بين البوذيين والهندوس.. كيف تزيد التفجيرات معاناة مسلمي سريلانكا؟

محمد العربي | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تفجيرات سريلانكا التي أودت بحياة أكثر من 300 مواطنا معظمهم من المسيحيين، بالإضافة لجرح المئات في سلسلة تفجيرات شهدتها الكنائس والفنادق السريلانكية أثناء الاحتفال بعيد الفصح، جعلت من اسم هذا البلد الصغير والفقير، في مقدمة مؤشرات البحث على مواقع البحث الشهيرة.

ورغم أن الحكومة السريلانكية اتهمت بشكل غير صريح جماعة التوحيد الوطنية الإسلامية المتشددة، بأنها المسئولة عن التفجيرات، إلا أن تقارير صحفية وإعلامية أخرى وجهت أصابع الاتهام لجماعة نمور التاميل الشهيرة، والتي احتلت رقما بارزا في سريلانكا قبل أكثر من 20 عاما.

"راجيثا سيناراتني" المتحدث باسم حكومة سريلانكا، كان دقيقا في تصريحاته التي أعقبت التفجيرات وخاصة يومي الأحد والإثنين 21 و22 أبريل/نيسان الجاري، حيث أكد شكوك حكومته بأن جماعة التوحيد الوطنية هي التي نفذت الهجمات الانتحارية، وفقا لما نقلته وكالة الأنباء الألمانية.

وحسب تصريحات المتحدث نفسه، فإن حكومته أيضا ترى أن هناك شبكة دولية، هي التي ساعدت الجماعة المحلية في هذه الهجمات، مطالبة المجتمع الدولي بمساعدتها لتعقب الجهات الدولية التي لها علاقة بالحادث.

ورغم أن جماعة التوحيد الوطنية، لم تعلن مسئوليتها عن الحادث، إلا أن موقع "ذا ليدر"، السريلانكي أكد أن الجماعة المعروفة في الأوساط المحلية، تصنف ضمن الجماعات المتشددة العاملة في سريلانكا، ولكنها معروفة بعدائها ضد البوذيين، الذين يشكلون 70 % من إجمالي السكان، والنسبة الباقية موزعة بين الكاثوليك والهندوس والمسلمين.

من جانبه أدان المجلس الإسلامي في سريلانكا الهجمات، مؤكدا في بيان رسمي، أن هذه الهجمات التي شنها متطرفون تهدف إلى وضع حواجز بين الأديان والعرقيات المختلفة، لتنفيذ أجنداتهم التي تهدف إلى بث الرعب وإشاعة القلق في الحياة العامة.

وطالب المجلس الحكومة السريلانكية بالبحث عن الفاعلين وتقديمهم للعدالة، مبديا استعداد المجلس والمجتمع المسلم في البلاد لتقديم المساعدة اللازمة لكل من تأثر بالتفجيرات.

ونقلت وكالة "بلومبيرج" الأمريكية عن حملي أحمد نائب رئيس المجلس، تأكيده بأنهم سبق وأن حذروا مسئولي المخابرات العسكرية من خطورة جماعة التوحيد الوطني المتطرفة قبل 3 سنوات، مشيرا إلى أنه سلم شخصيا جميع الوثائق قبل 3 سنوات وتفاصيل عن هؤلاء الأشخاص المتهمين، موضحا أنهم يقتلون الناس باسم الدين.

جنة آدم

وتعد سريلانكا أو سيلان سابقا إحدى المستعمرات البريطانية في المحيط الهندي، وهي عبارة عن جزيرة تقع إلى الشمال من المحيط الهنديّ وتحديداً في الجنوب من شبه القارة الهنديّة. وحدودها كلها بحيرة حيث يحدها من الشمال الهند، التي تبعد عنها حوالي 31 كم، يحدها من الجنوب الغربي جزر المالديف، وتتكون سريلانكا من عدة أعراق أبرزهم السنهاليون، ويتبعهم التامليين والمورو، وهناك أقليات من البورغر والماليزيين والفيدا.

وتعرف سريلانكا العديد من الديانات نتيجة تنوع أعراقها، وتتنوع الديانات بين البوذيّة والهندوسيّة والإسلام والمسيحيّة والإحيائيّة. فالسنهاليون يعتنقون البوذيّة والتاملييون الهندوسيّة، بينما يعتنق الماليزيون والمورو الإسلام، وجزء من السنهاليين والتامليين يعتنقون المسيحيّة وهم يتبعون للكنيسة الكاثوليكيّة، وجزء من الفيداسييون يعتنقون البوذيّة والجزء الآخر يعتنقون الإحيائيّة.

وقد أقرت الحكومة السريلانكيّة حرية التدين والاعتقاد لسكانها مع إعطاء الديانة البوذيّة الأولويّة والأهمية الكبرى. ويعتبر أصحاب عرق الفيدا السكان الأصليين للبلاد، بينما يُعد أصحاب عرق البورغر من أحفاد الهولنديين والبرتغاليين المتبقيين من بعد انتهاء احتلال هاتين الدولتين للبلاد.

وقد تحدثت العديد من الدراسات التاريخية إلى أن سريلانكا أو سيلان أو سرنديب، هي المكان الذي نزل فيه آدم عليه السلام، إلى الأرض بعد خروجه من الجنة، وتستدل هذه الدراسات، بوجود آثار لقدم آدم عليه السلام، على أحد جبالها ولذلك أطلقوا على الجبل اسم جبل آدم.

مسلمو سريلانكا

وحسب آخر إحصاء للحكومة السريلانكية في عام 2015، فإن عدد المسلمين يبلغ مليوني نسمة من إجمالي 21 مليون نسمة، هم عدد سكان سريلانكا، بنسبة 10%، ورغم أنهم أقلية كبيرة إلا أنهم يعانون من الاضطهاد والتهميش واستهداف مساجدهم ومتاجرهم، وهو ما دفع بمساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية "جيفري فيلتمان"، لإطلاق صرخة تحذير أواخر 2018، طالب فيها المجتمع الدولي بالقيام بدوره المنوط لحماية المسلمين من الأغلبية البوذية.

وفي تقرير لوكالة فرانس برس في سبتمبر/أيلول 2018، فإن أكثر من 20 مسلما وقعوا بين قتيل وجريح، بالإضافة لحرق وتدمير نحو 200 متجر ومنزل، و11 مسجدًا على يد عصابات من العرقية السنهالية التي تغلب عليها الديانة البوذية.

وينقسم مسلمو سريلانكا من ناحية العرق إلى 3 أقسام، فهناك مسلمون "مورو"، وهم من البرتغاليين الذين احتلوا الجزيرة في القرن السادس عشر، وهم الأغلبية الساحقة بين المسلمين، أما مسلمو الـ"ملايو" فهم غالبًا من الجنود الإندونيسيين في الجيش البريطاني، وأخيرًا مسلمون هنديون، وهم من جاءوا تجارًا من الهند واستقروا في البلاد، ويشعر مسلمو سريلانكا بقوة انتمائهم الديني بغض النظر عن الاختلاف العرقي والإثني فيما بينهم.

ويتركز تواجد المسلمين في المحافظة الشرقية إذ يشكلون ما نسبته 37.12%، ففي مقاطعة "أمباري" مثلاً يشكل المسلمون 43.6% ، وفي مقاطعة "تيروكوناملاي" 42.1% ، وفي "متّاكيلافّو" 25.5%.

وينتمي أغلب المسلمين للمذهب الشافعي، وينتشرون في أقاليم الجزيرة كافة ولهم نحو 2000 مسجد أشهرها مسجد بيرولا، ومسجد كولومبو الواقع وسط حدائق القرفة والأزهار الجميلة، بالإضافة إلى العديد من المساجد الصغيرة الموزعة بحسب مواقع المسلمين في الجزيرة، بجانب العديد من المؤسسات الدينية مثل جماعة التبليغ والدعوة، وجمعية علماء سريلانكا، وجمعية أنصار السنة، وقد ترجمت إحدى هذه المنظمات معاني القرآن الكريم إلى اللغتين السنهالية ولغة التاميل، باعتبارهما اللغتين المحليتين هناك.

حرية دينية

ولمسلمي سريلانكا ما يقرب من 500 مدرسة إسلامية ابتدائية تخضع لإشراف حكومة البلاد، بالإضافة إلى وجود مدارس تفتح أبوابها لأبناء المسلمين أيام الأحد وتسمى "الأحدية"، أسستها جمعيات إسلامية لتعليمهم مبادئ الدين الإسلامي وحفظ القرآن، وتضم العاصمة كولومبو حوالي 25 معهدًا إسلاميًا، ومكتبة تحتوي على مئات الكتب الإسلامية، بالإضافة إلى محكمة لتطبيق الشريعة الإسلامية وقوانينها.

ويتميز المسلمون في سريلانكا باعتبارهم الفئة الأكثر تعليمًا، وحسب إحصاء 2015، فإن هناك ارتفاعا في نسبة عدد الطلاب المسلمين الذين يلتحقون بالمدارس والكليات المختلفة، ليصبح بينهم متخصصون في عدد من المجالات، كالهندسة والطب والمحاسبة والإدارة وغيرها من التخصصات المتنوعة، هذا بالإضافة إلى عمل كثير منهم كأعضاء بهيئات التدريس في مختلف الجامعات والكليات، أشهرهم البروفيسور "شريف الدين" أستاذ الجراحة في جامعة كولومبو، والذي تم اختياره كرئيس لقسم الجراحين في الجامعة.

وحسب لقاء موسع أجراه مرصد الأقليات الإسلامية مع منصور أبو صالح مؤسس كلية القرآن بسريلانكا، فإن أوضاع المسلمين تشهد انفتاحًا كبيرًا في مجال الحريات والحقوق، بعد أن حصلوا على حريتهم في ممارسة الشعائر الدينية الخاصة بهم، ولهم قوانينهم الخاصة في الأحوال الشخصية، بالإضافة إلى حرية المرأة في ارتداء زيها الشرعي، والحرية الكاملة في بث برامج دينية لهم في وسائل الإعلام.

ويمتلك المسلمون في سريلانكا 3 مجلات تصدر شهريًّا، كما أسسوا حزبًا سياسيًّا إسلاميًّا عام 1981 م وهو حزب المؤتمر الإسلامي السريلانكي في مدينة كولومبو، كما يوجد لديهم نحو 200 مدرسة دينية بالجهود الذاتية، ولا تتلقي أي دعم حكومي، ما جعل شهاداتها غير معترف بها، وتوجد أيضا الجامعة النظيمية الإسلامية وهي معهد إسلامي كبير، وأخيرا تم افتتاح جامعة المصطفى الإسلامية التابعة لجمعية أنصار السنة في سريلانكا.

اضطهاد وتهميش

ورغم الحرية النسبية للمسلمين بسريلانكا عن باقي دول شرق أسيا، إلا أن هذا لا يمنع تعرضهم للاضطهاد والتهميش، حيث لا يختلف في النهاية حالهم، عن حال غيرهم من مسلمي دول شرق آسيا، التي يسيطر عليها البوذيون، وهو ما أدى لتجريم كثير من الشعائر الإسلامية، نتيجة تحريم البوذية لها، مثل ذبح ذبح البقر والطيور والاحتفالات بعيد الأضحى عند المسلمين.

وتشير دراسة وافية أعدها مرصد الأقليات المسلمة عن خريطة الأقليات المسلمة في آسيا، إلى أن مشكلة المسلمين هناك تكاد تكون واحدة، بسبب سيطرة الطائفة البوذية على السلطة، كما أنهم ينظرون إلى المسلمين باعتبارهم وافدين أو غرباء محتلين يجب إخراجهم من البلاد، شأنهم شأن المحتل، وكلما زادت أعمال العنف التي تقوم بها جماعات مثل تنظيم الدولة أو القاعدة، كلما تأزم وضع المسلمين في شرق آسيا بشكل عام.

ويضاف لأسباب التهميش والاضطهاد أيضا، محاولات تغيير الخريطة الديموجرافية وتوازنات القوى خاصة مع صعود الصين كلاعب اقتصادي، إذ يُلاحظ الدور الصيني في الأزمات التي يتعرض لها المسلمون في دول شرق آسيا.

وتشير تحليلات إعلامية للصراع الذي شهدته سريلانكا بأنه بدأ عرقيا، ثم تحول لديني، خاصة وأن بداية الحرب عام 1983، كانت بسبب مطالبة أقلية التاميل التي يغلب عليها الهندوس الانفصال عن الدولة، بسبب سيطرة الأغلبية السنهالية على البلاد، ولأن السنهالية تسيطر عليها البوذية، فإنها حاولت فرض إرادتها على باقي الأقليات العرقية والدينية على حد سواء.

ووفقا للتحليلات نفسها، فإن المسلمين بسريلانكا، رفضوا الانضمام لحركة نمو التاميل في مطالبهم الانفصالية، ووقفوا في صف وحدة الدولة، وأيدوا الحكومة البوذية في إجراءاتها، ما كلفهم ضريبة باهظة، حيث قام الهندوس بحرق مساجدهم وقراهم، وشنوا عليهم الهجمات الانتقامية ما أدى في النهاية لمقتل وتشريد ما لا يقل عن 100 ألف مسلم سريلانكي، تم إخراجهم قسرا من 130 قرية في الشمال، وتعرض معظمهم لمجازر بشعة، خلال الفترة من بداية الحرب عام 1983 وحتى نهايتها عام 2009.

ويستدل الدكتور زياد الشامي الخبير البحريني في شئون الأقليات المسلمة، على وجود اضطهاد للمسلمين في سريلانكا خلال السنوات الماضية، بمقال منشور لمدير المجلس الوطني للسلام في سريلانكا "جيهان بريرا"، على موقع "منتدى شرق آسيا" الأسترالي، أكد فيه أن الحكومة السريلانكية تغمض أعينها عمدا عن تزايد ظاهرة العنف الديني ضد المسلمين هناك مؤكدا أن عام 2016، شهد 20 هجوما ضد مصالح وأماكن للعبادة تابعة للمسلمين في سريلانكا، منوها إلى أن الهجمات الأخيرة تختلف عن تلك التي شهدتها البلاد ضد المسلمين خلال سنوات الحرب الأهلية، لأنها وقعت في أماكن متنوعة ما يجعلها منسقة.

وحسب مدير المجلس الوطني للسلام فإن الشرطة السريلانكية لم تقم بأي خطوات لحماية المجتمع المسلم واعتقال أولئك الذين جرى توثيق مشاركتهم في الهجمات، محذرا من أن تسير الحكومة السريلانكية على نهج حكومة ميانمار التي تسعى لاستيعاب مجموعات البوذيين القوميين المتشددين داخل الحكومة من أجل الفوز بدعمهم في مواجهة التحديات السياسية من قبل أحزاب المعارضة.

يضاف لما سبق، أن أوضاع المسلمين شهدت تغييرا منذ نهاية الحرب الأهليَّة في البلاد عام 2009م حيث تغيرت نظرة الحكومة للمسلمين، ولم تعدْ ترى أنهم من أصل البلاد، وهو ما يبرر فقدات كثير من المسلمين لوظائفهم في الجمارك والمؤسسات الأخرى منذ عام2011م.

عرابي في سيلان

وتشير دراسة بحثية معمقة للمؤرخة المصرية لطيفة محمد سالم عن السنوات التي قضاها الزعيم المصري أحمد عرابي ورفاقه من الذين قاموا بالثورة العرابية، وتم نفيهم في جزيرة سيلان التي عرفت بعد ذلك بسريلانكا لمدة 18 عاما، وقد دفن معظم رفاقه هناك، وعاد عرابي وحيدا، بعد أن أنشأ في منفاه بسريلانكا أول مسجد للمسلمين في العاصمة، وأول مدرسة لتعليم القرآن الكريم والسنة النبوية.

وتشير الدراسة إلى أن عرابي أراد أكثر من مرة أن ينتقل من سيلان، لمنفي آخر نتيجة صعوبة المناخ هناك، ولكن حب سكان الجزيرة من المسلمين وارتباطهم به، دفعه للاستقرار بها، حتى عاد إلى مصر مرة أخرى، وتستدل الباحثة بحفلات الوداع الذي أقامها المسلمون لعرابي، ومرافقتهم له حتى إبحار الباخرة التي أقلته لمصر، وهي الاحتفالات التي لم يكررها المسلمون هناك كثيرا بعد ذلك، وفق الدراسة التاريخية.