"خيبة أمل كبيرة".. دول أوروبية تسعى لإعادة علاقاتها مع نظام الأسد

قسم الترجمة | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أكدت قناة "يورونيوز" أن عددا من الدول الأوروبية بدأت تتحرك في اتجاه إعادة فتح سفاراتها في دمشق، رغم الموقف الأوروبي الصارم من التعامل مع نظام بشار الأسد.

وعندما فاز الأسد بولاية رابعة في 26 مايو/أيار 2021 بنسبة 95.1 بالمئة من الأصوات، سارع الاتحاد الأوروبي مع قوى غربية أخرى إلى التنديد بالانتخابات ووصفها بأنها "مزورة".

وقال الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، في بيان، إن "الانتخابات التي جرت في سوريا لم تستوف أيا من معايير التصويت الديمقراطي الحقيقي، ولا يمكن أن يؤدي إلى أي إجراء للتطبيع الدولي مع النظام السوري".

وتبنى الاتحاد الأوروبي عقوبات ضد نظام الأسد منذ بدء الصراع المستمر منذ عشر سنوات عام 2011. وتصاعدت العقوبات مع اندلاع الحرب، مما أسفر عن مقتل نصف مليون شخص وتهجير 11 مليونا من ديارهم.

لكن موقف بروكسل الثابت تجاه نظام الأسد يتناقض مع التحركات الأخيرة للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لإعادة فتح سفاراتها في دمشق.

وجود دبلوماسي

ومنذ عام 2012، أبقت جمهورية التشيك فقط سفارتها مفتوحة في الدولة التي مزقتها الحرب، بينما قطع آخرون علاقاتهم مع دمشق وأجلوا ممثلياتهم الدبلوماسية.

وتعد براغ هي عاصمة الاتحاد الأوروبي الوحيدة التي أبقت على سفارتها مفتوحة خلال الحرب السورية.

ومع ذلك، يبدو أن بعض دول الاتحاد الأوروبي تميل إلى إعادة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق، مع استعادة حكومة الأسد السيطرة على غالبية البلاد بدعم من موسكو وطهران.

وعلمت "يورونيوز" أن ما لا يقل عن 4 دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي لديها حاليا بعثة دبلوماسية تعمل في الدولة الشرق أوسطية.

وقال مصدر دبلوماسي لـ"يورونيوز": إن "غالبية دول الاتحاد الأوروبي لا تزال تدير سفاراتها في سوريا من خلال دبلوماسيين يعملون من لبنان المجاور ويزورون سوريا من وقت لآخر.

وأشار إلى أن بعض الدول الأعضاء "ما زالت تتبع سياسة صارمة تتمثل في عدم فتح سفارة أو اتصال بالنظام".

لكن عددا متزايدا من دول الاتحاد الأوروبي عززت وجودها الدبلوماسي في سوريا خلال الأشهر الأخيرة.

إلى جانب جمهورية التشيك، لبلغاريا تمثيل دبلوماسي دائم في سوريا من خلال سفارتها في دمشق. وعينت الدولة سفيرا لها في سوريا، وهو تيغران جيفورجيان، بحسب الموقع الرسمي للسفارة.

كما تم إدراج بلغاريا ضمن الدول التي لها بعثة دبلوماسية في دمشق من قبل موقع وزارة الخارجية السورية.

واتصلت "يورونيوز" بالسفارة البلغارية في دمشق وتلقت تأكيدا من الطاقم الإداري بأن السفارة مفتوحة رغم أنها "لا تعمل كالمعتاد".

وقال القائم بالأعمال القبرصي في دمشق سيفاج أفيديسيان، إن سفارة نيقوسيا في سوريا "في طور استئناف العمليات" وستفتح "في الأسابيع المقبلة".

وأضاف أن البلاد كان لها وجود دبلوماسي دائم في أحد الفنادق وليس في مقرها الخاص "منذ منتصف أكتوبر" العام الماضي.

وأصر أفيديسيان على أن البلاد لم تعين سفيرا في سوريا بل قائما بالأعمال "دون تقديم أوراق اعتماد للأسد بما يتماشى مع سياسة الاتحاد الأوروبي".

دون أوراق اعتماد

ولا تعترف الكتلة بالأسد كرئيس شرعي للدولة، وبالتالي فإن سفراء دول الاتحاد الأوروبي لن يقدموا أوراق اعتمادهم إليه.

وأوضح أفيديسيان: "لقد غادرنا دمشق لأسباب أمنية، وليس لأننا أردنا تعليق العلاقات الدبلوماسية"، مضيفا أن الدبلوماسيين القبارصة استمروا في إدارة الشؤون المتعلقة بسوريا من لبنان طوال الحرب.

وقال: "إذا نظرت إلى الخريطة، فإن سوريا هي ثاني أقرب دولة إلى قبرص من الناحية الجغرافية"، مشيرا إلى أن نيقوسيا لم تحافظ على علاقات مع تركيا المجاورة التي لا تعترف بقبرص. وقال ليورونيوز "من المهم أن تكون حاضرا في الدول المجاورة..كان علينا العودة".

وأضاف "لسنا أول من يعود ولن نكون آخر من يعود"، في إشارة إلى دول أخرى أعادت بالفعل فتح سفاراتها أو تستعد للقيام بذلك.

وقال مصدر ليورونيوز: إن القائم بالأعمال وقنصلا تم تعيينهما في السفارة المجرية بدمشق منذ العام الماضي، وأن السفارة "مفتوحة ولكن بنشاط محدود".

فيما قالت وزارة الخارجية المجرية، في اتصال مع صحفيي يورونيوز، إن "المجر لها وجود دبلوماسي على مستوى القائم بالأعمال في سوريا، وهو ما يدل عليه العمل الإنساني والمشاريع الإغاثية لبرنامج المساعدة المجري".

بالإضافة إلى هذه البلدان الأربعة، تم إدراج النمسا أيضا ضمن الدول التي لها بعثة دبلوماسية في دمشق من قبل موقع وزارة الخارجية السورية.

لكن وزارة الخارجية النمساوية قالت ليورونيوز إن جميع أنشطة السفارة "ما زالت تجري من بيروت".

وأضافت "لم يتم إغلاق سفارة النمسا في دمشق أبدا، ولكن تم نقل معظم الموظفين إلى بيروت لأسباب أمنية عام 2012. تتم جميع أنشطة السفارة من بيروت، بما في ذلك القنصلية، بينما نقوم بصيانة المبنى الذي تملكه النمسا بمساعدة موظفين محليين"، وفق البيان المرسل إلى "يورونيوز".

ونقلت الصحيفة اليونانية "اليونان سيتي تايمز" عن صحفي سوري، أن أثينا تستعد لإعادة فتح سفارتها "في غضون أسابيع"، بعد أن أشارت إلى رفع العلم اليوناني والاتحاد الأوروبي مرة أخرى في سفارتها بدمشق.

وذكرت صحيفة "الوطن" القطرية أن العديد من دول الاتحاد الأوروبي بما في ذلك اليونان تخطط لإعادة التعامل دبلوماسيا مع سوريا. حتى أن صحيفة "لوريان لوجور" اللبنانية اليومية استشهدت بدبلوماسي سوري مجهول، تحدث إلى إذاعة "الشام" غير الرسمية، وادعى أن كلا من قبرص واليونان أعادتا فتح سفارتيهما منذ أكثر من 6 أشهر.

ولم تتلق يورونيوز أي رد من السلطات اليونانية بشأن الخطط المزعومة لإعادة فتح سفارة أثينا في دمشق.

وقال المتحدث الرئيس في خدمة العمل الخارجي بالاتحاد الأوروبي، بيتر ستانو: "لا يمكنني التعليق على التكهنات حول الافتتاح المزعوم لسفارات دول أعضاء منفردة في سوريا أو في أي مكان في العالم - هذا حق سيادي وامتياز لكل دولة لتقرير متى وبأي شكل يفتحون تمثيلا دبلوماسيا في الخارج".

سياسة الاتحاد

تشمل عقوبات الاتحاد الأوروبي المطبقة منذ عقد، حظر السفر وتجميد الأصول ضد الأسد وغيره من كبار المسؤولين السياسيين والضباط العسكريين ورجال الأعمال.

ويوجد حاليا 283 شخصا و70 كيانا في سوريا على قائمة عقوبات الاتحاد الأوروبي.

وكانت بروكسل مصرة على أن أي شكل من أشكال التطبيع مع نظام الأسد غير وارد، وكرر البرلمان الأوروبي هذا الموقف في قرار أخير تم تبنيه في مارس/آذار 2021.

وجاء في النص أنه "طالما لم يكن هناك تقدم جوهري على الأرض مع مشاركة واضحة ومستمرة وذات مصداقية في عملية سياسية شاملة ، فإن أعضاء البرلمان الأوروبي يعارضون أي تطبيع للعلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري".

ورغم موقفه الحازم ضد النظام السوري ، لا يزال الاتحاد الأوروبي يحتفظ بعلاقات دبلوماسية منخفضة المستوى مع سوريا.

وبحسب موقعها على الإنترنت، تواصل بعثة الاتحاد الأوروبي إلى سوريا العمل من بيروت، بينما تقوم ببعثات منتظمة إلى دمشق.

وقال مصدر دبلوماسي ليورونيوز إنه "لا يزال لدى البعثة مقر في دمشق مع موظفين محليين فقط".

وفي ذات السياق، قال مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، جوليان بارنز داسي، إن "الحفاظ على مثل هذا الوجود الدبلوماسي في سوريا لا يتعارض مع سياسة الاتحاد الأوروبي بعدم تطبيع العلاقات مع النظام".

وأضاف "الاتصالات منخفضة المستوى إلى حد ما، وسنقع في فخ من صنعنا إذا أطلقنا على ذلك بالاعتراف الدبلوماسي".

وأشار إلى أن هذه الاتصالات ذات المستوى الأدنى "خدمت غرضا ثمينا"، بما في ذلك فهم الوضع على الأرض وتفعيل الدعم الإنساني للكتلة في سوريا.

ويعتبر الاتحاد الأوروبي أكبر مانح دولي للدولة التي مزقتها الحرب، حيث تم حشد أكثر من 24 مليار يورو لمساعدة المتضررين من النزاع المسلح.

وشدد عضو البرلمان الأوروبي باري أندروز، الذي عمل على نطاق واسع في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وسوريا، على ضرورة أن يحتفظ الاتحاد الأوروبي بقنوات اتصال مع دمشق.

وأوضح "أعتقد أنه يجب أن يكون هناك خط اتصال، لقد دعوت باستمرار إلى تعيين مبعوث خاص من الاتحاد الأوروبي في سوريا. نحن بحاجة إلى فرصة لإجراء حوار من نوع ما، ولقنوات اتصال. وأعتقد أن مبعوثا خاصا سيوضح مدى جدية تعاملنا مع هذه القضية".

خيبة أمل

وتأتي أنباء عن استعداد دول أوروبية لإعادة فتح سفاراتها في دمشق وسط مخاوف من تطبيع نظام الأسد على الساحة الدولية.

وفي الشهر الماضي، أثار قرار منح حكومة الأسد مقعدا في المجلس التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية انتقادات واحتجاجات في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون.

ومع ذلك، أكدت مصادر متعددة ليورونيوز أن الاتحاد الأوروبي لم يقترب من تطبيع علاقاته مع نظام الأسد رغم إعادة فتح البعثات الدبلوماسية الصغيرة.

وفي سياق متصل، أوضح اندروز "لا أعتقد أن الموقف قد تغير على الإطلاق على مستوى الاتحاد الأوروبي. لن أرفض هذه التقارير كليا، لكنني سأضعها في سياق قضايا أخرى، لا تتعلق بسوريا بشكل مباشر ولكن أكثر ارتباطا بالمخاوف بشأن السياسة الخارجية التركية، في حالة كل من اليونان وقبرص".

وأشار بارنز داسي إلى أن "أيا من الدول الأعضاء الرئيسة في الاتحاد الأوروبي" لم يتحرك في اتجاه تطبيع العلاقات الدبلوماسية وأن الكتلة جددت للتو عقوباتها على سوريا الشهر الماضي. وقال عن عمليات إعادة الافتتاح: " أنا لا أقرأ بأن ذلك تحول عميق للغاية".

وأضاف "بعد قولي هذا، أعتقد أن هناك شعورا ما في العواصم الأوروبية بأن عنصر الصراع المسلح الأكثر صعوبة في الحرب الأهلية ينتهي وهناك مصلحة في بعض الاتصالات على مستوى أدنى على الأرض لتعزيز المصالح الضيقة".

وقال أندروز مع ظهور تقارير عن إعادة فتح السفارات الأوروبية "أشعر بخيبة أمل كبيرة لسماع هذا يحدث".

وأضاف "وجود دول أعضاء تفكر في توسيع العلاقات مع سوريا أمر غير مفهوم تماما للأشخاص الذين أمثلهم، لقد أصدرنا قرارا بشأن الإفلات من العقوبات وتم جمع الأدلة مع احتمال قيام محاكمات مستقبلية لمحاسبة النظام السوري على جرائم الحرب. هل سنتجاهل ذلك بجدية ونعود إلى التطبيع في ظروف لم يحدث فيها تقدم من الجانب السوري؟".

لكن الكتلة الأوروبية ليس لديها نفوذ كبير ضد الدول الأعضاء الراغبة في إعادة العلاقات الدبلوماسية مع سوريا، حيث أشار أندروز إلى أن "سياسة الأمن الخارجي المشتركة مرتبطة بممارسة حق النقض، لذا فإن أي إدانة سيكون من الصعب تحقيقها".

وقبل أن تتمكن "يورونيوز" من تأكيد بعض عمليات إعادة الافتتاح، قال مصدر دبلوماسي: إن الشائعات المتعلقة بالسفارات القبرصية واليونانية والمجرية "أعيد إحياؤها مؤخرا من قبل نظام الأسد للتأكيد على الاعتراف به والتطبيع معه".