تحقيق يوناني: عائلة الأسد تدير شبكات إجرامية لتجارة المخدرات بالعالم

قسم الترجمة | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

أكد موقع منظمة مشروع مكافحة الجريمة المنظمة والفساد "Organized Crime and Corruption Reporting Project" أن تحقيقات أجريت في عدة بلدان بينها اليونان وليبيا كشفت تورط النظام السوري في تجارة حبوب الكبتاغون المخدرة.

وفي أواخر عام 2018، ألقت السلطات اليونانية القبض على سفينة شحن تحمل أكثر من 100 مليون دولار من الحشيش ومخدرات الكبتاغون، وهو دليل على ازدهار تجارة المخدرات التي غذتها الحرب في سوريا.

وكشف تحقيق السلطات اليونانية عن شبكة من المجرمين المرتبطين بالشحنة على صلة بعائلة بشار الأسد الحاكمة، وعصابة في ليبيا، وشركات وهمية مسجلة في لندن.

بإدارة الأسد

وتظهر شبكة الاتصالات كيف تتم إدارة التجارة المزدهرة  لهذا المخدر من اللاذقية، وهو ميناء سوري يخضع لسيطرة النظام المباشرة. 

جرى ضبط أكبر شحنات كبتاغون على الإطلاق، في إيطاليا في صيف 2020 وكذلك في رومانيا. وتم شحن كميات كبيرة من هذا المخدر من ميناء اللاذقية. 

وأبحرت سفينة الشحن "نوكا" مساء 2 ديسمبر/كانون الأول 2018 من ميناء اللاذقية السوري متجهة إلى شرق ليبيا. 

وكانت السفينة مليئة بالبضائع التي أرسلها اثنان من العملاء خارج دمشق. ومع ذلك، فإن شحنتها الحقيقية لن تظهر في أي دفتر رسمي.

وجرى إخفاء ما قيمته 100 مليون دولار من الحشيش والكبتاغون، وهو منشط اصطناعي شائع في الشرق الأوسط، في حاويات شحن تحتوي التوابل والقهوة ونشارة الخشب. 

وبعد وصولها إلى قبرص مباشرة، أوقفت نوكا نظام تحديد الهوية الأوتوماتيكي الخاص بها، وهو جهاز يعلن موقع السفينة لسفن أخرى ويستخدم لتجنب الاصطدامات. 

لكن وكالة الحدود الأوروبية وخفر السواحل الأوروبي واليوناني اعترضوا السفينة التي ترفع العلم السوري في 5 ديسمبر / كانون الأول أثناء مرورها بجزيرة كريت. وبعد التفتيش صادروا المخدرات واعتقلوا طاقمها المكون من 11 شخصا.

في ذلك الوقت، كانت شحنة نوكا أكبر عملية مصادرة للكبتاغون على الإطلاق في اليونان وثاني أكبر مصادرة للمخدرات منذ 25 عاما على الأقل، وهو دليل على أن تجارة المخدرات البحرية ازدهرت في حوض البحر الأبيض المتوسط ​​منذ اندلاع انتفاضات الربيع العربي في 2011. 

و"الكبتاغون" هو اسم تجاري لمركب دواء فينيثيلين هيدروكلوريد أنتج في ألمانيا الغربية في الستينيات كعلاج لاضطراب نقص الانتباه والاكتئاب.

جرى حظر حبوب الكبتاغون المزيفة في الثمانينيات من القرن الماضي.

وقد طورت حبوب الكبتاغون المقلدة في الشرق الأوسط وازدهر استهلاكها لا سيما في دول الخليج مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر - ومؤخرا بين المقاتلين في سوريا. 

وعادة ما تنحرف حبوب "الكبتاغون" المنتجة بشكل غير قانوني عن الصيغة الأصلية، حيث تجمع بين الأمفيتامين ومواد مثل الكافيين والثيوفيلين والباراسيتامول. لكن الأقراص لا تزال مصممة لتشبه الأصلية. 

ومنذ أن بدأ الصراع قبل أكثر من عقد من الزمان، أصبحت سوريا المورد الرئيس للكبتاغون في المنطقة.  

على مدى السنوات القليلة الماضية، جرى ضبط عدد متزايد من شحنات الكبتاغون القادمة من اللاذقية في الموانئ الليبية والإيطالية واليونانية والرومانية.  

وتضمنت أكبر كمية جرى ضبطها في ميناء ساليرنو بالقرب من نابولي في يونيو/حزيران 2020، أكثر من 14 طنا من الكبتاغون تقدر قيمتها بمليار يورو.

ومع تنامي التجارة، ازدادت مزاعم تورط شخصيات ومليشيات مرتبطة بالنظام السوري.

ومن خلال فحص وثائق المحاكم اليونانية والإيطالية والليبية، وبيانات تسجيل الشركة وتتبع السفن، وبعد إجراء مقابلات مع مسؤولي إنفاذ القانون والخبراء، كشف مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد عن تفاصيل لم يتم الإبلاغ عنها سابقا.

كانت التفاصيل عن شبكة من المجرمين السوريين والشركات الوهمية المرتبطة بـسفينة نوكا وتجارة الكبتاغون.

وتعود العديد من المسارات إلى اللاذقية، وهي مدينة ساحلية على البحر المتوسط ​​تخضع لسيطرة حكومية مشددة وتهيمن عليها الفرقة الرابعة سيئة السمعة التابعة لجيش النظام السوري.

والوحدة المذكورة يقودها ماهر الأسد شقيق بشار رئيس النظام السوري.

ووجد المراسلون أن الرجل الذي يملك النوكا وهو سوري يدعى طاهر الكيالي يقيم الآن في اللاذقية، وقد أدين في إيطاليا عام 2015 بسرقة وتهريب يخوت فاخرة. 

كما أن للكيالي علاقات مع مضر الأسد، ابن عم بشار الذي تسيطر شركته على مرسى ومجمع سياحي في اللاذقية حيث يدير "كافيتريا".

كما تكشف وثائق المحكمة من محاكمة ذات صلة في بنغازي، عن تفاصيل مستفيضة حول عمليات العصابة الممتدة من سوريا إلى ليبيا والتي يزعم أنها كانت مستعدة لاستلام شحنة نوكا. 

وحكم على أربعة أعضاء في العصابة بالإعدام رميا بالرصاص لدورهم في شحنات النوكا وشحنات أخرى إلى ليبيا.

كيالي.. مهرب مدان

عاش مالك نوكا، طاهر الكيالي البالغ من العمر ستين عاما، في تورينو بإيطاليا مع زوجته الإيطالية وطفليه قبل الانتقال إلى اللاذقية في عام 2015.

 وأثناء وجوده في إيطاليا، أدين كيالي في قضيتين جنائيتين منفصلتين. 

وفقا لتقرير صادر عن وكالة أنباء Adnkronos عام 2007، اعتقلته الشرطة الإيطالية لقيادته عصابة عملت على تهريب سيارات فاخرة مسروقة من ميناء روتردام في هولندا إلى دول من بينها الإمارات واليابان.

وأدين في عام 2010 بتهمة تكوين جماعة إجرامية وتلقي وبيع سلع مسروقة، ولكن جرى العفو عنه لاحقا. 

وظهرت قضية أكثر خطورة في عام 2013، عندما أصدر قاض في بيسارو، على ساحل البحر الأدرياتيكي الإيطالي أمرا باعتقاله.

جاء ذلك بعد أن كشفت عملية للشرطة كيف هربت عصابة دولية اليخوت الفاخرة المسروقة عبر حوض البحر الأبيض المتوسط. 

ويظهر حكم مؤلف من 163 صفحة حصلت عليه شركة IrpiMedia أن كيالي وسوريا آخر كانا وراء سرقة اليخوت من خلال شركاء إيطاليين نظموا السرقات في الموانئ الإيطالية، ثم نقلوا القوارب المسروقة إلى دول مثل كرواتيا أو مصر أو اليونان.

وأشارت الشرطة الإيطالية إلى كيالي على أنه زعيم هذه المجموعة واتهمته بالسرقة والتعامل مع بضائع مسروقة. 

وفي يناير/كانون الثاني 2015، حكم عليه غيابيا بالسجن ست سنوات ونصف. لكن بحلول ذلك الوقت، كان كيالي قد انتقل إلى اللاذقية ولم يتم القبض عليه مطلقا. 

وقال كيالي الذي تم التواصل معه عبر البريد الإلكتروني "أدين هذه الجرائم والتهم أساءت تفسير ما حدث".

ووصف إيطاليا بأنها "دولته الثانية"، وقال عن قضية السيارات الفاخرة المسروقة، إنه اشترى فقط مركبة BMW X6 من شخص أكد لاحقا لشركة التأمين أنها مسروقة. 

وقال إن قضية سرقة اليخوت تستند إلى سوء فهم نابع من حقيقة أن بعض الأشخاص حصلوا على يخوت في إيطاليا ثم سافروا بها إلى الشرق الأوسط "باستخدام أوراق تعتبر هناك قانونية ولكن غير قانونية في إيطاليا ".

وأنشأ كيالي الذي ينفي أن يكون له أي علاقة بتجارة المخدرات، لاحقا شركات وهمية مختلفة خارج سوريا واصل من خلالها ممارسة الأعمال التجارية.

وفي 4 مارس/آذار 2017، سجل شركة تدعى Neptunus Overseas Limited في 27 شارع Old Gloucester في لندن، وهو مبنى سكني من أربعة طوابق تستخدمه مئات الشركات كعنوان مزيف. 

في العام نفسه، أسس شركة أخرى في اللاذقية، Neptunus LLC، والتي تصف نفسها بأنها وكالة بحرية توفر إدارة السفن ودعمها وتوريدها.

 وبحسب سلطات ميناء اللاذقية، فإن الشركة مملوكة لطاهر الكيالي وشريك اسمه ياسر الشريف. ولم يتمكن الصحفيون من العثور على أي معلومات إضافية حول الأخير. 

وفي 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، استخدم كيالي Neptunus لشراء سفينة نوكا من شركة مقرها لبنان، Medlevante Overseas Ltd ، والتي أصبحت المالك المسجل للسفينة في فبراير/شباط من ذات العام.

وقال كيالي إنه أجر السفينة نوكا لشركة تعرف باسم "شركة لاميرا" لتشغيل وصلة شحن تسمى خط لاميرا الذي يمتد بين اللاذقية وبنغازي وموانئ أخرى على البحر المتوسط.

وتم العثور على مادة الكبتاغون مخبأة في أسطوانات ورقية صناعية وآلات مصممة لمنع الماسحات الضوئية من اكتشاف المحتويات.

وأفادت وثيقة يونانية من القضية أن شحنة نوكا الرسمية تم إرسالها من قبل شركة "دبول والمفتي" ومقرها خارج دمشق، وتورط محمد هاني عابدين في دمشق  الذي حكم عليه لاحقا بالإعدام لدوره في الشحنة وأعمال تهريب أخرى مزعومة من قبل محكمة بنغازي. 

ويدير دبول والمفتي شركة تعمل على تصنيع المنتجات الكيماوية بما في ذلك المنظفات، والتي تم استخدامها في شحنة نوكا لإخفاء رائحة الأدوية.

وقال كيالي إنه بعد أن استأجر السفينة نوكا، أجرت السفينة رحلتين للشحن من اللاذقية إلى بنغازي، وجرى إيقافها في الثانية من قبل خفر السواحل اليوناني، الذي وجد "مواد محظورة" - في إشارة إلى شحنة المخدرات التي "وضعت بداخل أرضية الحاويات، وليس في جسم السفينة أو في الحمولة".

وتابع: "لقد تعاونا بشكل كامل مع السلطات اليونانية وتمكنا أخيرا من الحصول على براءة للطاقم والسفينة والشحنة ولكن بعد أن تكبدنا خسائر فادحة". 

وأضاف "إن شاء الله ستعود السفينة والطاقم إلى الوطن، أما بالنسبة للبضائع، فقد أبلغنا أصحابها بأخذها وشحنها إلى أي مكان يريدون".