عبد الرحمن البر.. عالم الحديث الذي رفض انقلاب السيسي فعاقبه بالإعدام

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بشموخ وصمود، استقبل عالم الحديث الدكتور عبد الرحمن البر بصمود، ضمن عدد من قيادات جماعة الإخوان المسلمين، حكم محكمة النقض (أعلى سلطة قضائية للطعون في مصر)، بتأييد  حكم إعدامهم في ما يعرف بقضية "فض اعتصام رابعة العدوية" عام 2013.

الفض الذي ارتكبته قوات الجيش والشرطة المصرية، ضد مؤيدي الشرعية وحكم الرئيس الراحل محمد مرسي.

الدكتور البر يعتبر من كبار علماء الأزهر، أكبر مرجعية دينية ضمن المحكوم عليهم بالإعدام، فضلا عن امتلاكه تاريخا دعويا طويلا امتد لسنوات، يتخطى أثره مصر إلى مختلف الدول العربية والإسلامية.

جرأة في الحق

تميز العالم الأزهري بالفتاوى الوسطية، ورفضه القاطع لحمل السلاح وإراقة الدماء، كما أعلن أكثر من مرة.

لكنه في نفس الوقت تمتع بجرأة في الحق، ومناهضة الأنظمة الاستبدادية المتعاقبة على مصر، بداية من نظام نظام حسني مبارك، إلى عهد عبد الفتاح السيسي الذي حكم البلاد بالدم والنار وبقبضة من حديد، جابهها البر مع عدد من العلماء والدعاة، الذين ينكل بهم النظام. 

عبد الرحمن عبد الحميد أحمد البر، ولد يوم 14 يونيو/حزيران 1963، في قرية سنبخت مركز أجا بمحافظة الدقهلية (إحدى محافظات الدلتا المصري).

التحق منذ مهده بالمعهد الأزهري الديني في بلدته، وتدرج في سنواته الدراسية حتى انتسب إلى كلية أصول الدين والدعوة بالمنصورة، وفيها حصل على ليسانس أصول الدين، قسم التفسير والحديث، بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف، وكان الأول على دفعته المتخرجة في مايو/أيار 1984. 

التفوق الذي أظهره البر في العلوم الشرعية، دفعه لاستكمال المسيرة وتحقيق أعلى الشهادات العلمية، ففي العام 1989 حصل على ماجستير في الحديث وعلومه، بتقدير "ممتاز" من كلية أصول الدين بالقاهرة. 

ويذكر أن موضوع رسالته الذي كان بعنوان "المستفاد من مبهمات المتن والإسناد لأبي زرعة ابن العراقي- تحقيق" جرى طبعه في 3 مجلدات، وتم تداوله في الأوساط العلمية الدينية. 

ثم حصل على درجة الدكتوراه في الحديث وعلومه أيضا عام 1993، من نفس الكلية بالقاهرة، وكان عنوان رسالته "السنة النبوية بين أهل الحديث وأهل الرأي". 

وبدأ البر حياته العملية عام 1985، عندما عين كمعيد في قسم الحديث وعلومه بكلية أصول الدين والدعوة بالمنصورة، ثم وصل إلى درجة مدرس مساعد بنفس القسم والكلية عام 1989.

في عام 1998 أصبح أستاذا مساعدا بنفس الكلية، وخلال تلك الفترة أعير للعمل في المملكة العربية السعودية، كأستاذ في كلية الشريعة وأصول الدين بـ "أبها"، في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

نشاطه العلمي والدعوي 

كتب الدكتور عبد الرحمن البر عشرات المؤلفات العلمية والدعوية، التي انتفع بها طلبة العلم، لا سيما أبناء الأزهر الشريف.

 ومن أبرزها: "تيسير علوم الحديث، الإصلاح المنشود، شرح مختارات من كتاب الجهاد من صحيح البخاري، السمات العشر للرسول المعلم القدوة، منهج النبي في تربية جيل النصر، الجهاد في سبيل الله طريق النصر".

إضافة إلى ذلك، أصدر مئات المقاطع والعديد من البرامج التلفزيونية، التي نقلت دروسه العلمية ومحاضراته، عبر القنوات الدينية، كما كتب كثيرا من المقالات، وله فتاوى منشورة في المجلات والمواقع الإلكترونية المختلفة. 

كما أشرف كأستاذ جامعي على عدد من رسائل الماجستير والدكتوراه وناقش كثيرا منها في جامعتي الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالسعودية، والأزهر بمصر .

وفي عام 1995 انتخب عبد الرحمن البر عضوا في مجلس إدارة جمعية جبهة علماء الأزهر، واشترك في هيئة كبار العلماء بالجمعية الشرعية للعاملين بالكتاب والسنة المحمدية، وكذلك قام بالتدريس في معاهد إعداد الدعاة التابعة لوزارة الأوقاف المصرية. 

لم يقتصر تحركه الدعوي داخل مصر فقط، حيث ألقى المحاضرات والخطب والدورات العلمية في المراكز الإسلامية بولايات نيويورك وواشنطن ونيو جيرسي وبنسلفانيا في الولايات المتحدة، وفي ميلانو وبريشا بإيطاليا.

رأى البر أن طريق الدعوة لا ينفصل عن إصلاح المجتمع، والانخراط في الشأن العام، ورفض أن يعتمد الطريقة التقليدية لكثير من علماء الأزهر، الذين انعزلوا، أو اتخذوا من درجتهم العلمية وظيفة دون تأثير يذكر.

مضى البر في الطريق الذي أصله أئمة الأزهر وقادة الحركة الإسلامية المعاصرة أمثال محمد عبده، ورشيد رضا، وحسن البنا، وأبو الأعلى المودودي. 

بالإضافة إلى الشيخ محمد الغزالي والدكتور يوسف القرضاوي، حيث تأثر بهما أيما تأثر، وقرأ معظم إنتاج هؤلاء العلماء، فضلا عن كثير من الأئمة. 

لذلك اعتبر البر امتدادا علميا وعمليا ضمن مدرسة أبناء وتلاميذ الدكتور القرضاوي، حيث السعي إلى استمداد التجربة الإسلامية الغنية مع دعمها بكل جديد يحقق لها النمو والارتقاء. 

وانخرط البر منذ بداياته ضمن صفوف جماعة الإخوان المسلمين، ووصل إلى درجة عضو مكتب الإرشاد بالجماعة، وهو ما دفع كلفته كثيرا، إذ اعتقل عدة مرات خلال عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك.

كانت المرة الأولى يوم 5 أكتوبر/ تشرين الأول 2008، عندما داهمت قوات الأمن منزله بمركز أجا، واعتقلته ضمن فريق إعلامي كان يقوم بتصوير مواد علمية وبرامج دينية دعوية.

 وهي القضية التي عرفت إعلاميا بـ "تنظيم الفضائيات"، وظل معتقلا لمدة 55 يوما، بعدها تم الإفراج عنه، وكانت تهمته وقتها الانضمام لجماعة محظورة أسست على خلاف القانون.

الاعتقال الثاني للبر كان في أبريل/ نيسان 2010، بعد انتخابه عضوا في مكتب الإرشاد، وظل في المعتقل وقتها ما يقرب من 45 يوما. 

ومن المفارقات التي رواها البر عن تلك الاعتقالات أنه في المرتين، عندما جاء موعد الإفراج، كان يصلي قبلهما في قيام الليل بسورة يوسف، ويقول "كنت أقول في نفسي لعل الله يفرج عنا كما فرج عن يوسف بعد سجنه ظلما وبهتانا"، وهو ما حدث بالفعل.

 

عالم ثائر 

مع اندلاع ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، كان الدكتور عبد الرحمن البر في طليعة علماء الأزهر الذين أيدوا الثورة ودافعوا عنها، وله فتوى شهيرة آنذاك، في برنامج الحدث المصري على قناة العربية السعودية.

وقد قال "إن الأمة لم تخرج بالسلاح في ثورة 25 يناير 2011، فهو أمر مرفوض جملة وتفصيلا، أما انتقاد الحاكم من قبل المعارضة فليس خروجا على الحاكم". 

وأصبح الدكتور ضمن طليعة الشخصيات السياسية والدينية التي ساهمت في الحياة المصرية العامة بعد الثورة، وكان عضوا بالجمعية التأسيسية لصياغة الدستور المصري، لتشكيل المرحلة الانتقالية وصياغة مستقبل البلاد، وتطلعات الشعب الديمقراطية.

ومع وقوع الانقلاب العسكري على النظام المنتخب للرئيس الراحل محمد مرسي، كان الدكتور البر ضمن الصفوف الأولى للمناهضين للانقلاب، وأعلن بوضوح رفضه الحكم العسكري، وولاية قائد الجيش آنذاك عبد الفتاح السيسي. 

وبعد المذابح المروعة التي ارتكبت يوم 14 أغسطس/ آب 2013، على يد الأجهزة الأمنية بحق المدنيين والمعتصمين في ميداني رابعة العدوية والنهضة، انطلقت السلطة للبحث عن قيادات المعارضة، ورموز جماعة الإخوان المسلمين، ومنهم عبد الرحمن البر. 

جرت مطاردة البر لمدة عام وعشرة أشهر، فصل خلالها من عمله الأكاديمي، حيث كان يعمل عميدا لكلية أصول الدين والدعوة بالمنصورة، وأستاذا في قسم الحديث وعلومه بنفس الجامعة، وفي يونيو/ حزيران 2015، ألقي القبض عليه وأخفي قسريا لعدة أيام قبل أن يظهر في مقرات النيابة.

وفي 31 مايو/ أيار 2016، تحدث الدكتور عبد الرحمن البر أمام المحكمة في لقاء تم تصويره، وانتشر في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، قائلا لهيئة المحكمة، إن "ضابط الأمن الوطني قال لي: نحن أصدرنا حكما بإعدامك". 

وتطرق البر لوقائع التعذيب التي تعرض لها، وأورد أنه تم إخضاعه عقب القبض عليه، للاستلقاء مكرها على الأرض لأكثر من 500 ساعة. وأضاف: "المتهمون يتعرضون لتعذيب قاس جدا،  وهم تحت الموت البطيء بسجن العقرب".

وبالفعل ما توعده به ضابط الأمن الوطني بـ "الإعدام" حدث واقعا يوم 14 يونيو/ حزيران 2021، عندما أيدت محكمة النقض العليا هذا الحكم عليه، وعلى رموز جماعة الإخوان المسلمين، ليجابه العالم الأزهري الموت شنقا في سجون السيسي.

حماقات ورسائل

وفي 17 يونيو/ حزيران 2021، وصفت 31 منظمة وجمعية إسلامية، أحكام الإعدام ضد البر والمعارضين في مصر بـ"نذير شؤم". 

وقالت المنظمات التي يتصدرها الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ورابطة علماء أهل السنة، في البيان إنها تلقت "ببالغ الغضب والإنكار الأحكام المسيسة التي أصدرها القضاء المصري، بإعدام 12 من علماء وقيادات العمل الإسلامي، والحكم بالسجن المؤبد على عشرات آخرين".

واعتبرت أن هذه الأحكام "نذير شؤم"، وأن الإقدام على تنفيذها "سيكون الحماقة الكبرى، والجريمة العظمى التي ستفتح الأبواب على مصراعيها لما لا يحمد عقباه"، على حد تعبيرها.

استطاع الدكتور عبد الرحمن البر أن يمرر رسالة مكتوبة من داخل المعتقل، جرى تداولها في 17 يناير/ كانون الثاني 2021، نشرها الموقع الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين، وتناقلتها مواقع إخبارية، بالإضافة إلى صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، بعنوان "غرور يفضي إلى الفشل". 

قال البر فيها: "إن بعض الناس يغره ما يصنع الانقلابيون الدمويون من تمهيد لأنفسهم وتمكين لقادة الدم والخراب على جثة الوطن وأشلاء شهدائه الأبرار، غير معتبرين بما يرسل الله إليهم من آيات، وغير مبالين برسائل الرفض الشعبي الواضحة التي لا تخطئها عين البصير، ولا ينكرها من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد".

وقال إن أولئك "مغترون بما بين أيديهم من أدوات القوة، التي ائتمنهم الشعب عليها ليحموه بها، فخانوا الأمانة، وسعوا لتوظيفها لمصالحهم ولتحقيق أحلامهم وطموحاتهم الذاتية بالاتفاق مع أعداء أمتهم".

وأضاف: "يتصورون أنهم بذلك قادرين على فرض ما يشاؤون على أمة حرة استفاقت من سباتها، وعاهدت ربها أن تحيا في كرامة وأن تموت في عزة، واقتضت سنة الله ألا يخذلها الله في سعيها لاستخلاص الحق من يد كل خوان أثيم". 

واختتم رسالته قائلا: "اللهم عجل لنا منك فرجا قريبا، وأنزل علينا من لدنك نصرا عزيزا، تشفي به صدور المؤمنين، وتذهب به غيظ قلوبهم، وتكسر به الانقلاب وتخزي به الانقلابيين".