هدفها الصين وروسيا.. هكذا تصب إستراتيجية بايدن العسكرية في صالح إيران

يوسف العلي | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

في ظل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، اتخذت واشنطن خطوات عملية لإستراتيجيتها الجديدة في نشر قواتها وقدراتها العسكرية في العالم، وذلك بتقليل حاد في الأنظمة المضادة للصواريخ في الشرق الأوسط ضمن خطة لإعادة تنظيم البصمة العسكرية هناك.

كانت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، عملت على تعزيز قدراتها العسكرية بالشرق الأوسط في عامي 2019 و2020 على خلفية توترات مع إيران، ولا سيما بعد مقتل قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، بضربة أميركية في يناير/كانون الثاني 2020.

إستراتيجية جديدة

في 18 يونيو/ حزيران 2021، نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" تقريرا كشفت فيه عن إستراتيجية عسكرية جديدة تتبعها إدارة بايدن، تفضي إلى تقليل في الأنظمة الصاروخية في منطقة الشرق الأوسط حتى تتمكن من تركيز قدراتها العسكرية على التحديات الروسية والصينية.

وقال مسؤولون في إدارة بايدن للصحيفة الأميركية إن "الولايات المتحدة قللت بشكل حاد عدد الأنظمة الأميركية المضادة للصواريخ في الشرق الأوسط ضمن خطة لإعادة تنظيم البصمة العسكرية هناك، حيث ستركز القوات المسلحة على التحديات المرتبطة بالصين وروسيا".

وأفادت صحيفة "وول ستريت جورنال" بأن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) تعمل حاليا على سحب ما يقارب من ثماني بطاريات باتريوت المضادة للصواريخ من دول من بينها العراق والكويت والأردن والسعودية.

وأكد هؤلاء المسؤولون أن نظاما آخر مضادا للصواريخ، يعرف باسم "نظام دفاع منطقة الارتفاعات العالية الطرفية" أو نظام "ثاد"، يجري سحبه أيضا من السعودية، كما يتم تقليص أسراب المقاتلات النفاثة المخصصة للمنطقة.

وتشمل الإستراتيجية الجديدة إعادة الانتشار لمئات من الجنود، الذين يخدمون في وحدات عسكرية تقوم بتشغيل أو دعم هذه الأنظمة.

وأوضحت الصحيفة أن هذه الخطوة تأتي في الوقت الذي يخطط فيه الجيش الأميركي لانسحاب كامل من أفغانستان بحلول صيف 2021، وعقب أن خفضت الولايات المتحدة قواتها في العراق بمقدار النصف- أو 2500 جندي- بعد أن استنتجت وزارة الدفاع أن الجيش العراقي يمكنه تأمين البلاد.

وقال مسؤولون إن التخفيضات الأخيرة، التي لم يعلن عنها من قبل، بدأت في وقت سابق من يونيو/ حزيران 2021، بعد مكالمة في الثاني من الشهر ذاته، أبلغ فيها وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بالتغييرات.

وأوضح المسؤولون أن السعودية شهدت الجزء الأكبر من عملية سحب المعدات العسكرية.

ونقلت الولايات المتحدة أنظمة باترويت المضادة للصواريخ إلى بغداد بعد أن أطلقت إيران في يناير/ كانون الثاني 2020 صواريخ على قاعدة الأسد في غرب العراق، حيث تتمركز القوات الأميركية، ردا على مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني.

وفي بيان للمتحدثة باسم وزارة الدفاع (البنتاغون) جسيكا مكنولتي في 19 يونيو/ حزيران 2021؛ قالت إن لويد أوستن "أمر بأن يتم خلال هذا الصيف سحب بعض القوات والقدرات من المنطقة"، مشيرة إلى أن الأمر يتعلق "بشكل رئيس بمعدات دفاع جوي.

وأضافت: "بعض هذه المعدات سيعاد إلى الولايات المتحدة للصيانة والإصلاحات التي أصبحت ضرورية للغاية، والبعض الآخر سينقل إلى مناطق أخرى".

لكن المتحدثة لم توضح ما إذا كانت ستتم إعادة نشر تلك المعدات في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، حيث يريد البنتاغون تركيز جهوده في مواجهة تصاعد نفوذ الصين. وقالت: "لن نعطي تفاصيل".

انعكاسات سلبية

وبخصوص تأثيرات الإستراتيجية الجديدة على منطقة الشرق الأوسط، قال الكاتب والمحلل السياسي العراقي المقيم في لندن عماد الدين الجبوري إن "سحب القدرات العسكرية الأميركية من منطقة الشرق الأوسط بشكل عام والخليج العربي والأردن والعراق، هي الإستراتيجية الجديدة التي يتبعها بايدن من حيث المبدأ".

ورأى في حديث لـ"الاستقلال" أن هذه الإستراتيجية تكميلية لسياسة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما وهو الاهتمام بالشرق الأقصى أكثر من الشرق الأوسط.

وتابع الجبوري، قائلا: "لكن المرحلة الحالية تختلف بالتنافس الشديد والسلبي ما بين الولايات المتحدة والصين، فالإدارة الأميركية الحالية تريد تحجيم التغول الاقتصادي والسياسي الصيني حول العالم بالذات من الشرق الأدنى والأوسط إلى الشرق الأقصى".

ورأى الخبير السياسي أن "هذا الانسحاب للطائرات ومنظومات الصواريخ الباتريوت والجنود الأميركيين بشكل عام، سيكون بصورة أو أخرى لصالح المشروع الإيراني في المنطقة، ولا ننسى أنه كان هناك تماهي وتقارب سابق بين إدارة أوباما والنظام الإيراني".

ولفت إلى أن "فرض الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي المعروف بتاريخه الدموي، وارتكابه مجزرة بحق إيرانيين عام 1988، يعني أن إيران مستمرة في منحاها التشددي المتطرف في المنطقة".

وحسب الجبوري، فإن "ما نشهده هو مرة أخرى تفضيل للمصالح الأميركية الإيرانية على المصالح الأميركية العربية، رغم أن الأخيرة أكثر أهمية".

لكن مع ذلك نجد أن الاهتمام الأميركي الإيراني سيكون سلبا على الجانب العربي، خصوصا وأن الإرادة العربية تفتقد لمشروع قومي عربي يكون فيه ترابط تجاه أي مشروع سواء التمدد الإيراني أو العدوان الصهيوني بالمنطقة، وفق قوله.

ورأى الخبير السياسي أن "هناك حقائق مؤلمة على الواقع العربي، وأن سياسة بايدن هي تكميلية لسياسة أوباما، ولا ننسى أن الرئيس الأميركي الحالي هو صاحب مشاريع كثيرة سلبية، ولا سيما في العراق"، في إشارة إلى مشروع طرحه بايدن عام 2007 لتقسيم العراق إلى ثلاثة مناطق على أساس عرقي وطائفي هي كردستان وسنستان وشيعستان.

وشدد الجبوري على ضرورة "إيجاد مشروع يحافظ على الأمن القومي العربي يجابه هذه المتغيرات، لأن المصالح فوق كل شيء، والغرب يتقلب وفق مصالحه، لذلك فإن سحب هذه القدرات العسكرية الأميركية سيترك فراغا.

وهذا لا يعني أن الجيوش العربية ليست لديها القدرة على الدفاع عن بلدانها، فهي موجودة، لكن ما ينقصها هو وجود مشروع جماعي يربط الأمن القومي العربي، وهذه هي نقطة الضعف الحالية.

وخلص الخبير السياسي إلى أنه "في كل الأحوال، انسحاب القوات والقدرات الأميركية من الشرق الأوسط والاهتمام بمجابهة الصين، سينمي أكثر المشروع الإيراني في المنطقة على حساب الواقع العربي، وعلينا أن نعي  إلى هذه الخطورة القادمة".

أربع حقائق

وفي المقابل، رأى الكاتب عبد الباري عطوان أن "اللافت في قرار سحب هذه المنظومات الصاروخية يأتي بعد فشل منظومة القبب الحديدية الإسرائيلية، التي تشكل نسخة أكثر حداثة من منظومات الباتريوت الأميركية، أثناء حرب غزة الأخيرة، وإعلان الرئيس بايدن سحب جميع القوات الأميركية من أفغانستان، ومن جانب واحد في سبتمبر/أيلول 2021"..

وأضاف عطوان خلال مقال نشرته صحيفة "رأي اليوم" في 18 يونيو/ حزيران 2021، أن "أميركا، وباختصار شديد، وبمثل هذا القرار المفاجئ، تؤكد أربع حقائق رئيسة لا بد من التوقف عندها".

 الأولى: اعترافها "عمليا" بالهزيمة، وفشل جميع حروبها بالتالي، في العراق وسوريا والخليج، وأفغانستان واليمن، وقررت تقليص الخسائر، وحفظ ما تبقى من هيبة لزعامتها وأسلحتها، وإنقاذ نفسها وترليوناتها من حروب عبثية لا طائل منها.

أما الحقيقة الثانية، بحسب عطوان، فهي تحويل اهتمامها إلى منطقة شرق آسيا، والصين تحديدا، التي باتت تشكل الخطر الوجودي الأكبر على مصالح الولايات المتحدة ونفوذها في هذه المنطقة الحساسة، وحلفائها الأبرز، ونحن نتحدث هنا عن اليابان وكوريا الجنوبية، والفلبين، وتايوان، وأستراليا والقائمة تطول.

ورأى الكاتب أن الحقيقة الثالثة، هي أن أميركا لا يمكن الاعتماد عليها كحليف قوي، وتتخلى عن "أصدقائها" وتغسل يديها منهم عندما تتعرض مصالحها لأي تهديد، أو عندما تغير أولوياتها وإستراتيجياتها الدفاعية ومصالحها الاقتصادية.

أما الرابعة، فإن الحروب القادمة سيبرانية، ومن خلال الطائرات المسيرة أيضا، مما يعني أن المنظومات الدفاعية التقليدية باتت قديمة وغير ملائمة، ولا بد من الاستغناء عنها، واستبدالها بما يتلاءم مع هذا التطور الجديد والمتسارع.

وتوصل الكاتب إلى أن الرئيس الأميركي جو بايدن، وباختصار شديد، قرر الانسحاب كليا من منطقة الشرق الأوسط، وترك حلفاء بلاده من عرب وإسرائيليين أمام خيار وحيد وهو "أن يقلعوا أشواكهم بأيديهم" وبأقل مساعدة ممكنة من بلاده.

وهو يريد أيضا أن يقدمهم على "طبق من ذهب" إلى إيران ومحورها، القوة الصاعدة بشكل متسارع في المنطقة، استسلاما، تماما مثلما فعلت إدارة الرئيس جورج بوش الابن بغزوها للعراق وبدعم عربي أيضا، وفق قوله الكاتب.

وختم حديثه بالقول: إن إيران انتخبت رئيسا متشددا (إبراهيم رئيسي)، ووحدت كل المؤسسات في الدولة تحت راية المرشد المتشدد علي خامنئي، (البرلمان، السلطة القضائية، الحرس الثوري، والآن السلطة التنفيذية).

وفي السياق ذاته، قال رئيس مركز "أبعاد" للدراسات والبحوث عبدالسلام محمد خلال منشور على "فيسبوك" 21 يونيو/ حزيران 2021 إن "هناك ثلاثة أسباب رئيسة تقف خلف تخفيض الأنظمة الدفاعية الأميركية في الشرق الأوسط، وبالذات دول الخليج وعلى الأخص السعودية".

وأضاف الباحث اليمني أن "هذه القرارات الأميركية، والتي جاءت في ظل تنامي خطر برنامج إيران الصاروخي، تهدف إلى تقليل التوتر في المنطقة وتهيئة الحوار مع إيران، وأن من الأسباب أيضا تسليم المنطقة إلى طهران، إضافة إلى أنها تأتي في إطار التمهيد لقرار انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من المنطقة".

وفي 21 يونيو/ حزيران 2021، قال تحالف دعم الشرعية في اليمن بقيادة السعودية إن تقليص الجيش الأميركي حضوره في المملكة لن يؤثر على قدراتها الدفاعية.

 وصرح المتحدث باسم التحالف العميد الركن تركي المالكي للصحفيين، أن هذا الأمر لن يؤثر على الدفاعات الجوية السعودية. وأضاف أن "هناك تفاهما متينا مع حلفائنا حول التهديد في المنطقة. لدينا القدرة للدفاع عن بلدنا".