نشاط مخابراتي ودعم مليشيات.. لماذا تحاول فرنسا العودة إلى سوريا؟

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تسعى الاستخبارات الفرنسية للعب دور جديد في سوريا، ولا سيما في الجزء الشمالي الشرقي الذي تسيطر عليه قوات سوريا الديمقراطية "قسد".

أثارت الخطوة مخاوف عدد من القوى الفاعلة في سوريا من رغبة باريس في إيجاد موطئ قدم لها في ظل تنافس دولي محتدم للسيطرة على آبار النفط.

وأعادت القوات الفرنسية انتشارها بسوريا عام 2020، انسجاما مع إعادة الولايات المتحدة تموضعها في شرق الفرات.

وتنتشر حاليا في 4 مواقع عسكرية بدير الزور، والحسكة، والرقة، كما تساند القوات الأميركية في نقاط عسكرية، وتشارك في تدريب "قسد".

وتعتبر القوات الفرنسية جزءا من "التحالف الدولي" الذي تقوده الولايات المتحدة، والذي بدأ في سبتمبر/ أيلول 2014 عملياته العسكرية ضد تنظيم الدولة في سوريا والعراق.

مؤشرات جديدة

محاولة الاستخبارات الفرنسية إيجاد دور جديد لها في سوريا، يأتي مع قرب تولي بيرتراند توجو، الذي يشغل حاليا نائب مدير جهاز الاستخبارات العسكرية الفرنسية، إدارة الجهاز، حسبما ذكر تقرير "المرصد الإستراتيجي" في 21 يونيو/ حزيران 2021.

تولى توجو منصب قائد الكتيبة "الأوروبية الأطلسية" قبل الالتحاق بالاستخبارات العسكرية عام 2019، وعمل قبلها لفترة وجيزة مع وزير الدفاع حينها؛ جان إيف لودريان عام 2012، كما خدم في "كتيبة التنين" المظلية، التي يجري نشرها بالاشتراك بين قيادة العمليات الخاصة والاستخبارات العسكرية.

ووفقا للتقرير، يمتلك توجو خبرة واسعة في الأوضاع الميدانية بسوريا والعراق، ويرغب في إنشاء غرف عمليات تجمع بين المحللين الإستراتيجيين ومتخصصين في مجال رسم الخرائط والتقاط الصور، وغيرهم من الخبراء.

وقبل ذلك، وجه قصر الإليزيه دعوة للقوى السياسية شمال شرقي سوريا في 19 أبريل/ نيسان 2021 لزيارة باريس بهدف مناقشة "جوانب في الملف السوري"، وإمكانية مقابلة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وذلك عقب زيارة أجراها مبعوث فرنسي لمناطق سيطرة "قسد".

والتقى المبعوث الرئاسي الفرنسي (لم يكشف عن اسمه)- الذي زار الشمال الشرقي من سوريا- في شهر أبريل/ نيسان 2021 مع فعاليات عدة، حيث وجه دعوة لممثلي مكونات منطقة شرقي نهر الفرات التي تسيطر عليها "قوات سورية الديمقراطية" (قسد).

ويشي التحرك الفرنسي في الشمال الشرقي من سوريا بأن باريس تبحث عن موطئ قدم لها في المنطقة الأكثر أهمية في البلاد، في ظل التنافس الإقليمي والدولي لترسيخ النفوذ هناك.

وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون استقبل في أبريل/ نيسان 2019 وفدا يمثل "قسد"، معلنا عن دعم مالي "لتغطية الضرورات الإنسانية ولتأمين استقرار الوضع الاقتصادي والاجتماعي للمدن في سوريا"، وفق بيان صدر في حينه.

ورقة ضغط

وبخصوص الأسباب التي تدفع فرنسا لإيجاد دور لها في الشمال الشرقي من سوريا، رأى محللون أن الهدف الرئيس من ذلك هو رغبة باريس في تعزيز نفوذها في تلك المنطقة، الأمر الذي يعتبر بمثابة ورقة ضغط على تركيا في ظل توتر العلاقة بين البلدين.

واعتبرت صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" الروسية في 29 أبريل/ نيسان 2021 أن فرنسا تحاول الدفاع عن "حق تاريخي" بالنفوذ في سوريا من خلال تقديم الدعم لقوات "قسد"، والقيام بدور الوسيط لمعالجة الانقسام الكردي، في تعارض واضح مع سياسة تركيا.

إذ تمعن فرنسا في دعم "قسد" من جهة، وتحاول إبعاد المجلس الوطني الكردي "مسد" عن أنقرة من جهة ثانية.

تأتي تلك الأنباء بالتزامن مع نظر محكمة النقض الفرنسية يونيو/ حزيران 2021 في قضية اتهام شركة الإسمنت الفرنسية "الفارج" بدعم الإرهاب و"التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية" في سوريا، وذلك عقب شكاوى تقدمت بها وزارة الاقتصاد والمال الفرنسية.

أفادت الوزارة بأن مجموعة "الفارج" دفعت عامي 2013 و2014 عبر فرعها في سوريا "الفارج سيمنت سيريا" نحو 13 مليون يورو لجماعات بينها تنظيم الدولة.

وتعليقا على ذلك، قال المحلل السياسي حسن النيفي، خلال تصريحات صحفية في الأول من مايو/ أيار 2021 إن الاهتمام الفرنسي بشمال شرق سوريا لم يظهر بين عشية وضحاها، لكنه في الواقع يعود إلى عام 2015، منذ تشكيل مليشيا سوريا الديمقراطية، عندما كانت فرنسا الداعم الرئيس لهذا المشروع.

وأردف: "لكن الأميركيين في ذلك الوقت تمكنوا من إبعاد فرنسا عن المعادلة من خلال تنسيقهم العسكري مع "قسد".

وبلغ هذا التنسيق ذروته في التحالف، عندما قررت واشنطن أن تكون مليشيا سوريا الديمقراطية ذراعها التنفيذي في القتال ضد تنظيم الدولة، وفق قوله.

وتابع النيفي، قائلا: "لكن فرنسا لم تبتعد عن قسد، بل أرسلت 200 جندي إلى قاعدة تشرين جنوب منبج التي تسيطر عليها الولايات المتحدة".

وحاولت فرنسا تبرير وجود جنودها هناك وزعمت أن لديهم علميا وعمليا مهمات تدريبية وليس أغراض قتالية مباشرة.

 كما اعتقدت فرنسا أن وجودها في تلك المنطقة يجب أن يقوم على خطوات صلبة تبدأ بتوطيد العلاقة مع القواعد الشعبية هناك، وهو بالضبط ما تريده فرنسا من خلال دعوتها الأخيرة لجميع المكونات الإليزيه، بحسب قوله.

من جهته، رأى المحلل السياسي فريد سعدون خلال تصريحات صحفية في 19 أبريل/ نيسان 2021 الاهتمام الفرنسي بالشمال الشرقي بأنه يأتي "في سياق محاولات باريس التأسيس لعلاقة جديدة مع سوريا التي لطالما كانت تاريخيا منطقة نفوذ للفرنسيين".

وأضاف سعدون: "يشعرون (الفرنسيون) بأن الفرصة سانحة لهم في شمال شرقي سوريا، لذا يعملون على مساعدة الإدارة الذاتية الكردية وقوات قسد".

ولفت إلى أن الاقتراب الفرنسي من الشمال الشرقي من سوريا "لا يمكن عزله عن العلاقة المتوترة بين باريس وأنقرة".

وتابع: "تعزيز النفوذ الفرنسي في الشمال الشرقي من سوريا ورقة ضغط على الجانب التركي".

أنشطة ومهام

الاستخبارات الفرنسية تتخذ مقرا لها في سوريا على طريق "الرقة – الحسكة" عند الأطراف الشمالية للرقة، وتم اتخاذه مقرا متعدد المهام لها.

كما تتمركز في أحد مباني "معمل سكر الرقة" سابقا وتتخذه منطلقا لعملياتها في المنطقة الغربية لشرق الفرات، وفق تقرير لوكالة "سبوتنيك" الروسية في 12 فبراير/ شباط 2019.

وتتركز أنشطة الاستخبارات الفرنسية في سوريا على تعقب الجماعات والتنظيمات.

إذ رصدت في 23 فبراير/ شباط 2019 قائد المنظمة المعروفة تحت اسم (إمارة تمبكتو)، ويعد الرجل الثاني في جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" (لم يكشف عن اسمه).

وتم تصفيته واثنين من أبرز مساعديه في عملية عسكرية شنتها القوات الفرنسية.

ومن مهام الاستخبارات الفرنسية، تبادل المعلومات حول المقاتلين الأجانب، إذ تتبعت أجهزة الاستخبارات الفرنسية ونظيراتها الأوروبية عودة موجات من المقاتلين إلى أوروبا خلال عامي 2016 و2017 وفق تحقيق لقناة "الجزيرة" في 24 سبتمبر/ أيلول 2018.

وأكدت وثائق مسربة عن أجهزة الاستخبارات الفرنسية أنه لم يبق أمام من يريد الفرار سوى تركيا،.

هو ما يعني أن من يريد اللحاق ببلد ما ينبغي له أن يعبر في الاتجاه المعاكس أي عبر تضاريس تسيطر عليها قوات مناهضة لتنظيم الدولة، الأمر الذي يجعل محاولة الهروب محفوفة بالمخاطر ويرفع من تكاليفها المادية.

وضمن مهمتها في تعقب المقاتلين، كشفت الاستخبارات الفرنسية وفقا لقناة "بي إف إم" الإخبارية الفرنسية في 7 أغسطس/آب 2018 عن اعتزام انضمام شخصين إلى مجموعة المدعو "عمر عمسين" وهو أحد أبرز مجندي المقاتلين الفرنسيين وأسهم في استقطاب نحو 100 من كل أرجاء فرنسا.

وتلعب الاستخبارات الفرنسية دورا  محوريا في تعقب التنظيمات المتطرفة في الشرق الأوسط، وتعقب قيادات تنظيم الدولة.

كما تهتم بتكثيف الاتصالات مع الأجهزة الاستخبارية في سوريا والعراق بغرض تبادل المعلومات، وفقا لتقرير نشره "المركز الأوروبي" بدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات في 4 سبتمبر/ أيلول 2019.