"بار كوخبا".. تعرف على عقيدة إسرائيل لمواجهة التهديدات النووية

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم تهدأ الهجمات الإسرائيلية ضد المنشآت النووية الإيرانية، التي تسببت بدمار كبير لها والتي كان أبرزها منشأة نطنز، كذلك اغتيال العالم الإيراني البارز المختص في الملف النووي محسن فخري زاده، في محاولة لإنهاء أي تطور نووي تسعى طهران إلى امتلاكه.

إسرائيل دمرت في عام 1980 مفاعلا نوويا قيد الإنشاء في العراق، ثم موقعا سوريا مماثلا بعد مرور 27 عاما، ضمن ما يعرف بمبدأ "بيغن"، أي شن هجمات استباقية تهدف إلى كبح النشاط النووي للدول المعادية لتل أبيب في منطقة الشرق الأوسط.

كشف المستور

بعد أيام من استقالته، تحدث الرئيس السابق لجهاز "الموساد" الاستخباراتي الإسرائيلي يوسي كوهين، خلال مقابلة مع القناة الـ12 العبرية في 11 يونيو/ حزيران 2021، بقدر غير عادي من الصراحة، عن جهود تل أبيب الموجهة ضد إيران وبرنامجها النووي.

وقال كوهين، إنه على دراية جيدة بخصوص تفاصيل المواقع النووية في إيران، مؤكدا أنه لو توفرت له الفرصة لأخذ الصحفية إيلان دايان (التي أجرت معه المقابلة) إلى "القبو حيث كانت أجهزة الطرد المركزي تدور" في منشأة نطنز النووية.

وتابع أن هذه الأجهزة "لا تشبه، على ما يبدو، ما كان عليه في السابق"، نتيجة للتفجيرين الغامضين اللذين وقعا في الموقع عام 2020، وأعلنت طهران أنهما عمليتان تخريبيتان.

ولوح كوهين إلى وقوف "الموساد" وراء الواقعتين في نطنز، دون أن يعترف بذلك مباشرة، فذكر: "نقول (لإيران) بوضوح: لن نسمح لكم بالحصول على أسلحة نووية. ما الذي لا تفهمونه؟"، نافيا صحة الادعاءات بأن طهران أصبحت اليوم أقرب من أي وقت مضى من تطوير ترسانة نووية.

وتطرق رئيس الموساد المستقيل إلى اغتيال العالم النووي الإيراني البارز، محسن فخري زاده، قرب طهران في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، مقرا بأن هذا العالم كان هدفا للاستخبارات الإسرائيلية على مدى سنوات، وأن الجهاز الاستخباراتي كان "قريبا منه جسديا" قبل نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

وردا على سؤال عما إذا يعتبر اغتيال "أعداء إسرائيل المحتملين" خيارا مناسبا، قال كوهين: "إذا كان من شأن شخص أن يشكل خطرا على مواطنينا، فينبغي إنهاء وجوده".

وزاد قائلا إن إسرائيل في بعض الحالات تحاول ثني علماء إيرانيين عن المشاركة في برنامج بلادهم النووي، من خلال البعث إليهم برسالة مفادها بأنه "إذا كان العالم على استعداد لتغيير مهنته وعدم الإيذاء بإسرائيل في المستقبل" فإن كل شيء على ما يرام ولن يتم استهدافه.

وقال كوهين خلال مقابلته التلفزيونية إن بعض الذين وجهت إليهم مثل هذه الرسالة وافقوا، لكن آخرين "لم يفهموا أنه عرض لا يمكن رفضه".

"بار كوخبا"

وفي الوقت الذي لم يتحدث فيه كوهين عن العقيدة التي تحارب فيها إسرائيل النووي الإيراني، نشر موقع "المعهد الإسباني للدراسات الإستراتيجية" دراسة تحدث فيها عن العوامل التي أعاقت تل أبيب عن تنفيذ مبدأ بيغن ضد إيران، واستبداله بعقيدة "بار كوخبا".

وقال الموقع خلال دراسة نشرها في 10 يونيو/ حزيران 2021، إن "إسرائيل تعيش اليوم تحت التهديد المستمر الذي يمثله تطور نشاط إيران النووي، وقد فكرت بعض الأطراف بتطبيق مبدأ بيغن مع طهران، إلا أن هناك العديد من العوائق التي تجعل هذا الأمر مستحيلا".

ونفذت "إسرائيل" مجموعة من الإجراءات لكبح جماح مشروع إيران النووي، والتي أطلق عليها المعهد في دراسته اسم "عقيدة بار كوخبا".

في الحقيقة، يعد الخيار العسكري ضد إيران معقدا للغاية ومليئا بالعقبات، وقد نصحت هيئة الأركان الإسرائيلية سنة 2011 رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو بعدم اللجوء إلى هذا الخيار.

ولكن هذا الأمر لا يعني أن "إسرائيل" ستبقى مكتوفة الأيدي لأن هناك خيارات أخرى يمكن أن تعرقل البرنامج النووي الإيراني، بحسب الدراسة.

تشكل هذه الإجراءات التي بدأ اعتمادها منذ عودة بنيامين نتنياهو إلى السلطة عام 2009 ما يمكن تسميته بعقيدة "بار كوخبا"، والتي تتمحور حول الأهداف الأربعة التالية: المنشآت التي يتكون منها البرنامج النووي، أنظمة الكمبيوتر التي تشغل هذه المرافق، العلماء الذين يصممون البرنامج ويديرونه، والمنشآت الإيرانية الموجودة في الخارج.

وترى الدراسة أن بقاء "إسرائيل" واستقرارها الإقليمي يعتمدان إلى حد كبير على التطبيق الناجح لعقيدة "بار كوخبا"، وإن كان صحيحا أنه لا توجد دولة أخرى في الشرق الأوسط تشارك بشكل مباشر في هذه الإستراتيجية، فجميع هذه الدول تستفيد من تنفيذها، وفقا للمعهد الإسباني.

عقيدة يهودية

تعود تسمية العقيدة التي تتخذها إسرائيل في تنفيذ هجماتها ضد برنامج إيران النووي، إلى حركة تمرد قام بها يهود ولاية يهودا الرومانية، بقيادة شمعون بار كوخبا، ضد الإمبراطورية الرومانية.

وكون حالة التمرد خيضت بين عامي 132 و136 ميلادية تقريبا، فقد كانت آخر الحروب اليهودية الرومانية الثلاثة الكبرى، لذا فهي تعرف أيضا باسم الحرب اليهودية الرومانية الثالثة أو الثورة اليهودية الثالثة.

اندلع التمرد نتيجة للتوترات الدينية والسياسية في يهودا بعد فشل الثورة الأولى بين عامي 66 و73 ميلادية.

وكانت هذه التوترات مرتبطة بترسيخ وجود عسكري روماني كبير في يهودا، وتغيرات طرأت على الحياة الإدارية والاقتصاد، إضافة إلى اندلاع ثورات اليهود وقمعها في بلاد الرافدين وليبيا وبرقة.

أما الأسباب القريبة فيظهر أنها تمثلت في تشييد مدينة جديدة، هي إيليا كابيتولينا، فوق أنقاض "أورشليم" (التسمية الإسرائيلية للقدس) وإقامة معبد للإله جوبيتر فوق هضبة الهيكل المزعومة.

ويؤكد آباء الكنيسة والأدب الحاخامي على دور روفوس، حاكم يهودا، في التحريض على قيام الثورة.

في عام 132، انتشرت الثورة التي يقودها بار كوخبا بسرعة من وسط يهودا إلى أنحاء البلاد، فقطعت الإمدادات عن الحامية الرومانية الموجودة في إيليا كابيتولينا (أورشليم).

وقد ألقي اللوم على كوينتوس تينيوس روفوس، حاكم الولاية إبان اندلاع الانتفاضة، بالفشل في إخمادها خلال مرحلتها المبكرة. ويرد آخر ذكر موثق لروفوس في عام 132، السنة الأولى من الثورة؛ وليس من المؤكد إذا ما كان قد توفي أم نُقل.

 وعلى الرغم من وصول دعم روماني معتبر من سوريا ومصر وشبه الجزيرة العربية، فقد رسخت الانتصارات الثورية المبدئية حالة استقلال سادت معظم أجزاء ولاية يهودا طيلة عامين، واكتسب شمعون "بار كوخبا" لقب "أمير". وإلى جانب قيادته للثورة، كان العديد من اليهود ينظرون إليه باعتباره الماشيح، الذي سيعيد لهم استقلالهم القومي.

غير أن هذه الهزيمة كان من شأنها حمل الإمبراطور هادريان على تجميع قوة رومانية كبيرة من أنحاء الإمبراطورية، تولت غزو يهودا في عام 134 تحت إمرة الجنرال سكستوس يوليوس سيفيروس.

كان الجيش الروماني يتألف من ستة فيالق كاملة مع قوات احتياطية وعناصر تشكل ما يقارب ستة فيالق إضافية، واستطاع أن يسحق الثورة في نهاية المطاف.

تسببت ثورة بار كوخبا بإخلاء سكان واسع المدى في مناطق يهودا، فاق ما حدث خلال الحرب اليهودية الرومانية الأولى في عام 70 ميلادية.

فقد لقي 580 ألف يهودي حتفهم في الحرب ومات العديد غيرهم من الجوع والأمراض. إضافة إلى ذلك، فقد بيع العديد من أسرى الحرب المنتمين إلى يهودا بوصفهم عبيدا.