عبدالسلام الحيلة.. معتقل يمني قضى 17 عاما في غوانتانامو بدون تهمة

سام أبو المجد | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد 17 عاما في غياهب "غوانتنامو" سيء الذكر، وقبلها 3 سنوات قيد الاحتجاز في مصر، قررت وزارة الدفاع الأميركية الإفراج عن رجل الأعمال اليمني عبدالسلام الحيلة المعتقل في سجن غوانتانامو منذ 2004.

ونقلت صحيفة "ميدل إيست آي" البريطانية في تقرير 19 يونيو/حزيران 2021 أن وثائق جديدة صدرت في 8 من الشهر نفسه كشفت أن الحكومة الأميركية وافقت على الإفراج عن عبدالسلام هلال (49 عاما)،  إلى دولة أخرى، لم تسمها.

وبحسب الصحيفة البريطانية فقد أظهرت الوثائق الصادرة عن مجلس المراجعة في البنتاغون أن مجلس المراجعة الدورية قرر بالإجماع أن استمرار قانون الاعتقال الحربي للمعتقل لم يعد ضروريا للحماية من استمرار التهديد الكبير لأمن الولايات المتحدة.

إلا أن مجلس مراجعة البنتاغون، قال إن الحيلة "ما يزال يمثل مستوى معينا من التهديد في ضوء الأنشطة السابقة، وعليه فإنه يمكن ترتيب سفره بأمان من خلال قيود المراقبة والسفر".

علاقات واسعة

"الحيلة" كان يعمل ضابطا في الاستخبارات العسكرية اليمنية ويحظى بعضوية اللجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي العام، الحزب الحاكم لأكثر من 30 عاما.

في 19 سبتمبر/أيلول 2002، اعتقل من مقر إقامته في مصر، خلال مشاركته بمؤتمر اتحاد المقاولين العرب، وذلك بغية الحصول على معلومات عن الأشخاص الذين قاتلوا في أفغانستان إبان الحرب مع الاتحاد السوفييتي في الثمانينيات، ثم سلم لاحقا إلى واشنطن، ليتم إرساله إلى خليج غوانتانامو في 2004، وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية.

وإلى جانب عمله كضابط في الاستخبارات العسكرية، كان الحيلة رجل أعمال وشيخا قبليا يحظى بمكانة اجتماعية مرموقة، وهو الأمر الذي مكنه من مد شبكة علاقات واسعة على عدة مستويات.

وكان "الحيلة" الذي يحمل الرقم التعريفي 1463 ضمن 92 معتقلا يمنيا في "غوانتانامو" من بين المعتقلين البالغ عددهم نحو 800، وبدأ اعتقالهم في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق جورش بوش، وذلك أعقاب هجمات سبتمبر/أيلول 2001، كجزء من "الحملة الأميركية على الإرهاب".

وتم الإفراج عن معظمهم، وبقي نحو 40 معتقلا ينتظرون إطلاق سراحهم في عهد الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن.

وفي واقع الأمر، لم يكن لـ"الحيلة" "تهمة رسمية" موجهة له، وجل ما قالته السلطات الأميركية أن "لديها مخاوف من أنشطة يمارسها" الرجل يمكن أن تضر بالمصالح الأميركية، وأنه مصنف من "المقاتلين الأعداء".

وبحسب الكاتبة والناشطة هاجر محمد، أحد أقارب المعتقل الحيلة فإن السلطات الأميركية لم توجه تهما رسمية للحيلة كما لم تنعقد أي محاكمة ولا محاضر للنيابة.

وقالت محمد في تدوينة عبر حسابها على "فيسبوك": "خالي لم يحاكم.. رمي به في السجن هكذا بكل بساطة.. من دون أي محاكمة ومن دون أي محاضر تحقيق للنيابة.. لقد رمي هكذا وحسب !!..".

وأضافت "وعندما قررت وزارة الدفاع الأميركية الإفراج عنه قالت: لم يعد هناك داع لاعتقاله، كانت هذه هي توصية وزارة الدفاع..".

وتابعت: "وبالمناسبة فإني أستخدم هذه الجملة للرد على الخنفشاريين وأصحاب التحليلات والحس الأمني والمخابراتي الواسع والصحف الصفراء الذين قالوا إن خالي متورط بجرائم السماوات والأرض ومتورط بثقب طبقة الأوزون.. أنقل لكم جملة وزارة الدفاع: قررنا الإفراج عنه لأنه لم يعد هناك داع لاعتقاله".

وكانت "ميدل إيست آي" قد أكدت هذا التوجه حيث قالت "اعتقلت السلطات المصرية هلال (عبدالسلام الحيلة) في القاهرة عام 2002، حيث اتهمه مسؤول حكومي يمني بتسهيل أنشطة للقاعدة وسلمه إلى السلطات الأميركية، كما لم توجه اتهامات لهلال".

وكانت صحيفة "ذا هيل" الأميركية قد نشرت تقريرا في 28 أغسطس/آب 2020، قالت فيه إن "القاضي رفض التماسا للحيلة طلب فيه إحضاره والسماح له بتقديم الطعن على احتجازه داخل المعتقل".

ونقلت الصحيفة عن ديفيد ريمس، محامي الحيلة أن "ذلك القرار غير صائب، وأن هيئة الدفاع ستدرس خياراتها"، على حد قوله.

وأضاف ريمس: "الظلم الأساسي في غوانتانامو هو احتجاز الأفراد إلى أجل غير مسمى دون تهمة، وهذه هي المشكلة النهائية التي تحتاج إلى معالجة".

ووفقا لـ"ذا هيل" فإنه "من المرجح أن يكون قرار المحكمة الفيدرالية الأخير هو أكثر أشكال الحرمان القاطع من الحقوق القانونية لمعتقلي غوانتانامو خلال ما يقرب من عقدين من المعارك القضائية بشأن السجن العسكري."

وفي رسالة صوتية وجهها الحيلة للرئيس الراحل علي عبدالله صالح في أبريل/نيسان 2010، قال فيها: "الجميع يعلم ببرائتي مما قد يدعون، رغم أني مختطف ولا أدري ماذا يدعون.. مجرد قصص وكلام ليست بشيء وعندما نتكلم معهم ما هي التهم، لماذا أنا مختطف، يقولون هذه أشياء سرية.. إذن كيف سأدافع عن نفسي وكيف وكيف؟".

عنصر متطرف

ومع هذا فقد كانت المحاضر غير الرسمية للسلطات الأميركية قد نصت على أن الحيلة يمني وشيخ قبيلة ورجل أعمال تربطه علاقات بمسؤولين سياسيين بارزين في الحكومة، الذين ظلوا على اتصال بالعديد من المنتسبين المعروفين والمشتبه بهم في تنظيم "القاعدة" ومنظمتين إرهابيتين مرتبطتين بها هما الجهاد الإسلامي المصري، وجيش عدن أبين الإسلامي.

ونقلت عدد من وسائل الإعلام الأميركية، بينها "نيويورك تايمز"، أن الحيلة انضم إلى دوائر التطرف في سن مبكرة حتى أصبح عنصرا بارزا في مجال تيسير أعمال جهات متطرفة، كما أعرب عن دعمه المستمر للمتشددين ولجماعات متطرفة مثل "تنظيم الدولة"، وفقا للملف التعريفي الخاص به.

جدير بالذكر أن استمرار اعتقال الحيلة في غوانتانامو، كان بسبب عدم موافقة اليمن على استقباله إلا بعد أن تدفع الولايات المتحدة 11 مليون دولار؛ لبناء مركز لإعادة تأهيل اليمنيين العائدين من غوانتانامو.

وكان الحيلة قد تحدث في تسجيل صوتي قال فيه: "هؤلاء (الأميركان) يحتقرون الحكومة اليمنية، المحققون والمترجمون والمحامون، ويقولون: هذه حكومة شحاتة.. في كل مرة نقول لهم: استقبلوا أبناءكم يقولون اعطونا 10 ملايين دولار.. يشحتون باسمكم.. أذلونا وأذلوا أنفسهم".

محاولة اغتيال

وفي معقله، تعرض "الحيلة" للتعذيب النفسي وسوء المعاملة والاحتجاز في سجن انفرادي، وكان قد أعلن إضرابا عن الطعام واستمر لأشهر يتناول الطعام عبر الأنابيب، بحسب إفادة محاميه ريمس.

وإلى جانب ذلك، فقد كشف الحيلة عن تعرضه لعدة محاولات اغتيال في المعتقل، قائلا في رسالة صوتية: "للمرة الثانية أتعرض لمحاولة قتل بطريقة إجرامية حقيرة، وهي محاولة قتلهم لي بيدي وذلك بتوفيرهم، وللمرة الثانية لي أنا بالذات، أداة حادة (منشار حديد) يستخدم بسهولة لقطع الحديد فكيف بقطع أوردة اليد وأسرع من ذلك قطع أوردة الرقبة".  

وأشار الحيلة إلى أنها المرة الثانية التي يتعرض فيها لمحاولة الاغتيال، موضحا أن المرة الأولى تم وضع مقص كبير، وهو عبارة عن خنجرين مسمومين، مستغلين الوضع النفسي المتردي الذي لحق به عقب وفاة ابنيه وشقيقه ووالدته وهو رهن الاعتقال.

وقال الحيلة: "بعد وفاة أبنائي وشقيقي وأمي وبفترة بسيطة أضافوا لي مشاكل شديدة في المعتقل وأرادوا قتلي بيدي ظنا منهم أن ما حدث لي وما يقومون به من ضغط وتعذيب نفسي سيدفعني لقتل نفسي!".

وأكد أنه لن يقدم على قتل نفسه مهما حدث له من ضغوط نفسية، قائلا: "أؤكد أني لست خائفا من الموت أو القتل بل مرحبا به في سبيل الله وعلى يد المجرميـن، ما أخشاه هو أن يتم قتلي في محاولة قادمة منهم وقد تكون بأيديهم مباشرة ومن ثم يقولون قتل نفسه، وهذا الشيء لن يحدث أبدا مني وهذه غاية رسالتي للجميـع".

وأضاف أنه "سبق أن تعرض لمحاولة تصفية أخرى، وذلك خلال أدوية  طلب منه تناولها، وعندما رفض تناولها وأصر على السؤال عن سبب تناولها، قيل له أخيرا إنه تم إعطاؤه إياها خطأ، وهو الأمر الذي دفعه لترك تناول كل الأدوية والعقاقير الطبية، رغم إصابته بعدد من الأمراض في المعتقل".

وفي حال تم الإفراج عن "الحيلة" فإنه سيرحل إلى طرف ثالث، يمكن من خلالها إخضاعه للقيود ولمراقبة أنشطته وحركته، بحسب تقرير مجلس مراجعة البنتاغون.

ويعتقد أنه سيرحل إلى قطر، وذلك بعد إعلان الأمير تميم بن حمد آل ثاني في وقت سابق استعداده لاستقبال المعتقلين المفرج عنهم من سجن غوانتانامو، كما يعتقد أن يتم ترحيله إلى عمان، حيث استقبلت في يناير/كانون الثاني 2016، عشرة من اليمنيين المعتقلين في غوانتانامو.

يأتي الإفراج عن "الحيلة" ضمن وعود بايدن بإغلاق معسكر غوانتانامو "سيء السمعة"،حيث وعد أثناء حملته الانتخابية بإغلاق المعتقل بشكل نهائي، وهو تعهد سبق وأطلقه الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما أكثر من مرة لكنه لم يف به.