. وتتلخص هذه الصورة فى أربعة نظريات  لكبار قادة إسرائيل، آملين أن تعكف مراكز الدراسات الصهيونية والعربية على تعميق فهمنا لهذه النظريات.

النظرية الأولى: هى نظرية بن جوريون الذي رأى أن زرع إسرائيل فى جسد غريب يمكن أن يطرده الجسم الغريب، ولكن النتيجة عبرت عنها جولدا مائير رئيسة الوزراء إبان عدوان 1967 عندما أعلنت دهشتها من أنهم أحرقوا المسجد الأقصى وتوقعت أن يهجم عليهم مليار مسلم على الأقل انتقاما لحريق المسجد الأقصى، فإذا بها تكتشف أن الأمة الإسلامية وهم وأن الأمة العربية شعار استخدمته الدكتاتوريات العربية لنهب الأوطان العربية بإسم العروبة.

النظرية الثانية: هي نظرية شارون وكان فذا في العسكرية والسياسة، وهو الذي تولى الجبهة المصرية وأشرف على اغتيال آلاف الأسرى المصريين في أراضيهم. تتلخص نظرية شارون في أن القوة العسكرية والإستخباراتية وحدها هي التي تسند وجود إسرائيل، ولا قيمة للمعاهدات أو الوعود عند العرب لأنهم بطبيعتهم أشرار ولا يوثق بهم وأن سلام إسرائيل قائم على إبادة العرب. ولذلك كان شارون قاسيا مع الفلسطينيين وكان له قصص كثيرة منها أن مدير المخابرات العسكرية كان يقطع رؤوس الفلسطينيين أمامه فتصيبه سعادة نادرة ويتلذذ بدماء الفلسطينيين.

ينضم إلى شارون كل زعماء العصابات الصهيونية، خاصة بيجن الذي كان يشبه القرد في شكله وهيئته ولكنه كتلة من الشر والحقد على العرب. وقد ظن السادات أنه انتصر عليه في "كامب دايفيد"، ولا يزال حاملوا المباخر الفقراء في عقولهم يترنمون بأنشودة كامب دايفيد، ولعل دير ياسين التي مرت ذكراها في الثامن من أبريل تشهد على قسوة بيجن رئيس الهاجاناه.

النظرية الثالثة: نظرية بيريز وهي تستند إلى نفس الأرضية المشتركة في احتقار العرب، ولكن عدم إشعارهم بذلك، فكان بيريز هو الدبلوماسي الوحيد الذي جمع بين المهارة العسكرية والسياسية والدبلوماسية ولذلك تولى وزارة الدفاع والخارجية ورئاسة الوزراء ثم رئيس الدولة، وهو مهندس أوسلو 1993، وهي محطة رائعة في المشروع الصهيوني. فقد ضمنت لإسرائيل معظم المكاسب في الساحة الفلسطينية، التي قامت المقاومة لإلغائها دون أن تمحو آثارها، فشمعون بيريز يسهم في تحقيق أهداف المشروع الصهيوني خاصة في الجانب الدبلوماسي.

ولعل أوسلو هي إحدى الثمار المرة لكامب دايفيد، ثم غزو العراق وأخيرا "صفقة القرن"، وإذا كان بيجن قد حصل على نوبل مع السادات بسبب "كامب دايفيد" فإن بيريز حصل على نوبل مع عرفات بسبب أوسلو وسوف يحصل نتنياهو على نوبل بسبب إنجازاته في "صفقة القرن"، وهي المحصلة النهائية لجهود سابقيه.

النظرية الرابعة: هي نظرية نتنياهو ،  وتقوم هذه النظرية على فرضية احتقار العرب بسبب الانتصار المطلق عليهم، وأنهم لا يستحقون البقاء وقد عبر نتنياهو في تصريحات مختلفة عن هذه الحقيقة وهي نظرية القوة العسكرية الكاسحة، وجني ثمراتها السياسية لدى العرب.

وعبر عن ذلك في إحدى مقابلاته الإذاعية يوم في بداية أبريل الجاري، لـ"راديو إسرائيل"، إذ أكد أن إسرائيل كسبت كل شيء بسبب مبدأ القوة؛ ومن ثمراته نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بالجولان جزءا من إسرائيل، وطبعا "صفقة القرن".

ويسميه نتنياهو مبدأ النصر الساحق، معتبرا أن هذا النصر على الفلسطينيين والعرب يؤدى إلى انتهاء إرادة المواجهة والمقاومة عند الطرف الآخر وهزيمة الفلسطينيين شرط مسبق لحل الصراع معهم فإذا سحقهم فرض السلام الذى يريد دون مقابل.

أما عناصر الموقف الإسرائيلي الذي يعكس صورة العرب عند إسرائيل استنادا إلى هذه النظريات فأهمها ثلاثة: 

الأول أن إسرائيل ترث ملك اليهود في فلسطين، وأنها تسترد هذا الملك من الفلسطينيين بقوة الحق ولذلك فإنها تنتقم من الغزاة الفلسطينيين بلا رحمه فلا تعترف بأنها أراض محتلة كما لا تعترف بأنها ترتكب جرائم.

الثاني أن إبادة العرب وإذلالهم أفقدهم جدوى الصراع مع إسرائيل، فتهافت الحكام على إسرائيل ضد أوطانهم، ولا يهمهم سوى كراسيهم وأذنابهم ولذلك تعول إسرائيل عليهم في تطويع شعوبهم، وهذا هو التحدي الأكبر لإسرائيل في المرحلة القادمة. أن تبارك الشعوب العربية لإسرائيل ثمار نصرها وجدها وديمقراطيتها وتنعي الشعوب العربية حظها في انكسارها واستسلام حكامها وهذه الصورة درامية تتوهم إسرائيل أنها تحققها.

الثالث أن مساحة إسرائيل هي مساحة فلسطين ولا مكان للفلسطينيين، وأن قرار التقسيم كان إعلانا واعترافا من المجتمع الدولي بأحقية اليهود في فلسطين، ولذلك عبر عن هذه الحقيقة شامير رئيس وزراء إسرائيل في كلمته فى مؤتمر مدريد للسلام عام 1991؛ حين قال صراحة إنه من السخف مقارنة مساحة إسرائيل بملايين الكيلو مترات المربعة (14مليون كليو متر مربع للعرب) وأن رد سيناء يعنى رد كل الأراضء العربية المحتلة، فلتنسق مصر مع سوريا والأردن في هذا الشأن. ولذلك فإن صفقة القرن تطبق هذه النظرية حرفيا فمشكلة الفلسطينيين مشكلة عربية وعلى العرب أن يوطنوا الفلسطينيين فى أراضيهم الواسعة حتى تخلو فلسطين كلها لليهود وهذا هو السلام الأمريكى والإسرائيلي.   

الصورة واضحة، وهي أن الحكام العرب يجلون إسرائيل ويخشونها والشعوب تحمل الحكام وإسرائيل كل مآسي العرب، خاصة بعد أن أعلنت كوندا ليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية صراحة بأن رضى إسرائيل عن أي نظام هو شرط رضى واشنطن عنه، وأصبح الحكام العرب يتوددون إلى إسرائيل حتى تفتح لهم واشنطن أبوابها خاصة في عهد ترامب الذي تعهد بإقامة إسرائيل الكبرى في عصره.