قلق الخصوم.. هل يعود إسلاميو الجزائر للحكم بعد 29 عاما من الانقلاب؟

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

عاد حلم الوصول إلى دواليب الحكم في الجزائر، ليداعب طموحات الأحزاب الإسلامية بعد فوز أكبر 3 هيئات لهم بـ106 مقاعد من أصل 407 في انتخابات 12 يونيو/حزيران 2021.

وشجع هذه الأحزاب على ذلك، الحراك الشعبي الغاضب من أحزاب الموالاة التي كانت تحكم الجزائر خلال عهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة (1999 - 2019)، والمتهمة بـ"الفساد"، رغم فوزهم بمجموع مقاعد تضمن لهم تشكيل الحكومة.

ولم يتح للأحزاب الجزائرية الإسلامية حكم البلاد، على غرار نظرائهم في تونس والمغرب (بعد الربيع العربي عام 2011)، منذ تدخل الجيش قبل 29 سنة وإقصاء التيار الإسلامي ممثلا بـ"جبهة الإنقاذ" في يناير/كانون الثاني 1992، رغم فوزها بأغلبية 82 بالمئة (188 مقعدا من مجموع 231).

واقتصر الأمر منذ عام 1996 على إشراك حزب حركة مجتمع السلم (حمس) الذي كان يمثل جماعة الإخوان المسلمين حينئذ في الحكومات المتعاقبة حتى 2007 بما بين 2-7 مقاعد وزارية، حسب نتائجه في كل انتخابات.

موافقة مبدئية

النتائج الرسمية، التي أعلنها رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، محمد شرفي، أظهرت فوز الأحزاب الإسلامية الرئيسة بـ106 مقاعد بزيادة مقعد واحد عن حزب السلطة (جبهة التحرير الوطني) الذي فاز بـ105.

وفاز حزب حركة مجتمع السلم الممثل السابق لجماعة الإخوان المسلمين بـ64 مقعدا، وحزب حركة البناء الوطني (الممثل الحالي للإخوان) بـ40 مقعدا، وحزب جبهة العدالة والتنمية بمقعدين.

فوز حزب السلطة (جبهة التحرير الوطني) أكبر الأحزاب السياسية في البلاد، بأكبر عدد من مقاعد البرلمان "لا يؤهله وحده" لتشكيل حكومة.

المقاعد التي حصل عليها وعددها 105 أقل بكثير من 204 يحتاجها لتأمين أغلبية في البرلمان المؤلف من 407 مقاعد، ما سيضطره للبحث عن ائتلاف وربما إشراك الإسلاميين.

ثورة الشارع المستمرة منذ انطلاق الحراك الشعبي في فبراير/شباط 2019، غضبا من فساد أحزاب السلطة يضعف موقفه أيضا من العودة للحكم رغم فوزه.

وعلى العكس، نجحت حركة "مجتمع السلم" في مضاعفة مقاعدها من 34 في انتخابات 2017 إلى 64 في 2021 وفازت بالمركز الثاني.

كما نجح الحزب الذي انشق عنها عام 2013 أي حركة البناء الوطني في اقتناص 40 مقعدا دفعة واحدة في أول انتخابات برلمانية يشارك فيها، وحاز المرتبة السادسة.

جاء في المركز الرابع حزب الموالاة "التجمع الوطني الديمقراطي" بـ57مقعدا بعدما كان له 100 في انتخابات 2017؛ بسبب اتهامات قادته بالفساد ومحاكمتهم، ثم حزب "جبهة المستقبل" (موالاة) بـ 48 مقعدا.

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، مهد في تصريحات قبل الانتخابات، أنه لا يمانع حكم الإسلاميين الحاليين، معتبرا أنهم "يختلفون عن جبهة الإنقاذ".

وقال في مقابلة مع مجلة "لوبوان" الفرنسية 2 يونيو/ حزيران 2021، إن "الإسلام السياسي لا يزعجنا طالما لا يعطل التنمية وتطوير البلد وما دام يمتثل لقوانين الجمهورية".

وشدد على أن "الإسلاموية كإيديولوجية التي حاولت فرض نفسها في بداية التسعينيات (يقصد جبهة الإنقاذ) انتهت في الجزائر ولن أسمح بعودتها أبدا".

وأكد تبون أن "الإسلام السياسي لم يكن عقبة في طريق التنمية كما ظهر في بلدان مثل تونس وتركيا أو مصر، مثل هذا النموذج من الإسلام السياسي لا يزعجني".

بعد فوزها، أعلنت حركة مجتمع السلم أنها تفتح الباب أمام دخول الحكومة القادمة، لكن بشروط تتعلق بمدى تطابق برنامج الحكومة مع رؤيتها السياسية.

"حمس" تشترط للمشاركة في الحكومة، الشراكة في اتخاذ القرارات والخيارات السياسية والاقتصادية الكبرى والبرنامج الذي ستطبقه الحكومة.

مكاسب الإسلاميين

لم تقتصر مكاسب الإسلاميين، والإخوان خصوصا، على الانتخابات البرلمانية الأخيرة، بحصد أحزابهم 106 مقاعد، فقد حققوا انتصارات أخرى.

رئيس حزب البناء الوطني، عبد القادر بن قرينة، فاز بالمركز الثاني في انتخابات الرئاسة الأخيرة التي جرت 12 ديسمبر/ كانون أول 2019، وحل بعد الرئيس الحالي "تبون" الأول.

وسليمان شنين من "حركة البناء الوطني" فاز برئاسة البرلمان لأول مرة، في 10 يوليو/ تموز 2019.

كما فازت أحزاب إسلامية أخرى بقرابة 6 مقاعد، منها "جبهة العدالة والتنمية" (إسلامية) بمقعدين، وحزب "الحرية والعدالة" بمقعدين، و"الفجر الجديد" بمقعدين.

وقبل انتخابات 2021، أعلن رئيس حركة "حمس"، عبد الرزاق مقري، أنه "جاهز للحكم" في حال تحقيق النصر.

عقب ظهور النتائج، قال مقري في مؤتمر صحفي 16 يونيو/حزيران 2021: "النتائج المعلنة لا تسمح لنا بقيادة الحكومة والقيام بإصلاحات كما ورد في برنامجنا الانتخابي".

لكنه استدرك: "سندرس عرض دخول الحكومة، وهل يقترب من رؤيتنا؟ وهل فيه جدية ونقيم واقعيته".

وشدد مقري على أن حزبه "مرتاح للعمل في كل الاتجاهات"، في إشارة لإمكانية البقاء ككتلة معارضة أو المشاركة في الحكومة.

سيناريوهات الحكم

تنص المادة 103 من الدستور الجزائري على أن يقود الحكومة "وزير أول في حال أسفرت الانتخابات التشريعية عن أغلبية رئاسية (موالية للرئيس)، أو رئيس حكومة في حال أسفرت الانتخابات عن أغلبية برلمانية (تابعة للمعارضة)".

"الوزير الأول" في الجزائر هو منسق لعمل الحكومة دون صلاحيات ويتبع الرئيس، أما "رئيس الحكومة" فيترأس حكومة لها أغلبية برلمانية ولديه صلاحيات.

وتبدو نتائج الانتخابات وكأنها أدت عمليا لتسهيل اختيار الرئيس لـ"وزير أول" من أحزاب السلطة حتى يتولى الحكم، ويبتعد عن خيار تولية الإسلاميين الحكومة.

أحزاب السلطة (جبهة التحرير والتجمع الوطني والمستقبل) تمتلك عمليا وحدها 210 مقاعد وهي النسبة الكافية للغطاء البرلماني للحكومة (204 مقاعد)، ويمكنها الاستعانة أيضا بالمستقلين الموالين للسلطة (78 مقعدا) بما يجعل أغلبيتهم 288 من 204 مقاعد.

لكن الرئيس يدرك أن الحراك الشعبي الغاضب، المستمر منذ عامين، يرفض هذه الأحزاب السلطوية بسبب فسادها، وعودتها قد تؤدي لاستمرار المظاهرات الشعبية الغاضبة.

"تبون" يدرك أيضا أن "جبهة التحرير الوطني" ورقة احترقت حتى لو حازت على المرتبة الأولى، وكذلك الأمر بالنسبة إلى "التجمع الوطني"، لذلك ربما يبحث عن بديل، بين الإسلاميين أو المستقلين.

ويعني ذلك أنه أمام خيارين، إما السير على خطى تشكيل حكومة من أحزاب السلطة متحديا الحراك الشعبي الذي يتهم هذه الأحزاب بالفساد وثار عليها وأطاح بـ"بوتفليقه"؟، أو تكليف المعارضة الإسلامية بتشكيل حكومة ربما مع المستقلين.

لكن الخيار الثالث الأصعب هو تشكيل ائتلاف بين الإسلاميين وأحزاب السلطة، فيما الرابع تشكيل حكومة من أحزاب السلطة وتضم الإسلاميين.

وفي حال تحالفت حركة مجتمع السلم (64 نائبا) وجبهة المستقبل (48 نائبا) وحركة البناء الوطني (40 نائبا) وانضم إليهم المستقلون (78 نائبا) فبإمكانهم تشكيل حكومة ائتلافية دون الحاجة إلى حزبي السلطة (جبهة التحرير والتجمع الوطني). 

لكن هذا السيناريو يبدو مع ذلك صعبا، وربما مستبعدا بالنظر إلى الاختلاف الأيديولوجي بين هذه الكتل، إلا لو شجعتهم الرئاسة وكانت لديها رغبة في إبعاد حزبي السلطة تحت ضغط الحراك الشعبي، وتهم الفساد التي تلاحق قياداتهما.

وقد يستعين "تبون" بالمستقلين، ويشكل حكومة بأحزاب الموالاة والمستقلين ويقصي الإسلاميين لمقاعد المعارضة، ما سيعني أن الأحزاب الإسلامية لن تستفيد من انتصارها.

وربما يختار سيناريو التوافق والتحالف ويضم الجميع (الموالاة والإسلاميين والمستقلين) في الحكومة المقبلة كي يضمن "هدوءا سياسيا".

وتعهد الرئيس الجزائري باحترام نتائج الانتخابات، قد يدفعه لإشراك الجميع كي يضمن في الوقت ذاته نوعا من الاستقرار والهدوء السياسي وتطبيق برنامجه الاقتصادي وخطة الإصلاحات السياسية التي أعلنها ضمن التزاماته في 2019.

مجموعة الأزمات الدولية البحثية توقعت في 11 يونيو/ حزيران 2021، "سيناريو محتمل" هو أن تسفر الانتخابات عن "إعادة القوى السياسية الفائزة تجميع صفوفها وتشكيل تحالف هدفه إدامة واستمرار النظام".

وزعمت أن الزيادة الكبيرة المحتملة في عدد نواب "الإسلام السياسي" يمكن أن تعزز "استقطاب الهوية" ويمكن أن تندمج الحركات الاحتجاجية النقابية مع الحراك ويرفضون نتيجة الانتخابات وتعود المسيرات الغاضبة.

و"يمكن أن يزيد هذا بدوره النزاعات المتعلقة بإدارة هذه التوترات داخل التسلسل الهرمي العسكري وأجهزة المخابرات".

لهذا رجحت أن تلجأ السلطة لسيناريو الائتلاف الحكومي، بجانب الحوارات مع القوى المختلفة كي تتفادى عودة سيناريو العنف الذي اندلع في التسعينيات وأدى لمقتل ما بين 100 إلى 200 ألف جزائري.

"المستقلون" حزب الرئيس

محللون جزائريون يرجحون أن يلجأ الرئيس تبون لورقة "المستقلين" الذين تمكنوا من انتزاع المرتبة الثانية في الانتخابات، كي يتخلص من قوة أحزاب الموالاة أو المعارضة على السواء وينفذ برنامجه.

وحصل المستقلون على 78 مقعدا من إجمالي 407، وأزاحوا حركة "مجتمع السلم" عن المرتبة الثانية (64 مقعدا)، والتجمع الوطني الديمقراطي (موالاة/57 مقعدا)، فلماذا لا يستعين بهم تبون؟.

ما قد يشجعه على ذلك أن العديد من المستقلين (يطلق عليهم "الأحرار") ينتمون لمناضلي جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي لكنهم ترشحوا مستقلين بعد اتهام الحزبين بالفساد.

المستقلون، موالون للحكومة منذ 1997، وإن ظهرت بينهم أسماء تغرد خارج السرب ولا تدعم الرئيس، وبعض تكتلاتهم تعد لتشكيل أحزاب جديدة.

نظام "تبون" نفسه شجع هؤلاء المستقلين من خلال تمويل جزء من حملات المترشحين الأقل من 40 عاما، ومنح الأولوية للأصغر سنا عند تساوي الأصوات بدل الأكثر سنا كما كان معمولا به في السابق.

كما تم إقصاء نحو 1200 قائمة أغلبها تابعة لأحزاب سياسية بتهمة محاربة المال الفاسد، ما أتاح لقوائم المستقلين المترشحة أن تحتل المرتبة الأولى من حيث العدد، متفوقة على قوائم الأحزاب الـ 28 المشاركة في الانتخابات مجتمعة.

دور الجيش

عندما فاز الإسلاميون عام 1992، ألغى الجيش الانتخابات، الأمر الذي أطلق شرارة حركة عصيان مسلح وحرب أهلية سقط فيها 200 ألف جزائري قتلى قبل أن تضع أوزارها عام 1999.

لكن، في حواره السابق مع مجلة "لوبوان"، سئل الرئيس تبون عن موقف الجيش من الانتخابات والحكم عموما، فقال إنه "لن يتدخل".

وأوضح أنه كانت أمام الجيش فرصة للسيطرة على الحكم أواخر أيام بوتفليقة وانطلاق الحراك الشعبي، لكنه لم يفعل.

وقال تبون: "لو كان الجيش يرغب في السيطرة على السلطة لفعلها حينذاك، لأن ذلك كان مطلبا شعبيا"، وأثنى على المؤسسة العسكرية وعلى شخص رئيس أركان الجيش، السعيد شنقريحة.

وأضاف: "خلال فترة مرضي هناك من اعتقد بأن البلد سيغرق، لكن بفضل الجيش ووفائه، تم تجاوز تلك المرحلة".

وشدد تبون على أن "الجيش انسحب من الساحة السياسية منذ نهاية سنوات الثمانينيات، والزمن الذي كان فيه ضباط من الجيش أعضاء في اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني (الحزب الحاكم سابقا) قد ولى والجيش لم يعد يمارس السياسة".

وسخر من جيوش دول عربية أخرى، قائلا: "لو لم يكن لدينا جيش عصري احترافي وجمهوري، لكان الوضع مختلفا ولكانت الجزائر أسوأ من سوريا وليبيا".

ومع هذا ترى وكالة رويترز أن "الجيش سيظل له السلطة النهائية"، رغم سعي الإسلاميين لاستغلال الاضطرابات السياسية التي نجمت عن الاحتجاجات الشعبية وتطلعهم لأول فوز في الانتخابات منذ الحرب الأهلية".

وذكرت في 21 أبريل/ نيسان 2021 أن الأحزاب الإسلامية بالجزائر تسعى للفوز في الانتخابات لتلعب دورا رئيسا في الحكومة "في إطار إستراتيجية لزيادة نفوذها داخل النظام الذي هيمنت عليه لفترة طويلة المؤسسة العسكرية".

الأمر ذاته أكده مركز "كارنيغي" للأبحاث في تقرير بعنوان "الدور السياسي للقوات المسلحة في الجزائر الجديدة"، اعتبر فيه أن "الجيش لازال الحاكم الفعلي في الجزائر بواجهة مدنية"، وأنه "يلعب دورا في تحديد السياسة الخارجية للبلاد".

التقرير الذي نشره معهد "ماركوم كير كارنيغي للشرق الأوسط" 17 مارس/آذار 2021 ذكر أنه "لا يمكن لأي رئيس في الجزائر، حتى لو كان منتخبا بطريقة ديمقراطية، أن يحدث تغييرا بارزا ما لم تتعاون معه النخبة العسكرية".

وأكد أن المؤسسة العسكرية، الجهاز الأقوى في الدولة "حولت مطلب الشعب بالتغيير في الحراك الشعبي، إلى تغيير ضمن نفس النظام ووفق الثقافة السياسية القائمة على سيادة المؤسسة العسكرية على الحكم المدني".