ينذر بانتفاضة جديدة.. إلى أين يتجه السودان بعد رفع أسعار المحروقات؟

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

احتجاجات مستمرة تشهدها عدد من المدن السودانية، على رأسها العاصمة الخرطوم، بسبب رفع الحكومة سعر المحروقات للضعف، إذ أغلق محتجون الطرق بوضع متاريس صعبت حركة المواطنين، فيما بدأت أعمال عنف وسلب ونهب مصاحبة للاحتجاجات. 

زاد التحدي أمام حكومة عبد الله حمدوك مع مطالبة المتظاهرين وعدد من قيادات الأحزاب السودانية، بإسقاط النظام، والدعوة إلى ثورة يوم 30 يونيو/ حزيران 2021، في موعد "الموكب العظيم".

وهو ما جعل حمدوك ونظامه يطلقون حملة دعائية وأمنية بالتوازي تحاول امتصاص غضب الشارع، وتسعى إلى تجاوز الأزمة القائمة، خاصة وأن السبب الرئيس لإسقاط نظام عمر البشير كانت الأوضاع الاقتصادية، وهم الآن يواجهون نفس الإشكالية بتفاصيل أكثر تعقيدا. 

أزمة متصاعدة

في 11 يونيو/ حزيران 2021، اشتعل السودان على إثر سياسة تحرير أسعار الوقود التي بدأت الحكومة تنفيذها، وخرجت على الفور مظاهرات كبيرة أغلق معها المحتجون معظم الشوارع الرئيسة في الخرطوم بالحجارة مشعلين النيران في إطارات السيارات. 

وكانت الحكومة رفعت أسعار المحروقات بنسبة تقارب المئة بالمئة، وحددت سعر لتر البنزين بواقع 290 جنيها سودانيا "الدولار الأميركي يعادل 430 جنيها سودانيا"، وسعر لتر الجازولين بواقع 285 جنيها. 

يذكر أن السودان يعيش أزمات اقتصادية طاحنة مع توقعات بارتفاع معدلات التضخم إلى أكثر من 500 بالمئة، وخروج العديد من المصانع والشركات عن دائرة الإنتاج، بسبب عدم القدرة على تحمل أعباء السوق، وتوفير حقوق مادية للأيدي العاملة.

وكذلك يعاني البلد من ارتفاع الديون الخارجية إلى أكثر من 60 مليار دولار، وانهيار معظم القطاعات الإنتاجية والخدمية بسبب الفساد والسياسات التي اتبعت خلال فترة حكم المخلوع عمر البشير التي استمرت 30 عاما، كما أوردت صحيفة الراكوبة السودانية في 11 يونيو/ حزيران 2021. 

تلك الظروف دفعت حزب "المؤتمر الشعبي السوداني" يوم 10 يونيو/ حزيران 2021، لإصدار بيان قال فيه: "إن الحياة في ظل النظام الحالي أصبحت جحيما لا يطاق، وامتلأ الناس ألما مع الغلاء الطاحن والفقر المدقع".

وأضاف الحزب الذي أسسه الزعيم الإسلامي الراحل حسن الترابي، في بيانه "هذه الحكومة تمضي اليوم بهذا التخبط في جعل المستقبل أكثر قتامة وبؤسا".

وتابع: "يتضح جليا أن الحكام لا يشعرون بسوء الأحوال المعيشية التي وصل إليها الناس، مع الغلاء الطاحن، والفقر المدقع، وصعوبة الحصول على متطلبات الحياة، من وقود وخبز والمعاناة في الحصول على مياه الشرب، وضنك العيش".

وأعلن الحزب مطالبته بإيقاف ما أسماه "العبث الذي تشهده البلاد بسياسة إنهاك المواطن السوداني باعتمادها عليه في الجباية والضرائب مما جعلته كالذئاب تنهش بعضها البعض، ويتضح ذلك في حالة الانفلات الأمني الذي تشهده ولاية الخرطوم".

وفي 16 يونيو/ حزيران 2021، عقد حزب الأمة مؤتمرا صحفيا، بقيادة رئيس الحزب مبارك الفاضل المهدي في الخرطوم، حيث دعا بشكل صريح إلى "إعادة تشكيل السلطة الانتقالية وتحقيق إصلاح اقتصادي للخروج من الأزمة التي تشهدها البلاد". 

وقال: "الحل السياسي للأزمة في السودان يتمثل بإعادة تأسيس السلطة الانتقالية وفق اصطفاف وطني ينهي حالة الاستقطاب الحاد في السلطة السياسية بين مكونات الحرية والتغيير، وبين اليسار واليمين".

قلق السقوط 

الحركة الإسلامية السودانية، كانت صاحبة الاعتراض الأبرز على الوضع الاقتصادي الحالي، وعلى إجراءات حكومة حمدوك التقشفية الأخيرة.

طالبت الحركة يوم 10 يونيو/ حزيران 2021، بإسقاط الحكومة الانتقالية، ودعت السودانيين للخروج إلى الشوارع، وتنظيم الاحتجاجات. 

ووصف بيان الحركة سياسات الحكومة بـ "القاسية والمتوحشة". وأورد: "ندعو كل الشرفاء للخروج بقوة وحزم لرفض هذه السياسات وإسقاط هذه الحكومة عاجلا". 

وتعد الحركة الإسلامية في السودان، من مرجعيات حزب "المؤتمر الوطني" الحاكم سابقا، خلال عهد الرئيس المعزول عمر البشير. 

التطور في الأحداث وتصاعد موجة الحنق، لم يقف عند المعارضة فقط، بل شمل تجمع المهنيين السودانيين، قائد مظاهرات الإطاحة بالبشير، والذي ساهم بقوة في تشكيل الحكومة الانتقالية، قبل أن تضربه الخلافات والانشقاقات.

واعترض تجمع المهنيين على إدارة حمدوك للأزمة، وقال إن "رفع دعم الوقود خطوة تؤكد أن هذه السلطة لا تعبأ بالمواطن ومعاناته".

وأضاف أنه "يدعو كل الثوار والقوى الثورية للخروج الآن ويوميا للشوارع لمقاومة هذه القرارات المجحفة وإسقاطها".

استشعر رئيس الوزراء عبد الله حمدوك خطورة المشهد، الأمر الذي دعاه للخروج عبر بث مباشر من تلفزيون الدولة الرسمي، وتوجيه خطاب للشعب السوداني، يوم 16 يونيو/ حزيران 2021.

قال حمدوك: "لقد رأيتم ما آلت إليه الأمور، الأيام الماضية من أجواء تنذر بالفوضى وإدخال البلاد في حالة من الهشاشة الأمنية، بلادنا مهددة بالدخول في حالة من التشظي والانقسام بسبب تدهور الأوضاع الأمنية".

وبرر الإجراءات الاقتصادية القاسية التي اتخذها بأنه "تسلم خزينة فارغة، وديونا مهلكة وحالة حصار سياسي واقتصادي". وأضاف "أن الاقتصاد كان يعاني من خلل هيكلي" على حد تعبيره. 

كما أبدى تخوفه "من تفشي النزاعات بين المجموعات السكانية واندلاع حرب أهلية"، مستدركا "هذا الخطر لن يهدد بلادنا فحسب، بل سيجر كل الإقليم إلى حالة من عدم الاستقرار، فأي تهديد للاستقرار في بلد مثل السودان، سيمثل حالة نوعية فريدة لم يسبق لها مثيل على مستوى العالم".

وفي خطابه حاول حمدوك الإشارة إلى القوى المناصرة له، واستجداء تعاونهم أمام الهجمة الشرسة التي يواجهها.

إذ بعث إليهم برسالة مفادها: أنه "لا مجال أمام قوى الثورة سوى استعادة وحدتها مجددا، وهي الوحيدة القادرة على حماية المكتسبات التي تحققت، وأن تشتتها يدفع أعداء الثورة للتحرك والتآمر بعد أن تركت فراغا يتسلل منه أنصار النظام البائد".

وهذا الأمر فيه إشارة للصدام الذي وقع بينه وبين قوى الحرية والتغيير، وعدد من الحركات والأحزاب الأخرى، التي كانت ضمن صفوف الثورة السودانية. 

"لقد هرمنا"

ومنذ إزاحة الرئيس السابق عمر البشير عن الحكم في أبريل/ نيسان 2019، بعد 30 عاما من الحكم، يمر السودان بأزمة اقتصادية عميقة يزداد أثرها مع مرور الوقت.

خاصة وأن الأزمة الاقتصادية  في الأساس كانت السبب الرئيس والمحوري في اندلاع الاحتجاجات الشعبية التي أدت إلى سقوط البشير. 

ولما جاءت الحكومة الانتقالية الممثلة لحراك الثورة منذ عامين، تعهدت بإصلاح اقتصاد للبلاد على رأس أجندة عملها، ولكن التخبط والاضطرابات السياسية، مع النقص المستمر في النقد الأجنبي والتضخم الذي تجاوز 360 بالمئة قوض وعود الإصلاح، ووضع الحكومة في مأزق مستمر. 

استدعت الأحداث عددا من كتاب السودان للتدوين، وإعلان موقفهم من الحكومة ودعوات الثورة.

ففي 17 يونيو/ حزيران 2021، نشر الكاتب محمد عبد الماجد، مقالة لـ "أخبار السودان"، تحت عنوان "حمدوك لقد هرمنا من هذه الخطابات".

وقال: "مما لا شك فيه أن المعوقات التي تركها النظام البائد والمطبات التي يضعها الفلول أمام الحكومة الانتقالية كثيرة، ولكن أعتقد أن المعوقات التي أظهرتها الحكومة الانتقالية في نفسها ومكوناتها أخطر من تلك المعوقات التي خلفها النظام البائد". 

وفي نفس اليوم شن الصحافي السوداني الفاتح جبرا، هجوما شديدا على رئيس الوزراء، عبر صحيفة "الجريدة".

وأورد: "أخيرا خرجت لنا يا سعادة الرئيس، بنفس صوتك الهامس وبذات الضعف الذي صار مكان تندر للجميع، والذي أمات علينا ثورتنا بكل قوتها وعنفوانها وأنت تمارس فينا هذا الانكسار".

وأضاف: "لماذا لا ترتقي يوما لقامة تلك الثورة التي هزت أركان العالم سموا وشموخا، فكل ما رأيناك أحسسنا بأنها هزمت بسبب شخصيتك الباردة التائهة التي لا علم لها بما يدور حولها وكأنك تعيش في ملكوت وحدك  لا علاقة له بما يجري في البلد".

وتساءل: " أين أنت يا رجل من هذه العذابات التي أقعدت الشعب وأهلكته نهائيا؟!".