عقبات و"تراشقات جديدة" بين مصر وتركيا.. لماذا يتحرك ملف مصالحتهما ببطء؟

محمد السهيلي | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

بعد تقدم لافت في إزالة ما لحق بالعلاقات المصرية التركية منذ الانقلاب العسكري الذي شهدته القاهرة منتصف 2013، ورفضته حينها أنقرة؛ يبدو أن هناك ملفات عالقة أعادت تعكير صفو ما حدث من تقدم في الاتصالات المخابراتية وتلك التي أجرتها وزارتا الخارجية في البلدين على مدار الأشهر الماضية.

ملف التصالح المصري التركي يسير ببطء شديد، إذ تأخرت زيارة الوفد المصري المرتقبة لأنقرة رغم زيارة وفد تركي رفيع للقاهرة، وذلك على عكس ملف التصالح المصري القطري الذي تخطى الكثير من الحواجز.

وجرت زيارات متبادلة لوزراء خارجية مصر سامح شكري وقطر محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، بجانب دعوات رسمية لرئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي لزيارة الدوحة وزيارة أمير قطر تميم بن حمد للقاهرة، إضافة إلى تعيين عمرو كمال الدين بري سفيرا لدى الدولة الخليجية في القاهرة 23 يونيو/ حزيران 2021.

لكن في الملف التركي؛ وبرغم إعلان أنقرة الدائم استعدادها بدء صفحة جديدة مع مصر بل والسعودية، إلا أنه وبدون سابق إنذار خرجت للسطح تصريحات سياسية وإعلامية وتراشقات من الجانبين تشير إلى تأزم جديد.

ترحيب وغموض

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قال في 7 مايو/ أيار 2021، إن تركيا ستعزز الحوار مع مصر لتطبيع العلاقات، مشيدا بالروابط التاريخية بين الشعبين، ومشيرا إلى "بدء مسار جديد"، ومعلنا عزم حكومته مواصلة مسار الحوار وتوسعته.

وأجرى وفد تركي زيارة إلى القاهرة في 5 مايو/ أيار 2021، برئاسة سادات أونال نائب وزير الخارجية، لأول مرة منذ 8 سنوات، اعتبرها مراقبون فارقة بين فترتين، وتحول حقيقي لتطبيع علاقات البلدين.

برغم ذلك التقدم اللافت فإن الإعلام المصري عاد لحالته السابقة والتي دأب عليها طوال 8 سنوات من انتقاد تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان، والتحذير من مخططاتهما بالمنطقة وخاصة ليبيا.

الإعلامي المصري المحسوب على النظام عمرو أديب، وبعد توقفه لعدة أشهر عن انتقاد أنقرة عاد يكيل الانتقادات لها، وخاصة إثر زيارة وفد تركي لطرابلس، شمل وزراء الخارجية تشاووش أوغلو، والدفاع خلوصي أكار، والداخلية سليمان صويلو، ورئيس الأركان يشار غولر، ورئيس الاستخبارات هاكان فيدان.

أديب، عبر فضائية "إم بي سي مصر"، قال في 12 يونيو/ حزيران 2021، إن الزيارة جرت بشكل مفاجئ ودون استقبال رسمي ليبي، زاعما أن أكار تعامل وكأنه داخل بلاده.

وردا على تصريح لأكار، أصدره من طرابلس بأن "تركيا ليست قوة أجنبية في ليبيا"، وأن القوات التركية موجودة بدعوة حكومة طرابلس، وفقا للاتفاقيات الثنائية والقانون الدولي؛ اتهم أديب أنقرة بمحاولة السطو على البترول الليبي، عبر شركات من أذربيجان.

وفي الوقت الذي أكد فيه وزير الخارجية التركي لفضائية "تي آر تي" التركية، 10 حزيران/ يونيو 2021، قرب الاتفاق مع مصر على عودة السفراء؛ فإن نظيره المصري ألمح في حديثه لفضائية "صدى البلد" المحلية 12 يونيو/ حزيران 2021، إلى وجود أمور عالقة، وأن القاهرة تنتظر تنازلات ترفضها تركيا.

وقال شكري: "هناك مسار لتقييم السياسات التركية والتزامات سيرها وفقا لمبادئ القانون الدولي، وفي مقدمتها عدم التدخل بالشؤون الداخلية"، مؤكدا أن "هناك عددا من الطلبات والتوقعات المصرية إذا ما تمت مراعاتها من قبل تركيا فهذا يذلل الصعوبات القائمة".

حديث شكري الذي أثار الجدل عن ماهية المطالب والشروط المصرية -لم يذكرها - تبعه زيارة رئيس المخابرات المصرية عباس كامل لمدينة بنغازي، بتوجيهات من السيسي، في 17 يونيو/ حزيران 2021، وذلك بعد أيام من زيارة الوفد التركي لطرابلس.

زيارة كامل أثارت التكهنات حول وجود خلاف مصري تركي، خاصة بعد لقائه اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، ما اعتبره مراقبون محاولة مصرية جديدة لدعم الجنرال المنقلب، وممارسة ضغوط على تركيا بالملف الليبي.

خاصة وأن حفتر أطلق عملية عسكرية جنوب ليبيا بالتزامن مع زيارة عباس كامل.  

غضب تركي

ولأول مرة منذ الإعلان عن حوار مخابراتي مصري تركي، في سبتمبر/ أيلول 2020، يصدر عن الجانب التركي انتقادات لمصر، ومن مستوى رفيع في الدولة التركية.

نائب رئيس حزب العدالة والتنمية السابق ومستشار أردوغان، ياسين أقطاي، رد بقوة على حديث وزير الخارجية المصري، مؤكدا أن تركيا لا تخضع لإملاءات وأنها لن تتخلى عن مبادئ حافظت عليها سنوات، مشيرا إلى رفض بلاده تسليم قيادات الإخوان المسلمين لمصر.

وفي مقال بصحيفة "يني شفق" التركية، في 17 يونيو/ حزيران 2021، انتقد أقطاي أحكام الإعدام الصادرة في مصر بحق 12 من قيادات وأنصار جماعة الإخوان المسلمين بقضية "فض اعتصام رابعة"، 14 يونيو/ حزيران 2021.

في مقابل الغضب التركي وإشارة أقطاي لملف مصر الحقوقي السيئ، جاء الحراك الدبلوماسي المصري الأخير الذي شهدته القاهرة على مدار يومين ليؤكد عمق الخلاف التركي المصري، واستخدام كلا النظامين الملف الليبي، وحوض شرق المتوسط للضغط على الآخر.

القاهرة شهدت استقبال السيسي، لوزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش 20 يونيو/ حزيران 2021، حيث دعا لضرورة مغادرة المرتزقة الأراضي الليبية، ما اعتبر إشارة من السيسي لوجود القوات التركية في طرابلس، ورسالة لأنقرة، وفق مراقبين.

السيسي، وفي اليوم التالي استقبل رئيس وزراء اليونان كيرياكوس ميتسوتاكيس، 21 يونيو/ حزيران 2021، في توقيت تشهد فيه علاقات أثينا وأنقرة توترا لافتا.

فيما وجه رئيس النظام المصري رسالة اعتبرها البعض كيدية حينما أعرب خلال اللقاء عن "التضامن مع اليونان حيال أية ممارسات من شأنها انتهاك سيادتها".

السجال المصري التركي انتقل إلى مواقع التواصل الاجتماعي، وتساءل الإعلامي والبرلماني القريب من جهات أمنية مصرية مصطفى بكري، عبر "تويتر": إلى متى ستصمت مصر أمام "تطاول أردوغان؟".

وأضاف أن تصريحات أقطاي تسيء للقضاء المصري واصفا إياها بأنها "وقحة"، وتمثل "تدخلا سافرا"، بحسب تعبيره.

لكن البرلماني والمحامي المعارض ممدوح إسماعيل، قال إن تصريحات السيسي بلقاء رئيس وزراء اليونان وتجديد تحالفه مع أثينا يشير لـ"فشل المصالحة التركية المصرية".

ولفت إلى وجود دور إماراتي لعرقلة تلك الخطوة، ملمحا إلى أن تركيا تتحفظ على مطالب السيسي بتسليم المعارضة لديها، مؤكدا أن النظام المصري تغول في طلب انسحاب القوات التركية من ليبيا.

من جانبه قال الباحث المصري أمجد الجباس: يبدو أن شهر العسل في العلاقات المصرية-التركية انتهى قبل أن يبدأ.

وأشار إلى أن تأخر الرد التركي على المطالب المصرية دفع القاهرة لإرسال رئيس مخابراتها عباس كامل للقاء خليفة حفتر بليبيا، لافتا أيضا لنتائج زيارة رئيس الوزراء اليوناني للقاهرة.

وبالفعل؛ لم يكن أشد المراقبين تفاؤلا يتوقع أن تسير وتيرة التواصل المصري التركي في اتجاه التصالح بدون عقبات، خاصة وأن هناك إرثا مصريا رسميا من الكراهية للأتراك تمت صناعته عبر الإعلام والدراما خلال 8 سنوات.

هذا إلى جانب حجم الملفات الخلافية التي تتوزع بين دعم أنقرة لجماعة الإخوان المسلمين، وإبقائها على المعارضين لديها في إسطنبول واستمرار فضائيات المعارضة حتى الآن.

كما توجد ملفات عالقة وخطيرة وإن خبتت أحداثها لبعض الوقت، أهمها ملف ترسيم الحدود البحرية والصراع على المنطقة الاقتصادية بشرق المتوسط، والملف الليبي الذي يمثل لمصر أمنا قوميا، وكذلك الملف السوري والعراقي الذي يمثل لتركيا مسألة أمن قومي أيضا.

المربع صفر

الباحث السياسي المصري محمد حامد، قال إن "العلاقات المصرية التركية في طور الاختبار ومعرفة قدرة البلدين على ضبط العلاقات مرة أخرى"، مؤكدا في حديثه لـ"الاستقلال"، أنها "لم تعد للمربع الصفر بل إنها لم تبرحه بعد وما زالت تخضع لاختبار النوايا".

مدير منتدى "شرق المتوسط للدراسات"، أوضح أن "العلاقات متأزمة منذ 8 سنوات؛ ولذا فإن عودتها لن تكون بكبسة زر".

ولفت إلى أن "التراشقات السياسية والإعلامية الحالية متوقعة بسبب تحفز إعلام البلدين لإفساد العلاقات خاصة وسط تمسك تركيا ببث الفضائيات المعادية لمصر من أراضيها".

وحول ملفات الخلاف التي عكرت صفو تقارب الجانبين أشار حامد، إلى "قضية ليبيا وشرق المتوسط وأنهما يسيران ببطء عكس ما كان مرتقبا"، متوقعا أن "تمر فترة إعادة العلاقات بمراحل عدة لوجود الكثير من الخلافات، وجبل الجليد لن يذوب سريعا".

ويعتقد الباحث المصري أن للملف الليبي دورا فيما ظهر من تراشق سياسي، موضحا أنه "قد لا يتم إجراء انتخابات في ديسمبر/ كانون الأول 2021، وهناك تخوف مصري كبير من عدم جاهزية الإجراءات الأمنية لها بالبلد الذي يعيش فوضى 10 سنوات".

الباحث والأكاديمي المصري، محمد الزواوي، قال إن "العلاقات التركية المصرية هي بالأساس علاقات تنافس إستراتيجي على القيادة الإقليمية، ومن ثم كان المتوقع الاتفاق على بعض الملفات التكتيكية التي تصب في مصلحة الجانبين".

وفي حديثه لـ"الاستقلال"، أشار إلى أن "النظام المصري يضع الملفات الأمنية على قمة أولوياته، فيما تتراجع المصالح التجارية والاقتصادية إلى مرتبة ثانية، ويمكن إغفالها بالكلية إذا تعارض ذلك مع أمن النظام".

المحاضر بمعهد الشرق الأوسط بجامعة سكاريا التركية، أكد أن "تركيا تعبر عن نوعية سياسية واجتماعية تمثل نموذجا يتحدى السلطوية العسكرية، ومن ثم فهذا النموذج يمثل تهديدا للسلطة القائمة في مصر".

وقال إنه "في ظل التحولات السريعة في التحالفات الإقليمية فإن مصر لا تزال تراهن على البيت العربي وأن يتم حل المشاكل داخله، وهذا هو الخيار الأول لها لتلافي تداعيات إدخال النموذج التركي إلى المنطقة".

وألمح إلى أن "خيار التحالفات العربية يظل هو الأكثر تماسكا بالنظر إلى الملاءة المالية الكبيرة لدول الخليج وقدرتها على تمويل مشروعات النظام وكذلك استيعابها لملايين العمالة بالإضافة إلى تماثل نماذج الحكم السلطوي".

مما سبق، خلص الأكاديمي المصري إلى أن "التقارب بين القاهرة وأنقرة يظل في المربع التكتيكي ولا يمكن أن يراوحه إلى المربع الإستراتيجي، إلا بحصول تحولات شاملة في بوصلة النظام المصري وهذا مستبعد في الوقت الراهن".

وفي تفسيره لحالة السجال الجارية الآن بين الجانبين أوضح أن "ما يحدث الآن هو أن مصر تحاول أن تستعيد دورها وريادتها للملفات الإقليمية وتحاول تعزيز مكانتها في الإقليم بالنظر إلى الثقل الجيوسياسي والإستراتيجي الذي تحمله".

ورأى في نهاية حديثه بأن ذلك "يؤدي إلى تنافسات داخل التحالفات العربية ولكن بما لا يهدم ذلك المحور بالكلية وإعادة إنشاء محاور بديلة في المستقبل المنظور".

الباحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية طه عودة أوغلو، قال إنه "رغم التصريحات المتتالية  الإيجابية من الجانب التركي إلا أن تركيا ورئيسها أردوغان رفضوا طلب تسليم قيادات الإخوان المسلمين، الأمر الذي يشكل عقبة كبيرة في سرعة التوافق وعودة العلاقات طبيعية بالمدى القريب".

وفي حديثه لـ"الاستقلال"، أضاف: "هناك ملفات شائكة أكثر تعقيدا من الإخوان، في مقدمتها الملف الليبي وتداعياته الجيوسياسية والأمنية عليهما وملف شرق المتوسط".

وتوقع أن "تبحث أنقرة عن صيغة توافقية مشتركة مع القاهرة بخصوص ملف الإخوان، تتضح ملامحها لاحقا دون إعاقة تطبيع العلاقات".

ويعتقد أوغلو أن "عودة العلاقات إلى سابق عهدها مسألة تحتاج بعض الوقت في ظل أجواء عدم الثقة، برغم بدء ذوبان جليد التواصل بعد قطيعة 8 سنوات".

الباحث التركي يرى أيضا أن "التحديات الصعبة التي تحدق بالبلدين ستغلب على الخلافات السياسية، فضلا عن المصالح الاقتصادية في ظل الأزمات التي يعانيا منها".

وقال إن "البلدين يقتربان من طي القطيعة وفتح صفحة جديدة ستعيد تشكيل المشهد الإقليمي، ولأن المبدأ المعتمد بالسياسة يقول -ألا عداوة دائمة ولا صداقة دائمة ولكن مصلحة دائمة-، فاللجوء لحلول وسط ترضي الطرفين تكون مخرجا للأزمات".

وختم حديثه بالقول: "من مصلحة تركيا ومصر التسريع بإعادة تطبيع العلاقات وفتح صفحة جديدة؛ لأن سنوات القطيعة استنزفت فرص التعاون الإقليمي لحل صراعات عديدة وخسرت البلدان فيها فرصا عديدة".