إيمان البحر درويش.. فنان مصري انتقد تفريط السيسي في النيل فانقلب عليه إعلامه

أحمد يحيى | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

كان الفنان المصري إيمان البحر درويش أحد الملايين الذين أزعجهم تطور قضية سد النهضة، وإقدام إثيوبيا على الملء الثاني لخزان السد، ما يعني إهدار حصة مصر المائية إلى الأبد.

عبر درويش عن غضبه بكتابة تدوينة على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" هاجم فيها رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي وأسلوب إدارته لمفاوضات سد النهضة، وحمله المسؤولية كاملة عن وصول الأزمة إلى هذه الدرجة المأساوية، التي برهنت على عجز الدبلوماسية المصرية عن حماية الحقوق المصرية. 

ما فعله الفنان المصري تسبب في هجوم إعلاميي النظام عليه، خاصة أنه أمر "محرم" داخل البلد الذي حرم غالبية رواده من مثقفين وفنانين وسياسيين، من التعبير عن آرائهم أو توجيه انتقاد إلى رأس السلطة، فضلا عمن يقبعون داخل السجون.

ذلك الفعل وضع إيمان البحر درويش في خانة المتهم بـ "الخيانة"، وفتح عليه أبواب الجحيم من قبل إعلام السلطة، ولكن على الناحية الأخرى وجد دعما شعبيا عارما من قبل المواطنين الذين تعاطفوا معه وأقلقهم ما أقلقه باعتبار أن قضية النيل مصيرية وموحدة لطوائف الشعب. 

هجوم لاذع

في 9 يونيو/ حزيران 2021، شن الفنان المصري "إيمان البحر درويش"، حملة هجوم على السيسي بسبب سد النهضة والنيل.

قال فيها معلقا على خبر تحلية مياه البحر بعد مناورات (حماة النيل)، الذي نشرته صحيفة "الوطن" المحلية، إن  "أي (حمار) يفهم  أيه (ماذا) من الخبر ده !؟.. قرأت خبرا عن تكليف الرئيس السيسي الحكومة بتحلية مياه البحر!؟.. بعد المناورات وحماة النيل والهجص اللي بيضحكوا به ع الناس !؟". 

وأضاف: "المشكلة الكبرى في الاتفاقية التي وقع عليها رئيس الجمهورية والتي -كما يقولون- لا تضمن لمصر كباية (كوب) مية مش حصة المياه". 

وشدد: "إذا لم يتم إلغاء هذه الاتفاقية من خلال البرلمان قانونا فانتظروا المصائب بالجملة، ولا تصدقوا كل الهجص (الكذب) اللي (الذي) بينشروا إعلام العار".

وكان السيسي قد اجتمع في 29 مايو/ أيار 2021، مع رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، وعدد من الوزراء والمسؤولين لاستعراض خطة الدولة الإستراتيجية في مجال محطات تحلية مياه البحر، التي أوصى بها رئيس النظام المصري. 

وهو الخبر الذي أثار جدلا واسعا في ظل التهديدات المائية القائمة، والقلق العارم بين أوسط الشارع المصري، الذي ينتظر نتائج مبشرة فيما يخص حل أزمة سد النهضة المعقدة. 

وفي 23 مارس/ آذار 2015، وقع السيسي على وثيقة سد النهضة، أو ما يعرف بـ "اتفاقية إعلان المبادئ" بين مصر والسودان وإثيوبيا. 

تلك الاتفاقية تستند أديس أبابا عليها لشرعنة إتمام ملء سد النهضة، دون الرجوع إلى كل من القاهرة والخرطوم، رغم فشل جميع المفاوضات اللاحقة. 

وبسببها أصبح السيسي متهما بإضاعة حقوق القاهرة في مياه النيل، حتى أن السفير المصري (الراحل) إبراهيم يسري، أعد مذكرة قانونية تضمنت تفاصيل انتهاكات السلطة في مصر لأربع مواد في دستور الذي كانت أول جملة في ديباجته هي أن مصر هبة النيل.

لذلك لم يأت الفنان المصري إيمان البحر درويش، بجديد حين هاجم السيسي بهذه الصورة.

لكن الآلة الإعلامية للنظام اعتبرت أن حديثه في مثل هذا التوقيت الحرج، بمثابة الجرم، وتم الضغط عليه ليحذف المنشور الذي حصد نحو 4 آلاف إعجاب وأكثر من ألفي مشاركة، وأثار ضجة واسعة بسبب جرأة تعبيرات الفنان، ومع ذلك لم يتوقف الهجوم. 

اتهامات بالخيانة

سلطت وسائل الإعلام سهامها على الفنان، وجاءت التهمة الدارجة المعتادة المتمثلة في "خيانة الوطن" على رأس تلك الاتهامات.

وهو ما فعله تحديدا المذيع نشأت الديهي، المقرب من النظام، في برنامجه "بالورقة والقلم" على قناة "TeN" الفضائية، بتاريخ 9 يونيو/ حزيران 2021، عندما قال: "تصريحات إيمان البحر درويش، جريمة خيانة للجيش"، وأضاف متهكما "أنت ولا إخوان ولا أخوات وفشلت في الفن".  

وفي نفس اليوم قال رئيس تحرير جريدة الدستور، الكاتب محمد الباز، إنه "بعد انتهاء صلاحيته الفنية وابتعاده عن الساحة الفنية، يبحث عن الأضواء بالحديث عن السياسة، وهو لا يفهم فيها ليهاجم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والجيش".

يوم 11 يونيو/ حزيران 2021، تحرك المحامي سمير صبري، المحسوب على الأجهزة الأمنية، وتقدم ببلاغ عاجل للنائب العام، ونيابة أمن الدولة العليا، ضد إيمان البحر درويش.

اتهمه بـ" التحريض على الفوضى وإثارة البلبلة والرأي العام"، ما خلف احتمالات بتحرك أمني ضد الفنان باعتقاله أو التضييق عليه. 

الهجوم على الفنان امتد حتى إلى خارج حدود القطر المصري، حيث شنت صحيفة "الإمارات اليوم" حملة ضد الفنان المصري، وكتبت مانشيت عريض بعنوان "إيمان البحر درويش يغرق في تصريحات سد النهضة"، وكالت الاتهامات بأنه يلحق أضرارا جسيمة بسمعة مصر. 

كما تقدم طارق محمود، المحامي بالنقض والدستورية العليا من الإسكندرية، ببلاغ  للنائب العام، اتهم فيه إيمان البحر درويش بالتشارك مع جماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة لإثارة الرأي العام المصري.

وأكد المحامي التابع للنظام، أن الفنان تعمد نشر أخبار كاذبة، عبر"فيس بوك"، من شأنها تكدير الأمن العام وإثارة الفوضى بين المواطنين، وأضاف أن المنشورات تناقلتها وسائل الإعلام والقنوات الفضائية المعارضة.

ردود الأفعال 

تفاعل عدد كبير من المتابعين، وناشطي مواقع التواصل الاجتماعي مع الفنان المصري، وأزمته التي شغلت الرأي العام، وفي 12 يونيو/ حزيران 2021، تصدر هاشتاج "ادعم إيمان البحر درويش" قائمة الترند المصرية، والأعلى تفاعلا على منصة تويتر. 

فيما كتب الفنان المعارض عمرو واكد، تغريدة أعاد فيها نشر بوست درويش الذي انتقد فيه السيسي، وعلق قائلا: "يسلم لسانك إيمان البحر درويش.. من دم الشيخ سيد بجد". 

وغرد الإعلامي المصري أسعد طه "الحملة الإعلامية التي يواجهها إيمان البحر درويش شرسة، ومفادها: غير مسموح بالمرة وبأي صورة من الصور التعبير عن الرأي".

درويش من جانبه استقبل موجة الهجوم عليه بمجموعة تدوينات، يفند فيها رأيه ويدافع عن نفسه، منها أنه قال "أنا لم أنطق إلا بالحق الذي يعرفه الكثيرون ولا ينطقون به، ومن المؤكد ليس لأي هدف سوى مكانة وطني وما وصلنا إليه من حال يرثى له، وقول الحق هو أفضل الجهاد عند الله، وأكثر الناس للحق كارهون". 

وفي تغريدة نشرها يوم 13 يونيو/ حزيران، بعنوان "ردا على إعلام العار"، أوضح: "الخاين لوطنه وجيشه: هو أول المطربين على العالم غناء للوطن مش للحكام دون تكليف من أحد بل على نفقته الخاصة.. أول المطربين نجاحا في التمثيل بعد جيل العمالقة، ويكفي شهادة كبار النقاد والشعب على أدائي لدور الإمام الشافعي وهذه الكلمات وسام على صدري". 

ويبدو أن الهجمة الشرسة، واتهام البحر درويش بالإخفاق والفشل، دفعته إلى الإصرار على موقفه، حيث قال في تدوينة: لن أتنازل عن قول الحق حتى ينتقم الله منكم" .

وأضاف: "يتخيل الظالمون دائما أنهم الأذكى ولا يدرون أن الله يملي لهم ويجعلهم يختارون بأنفسهم القرارات التي تعجل بنهايتهم وهم لا يعلمون أن الناصية التي يصدر منها القرار في مقدمة الجبهة بيد الله عز وجل".

وريث العمالقة 

إيمان البحر درويش، هو حفيد الموسيقار المصري الكبير سيد درويش، الذي اشتهر بلقب "فنان الشعب" وعرف بتراثه الغنائي الوطني، الذي ناهض الاحتلال الإنجليزي، وحث على الثورة ومقاومة المحتل. 

وولد إيمان البحر في مدينة الإسكندرية في 18 مارس/ آذار 1954، وتخرج في كلية الهندسة جامعة الإسكندرية، ولكنه فضل أن يسلك مسار الفن إشباعا لموهبته، وتأثرا بجده الأكبر. 

بدأت شهرته في منتصف الثمانينيات، بعد إحياء بعض أعمال جده "سيد درويش" خاصة أغنية "محسوبكم انداس"، التي حققت رواجا واسعا، وكانت بداية نجاحه على المستوى الشعبي والعملي في آن واحد. 

قدم بعدها مجموعة من الأغاني الشهيرة، مثل: "ضميني" 1987، و"أنا طير في السما" 1989، وكذلك اتجه للغناء والإنشاد الديني، وهو صاحب نشيد "أذن يا بلال" الذي أنتجه عام 2002.

ولم تنصب أعماله على الغناء فقط، بل اتجه إلى التمثيل في عدد من الأعمال، منها فيلم: "تزوير في أوراق رسمية"، وفيلم "حكاية في كلمتين"، ومسرحية "انقلاب" 1988.

 أما أبرز أعماله في هذا المجال، هو بطولة مسلسل "الإمام الشافعي" عام 2007، وهو الدور الذي لاقى بسببه إشادة واسعة من النقاد والجماهير، حتى أن الأديب المصري الراحل أنيس منصور، قال عنه في بطولته لهذا الدور: "وكأنه لم يخلق إلا ليمثل، ويكون إماما للمسلمين".

وتبقى الإشارة إلى أن إيمان البحر درويش، الذي يتهمه النظام حاليا بالتعاون مع جماعة الإخوان والمعارضة، كان من المؤيدين للانقلاب العسكري يوم 3 يوليو/ تموز 2013.

كما كان داعما للسيسي لوصوله إلى الحكم، وشارك في بعض الأغاني الاستقطابية في تلك المرحلة، كما شغل منصب نقيب الموسيقيين المصريين، قبل أن يتم الإطاحة به.

وكل ذلك لم يشفع له أمام النظام لمجرد توجيه انتقادات واعتراضات على سياسة رآها خاطئة وفاشلة كما ذكر.