"نظام الوكالة".. كيف يسيطر الشيعة على مناصب الدولة في العراق؟

يوسف العلي | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تمثل المحاصصة الطائفية والقومية، إحدى أبرز معالم الدولة العراقية التي أنتجتها عملية سياسية أعقبت إسقاط نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، في الغزو الأمريكي عام 2003.

وتخضع جميع المناصب في عراق ما بعد الاحتلال للمحاصصة الطائفية والقومية، بدءا من منصب مدير عام صعودا إلى الرئاسات الثلاث في البلد، فتذهب رئاسة الجمهورية للأكراد، والبرلمان للسنة، والحكومة للشيعة.

ورغم وجود فقرة في الدستور العراقي توجب تقاسم المناصب بين مكونات الشعب، إلا أن ذلك لم يطبق على نحو يضمن حقوقه، إذ استأثر المكون الشيعي بمعظم المناصب المهمة والحساسة في الدولة.

"إقصاء مدروس"

يضع الدستور العراقي شرط تصويت البرلمان على تعيين المديرين العامين فما فوق، وكذلك السفراء وقادة الفرق العسكرية والأجهزة الأمنية، إضافة إلى رؤساء الهيئات والمفوضيات.

وفي حديث لصحيفة "الاستقلال" كشف مصدر برلماني، طلب عدم ذكر اسمه لحساسية منصبه، أنّ "الأحزاب الشيعية التي تمسك بالسلطة منذ 16 عاما، اتبعت نظام ملء المناصب المهمة بالوكالة".

وأوضح أنّ "الحكومات المتعاقبة بعد الاحتلال، دأبت على التعيين بالوكالة لرؤساء هيئات ووكلاء وزارات والمديرين العامين وقادة الجيش والأجهزة الأمنية، حتى تتهرب من شرط التصويت عليه بالبرلمان".

وعلى سبيل المثال، بحسب المصدر، فإنّ "رئيس أركان الجيش من المفترض أن يكون كرديا ليخلف الفريق أول بابكر زيباري الذي أقيل من منصبه عام 2015، لكن ذلك لم يحصل وجرى تعيين شيعي مكانه بالوكالة وهو الفريق أول عثمان الغاني".

وأكد المصدر البرلماني أن "التهميش الجاري حاليا للمكونات والقوميات العراقية، مدروس بعناية من المكون الشيعي ولا يأتي بالصدفة، إذ أن هيئة التوازن التي أسندت رئاستها للأكراد لم تشكل حتى الآن".

وفي آخر لقاء جمع بين رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، ورئيس الحكومة عادل عبد المهدي، الاثنين الماضي، أكد الجانبان ضرورة إنهاء ملف إدارة الدولة بالوكالة، بحسب بيان لمكتب رئيس البرلمان وصلت لـ"الاستقلال" نسخة منه.

وقبل ذلك تعهد عبد المهدي، بإنهاء ملف التعيين بالوكالة في مدة أقصاها يونيو/ حزيران من العام الجاري، مؤكدا أن حكومته لن تتنصل من المسؤولية بسبب المشاكل التي ورثتها من المراحل السابقة.

تقاسم المناصب

أفرزت تشكيلة الحكومة العراقية الجديدة برئاسة عادل عبد المهدي 22 وزارة، منها 12 وزارة ذهبت للشيعة وهي: "الخارجية، الداخلية، الثقافة، الموارد المائية، النفط، النقل، الاتصالات، الكهرباء، الصحة، العمل والشؤون الاجتماعية، الزراعة، التعليم العالي"، فيما كانت حصة السنّة 6 وزارات وهي: "الدفاع، التخطيط، الصناعة، التجارة، التربية، الشباب والرياضة"، والأكراد كانت حصتهم 4 وزارات: "المالية، العدل، الإعمار والإسكان، الهجرة والمهجرين (مسيحي)".

وعلى الصيغة ذاتها، جرى خلال ولاية الحكومة العراقية السابقة التي ترأسها حيدر العبادي، توزيع الهيئات المستقلة بحسب الحصص الطائفية والقومية، فقد حصل المكوّن الشيعي وقتها على رئاسة 10 هيئات، فيما كانت حصة المكون السني رئاسة 6 هيئات والمكون الكردي رئاسة 5 هيئات.

وما أثار العجب حينذاك، أنّ أكثر من ثلاث هيئات لم تكن مسجّلة، أي أنّ البيان الحكومي الذي صدر وقتها، تضمن عبارة (لم تشكل بعد) ثلاث مرات، مثل هيئة "التوازن"، التي صارت من حصة الأكراد، وهي وهمية لغاية هذه اللحظة وكان يفترض بها أن تحقق التوازن بين المكونات الدينية والقومية في الحكم والمؤسسات بحسب النسبة السكانية لكل منها.

تعمل الهيئات على إدارة شؤون عدة، حيث تعتبر مكملة لعمل وزارات الحكومة أو مراقبة لها، وقد ارتفع عددها ليصبح أكثر من عدد الوزارات، إذ بلغ عددها أخيرا أكثر من 25 هيئة، منها: هيئة الحج والعمرة، البنك المركزي، مؤسسة الشهداء، مؤسسة السجناء السياسيين، هيئة الاستثمار، ديوان الرقابة المالية، بيت الحكمة (مؤسسة ثقافية).

وتضم كذلك: هيئة الأقاليم، أمانة بغداد، مجلس الإعمار، هيئة النزاهة، هيئة المساءلة والعدالة، هيئة الإعلام، هيئة الإيرادات الاتحادية، هيئة السيطرة على المصادر المشعة، هيئة الأوراق المالية، المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، هيئة الاتصالات، مجلس الخدمة الاتحادي، هيئة التوازن، والمفوضية العليا لحقوق الإنسان.

مجلس الخدمة الاتحادي

عاد مجلس الخدمة الاتحادي الذي أقره البرلمان العراقي في دوراته السابقة، إلى الواجهة مجددا، بعدما فشل مجلس الوزراء في دورتين متتاليتين من الحصول على مصادقة البرلمان على هيئة رئاسة ذلك المجلس وأعضائه.

لكن مجلس الوزراء الحالي، صادق في فبراير/ شباط الماضي، على مسودة الإعلان الخاصة لاختيار رئيس وأعضاء مجلس الخدمة العامة الاتحادي، في خطوة اعتبرها نواب عراقيون أنها تنهي المحسوبية في التعيينات للمناصب الحكومية، وليس المحاصصة.

وقال النائب العراقي حسن الخلاطي في تصريح سابق، إن "مجلس الخدمة الاتحادي يعتبر من المؤسسات المهمة التي يتم من خلالها تنظيم ضوابط التعيين في دوائر الدولة كافة بما يقضي على المحسوبية".

وأضاف أن "الفترات السابقة شهدت اجتهادات كثيرة في مجال التعيين لا تنطبق عليها معايير العدالة وان كانت قليلة جدا؛ نتيجة لعدم وجود تخصيصات لدرجات في الموازنات السابقة إلا بحدود معينة".

وأوضح الخلاطي أن "قضية تشكيل مجلس الخدمة الاتحادي أصبحت ضرورية جدا"، مشيرا إلى أنه "سبق أن قدمت أسماء لعضوية مجلس الخدمة الاتحادي من الحكومة السابقة، لكنه وللأسف وخلال مرحلة التصويت لم يتم تمريرها".

وأرجع السبب إلى أن الأسماء "جاءت بوقت كانت فيه خلافات كثيرة وشد وجذب معين داخل البرلمان، وكان من الممكن استبدالهم لكن الوضع السياسي لم يسمح للحكومة بإرسال أسماء أخرى إلى البرلمان".

وأشار الخلاطي إلى أن "توجيه رئاسة البرلمان إلى مجلس الوزراء بإرسال الأسماء هي خطوة مهمة رغم أنها لن تكون بهذه السرعة فقد تأخذ وقتا لشهرين، أو ثلاثة اشهر لكنه بالنهاية سيحسم ويتم التصويت على الأسماء".

ينهي العمل بالوكالة

من جهته، رأى الكاتب العراقي جبار الشويلي في مقال له أن "هذا المجلس لو توفرت الإرادة السياسية الصادقة لتنفيذه، لأصبح وعاء ومرجعا للوظيفة العامة التي من خلالها يكون الرجل المناسب في المكان المناسب، ولم يعد هناك من ذكر أبدا للتكليف أو التنسيب أو العمل بالوكالة، وبهذا ومن خلاله ننتهي من ملف إدارة المؤسسات التنفيذية بهذه الأشكال أو الأوصاف".

ولفت الشويلي إلى أن "هناك من يخشى من قانون الخدمة الاتحادي، حيث لا يروق للبعض بناء الدولة على أسس قانونية ووظيفية صحيحة ويعتاش على فضلاتها"، في إشارة إلى أحزاب تسيطر على مناصب الدولة.

وأشار إلى أنه "بالعودة الى الوراء قليلا وتحديدا في العهد الملكي في العراق؛ نجد أن هذا المجلس أسس وفقا لأطر قانونية صحيحة لا تقبل الشك أو الاجتهاد في تنظيم الوظيفة العامة والإشراف والرقابة عليها، ووضع القوانين والتعليمات والأنظمة والضوابط الصارمة لها في منظومة وطنية أسست على ركام الدولة العثمانية".

وأردف الشويلي: "كان مجلس الخدمة العامة مع مجلس الإعمار العراقي وغيره من المؤسسات من ركائز الدولة العراقية القائمة على النظام المؤسساتي والقانوني الواضح المعالم؛ مما ساعد على نشوء مؤسسات مثلى يشار لها بالبنان على جميع المستويات، والذي أدى بدوره الى تطوير تلك المؤسسات التي وصلت بالعراق إلى مصاف الدول المتقدمة في الشرق الأوسط حينها".

ووجه رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي، في 22 ديسمبر/كانون الأول 2018، بمفاتحة أمانة مجلس الوزراء لإرسال أسماء مجلس الخدمة الاتحادي لغرض التصويت عليهم في البرلمان.