"السلاح الأقوى".. لماذا يتهاون بايدن في فرض قانون قيصر على نظام الأسد؟

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مع دخول قانون "قيصر" الذي تفرضه الولايات المتحدة ضد النظام السوري، عامه الثاني، برزت تساؤلات بخصوص مصير القانون في عهد الرئيس الأميركي جو بايدن الذي يواجه انتقادات لعدم تعاطيه مع الملف السوري، وتغاضيه عن فرض عقوبات جديدة ضد النظام.

وفي 17 يونيو/حزيران 2020، دخل قانون "قيصر" حيز التنفيذ بفرض عقوبات غير مسبوقة على نظام بشار الأسد في سوريا والشخصيات والكيانات والدول التي تدعمه مثل إيران وروسيا لمدة 10 سنوات في مجالات الطاقة والهندسة والأعمال والنقل الجوي.

ويمكن للرئيس الأميركي بموجب القانون فرض عقوبات جديدة على أي شخص أو جهة تتعامل مع النظام السوري أو توفر له التمويل، بما في ذلك أجهزة الاستخبارات والأمن أو المصرف المركزي التابعين للنظام.

السلاح الأقوى

وبخصوص مصير قانون "قيصر" في ظل إدارة بايدن، قال الخبير في الشأن السياسي السوري، ياسر النجار لـ"الاستقلال" إن "موقف الولايات المتحدة في ظل إدارة بايدن تجاه النظام السوري مقتضب ومحدود ولا يعبر عن سلوك واضح، بتصوري لعدم أهمية الملف السوري بالنسبة لبايدن".

ورأى النجار أن "الملف السوري حاضر على طاولة المفاوضات التي تجريها واشنطن مع كل من موسكو وإيران، وأن الطرفين الآخرين متمسكان بالملف كورقة قوة، في حين أن الولايات المتحدة أدواتها في هذا الملف ليست كثيرة، مع العلم أن الجميع يعلم أنه لا يوجد حل في سوريا بدون رضى وموافقة ومباركة أميركية".

وتابع: "لكن واشنطن تمتلك ورقة (قيصر)، وهي حتى اللحظة ترى أن هذا القانون هو السلاح الأقوى والأنجع بالنسبة لها للتحكم في الملف السوري، حيث أفشلت واشنطن محاولات روسية كثيرة لإعادة إنعاش وتأهيل نظام الأسد وتسويقه في الخليج وأوروبا، لكن النتيجة باءت بالفشل بسبب أن القانون أخذ حيز التطبيق".

وأردف النجار قائلا: "هذا الأمر لا يعني أن القانون يساهم بإسقاط النظام بشكل كامل، لكنه ورقة ضغط لعدم إنجاز أي شيء إلا بموافقة أميركية من أجل بقاء الولايات المتحدة هي صاحبة القرار النهائي في أي عملية حل سياسي في سوريا".

وأشار إلى أن "تطورات قانون قيصر مع إدارة بايدن، خصوصا السنة الأولى للأخير في الحكم، فإنه لا توجد إرادة للحل في سوريا، وبالتالي الولايات المتحدة تسوق لترحيل المشكلة إلى وقت أطول، والاستنزاف بالوقت، وذلك لا يؤثر عليها بالسلب، وإنما تؤثر على إيران وروسيا".

وأكد النجار أنه "بالفعل لم تحصل تطورات على قانون قيصر من إصدار قائمة عقوبات جديدة، جزء من هذه المسؤولية سببها النشاط السياسي للمعارضة السورية لطرح أسماء جديدة لها دور مباشر في مساعدة النظام بقتل الشعب، وأتصور كان في الفترة الأخيرة نوع من التهاون من المعارضة والمنظمات المعنية بمجال حماية حقوق الإنسان".

من جهته، قال المحلل السياسي الأميركي وخبير العلاقات الدولية، ماك شرقاوي: إن "قانون قيصر سيضاف إلى قوانين أخرى أقرتها الولايات المتحدة وتم وضعها في الأدراج ولم يتم تنفيذها".

وأضاف شرقاوي خلال تصريحات صحفية في 19 يونيو/حزيران 2021، أن "الإدارة الأميركية لن تجد غضاضة من الالتفاف حول هذا القانون، خصوصا أن هناك نية للإدارة الأميركية للخروج من الشرق الأوسط"، مشيرا إلى أن "لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وبايدن" ألقى بظلاله على الكثير من القضايا، خصوصا في ظل وجود تفاهمات بين الطرفين.

مشرّعون ناقمون

عدم تعاطي بايدن مع ملف سوريا وتغاضيه عن تفعيل قانون "قيصر" بفرض عقوبات جديدة، إضافة إلى جملة الإعفاءات التي اتخذتها وزارة الخزانة الأميركية مؤخرا بحق شركات مرتبطة بالنظام، أثار حفيظة مشرعين أميركيين من الديمقراطيين والجمهوريين.

وأصدرت الخزانة الأميركية في 17 يونيو/حزيران 2021 بيانا أشارت فيه إلى أن إصدار هذه الاستثناءات عن شركات سورية هو جزء من جهود الإدارة لمراجعة العقوبات المالية والاقتصادية لتقييم أي عرقلة لجهود التصدي لفيروس كورونا.

وشملت الإعفاءات الأميركية شركتين سوريتين تابعتين للنظام، وهما شركتا (ليتيا) و(بوليميديكس).

وبحسب بيان الخزانة فقد جرى السماح للشركتين اللتين فرضت عليهما الولايات المتحدة عقوبات عام 2020، بإجراء جميع المعاملات المتعلقة بالوقاية من كورونا أو تشخيصه أو علاجه.

وفيما تقول الخزانة الأميركية إن هذه الاستثناءات والإعفاءات تتناغم مع توضيحات أصدرتها في أبريل/نيسان 2021 بشأن عدم شمول العقوبات المتعلقة بقانون "قيصر" المساعدات الإنسانية المتعلقة بالأغذية والأدوية، إلا أن تزامنها كان مع رفع الإدارة لعقوبات عن أفراد متهمين بتمويل النظام.

كما رفعت الخزانة الأميركية مطلع يونيو/حزيران 2021 العقوبات عن شركتين تابعتين لرجل الأعمال السوري سامر الفوز، وبررت الخزانة قرارها بالقول إن هذا الرفع أتى بسبب "تغيير في تصرفات المجموعات التي فرضت عليها العقوبات".

وعلى ضوء ذلك، أفادت تقارير في 19 يونيو/حزيران 2021 بأن مشرعين أميركيين اتهموا الرئيس بايدن بتقديم تنازلات إلى روسيا وإيران عبر رفع هذه العقوبات، مشيرين إلى تساهل الإدارة مع نظام الأسد رغم التصريحات العلنية الشاجبة له.

وأدى رفع العقوبات عن "الفوز" إلى فتح نواب جمهوريين تحقيقا بالمسألة، حيث أمهلوا وزيرة الخزانة، جانيت يلين، حتى نهاية يونيو/حزيران 2021؛ لتقديم وثائق ومراسلات مرتبطة برفع العقوبات عن هؤلاء الأفراد وشركاتهم.

وقال النائب الجمهوري جو ويلسون: "سامر الفوز استفاد مباشرة من جرائم الحرب التي ارتكبها نظام الأسد والدمار في سوريا، وبنى تجمعات فخمة على أراض مسروقة من السوريين الذين أجبروا على الهرب من منازلهم".

وسبق للجمهوريين أن كتبوا رسالة أخرى إلى يلين في مايو/أيار 2021 قالوا فيها: "نحن قلقون من أن إدارتكم تفشل في تطبيق قانون العقوبات الأميركية بحق أسوأ منتهكي حقوق الإنسان في العالم، الذي قتل نصف مليون شخص، كجزء من التنازلات المقدمة لإيران للعودة إلى الاتفاق النووي الفاشل".

وعلى الوتيرة ذاتها، انضم ديمقراطيون بارزون إلى الجمهوريين في دعوة بايدن لفرض قانون "قيصر" بحزم، فقد طرح هؤلاء مشروع قرار في مجلس الشيوخ، حثوا فيه بايدن على تطبيق القانون وفرض عقوبات، مذكرين بأن هدف "قيصر" هو "محاسبة النظام السوري وداعميه الدوليين على الفظاعات التي ارتكبوها ضد الشعب السوري".

عزل النظام

وفي سياق تأثير قانون "قيصر" بعد عام كامل على دخوله حيز التنفيذ، قال مركز "جسور" للدراسات، في دراسة نشرها 17 يونيو/حزيران 2021، سلط فيها الضوء على الآثار التي خلفها قانون "قيصر" على نظام الأسد واقتصاده خلال عام من تطبيقه.

وأوضحت الدراسة أن القانون عزل النظام اقتصاديا، حيث كان يسعى للانفتاح على العالم بشكل أكبر، وفتح قنوات مع عدد من الفاعلين في المنطقة، ونظم زيارات لرجال أعمال أردنيين ولبنانيين وإماراتيين، وتجار سوريين مقيمين في الخارج، لاستطلاع الفرص الممكنة.

لكن إقرار القانون- بحسب الدراسة- أفقد النظام قدرته على القيام بأي استثمارات أو شراكات أو تجارة خارجية حقيقية، وحافظ في علاقاته التجارية مع بعض الدول على سلع ببضعة ملايين خلال عام، تقتصر على الفواكه والخضروات في معظمها.

وأدى القانون إلى وقف إعادة الإعمار، التي هي من وجهة نظر النظام تقوم على هدم مناطق واسعة وتحويل ملكيتها إلى أسهم تسيطر الدولة فيها على حصص من لم يثبت ملكيته لوجوده خارج البلاد بموجب القانون "رقم 10".

وكشف المركز السوري المعارض في دراسته أن "عددا واسعا من المشاريع المبنية على هذا القانون رفعت إلى مكتب الأسد لإصدارها على شكل مراسيم؛ إلا أن ذلك لم يحصل لعدم فعالية إصدارها، نظراً لغياب المستثمرين، حتى من السوريين".

ورأت الدراسة أن القانون نجح في رسم خط بين النظام وحلفائه بشكل أكثر وضوحا من أي وقت مضى، موضحة أن الأطراف اللبنانية باتت تدين عمليات التهريب التي كان يجريها حزب الله مع النظام، والشركات الروسية التي وقعت عقودا معه تراجعت إلى الخلف، كما أصبحت قدرة إيران أقل من أي وقت على دعم الأسد.

وختم المركز دراسته بالإشارة إلى أن قانون "قيصر" أتى في ظل فترة انتقالية فصلت بين رحيل إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب وقدوم إدارة بايدن، ما جعله محل جدل حول فعاليته، وما إذا كان سيستمر أم لا، مؤكدا أنه في حال استمر فيتوقع أن تتعمق آثاره على نظام الأسد وشركائه بشكل أوسع.

وفي هذه النقطة تحديدا، رأى المحلل السوري النجار أن "الإدارة الأميركية لن تتساهل في قابل الأيام، وستستمر في الضغط على النظام من أجل تقديم طهران وموسكو تنازلات، والقبول بحل الإدارة الأميركية لحظة تقديمه، لكن حتى الآن لا وجود لمشروع حل سياسي مقدم من الولايات المتحدة".

وأكد النجار أن "قانون قيصر يشكل عملية استنزاف لروسيا وإيران والنظام، وهو غير معني بالشأن الطبي والغذائي، وإنما معني بالعمل الذي يدعم النظام السوري، لذا نرى الأخير بدأ يركز على عمليات تجارية مشبوهة ومنها المخدرات وما شابه ذلك".

ورأى الخبير السوري أنه "لا يوجد تهاون أو خطة أميركية لإعادة التعامل مع النظام وإنما النظام السوري هو من أراد  تسويق فكرة أن واشنطن في طريقها لإلغاء هذا القانون، وهذا أمر غير صحيح. بل إن مراكز التفكير الأميركية تقول إن الولايات المتحدة ماضية في العقوبات، لكن هناك تباطؤا بسبب المحادثات مع موسكو وإيران".