رغم أنها إدارية.. كيف تقيّد "لائحة الصحف القومية" حرية الرأي في مصر؟

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في 18 يونيو/حزيران 2021 نشر عضو مجلس نقابة الصحفيين في مصر محمود كامل، بنودا قال إنها مسربة من "اللائحة الإدارية الموحدة للمؤسسات الصحفية القومية".

اللائحة التي نشر "كامل" بعض بنودها على حسابه في فيسبوك، ليبين خطورتها في تقييد حرية الصحفيين الحكوميين، ووصفها بـ"الكارثية"، أثارت جدلا كبيرا.

انتقد بعض أعضاء مجلس نقابة الصحفيين، في تعليقات على حساباتهم بفيسبوك، عدم عرض هذه اللائحة على النقابة، وطالبوا بتعديلها.

تجاهلت الهيئة الوطنية للصحافة (حكومية)، التي أصدرت اللائحة، انتقادات الصحفيين، وبرر رئيس الهيئة المهندس عبد الصادق الشوربجي ذلك بأنها "لائحة إدارية"، لذا جرى أخذ رأي "نقابة العاملين بالصحافة والطباعة" فقط، رغم أن اللائحة للموظفين والصحفيين معا.

قيود اللائحة الإدارية

تصريحات رئيس الهيئة التي جاءت يوم 10 فبراير/ شباط 2021، خلال مؤتمر صحفي بالهيئة، وكشف خلالها قرب إصدار "اللائحة الإدارية الموحدة"، أثارت قلق الصحفيين في المؤسسات الصحفية الحكومية.

عقب كشف عضو النقابة محمود كامل عن بعض بنود اللائحة المكبلة للحريات، أثارت غضبا بين الصحفيين بالمؤسسات الحكومية وأعلن بعضهم اعتراضهم عليها.

توقيت صدور اللائحة بالتزامن مع بدء السلطة عملية تقييم أصول بعض المؤسسات الصحفية، اعتبره صحفيون، في تصريحات لـ "الاستقلال" بمثابة "تهيئة لعملية البيع لتعويض خسائر المؤسسات".

هذا الحديث واكبه أيضا تسريب أنباء عن إغلاق صحف مسائية ومجلات تصدر عن المؤسسات الحكومية الثمانية بمصر، لتقليل خسائرها.

انتقد الصحفيون بشدة، في بيان عضو النقابة محمود كامل وعبر حساباتهم على مواقع التواصل، المادة رقم 118 من اللائحة الإدارية، لأنها تجيز فصل العامل حال حصل على درجة ضعيف في تقرير كفاءة الأداء سنتين متتاليتين.

اعتبروا أن هذه المادة تخالف القانون والدستور، وتفتح الباب أمام تسريح وتصفية العاملين بالمخالفة للقانون والدستور.

وانتقدوا البند رقم 3 من المادة رقم 38 الذي يحظر نشر الصحفي والعامل بالمؤسسة "أي معلومات أو مستندات أو منشورات خاصة بالعمل بالمؤسسة على صفحات التواصل الاجتماعي"، لأن هذا يقيد حريتهم التي هي أساس عملهم.

كما طالبوا بحذف البند رقم 10 من المادة 38 الذي يحظر جمع نقود داخل المؤسسات الصحفية أو توزيع منشورات أو جمع توقيعات أو تنظيم اجتماعات دون موافقة رئيس مجلس الإدارة.

وأرجعوا ذلك إلى أن هذه المادة "فضفاضة ومطاطة" وتضيق وتقيض حرية الرأي والتعبير والنشر، وتمنح رئيس مجلس الإدارة صلاحيات لا شأن له بها.

اعتبروا حظر المادة 40 (المناقشات في المسائل الدينية أو السياسية أو الطائفية) داخل الصحيفة وعقاب من يفعل هذا بالمساءلة التأديبية، مخالفا لصلب طبيعة عمل الصحفي ويحد من حرية الرأي والتعبير.

واعترضوا أيضا على تحقيق إدارة الشؤون القانونية بالمؤسسة مع العاملين وإصدار توصياتها في حال تغيب ممثل للجنة النقابية أو نقابة الصحفيين لمدة 48 ساعة، كما ورد في المادتين 48 و49.

كما رفضوا وقف أي صحفي أو عامل بالمؤسسة حال اتهامه بارتكاب جناية أو جنحة مخلة بالشرف والأمانة أو الآداب العامة كما تنص المادة 58 طالما لم يصدر حكم نهائي.

وعارض صحفيون وسخروا من المادة 90 التي قالوا إنها تضمن تمييزا بين العاملين بالصحف الحكومية في توفير الخدمة الصحية حيث تجعلها ميزة لرئيس مجلس الإدارة وقيادات المؤسسة دون باقي العاملين بالمؤسسة.

نوايا سيئة 

عدم عرض اللائحة على النقابة وتمريرها سرا اعتبره أعضاء بمجلسها "أمرا مشبوها" يدلل على وجود "نوايا سيئة" تتعلق بمزيد من الحصار والتضييق على الصحفيين وغلق صحف"، حسبما قالوا لـ "الاستقلال".

محمود كامل عضو مجلس نقابة الصحفيين، وصف اللائحة بــ "الكارثية" ورصد تسعة عيوب بها، قائلا إن أخطرها فرض قيود على الصحفيين تصل إلى فصلهم من الصحف حال إبداء آراء دينية أو سياسية.

ذكر أن بعضها ينص على "حظر المناقشات في المسائل الدينية أو السياسية أو الطائفية أثناء العمل أو في الصحف وتعرض صاحبها إلى المساءلة التأديبية".

أوضح لـ "الاستقلال" أن هذه العقوبات تنطبق أيضا على ما يكتبه الصحفي على مواقع التواصل، ما يعني منعه من إبداء رأيه، الذي هو صميم عمله.

عضو مجلس النقابة محمد سعد عبد الحفيظ وصف اللائحة بأنها "آخر طوبة وضعت لتعلية جدار حصار الصحافة المقنن".

واعتبر مشروع اللائحة بأنه "شاذ" لأن "بنودها نصت للمرة الأولى على منع الصحفي من إبداء رأيه، وحظرت عليه الكلام في الشأن الخاص أو العام داخل صحيفته".

قال: إنها تتصادم مع الحقوق والضمانات التي وردت في قانون نقابة الصحفيين، وأن هذا سبب عدم عرض "الهيئة الوطنية" هذه اللائحة على النقابة لإبداء الرأي فيها لأنها تعلم أن الأخيرة ستعترض عليها.

اعتبر منح "الهيئة" هذا الحق في مراجعة اللائحة فقط، لإدارات المؤسسات الصحفية غرضه "استهداف الصحفيين والعاملين بسبب مواقفهم أو آراءهم".

بالمقابل نفى عضو مجلس إدارة جريدة الأهرام عبد الرؤوف خليفة، أن تكون اللائحة الإدارية المسربة المنشورة على مواقع التواصل هي ما عرضت عليهم، مؤكدا أن ما عرض عليهم في الصحيفة يختلف عن المنشور.

قال لموقع "الرئيس" 20 يونيو/ تموز 2021، لو كانت مواد اللائحة الإدارية التي نشرها العضو محمود كامل صحيحة، فمعنى هذا أن "الهيئة الوطنية" عدلت اللائحة التي أرسلتها لنا في المؤسسات الصحفية الحكومية.

عضو مجلس إدارة دار الهلال، الصحفية نورا أنور، أكدت أيضا لنفس الموقع، وجود "مواد مجحفة بالفعل تكمم أفواه الصحفيين بشكل كبير" في اللائحة الإدارية.

قالت: إن مجلس إدارة دار الهلال اعترض على 6 مواد باللائحة وطالبوا بتعديلها ولم يتم الاستجابة لهم.

أوضحت أن ما يشغلهم فعليا هو "مواد الحريات وليس مواد الأجور (باللائحة)، والتي وصفتها بأنها "صعبة جدا ومطاطة".

قالت: إن هذه المواد "المطاطة" من السهل استغلالها في التنكيل بكل العاملين بالمؤسسات الصحفية وفصلهم فصلا تعسفيا.

صحفيون بالصحف الحكومية قالوا لـ "الاستقلال": إن اللائحة مخطط حكومي –لتضييق الخناق على الصحافيين في مصر، وأنها استكمال لما بدأه "المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام" بإصدار "لائحة جزاءات" للصحفيين.

لائحة الجزاءات التي صدرت 5 سبتمبر/ أيلول 2019 تضمنت نصوصا عقابية لتجريم ممارسة مهنة الإعلام والصحافة، إلا في الحدود المسموح بها أمنيا وحكوميا.

ورد بها 82 مخالفة يعاقب بموجبها الصحفيون، منها حظر كلامهم داخل صحفهم في قضايا البلاد، وفصل المخالفين، خصوصا أصحاب الرأي المعارض، وغرامات تصل إلى 250 ألف جنيه (قرابة 16 ألف دولار).

بيع الأصول

صحفيان بجريدة حكومية أبلغا "الاستقلال" أن هدف هذه اللائحة الإدارية ليس الحجر على آراء الصحفيين، المكبلين بالفعل بقوانين عديدة، ولكن "تسهيل إجراءات عملية بيع أصول المؤسسات الصحفية".

تمتلك هذه المؤسسات المملوكة للدولة، عقارات وأراضي ومخازن ومعدات وسبق الحديث عن طرح بعضها للبيع بحجة سداد مديونياتها في وسائل الإعلام.

الصحفيان – اللذان لم يذكرا اسميهما كي لا يتم البطش بهما- أكدا أن لجانا عدة من الهيئة الوطنية للصحافة تضم خبراء مثمنين حضروا لمقر المؤسسة الصحفية عدة مرات لتقييم بعض أصولها، مخازن ومبان ملحقة، لبيعها.

في لقائه مع الصحفيين العاملين بالهيئة الوطنية للإعلام 10 فبراير/ شباط 2021، تحدث رئيسها المهندس عبد الصادق الشوربجي ضمنا عن أصول المؤسسات الصحفية.

أوضح أن "لجنة الاستثمار حصرت جميع الأصول المملوكة للمؤسسات، وتم تقسيمها إلى جزئين، الأول هي "الأصول الثابتة الجاهزة للاستثمار فورا"، دون أن يحدد المقصود بكلمة "استثمار".

والثاني هي الأصول التي تشارك في ملكيتها جهات أخرى، "وتواصلنا مع هذه الجهات لحل المعوقات واستغلال هذه الأصول ووضعها على طريق الاستثمار".

في اللقاء ذاته، كشف الشوربجي أن ديون المؤسسات الصحفية الحكومية الفعلية (8 مؤسسات تصدر 55 صحيفة ومجلة) تعادل 6.8 مليار جنيه، وتصل بالفوائد إلى 13.9 مليارا.

ألمح إلى دمج إصدارات صحفية أو وقفها بسبب الخسائر، موضحا أن عدد العاملين بهذه الصحف حاليا 4 آلاف صحفي و9 آلاف إداري و7 آلاف عامل، وأنه تم وقف أي تعيينات منذ يوم 5 يوليو/ تموز 2020.

الصحفي علي القماش كتب على حسابه في فيسبوك يوضح فوضى بيع واستثمار أصول مؤسسة دار الهلال الصحفية كمثال.

قال إنه منذ شهرين أعلنت مؤسسة دار الهلال (حكومية) عن استثمار جزء من مبنى المؤسسة الصحفية بالمزاد للتجار، فهجم الديّانة على المبنى، كل منهم يريد قطعة مقابل ديونه على المؤسسة".

انتقد ساخرا ما أسماه "قرب امتلاء المبنى الصحفي العريق، الذي يعد أحد معالم الصحافة في الوطن العربي، وضم أساطين الفكر والثقافة والسياسة، بمحلات الفول والحلاقين والكوافيرات".

أوضح أن هيئة سكة الحديد لها ديون لم تسدد على المؤسسة 4 مليون جنيه (بالفوائد) مقابل إعلانات، وعرض عليها أخذ الدور الخاص بالإعلانات بدار الهلال".

بنك مصر بدوره أخذ جزءا من المبنى عبارة عن عنبر بارتفاع ثلاثة أدوار ويريد مساحة إضافية، والبنك الأهلي مثله، والجمارك لها أكثر من 8 مليون جنيه عن ماكينات لم تسدد رسومها الجمركية. وتأخذ مصلحة الضرائب على ديونها بنشر إعلانات مجانية في المؤسسة.

بالتزامن مع اللائحة الإدارية، برز أحاديث عن قمع الصحفيين وعقابهم لو نشروا أي معلومات عما يجري داخل مؤسساتهم، انتشرت شائعات عن قرب غلق بعض الصحف الفرعية (المسائية خصوصا) والمجلات.

سبب البيع هو تخفيف الخسائر خصوصا أن مبيعات بعض الصحف والمجلات تصل إلى 500 نسخة فقط أسبوعيا أو أقل وفق تسريبات عن التوزيع.

مدير تحرير إحدى الصحف الحكومية أوضح لـ "الاستقلال" أن بعض المجلات والإصدارات الفرعية توزع نسخها على المصالح الحكومية ولا تكاد تبيع شيئا، بسبب ضعف مستواها وغياب الإقبال على النسخ الورقية.

الصحفي المعارض صلاح بديوي كتب على فيسبوك أن لديه معلومات عن "قرار بإغلاق كافة الصحف الحكومية المصرية ويستثني منها "الأخبار" و"الأهرام" الرئيستين".

وذكر أن "الإغلاق سيشمل الصحف المسائية ومجلات نصف الدنيا ودار الهلال وأكتوبر والأهرام العربي والشباب وحريتي وعقيدتي وغيرها، والمرحلة الأولى من عمليات الإغلاق بدأت بالصحف المسائية طمعا في أصولها".

وأضاف أن: "ماسبيرو (التلفزيون الحكومي) سيتم أيضا إغلاق غالبية قنواته والاستيلاء على أصولها وتشريد 20 ألفا من العاملين فيها خلال بضعة أسابيع".