تصريحات قيس سعيّد.. كيف ساهمت في استمرار "البلوكاج" السياسي؟

زياد المزغني | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

كلما بدأت تلوح ملامح الحل بشأن الأزمة السياسية المتواصلة منذ 5 أشهر في تونس، حتى تعود إلى مربع التجاذبات والخطابات المتقابلة بين أطراف الأزمة حينا أو بين أحد أطرافها والوسطاء.

وبعد أن اعتقد التونسيون أن "البلوكاج" (الانسداد) السياسي الذي تشهده البلاد، قد وصل لحل يمر عبر حوار وطني وفق مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل، جاءت تصريحات سعيد الأخيرة لتفتح أزمة جديدة مع المنظمة النقابية الأكبر.

ونهاية يناير/كانون الثاني 2021، منحت الثقة للتركيبة الجديدة لحكومة هشام المشيشي، لكن الرئيس قيس سعيد رفض قبولهم لأداء اليمين.

هذا الوضع الجديد، جعل الأطراف السياسية الممثلة داخل البرلمان وخارجه، تطرح رؤيتها لحل سريع لإخراج البلاد من الوضع الذي تعيشه، في ظل أزمة اقتصادية هي الأسوء منذ 10 سنوات وتصاعد حراك اجتماعي في عدد من مناطق البلاد الأكثر فقرا وتهميشا.

وانحصرت الخيارات بين حوار وطني رغم الخلاف الحاصل، أو الذهاب إلى انتخابات مبكرة، رئاسية وتشريعية.

تفاؤل وهمي

مساء 11 يونيو/حزيران 2021، عبر الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي عن تفاؤله بمستقبل تونس مؤكدا أن البلاد بدأت تتخطى الأزمة السياسية وكل ما يعطل المرافق العام للدولة.

وقال الطبوبي عقب لقاء جمعه برئيس الجمهورية قيس سعيد في القصر الرئاسي بقرطاج، إنه ستكون في القريب العاجل بوادر إيجابية، معبرا عن أمله بمستقبل لتونس أفضل من الحاضر وفق تعبيره، وأن تونس ستكون متعافية وستكون مؤسساتها متماسكة.

هذه التصريحات، أعادت للتونسيين التفاؤل مجددا، للخروج من الأزمة السياسية والتي عرفت أوجها، حين لم يقبل سعيد إلى حدود هذا اليوم الوزراء الذين عينهم رئيس الحكومة هشام المشيشي في تعديل حكومي واسع في منتصف يناير/كانون الثاني 2021 وصادق عليهم البرلمان لاحقا.

ويبرر الرئيس رفضه بأن بعض الشخصيات التي تم تعيينها تحوم حولها شبهات تضارب مصالح وفساد.

وهذه الوضعية غير مسبوقة في البلاد، حتى في أوج الخلاف بين رؤساء سابقين ورؤساء الحكومات لم تصل إلى درجة إعاقة عمل الحكومة. 

قرار سعيد، تلاه رد المشيشي بتعيين وزراء آخرين لم يشملهم التعديل الوزاري بمهام الوزراء المعلق تعيينهم ومن بين الوزارات التي تسير بالنيابة منذ أشهر الداخلية والعدل والصحة والزراعة ، وإقالة عدد من الوزراء المحسوبين على رئيس الجمهورية. 

كما أن رئيس الدولة رفض ختم القانون المنظم لانتخاب المحكمة الدستورية التي لم ينجح البرلمان في الاتفاق حولها منذ العام 2014، حيث يعتبر سعيد وهو أستاذ القانون الدستوري السابق نفسه على أنه، بصفته الرئيس، يجب أن يكون المسؤول الأول والوحيد عن تفسير القانون الأساسي للدستور في البلاد.

تصريحات غير محسوبة

وفي أوج موجة التفاؤل، دعا رئيس الجمهورية إلى قصر قرطاج 15 يونيو/حزيران 2021، لاجتماع  ضم رؤساء الحكومات السابقين بعد الثورة، حضر منهم نائب رئيس حركة النهضة علي العريض ورئيس حركة "تحيا تونس"، يوسف الشاهد ورئيس الحكومة السابق إلياس الفخفاخ، وبحضور رئيس الحكومة المشيشي. 

وبحسب بيان رئاسة الجمهورية فإن اللقاء تناول كيفية الخروج من الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها تونس، وجدد رئيس الجمهورية موقفه الرافض للحوار "على شكل ما حصل في السابق".

وركز سعيد على ضرورة إدخال إصلاحات سياسية "بعد أن أثبتت التجربة أن التنظيم السياسي الحالي وطريقة الاقتراع المعتمدة أدت إلى الانقسام وتعطل السير العادي لدواليب الدولة".

كما تم الاتفاق على الاجتماع مجددا في أقرب الآجال حتى يقدم كل مشارك تصوره للحلول، إلى جانب إمكانية تشريك أطراف أخرى، شرط أن يكون العمل نابعا من تصورات وطنية لا من اعتبارات ظرفية أو حسابات سياسية ضيقة، وفق البيان.

إلا أن تصريحات سعيد خلال هذا الاجتماع فجرت خلافا غير مسبوق بينه وبين الاتحاد العام التونسي للشغل والمنظمات الراعية للحوار الوطني عام 2013، والتي أخرجت البلاد حينها من أزمة عاصفة كادت أن تدخل البلاد في حالة فوضى شبيهة بما جرى في نفس العام في عدد من الدول العربية.

وأدان الاتحاد بعبارات شديدة التصريحات التي أطلقها سعيد في 18 يونيو/حزيران 2021، حيث قال: "نحن في سنة 2021 ولسنا في 2013 أو 2014، ولا أقبل أبدا أن أعقد صفقات تحت جنح الظلام.. لن أدخل في أي صفقة.. حصلت الكثير من الأحداث في المدة الأخيرة.. حصلت لأني لم أدخل في صفقات.. مؤسسات الدولة يتم ضربها من الداخل..".

وتابع: "قضيت ساعات طويلة مع أشخاص لا يتقنون إلا المراوغة.. رغم كل هذه العقبات سأواصل العمل". 

واعتبر رئيس الجمهورية أن "الحوار لن يكون كسابقيه، في الحوار الذي يوصف بالوطني لا هو حوار ولا وطني على الإطلاق".

ولم يكتفِ سعيد بالتشكيك في وطنية الحوار بل اتهمه بأنه "كان مرتبطا بأجندات خارجية".

و ينطبق كل هذا "التوصيف والتخوين"، وفق المتابعين، على الرباعي الراعي للحوار والمكون من الاتحاد العام التونسي للشغل، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة (منظمة الأعراف)، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، وعمادة المحامين.

وعبرت المنظمة النقابية الأكبر في تونس في بيان صادر عن هيئتها الإدارية المجتمعة 17 يونيو/حزيران 2021 عن إدانتها "لتصريح رئيس الجمهورية الأخير الذي شكك في الحوار الوطني.. سنة 2013 والذي لولاه لما تمكنا من تجنيب بلادنا حربا أهلية كانت ستعصف بها بعد الاغتيالات التي طالت رموزا سياسية وأمنيين وعسكريين ومواطنين".

وأضاف البيان "ما عبر عنه (رئيس الجمهورية) هو تشكيك متواصل في المؤسسات والمنظمات الوطنية والأحزاب السياسية وتراجع منه على التزامه بمبادرة الحوار الوطني التي اقترحها الاتحاد العام التونسي للشغل من أجل إنقاذ تونس من الوضع الصعب الذي دفعت إليه الأطراف الحاكمة وأصبح يهدد كيان الدولة".

السيناريوهات المقبلة

وفي نفس البيان لاتحاد الشغل، وضعت المنظمة الطبقة السياسية أمام خيارين، إما "الإسراع بتخطي الأزمة السياسية والدستورية في أقرب الآجال أو المرور إلى انتخابات مبكرة".

هذه الخيارات بالفعل بدأت بالتداول بين مكونات المشهد السياسي، الذي يجمع في غالبيته القصوى على أن الوضع الحالي غير قابل للاستمرار مع تواصل حالة الانقسام وغياب التواصل بين مؤسسات الدولة، وخاصة رأسي السلطة التنفيذية.

ولئن كانت درجة التفاؤل المنخفضة بالوصول بالفرقاء السياسيين للجلوس على طاولة حوار واحدة، فإن الذهاب لانتخابات سابقة لأوانها يبدو أنه يحمل نفس درجة الصعوبة في ظل استمرار العمل بنفس القانون الانتخابي السابق الذي كثرت الانتقادات حوله وتحميله المسؤولية في تشتت التركيبة البرلمانية، وفق مهتمين بالشأن السياسي.

ويذكر أن 6 أشهر ونصف قد مرت، منذ تلقي رئيس الدولة لمبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل لإطلاق حوار وطني، وفي الوقت الذي كان ينتظر الجميع أن يعلن الرئيس على البدء العملي في التمهيد للحوار، جاءت تصريحاته التي أساءت لتجربة الحوار الوطني السابق.

ومع انقطاع حبل الود بينه وبين اتحاد الشغل ثم اتحاد الصناعة والتجارة والذي لم يربطه برئيس الدولة أي علاقة منذ دخوله لقصر قرطاج، وكذلك وبقية مكونات الرباعي الراعي للحوار الوطني (رابطة حقوق الإنسان والهيئة الوطنية للمحامين)، جعل البلاد اليوم بدون وسطاء بين أطيافها السياسية المختلفة.

وفي حديث للاستقلال، اعتبر الناطق باسم حركة النهضة فتحي العيادي أن "الحل المفضل لللنهضة باعتبارها الحزب الأكبر في البلاد والأول برلمانيا، هو الذهاب إلى حوار وطني اقتصادي واجتماعي وسياسي وعدم الخوض في قضايا قد تضيع الوقت على التونسيين ويخرجه عن أهدافه الرئيسة". 

وأكد أن "النهضة لا ترى مانعا في الذهاب لأي شكل من أشكال الحوار الوطني الذي تقترحه جهة المبادرة أي الاتحاد العام التونسي للشغل، بما فيها الحوار بين الأحزاب السياسية فقط ودون مشاركة رئاسة الجمهورية إن رفضت الرئاسة ذلك".

واستدرك العيادي قائلا: إن "للحركة شرطا وحيدا للحوار وهو دخول جميع الأطراف بدون شروط، وأن كل الملفات توضع على طاولة الحوار للبحث والنقاش والتوصل لاتفاق حولها".

واعتبر أن خيار الذهاب إلى "انتخابات رئاسية وتشريعية سابقة لأوانها محل بحث ودراسة من الحركة، رغم تقديرنا لأن الخيار الأفضل هو الحوار الوطني للحسم في الملفات الخلافية الكبرى، وللوصول للانتخابات يجب تنقيح القانون الانتخابات إرساء المحكمة الدستورية وتهيئة الأوضاع لهذا الاستحقاق حتى تكون الأوضاع بعده أفضل مما هي عليه اليوم".

إلا أن القيادي في حركة النهضة شدد على أن "الوضع الحالي صعب جدا، وأقرب إلى المعجزة مواصلة عمل الحكومة تحت هذا الضغط وفي ظل هذا الوضع خاصة وسط أزمة اقتصادية وصحية، وما نخشاه أن نصل إلى مرحلة لا يمكن فيها استمرار الوضع على ماهو عليه".