يتقرب من الأردن.. ماذا وراء محاولات نظام الأسد إحياء خط الغاز العربي؟

مصعب المجبل | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يواصل النظام السوري بكل السبل الممكنة محاولاته لفك العزلة العربية السارية عليه منذ 10 سنوات، دون تحقيق أي تقدم على هذا الصعيد.

ولجأ نظام بشار الأسد إلى فتح الملفات القديمة، كخط الغاز العربي الذي يعد من أهم المشاريع الاقتصادية في شرق المتوسط، لا سيما أنه كان يمثل نقطة تحول وبداية لتصدير الغاز إلى أوروبا عبر تركيا.

ولم تقطع عمّان علاقتها الدبلوماسية مع الأسد عقب اندلاع الثورة السورية في مارس/آذار 2011، حيث بقيت سفارة النظام في عمّان تعمل وما زالت، كما لم يتم الإعلان عن إغلاق السفارة الأردنية في دمشق.

وفي مايو/أيار 2014، اعتبرت عمّان، سفير النظام السوري السابق لديها بهجت سليمان، شخصا غير مرغوب فيه، وأمرته بمغادرة المملكة خلال 24 ساعة بسبب "إساءاته المتكررة" بحق المملكة.

واختار النظام السوري، الأردن، كبوابة أولى لإعادة إحياء مشاريع اقتصادية عملاقة، وتحقيق الانتعاش من بوابة الجارة التي ترتبط معها سوريا بحدود طولها 375 كيلومترا.

وجديد محاولات تقرب النظام السوري مع الأردن هو استضافة الأخير لأول وفد وزاري من النظام منذ عام 2011، أي بعد سنوات من الجفاء السياسي تخللها توجيه النظام اتهامات لعمّان بدعمها لـ"الإرهاب" على أراضيها.

خط إستراتيجي

في 23 يونيو/حزيران 2021، بحثت وزيرة الطاقة الأردنية هالة زواتي مع وزيري النفط بسام طعمة، والكهرباء غسان الزامل لدى النظام السوري، في العاصمة عمّان، مجالات التعاون في قطاعي النفط والكهرباء وسبل تعزيزها. 

وركز الجانبان على وضع شبكة الربط الكهربائي بين الأردن وسوريا، ووضع البنية التحتية لخط الغاز العربي الواصل بين البلدين الذي كان يهدف منذ إنشائه عام 2000 لتصدير الغاز الطبيعي المصري إلى دول المشرق العربي ومنها إلى أوروبا.

وتورد وزارة النفط التابعة للنظام السوري يوميا كامل حاجة محطات الكهرباء من الفيول وأقل من حاجتها بالنسبة لمادة الغاز، حيث أن 75 بالمئة من محطات التوليد تعمل على الغاز و25 بالمئة على الفيول، وخاصة أن خط الغاز العربي يغذي تلك المحطات جنوب سوريا.

و"خط الغاز العربي" الذي يحاول نظام الأسد إعادة تفعيله كان يفترض أن يكون خطا إستراتيجيا لتصدير الغاز الطبيعي بين مصر والأردن ولبنان وسوريا إلى أوروبا عبر تركيا، لكن توقف بناء الخط عقب اندلاع الثورة السورية.

وكان مقررا أن يبلغ طوله الإجمالي عند إتمامه 1200 كيلومترا بتكلفة قدرها 1.2 مليار دولار وينقل 10.3 مليارات متر مكعب من الغاز سنويا، وبذلك يشكل أول مشروع إقليمي يمر عبر ثلاث قارات (إفريقيا، آسيا، أوروبا).

أما الاتجاه العام للخط الذي انطلق عام 2003 فهو من العريش المصرية إلى العقبة ثم الرحاب ثم جابر في الأردن ومنها إلى داخل سوريا وتحديدا لحمص ومنه فرعان الأول إلى حلب (لم ينفذ) ثم إلى الحدود التركية عند مدينة كلس (لم ينفذ) والثاني من حمص إلى طرابلس اللبنانية.

كما كانت هناك خطة لنقل الغاز العراقي عبر خط الغاز العربي إلى تركيا والتي لم تتم بسبب الحرب عليها عام 2003، ومن مصر الذي بات متقطعا بسبب اندلاع الثورة فيها يناير/كانون الثاني 2011 وفي سوريا بسبب الثورة أيضا في مارس/آذار 2011.

ولجأت الأردن عقب ذلك إلى الغاز الإسرائيلي كبديل عنه، بينما اتجهت مصر إلى قبرص واليونان لإنشاء خط بديل لأوروبا مما أشعل صراعا في المنطقة وخاصة بعد إبعاد تركيا عن الخطوط الجديدة.

ولعل اهتمام الأردن بخط الغاز العربي في بداية تأسيسه نظرا لآثاره الإيجابية على قطاع الطاقة في المملكة من حيث ضمان التزويد الآمن بالطاقة لمدة طويلة وبأسعار تفضيلية، وفق ما ذكرت صحيفة "الدستور".

وكذلك التوفير في كلفة الطاقة التوليدية مقارنة مع كلفة المشتقات النفطية البديلة المستخدمة في توليد الطاقة الكهربائية مما ينعكس إيجابيا على مختلف قطاعات الاقتصاد الوطني الأردني، ويخفف من أعباء فاتورة النفط الأردنية الآخذة بالزيادة.

تعامل بحذر

بدء صفحة جديدة في العلاقات بين الأردن والأسد من خلال زيارة رسيمة على مستوى الوزراء، تشير -رغم أن الطرفين كانا يتعاملان سابقا بحذر- إلى تحرك أحادي الجانب من طرف النظام السوري.

وخاصة أن حلفاء الأردن لم تظهر منهم أي بوادر على التعاطي مع النظام السوري، وهنا المقصود الولايات المتحدة والسعودية التي قال مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة عبد الله المعلمي في 9 يونيو/حزيران 2021 إنه "من المبكر الحديث عن عودة علاقات الرياض مع النظام".

ورد المعلمي ذلك إلى الوضع الحالي في سوريا الذي أكد أنه "ما زال صعبا وما زال النظام يمارس هجماته على المدنيين ويمارس سياسة التغيير العنصري".

وفي السياق، تحدث الأستاذ الجامعي والباحث الاقتصادي السوري، رفعت عامر، عن السبب الرئيس لفتح النظام السوري ملف خط الغاز العربي في هذا التوقيت.

وقال لـ"الاستقلال": إن "النظام السوري حاليا ليس بحاجة فقط للترويج لمشاريع إعادة الإعمار، وإنما يحتاج إلى إشاعة أجواء إيجابية من الانفتاح على الدول العربية عموما والخليجية خصوصا".

وكذلك محاولة "إرضاء القوى الدولية الفاعلة على الساحة السورية وأولها أميركا وإسرائيل وثانيها روسيا، وكلها ترغب في انفكاك النظام السوري عن حليفه الإستراتيجي إيران".

واعتبر الباحث الاقتصادي أن "سوريا المحكومة بنظام شمولي استبدادي لم تكن الأولوية لديه للفوائد والعوائد الاقتصادية للمشاريع بقدر ما كان وما تزال الفوائد السياسية بما تخدم بقاءه واستمراره في السلطة".

موقف ضبابي

وفي الوقت الذي تمتنع فيه الأردن عن الإعلان عن موقف واضح من عودة النظام لشغل مقعد سوريا في جامعة الدول العربية المعلق منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2011، يبدو أن عمّان تحسب جيدا العواقب الكبيرة على الانفتاح الواسع على الأسد رغم حاجتها الملحة لتنشيط المعابر والتبادل التجاري ووصول بضائعها إلى الأسواق اللبنانية والتركية.

ووفق بيانات رسمية هبطت قيمة الصادرات الأردنية إلى 13.9 مليون دولار في 2016، بعد أن سجلت 255.5 مليون دولار في 2011.

أما الصادرات الأردنية لسوريا فلم يختلف الحال بالنسبة لها أيضا، فقد وصلت إلى 19.5 مليون دولار في 2016، مقارنة بـ 376 مليون دولار عام 2011.

وفي السياق، يرى الدبلوماسي السوري السابق، بشار الحاج علي، أن "نظام الأسد يسعى بشتى الوسائل والطرق ليكسر الجمود في علاقاته مع الدول العربية وغيرها، في الوقت الذي تمارس فيه بعض الدول أيضا ضغوطا لإعادة تأهيله أو تعويمه".

واستدرك قائلا لـ"الاستقلال" إن "هذا لن ينجح لأسباب عديدة على رأسها سقوطه شعبيا، وعدم شرعيته دوليا، وخضوعه للعقوبات الدولية وخاصة قانون حماية المدنيين الأميركي المعروف بـ(قيصر)".

واعتبر الدبلوماسي أنه "رغم الظروف التي يمر بها الأردن والضغوطات الاقتصادية نتيجة انعكاس الأوضاع بسوريا على المملكة، خاصة مع انقطاع الترانزيت الدولي، إلا أن الأردن لن يخرج عن الإجماع الدولي".

وأوضح الحاج علي أن "الأردن يتعامل مع نظام الأسد وفق اتفاقات سابقة، وفي حالة الغاز والكهرباء تخضع لاتفاقات دولية ليست ثنائية خاصة مع اتفاق الربط الكهربائي وخط الغاز العربي وهي من ضمن التعاون الخدمي ولا تعني تغييرا سياسيا أو إعادة علاقة طبيعية خاصة".

ونوه الدبلوماسي السوري السابق إلى أنه "يجب قراءة هذه الخطوة بين النظام السوري والأردن في سياقها الثنائي وضمن تداخل الجغرافيا والموارد بما في ذلك مياه نهر اليرموك".

وتعتبر المملكة الأردنية من بين الدول العربية الأكثر استقبالا للسوريين الذين فروا من هجمات قوات النظام على مدنهم، بعدد بلغ 1.3 مليون نصفهم يحملون صفة لاجئ.

تبعات إستراتيجية

روجت وسائل إعلام أردنية ومنها وكالة "عمون" لتضمين الملف السوري في جعبة الملك عبد الله الثاني خلال زيارته المرتقبة في يوليو/تموز 2021 لواشنطن ولقائه الرئيس الأميركي جو بايدن وذلك للمرة الأولى منذ وصول الأخير إلى البيت الأبيض.

وكشفت "عمون" فحوى ما سيحمله الملك الأردني معه إلى واشنطن، قائلة: "قانون قيصر الذي أقره الكونغرس الأميركي ودخل حيز التنفيذ في 17 يونيو/حزيران 2020 ويهدف لمعاقبة الداعمين والمتعاملين مع النظام السوري سيكون على طاولة المناقشات الأردنية الأميركية".

واعتبرت الوكالة أن "قيصر" ألقى بظلال سوداء على الاقتصاد الأردني، مضيفة أن "الأردن يحمل مشروعا كاملا مفاده ضرورة عودة سوريا إلى الجامعة العربية".

ونقلت الوكالة عن مصادر لم تسمها عن وجود ما سمته "تنسيق أردني – روسي عميق حيال الملف السوري"، وأن "روسيا ستتولى تخفيف التأثير الإيراني فيما يتولى الأردن إزالة العوائق عربيا وأميركيا".

وحول هذه الجزئية، رجح الخبير الاقتصادي في مركز جسور للدراسات، خالد تركاوي، أن "حديث النظام السوري حول خط الغاز العربي غير جدي لكونه يتعارض مع مصالح شركائه على الأرض".

وشرح تركاوي لـ"الاستقلال" ذلك بقوله: "الخط يتعارض مع مشروع خط الغاز الإسلامي الإيراني والموقع مع النظام السوري قبل عام 2011".

وبالنسبة لروسيا، وفق الخبير الاقتصادي، فإن "ما يهمها أن تبقى المصدر رقم واحد للغاز لأوروبا وبالتالي وجود مصدر آخر يمر عبر سوريا سيكون له تبعات إستراتيجية عليها".

وألمح تركاوي إلى أن "النظام السوري لا يستطيع أن يخرج عن دائرة حلفائه إلا إذا كان يفكر بأنه يمكن أن يتقارب مع دول الخليج والعودة لصفهم ويخلق توازنا، وبنفس الوقت يبعث برسالة لشركائه بأنه لديه استقلال سياسي".

وذهب تركاوي للقول: "لذلك أستبعد أن تسمح كل من روسيا وإيران للنظام بالقيام بتلك الخطوة وإن كانت بحثت النقطة في الإعلام إلا أنها لا تعدو عن كون الجانب الأردني هو صاحب المصلحة في إثارة مسألة خط الغاز العربي".

واشنطن بالمرصاد

ومما يؤكد رفض واشنطن أي خطوات لإعادة تعويم النظام السوري عربيا ودوليا؛ هو مطالبة الخارجية الأميركية مجددا في 25 يونيو/حزيران 2021 "البلدان التي تفكر في تطبيع علاقاتها مع النظام السوري أن تأخذ بعين الاعتبار جرائمه".

وأضافت الخارجية الأميركية في بيان: "سنفرض عقوبات على الحكومات والكيانات التي تخالف قانون قيصر"، مشددة على "أنها لن تسمح بتمرير أي دعم للنظام السوري قبل اتخاذ خطوات في الحل السياسي".

وفي هذا السياق، يتفق الصحفي والمحلل السياسي السوري ياسر بدوي مع الآراء التي تقول إن نظام الأسد "يحاول كسر طوق الحصار والعزلة" مع الدول العربية وكذلك تفعل روسيا.

وأكد بدوي لـ"الاستقلال" أن تلك المحاولات "لن يكون لها جدوى، بسبب قانون قيصر الصارم والذي لن يرحم أي دولة عربية تحاول أن تبرم أي اتفاق مع نظام الإجرام دون حل سياسي بشروط وخلفيات القرار 2254".

ويطالب القرار 2254، الصادر في 18 ديسمبر/ كانون الأول 2015، الأطراف السورية بالتوقف عن شن هجمات ضد أهداف مدنية، وإجراء مفاوضات وانتخابات بإشراف الأمم المتحدة.

وأضاف بدوي أن "ما يتم الترويج له من أن زيارة الملك عبد الله المرتقبة لأميركا وإقناع إدارة بايدن باستثناء المملكة من عقوبات قيصر المفروضة على النظام، هي إشاعات ومبالغة؛ كون العاهل الأردني يعي تماما الأبعاد السياسية، ويعلم سيطرة إيران على نظام الأسد، وخاصة أنه كان أول من حذر من الهلال الشيعي".